تفاصيل الخبر

هل تأتي الفوضى من القرم؟

20/01/2023
هل تأتي الفوضى من القرم؟

بقلم خالد عوض

تقترب الدول الغربية مع كل يوم يمر على الحرب الروسية الأوكرانية من المواجهة العسكرية المباشرة مع "فلاديمير بوتين". ما يحصل منذ عدة اسابيع في مسألة تزويد أوكرانيا بالدبابات يؤكد أن الغرب اقترب من ساعة الحقيقة أي من قناعة ميدانية أن الحرب ستظل من دون غالب أو مغلوب رغم ما حققه الجيش الأوكراني حتى الآن. روسيا تجند مئات الآلاف من الشبان لإرسالهم إلى الجبهة الأوكرانية وهي قررت منذ البداية أن لا تحصي عدد موتاها أي أنها لن تتراجع عن ضم مناطق من أوكرانيا مهما كان ثمن ذلك. في المقابل، أوكرانيا بحاجة إلى سلاح نوعي لمواجهة المد العسكري البشري الروسي الآتي إليها خلال اسابيع. تزويد أوكرانيا بهكذا أسلحة يعني دخول الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا مباشرة في الحرب.

 

الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين": مأزق الحرب في أوكرانيا وهاجس حراسة النظام

البلد الذي لا يهزم

هناك نظرية عسكرية تقول أن روسيا دولة لا تهزم عسكرياً. أسباب ذلك عديدة حسب أصحاب هذه النظرية. السبب الأول جغرافي. روسيا أكبر دولة في العالم بمساحة تزيد عن 17 مليون كلم مربع وفيها 145 مليون نسمة، أي من شبه المستحيل احتلالها. السبب الثاني مناخي. الجيش الروسي قادر على التعامل مع أقسى أنواع البرد والجليد على عكس من يحاربه. الأمر الثالث إقتصادي. لدى روسيا غاز ونفط وموارد مادية ومواد أولية قادرة على إبقاء عجلة الصناعة الحربية في دوران مستمر كما يحصل حالياً. الأمثلة على صعوبة كسر روسيا عسكرياً كثيرة وربما تختصر معركة "ستالينغراد" بين تموز (يوليو) 1942وشباط (فبراير) 1943 الشخصية العسكرية الروسية (السوفياتية يومها) التي لا تأبه بالخسائر البشرية، والتي إن تراجعت فلأنها تريد معاودة الهجوم، والتي تعرف التعامل مع الجنرال "ثلج" أفضل معرفة. إذا صحت هذه النظرية فإن الحرب الأوكرانية لن تحسم قريباً وربما أبداً.

الحرب وتغيير النظام

هناك نظرية ثانية لا تتعارض مع الأولى تقول أن النظام في روسيا يسقط بعد أي حرب طويلة لا تنتصر فيها روسيا حتى لو لم تخسرها. الأمثلة على ذلك أيضاً كثيرة. عام ١٩١٧ أطاحت الثورة البولشيفية بنظام القياصرة بعد خسائر كبيرة في صفوف الجيش الروسي خلال الحرب العالمية الأولى. وعام 1989 أدت حرب أفغانستان وتقهقر الجيش الروسي هناك على مدى عشر سنوات إلى إضعاف النظام الشيوعي في موسكو وإلى ولادة "البريسترويكا" عام 1991 بقيادة ميخائيل غورباتشوف الذي توفى في آب (أغسطس) الماضي بعد أن دخل التاريخ كالرئيس الشيوعي الذي شهد على إنهيار الإتحاد السوفياتي. الغرب لا زال يراهن أن نظام "فلاديمير بوتين" لن يتمكن من تجاوز تبعات حرب "أوكرانيا" حتى لو لم ينهزم عسكرياً. يكفي أن تطول الحرب حتى يشتد الضغط على "بوتين" في الداخل. من الواضح أن هذه هي إستراتيجية الدول الغربية أوعلى الأقل دافعها الأكبر في دعم أوكرانيا. ورغم كل المؤشرات التي تؤكد أن نظام الرئيس الروسي لا زال متماسكاً إلا أن مجموعة الحوادث الغامضة (حادث سير، إنتحار، تسمم، إنقطاع التنفس، وقوع عن الدرج وقس على ذلك) التي تعرض لها عدد كبير من "الأوليغارش" الروس ( 12 خلال أقل من سنة) المرتبطين مباشرة بقطاع الطاقة والذين يتمتعون بمساحة نفوذ كبيرة داخل روسيا تدل أن نظام "بوتين" قلق جداً.

 

الرئيس الأوكراني "فلوديمير زيلنسكي": القرم قبل "الدونباس" لحشر "بوتين"

 

استفزاز "بوتين"

التصعيد الغربي الأخير في امداد الجيش الأوكراني بالدبابات أتى على شكل جس نبض ل"بوتين". الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" الذي كان يتهمه الأوكرانيون أنه بتمسكه بالتواصل مع الرئيس الروسي يشجعه على التمادي في التعدي على بلادهم، كان البادئ ولو بخجل. فقد أعلن في بداية كانون الثاني (يناير) الحالي عن مد الجيش الأوكراني بعشرات العربات المدرعة الفرنسية الخفيفة . بعد يوم واحد أعلن البيت الأبيض عن إرسال عربات "برادلي" إلى أوكرانيا. ثم أكدت "بولندا" أنها سترسل دبابات "ليوبارد" الألمانية التي لديها. وتبعتها بريطانيا بوعد توريد دبابات "شالنجر". ومنذ أيام استقالت وزيرة الدفاع الألمانية "كريستين لامبرت" بعد موجة انتقادات تعرضت لها بسبب تردد ألمانيا بمد سلاح نوعي إلى أوكرانيا. وجاء تعيين الوزير الجديد "بوريس بيستوريوس" في سياق زيادة الدعم الألماني العسكري النوعي لأوكرانيا بدءاً من دبابات "ليوبارد". رغم كل التصريحات الصادرة من الكرملين التي تدين التورط الغربي وتسمي ما يحصل بالحرب الكونية على روسيا إلا أن "بوتين" لم يرد حتى الآن على كل الإستفزازات الغربية. تفسير ذلك ربما أن الرئيس الروسي يريد إختيار الوقت المناسب للتفاوض وهو يعرف أن أي عمل عسكري ضد الغرب أو دول الناتو سيقطع الطريق أمام أي مفاوضات. 

 

الديموغرافيا ضد "بوتين"

رغم تحقيق الجيش الروسي بعض الانتصارت في غرب "الدونباس" حفظت له ماء الوجه ورغم تمكن كتيبة "فاغنر" المؤلفة من مساجين روس من إنزال خسائر بشرية ثقيلة في صفوف الجيش الأوكراني إلا أن الحصيلة التقديرية للخسائر الروسية، عدداً وعتاداً، لا يمكن لأي دولة هضمها. ما بالك إذا كانت هذه الدولة تعاني أساساً من أزمة ديموغرافية بسبب قلة الولادات وكثرة الإجهاضات وضعف الهجرة إلى روسيا وإنخفاض متوسط العمر المتوقع (أقل من سبعين عاماً عند الرجال) بسبب أسلوب الحياة غير الصحي الذي يتبعه معظم الروس. هذه الخسائر التي تقدر بين 70ألف ومئة ألف عسكري لا تقارن بمجموع الثمانية ملايين عسكري روسي الذي قضوا في الحرب العالمية الثانية ولكن نسبة الولادات في زمن الشيوعية عوضت تلك الخسائر بسرعة، وهذا غير متاح الآن. عندما يتحدث وزير الدفاع الروسي عن تجنيد مئات الآلاف من الشباب يعني أن الأزمة الديموغرافية ستصبح كابوسا على مستقبل روسيا.

موقعة القرم

في وقت يتحضر فيه الروس لشن هجوم كبير قبل بداية الربيع لثثبيت سلطتهم على كل المناطق التي أعلنوا ضمها ، بدأ الحديث في الدوائر الغربية منذ أيام عن إمكانية السماح للأوكران بمهاجمة شبه جزيرة القرم التي كان الرئيس الروسي قد ضمها عام 2014 والتي كانت تعتبر حتى الآن خطاً أحمراً لم تكن الدول الغربية في وارد السماح للرئيس الأوكراني "فلوديمير زيلينسكي" بتخطيه. إذا تبدل الموقف الغربي من القرم يعني أن الدول الغربية قررت "إحراق كل المراكب" مع الرئيس الروسي وأنها بدأت تلعب "صولد" ضده. أول صاروخ أوكراني يطلق بإتجاه القرم سيكون الإشارة الأكيدة أن الغرب يريد إسقاط "بوتين" مع كل ما يعني ذلك من إنهيار للنظام في روسيا.

 

لا زال هناك من يقول للرؤساء الغربيين أن الشيطان الذي نعرفه أي "بوتين" أفضل من الغريب الذي سيخلفه ومن الجنون الممكن في أسعار الطاقة إذا تفككت روسيا. ولكن هناك صوتاً جديداً يعلو تدريجياً كل يوم ويقول لللرئيس الأميركي " جو بايدن" أن العالم سيكون أفضل من دون "فلاديمير" مهما كان المجهول من بعده مخيفاً وأن أي أزمة إقتصادية آتية على الدول الغربية لأسباب لا علاقة لها بالحرب يمكن إخفاء اسبابها خلف إنهيار النظام الروسي. سيتبين قريباً من جبهة القرم إذا رجحت كفة هذا الصوت في عواصم القرار الغربية أو خفتت.