تفاصيل الخبر

إحراج "بوتين" أو... اخراجه؟

12/11/2022
إحراج "بوتين" أو... اخراجه؟

بقلم خالد عوض

 

التطورات الميدانية في أوكرانيا مثلها مثل الإنتخابات الأميركية النصفية. الخاسر يدعي الربح والفائز يسمى خاسراً. "فاز" الرئيس الأميركي "جو بايدن" لأنه نجح  في تجنب خسارة كبيرة لحزبه في الإنتخابات النصفية للكونغرس،  ولكنه خسر الأغلبية في مجلس النواب ويمكن أن يخسرها أيضا في مجلس الشيوخ عندما تقام الانتحابات في ولاية "جورجيا". أما الرئيس السابق "دونالد ترامب" فأصبح إسمه على شبكات التواصل والقنوات التلفزيونية الأميركية "الخاسر" مع أنه أوصل العديد من النواب إلى الكونغرس. في أوكرانيا فاز "الرئيس " فولوديمير زيلنسكي" بمعركة "خيرسون" مع أن بلاده دمرت بالكامل ولم يبق فيها حجر على حجر. الرئيس الروسي " فلاديمير بوتين" يقول هو أيضا لشعبه أنه فاز لأن العملية التي اطلقها في شباط (فبراير) الماضي حققت اهدافها بضم المناطق الأوكرانية الأربعة. حتى أنه يتكلم عن قرارات صعبة يواجهها وزير الداخلية (وليس وزير الدفاع) في منطقة "خيرسون" التي سقطت في أيدي الجيش الأوكرانية. الربح والخسارة يقاسان بمدى تحقيق الأهداف المعلنة وليس فقط بالوقائع على الأرض. 

 الرئيس الأميركي السابق "دونالد ترامب": إسمه الجديد في الولايات المتحدة "الخاسر"

                   من فاز في حرب لبنان  ٢٠٠٦ ؟

  في عام ٢٠٠٦ أعلنت إسرائيل الحرب على لبنان من أجل تحرير الأسرى الذين خطفهم الحزب ومن أجل القضاء على الحزب نفسه أو على الأقل على بنيته العسكرية. فشلت إسرائيل في إستعادة أسراها بالحرب ورضخت لشروط حزب الله ولم تتمكن من تدمير الحزب كما كانت قد أعلنت بل تضاعفت قوته بعد الحرب. حزب الله إعتبر ما حصل إنتصارا كبيرا له رغم أن لبنان منذ ذلك التاريخ إنهار ماليا وعمرانيا وبنية تحتية. في المقابل إعتبر الإسرائيليون أنهم خسروا مع أن القرار الدولي ١٧٠١ سمح للشركات العالمية بالتنقيب وإستخراج الغاز من دون قلق من هجوم يمكن أن يقوم به الحزب. حتى في مفاوضات الترسيم الأخيرة حصلت إسرائيل على كامل حقل "كاريش" وعلى بعض عائدات حقل "قانا" ولو عن طريق "توتال" وشركائها بينما لم يحصل لبنان على أي ضمانات حقيقية. اليوم عاد الحديث أن على لبنان أن يقوم بالإصلاحات الداخلية قبل أن تبدأ الشركات بالتنقيب أي أن فرحة الترسيم لم تتم بعد لبنانيا بينما سيبدأ ضخ الغاز من "كاريش" خلال اسابيع وسيبلغ طاقته القصوى خلال ستة شهور! 

 

                      خطر الإبتعاد عن "الكرملين"

هناك عقبتان رئيستان أمام إنهاء الحرب في أوكرانيا: الرئيس الروسي هو العقبة الأولى. الرجل فقد هيبته دوليا وحتى روسيا، ومحاولة تصوير نفسه أنه بعيد عن القرارات العسكرية الميدانية تشتري له الوقت له لا أكثر. هناك عدة دلائل على ضعف الرئيس الروسي. فهو قبل مؤخرا بفتح خط مباشر مع الأميركيين وأصبح يطلب منهم التوسط لوقف الحرب. كما أنه فقد عشرات الآلاف من جنوده وأكثر من ثلث عتاد جيشه، وكل إطلالاته الأخيرة توحي بحالة نكران يعيشها ،إذ يحاول التصرف وكأن لا حرب في أوكرانيا ولا من يحزنون. الدليل الصارخ على ضعف الرئيس الروسي هو قراره عدم الذهاب إلى اندونيسيا لحضور قمة العشرين مع أن اندونيسيا كررت دعوتها له عدة مرات، وسيحضر عنه وزير الخارجية "سيرغي لافروف". وبغض النظر إن كان قرار الرئيس الروسي بعدم السفر شخصيا هو إستجابة لرسالة أميركية طلبت منه عدم إحراج نفسه والزعماء الآخرين أو لخوفه من ترك البلاد خوفا من إحتمال إنقلاب عليه، فإن عدم حضور "بوتين" شخصيا يعكس تآكلا لدوره الدولي والداخلي. الرئيس الروسي غير قادر على حسم الحرب عسكريا وأصبح جيشه يحفر الخنادق وفي حالة دفاع، وفي الوقت نفسه  لن تحتمل صورته المهتزة الدخول في مفاوضات طويلة خاصة عندما سيجلس مع طرف يعتبر نفسه منتصرا بعد طرده الجيش الروسي من "خيرسون".

 الرئيس الأوكراني "فولوديمير زيلنسكي": فاز في معركة مفصلية ولكن بلاده دمرت

 

                       من يدفع فاتورة الحرب؟

العقبة الثانية أمام إنتهاء الحرب هي عدم وجود سيناريو واضح لمرحلة ما بعد الحرب. إعادة اعمار أوكرانيا ستتطلب تريليون دولار والرئيس الأوكراني يعتبر أن روسيا مسؤولة عن "تعويضات" إعادة الإعمار. أوروبا غير قادرة على توفير الأموال اللازمة وستزيد التصدعات في كيانها، الذي إهتز كثيرا بعد الحرب الأوكرانية، إذا طرحت مسألة دعم أوكرانيا ماليا لإعادة الإعمار. الولايات المتحدة التي بدأ مواطنوها يتململون من كلفة دعم أوكرانيا ليست في وارد تقديم مئات المليارات التي ستفاقم دينها العام المهول. هناك أفكار كثيرة تطرح حاليا مثل خطة "مارشال" التي اعادت اعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية تكون مخصصة لأوكرانيا ويساهم فيها كل العالم، أو عودة ضخ الغاز الروسي عبر أوكرانيا إلى روسيا ومنح أوكرانيا نسبة كبيرة من قيمة الغاز الذي سيمر عبرها. كل هذه الطروحات لم تتبلور بعد ونظرا لضخامة فاتورة إعادة الإعمار فإن وضوح هذه المسألة وحده يمكن أن يؤسس لوقف الحرب.

 

في اذار (مارس) ٢٠٢٤ أي بعد أقل من ١٨ شهرا ستجري الإنتخابات الرئاسية في روسيا. كان "فلاديمير بوتين" يمنن نفسه بولاية ثالثة على نسق صديقه الصيني "شي حين بينغ" بعد أن أقر قانونا في نيسان (ابريل) ٢٠٢١ يسمح له بأن يبقى رئيسا حتى عام ٢٠٣٦،  ولكن هذا الهدف يبدو اليوم بعيد المنال. صحيح أن مجرى الأحداث يمكن أن ينقلب ويتغير كل شيء، ولكن ما حصل في "خيرسون" ترك ندبة عميقة في صورة "بوتين" وحظوظه في البقاء على رأس الكرملين. لذلك فإن العديد من العواصم العالمية بدأ يتصرف على أساس أن "بوتين" لن يكون رئيس روسيا عام ٢٠٢٤. بل ربما قبل ذلك.

 

 الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين": هل تكون معركة "خيرسون" نهاية البوتينية في روسيا والعالم؟