بقلم خالد عوض
من وحي كأس العالم لكرة القدم لا بد من التوقف عند ما يحدث في دول الخليج. من قطر إلى السعودية مرورا بالإمارات هناك ثورة إنسانية وإقتصادية حقيقية. ليست المسألة متعلقة بموازنات منفوخة بأسعار النفط والغاز المرتفعة حاليا بقدر ما هي تطلعات مستقبلية واعدة بعيدة تماما عن النفط ورؤى طموحة وضعت الإنسان الخليجي وتمكينه من مجاراة التغيرات في العالم في طليعة الأهداف التي تسعى إليها حكومات هذه الدول. خلال أقل من عشر سنوات يمكن أن تصبح دول الخليج مجتمعة خامس أو سادس أقوى إقتصاد في العالم ،وهذا سيغير الكثير من ملامح المنطقة كلها سياسيا وإقتصاديا وإجتماعيا.
المونديال أول الغيث
التحضيرات لكأس العالم في قطر بدأت منذ عام ٢٠١٠ عندما فازت دولة الثلاثة ملايين نسمة بفرصة استضافة كأس العالم لكرة القدم ٢٠٢٢. الإنفاق على البنية التحتية خلال هذه الفترة تخطى ٢٠٠ مليار دولار. وكان وزير المالية القطري السابق علي شريف العمادي قد صرح عام ٢٠١٧ أن قطر تنفق حوالي ٥٠٠ مليون دولار في الأسبوع على البنية التحتية! هذا رقم قياسي لا يمكن لأي دولة عادية أن تنفقه حتى لو توفر لها المال. الأرقام تقول الكثير عن الجهد العملاق الذي بذلته قطر خلال ١٢ سنة وتوجته منذ أيام من خلال تنظيمها لأضخم حدث عالمي. عام ٢٠١٠ كان مجموع طول الطرقات السريعة في قطر لا يزيد عن ١٥٠٠ كيلومتر. اليوم أصبح ٨٥٠٠ كيلومتر. الطرقات المحلية كانت ٩٥٠٠ كيلومتر، أصبحت اليوم ٣٤٠٠٠ كيلومتر. كان عدد الجسور ١٦٠، أصبح اليوم ٢٠٠. كان هناك نفقان فقط، أصبح لدى قطر اليوم ٣٢ نفقا. لم يكن هناك مترو عام ٢٠١٠ أما اليوم هناك مترو يمتد على ٨٤ كيلومتراً مع ٣٨ محطة. ومن ثلاثة ملاعب لكرة القدم عام ٢٠١٠ إلى ١٠ ملاعب يشكل كل واحد منها صرحا عمرانيا عام ٢٠٢٢. لا يمكن تحقيق هذه الأرقام بالمال فقط، هذا يتطلب تنظيما وإنضباطا وقدرة تنفيذية وإدارية إستثنائية. ليس المهم ما صنعته قطر خلال ١٢ عاما بقدر ما أسست انجازات قطر في رحلة تنظيم المونديال لدولة عصرية تحاكي المستقبل ببنيتها التحتية وإمكانيات كوادرها وطاقتها التنظيمية.
أيها العالم: نحن الإمارات ٢٠٣١
منذ أيام أعلنت الإمارات العربية المتحدة عبر رئيس حكومتها وحاكم دبي الشيخ محمد بن راشد عن رؤية ٢٠٣١ وعنوانها "نحن الإمارات ٢٠٣١". طموحات الإمارات كبيرة كالعادة ومشروعة نظرا لما حققته خلال العقود الثلاثة الماضية، ولكن "رؤية ٢٠٣١ "فيها أهداف محددة نوعا وكما، إن تحققت ستحول الإمارات إلى واحدة من أفضل دول العالم على مستويات عدة. رؤية الإمارات ٢٠٣١ مبنية على أربعة أسس: الإزدهار الإقتصادي والرخاء الإجتماعي وتنمية رأس المال البشري وتطوير البنية التحتية الرقمية. في الإقتصاد تهدف الإمارات إلى وصول ناتجها المحلي عام ٢٠٣١ إلى ٣٠٠٠ مليار درهم (حوالي ٨١٦ مليار دولار) أي ضعف مستواه الحالي وإلى صادرات غير نفطية بقيمة ٨٠٠ مليار ريال (حوالي ٢١٧ مليار دولار) وإلى عائدات سياحية تصل إلى ٤٥٠ مليار درهم (١٢٠ مليار دولار) عن طريق إستقطاب ٤٠ مليون سائح سنويا أي أكثر من ضعف عدد اليوم. إلى جانب الطموحات الإقتصادية حددت الإمارات أهدافا متعددة في المجالات الإنسانية والإجتماعية منها أن تصبح بين أول ١٠ دول في العالم في مؤشر التنمية البشرية وبين أفضل ١٠ دول في مؤشر الإبتكار العلمي، وأن تكون أول دولة في العالم من حيث الأمن والأمان، وأن تصبح مدنها بين أفضل ١٠ مدن للعيش وإحدى أهم الوجهات العالمية للطبابة والرعاية الصحية. أي عربي وحتى أجنبي يقرأ رؤية الإمارات ٢٠٣١ يتوق لأن يكون جزءا من هذا التحول الكبير والسريع المقبل على الإمارات. كان يمكن القول أن الكلام والرؤى سهلة ولكن العبرة في التنفيذ، إلا أن ما صنعته الإمارات منذ اواخر القرن الماضي يؤكد أن رؤية "نحن الإمارات ٢٠٣١" لا بد وأن تصبح واقعا.
السعودية الجديدة على الأبواب
يقود ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أكبر عملية تحول إقتصادي وإجتماعي وتكنولوجي في التاريخ الحديث. منذ أن أعلن "رؤية ٢٠٣٠ "والسعودية في حركة دائمة. عشرات المشاريع العملاقة والمدن الجديدة في طور التصميم. البنية التحتية الصناعية تتحضر لأن تجعل المملكة من أكبر المراكز الصناعية في العالم. رقمنة الخدمات الحكومية على قدم وساق. التحول التكنولوجي في القطاع العام أسرع حتى من تطور القطاع الخاص وقدرته على اللحاق به. الإقتصاد غير النفطي ولد بحق وملامحه بدأت تطهر مع كل مبادرة إقتصادية تعلن عنها المملكة. لا شك أن التحول المنشود سيتعرض لتحديات كبيرة وصعوبات تنفيذية عديدة ،ولكن إصرار القيادة السعودية وتصميمها على تحقيق الرؤية الطموحة ووجود كوادر سعودية شابة منضوية تماما في مسار الرؤية وأهدافها تعطي آمالا كبيرة بأن السعودية الجديدة الغنية بإنسانها ومدنها المستقبلية وبنيتها الرقمية الحديثة والدولة المستقلة بشكل كبير عن النفط آتية بقوة وبسرعة.
التظاهرات التي لا تزال مندلعة في إيران والحرب في أوكرانيا والإنفاق العسكري في كوريا الشمالية والشلل السياسي في لبنان كلها مظاهر تشكل النقيض لرؤية دول الخليج المستقبلية. دول تهدر طاقاتها في حروب وأزمات لا طائل منها مقابل دول أخرى في الخليج العربي تترجم فعلا لا قولا كلام رئيس الوزراء الهندي "ناريندرا مودي" الذي قاله للرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" منذ شهرين: ليس الوقت الآن للحروب.