تفاصيل الخبر

"بالي":ولادة عالم القطبين

19/11/2022
"بالي":ولادة عالم القطبين

بقلم خالد عوض

 

ختمت قمة العشرين اجتماعاتها في بالي الإندونيسية بعدة رسائل مهمة للعالم. من جهة تبنت في البند الرابع من مقرراتها العبارة الشهيرة لرئيس الوزراء الهندي "ناريندرا مودي" الذي وجهها للرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" منذ شهرين على هامش قمة "شنغهاي" للتعاون في سمرقند: "الحقبة في العالم الآن ليست للحرب". ومن جهة أخرى حددت القمة المخاطر الأربع الرئيسة التي تهدد العالم والتي تفاقمت بسبب الحرب الأوكرانية وهي التالية حسب ترتيب البنود التي شملتها: الأمن الطاقوي والأمن الغذائي والأمن المناخي والأمن الصحي. مفهوم الأمن بالنسبة للدول صاحبة الإقتصادات العشرين الأكبر في العالم هو تمكين أي إنسان من سكان المعمورة الثماني مليارات من الوصول إلى الكهرباء والماء والطعام والملجأ والدواء واللقاح. هذا الإلتزام سيتطلب استثمارات ضخمة غير متوفرة في عالم اليوم وعلى الإقتصادات الكبرى تأمينها إذا أرادت أن لا تصبح  مقررات القمة كسابقاتها حبرا على ورق. 

 

  الرئيس الأميركي "جو بايدن" والرئيس "شي جين بينغ" في قمة العشرين في "بالي": وضع حجر الأساس لعالم بقطبين 

العالم هو آسيا 

عندما تخطى عدد سكان العالم هذا الشهر ٨ مليارات نسمة تجاوز في الشهر نفسه عدد سكان القارة الأسيوية ٤،٨ مليار نسمة أي أن القارة الأكبر مساحة أصبحت تأوي ما يقارب ٦٠ بالمئة من سكان العالم. إقتصاديا تشكل الدول الأسيوية أكثر من ٤٥ بالمئة من الناتج المحلي العالمي وتنعم بأعلى نسبة نمو في العالم، من المتوقع أن يتجاوز هذا العام ٥ بالمئة. في السابق كانت الصين قاطرة النمو الأسيوي ، ولكن معدل نمو الدول الأسيوية النامية الأخرى سيفوق النمو الإقتصادي للصين الذي سيناهز بالكاد ٤ بالمئة، وهذا سيحصل لأول مرة منذ ثلاثين عاما.

قد تختصر أرقام  اندونيسيا، البلد المضيف هذا العام لقمة العشرين ملامح القوة الأسيوية الصاعدة. دولة الـ ٣٠٠ مليون نسمة تشهد نموا إقتصاديا مطردا منذ عقدين ووصل ناتجها المحلي عام ٢٠٢١ إلى ألف و ٢٠٠ مليار دولار، وهي متجهة إلى أن تصبح  قبل سنة ٢٠٤٥ رابع أقوى إقتصاد في العالم، بعد الصين والولايات المتحدة والهند. وإذا كانت الولايات المتحدة وعدة دول أوروبية لا زالت تشكل اليوم الوجهة الأولى لتدفق الاسثمارات الأجنبية، لا شك أن الصين والهند وكوريا الجنوبية وسنغافورة وتايلاند وإندونيسيا وغيرها من الدول الأسيوية النامية ستحتل مراتب مرتفعة في سلم الإستثمارات الأجنبية خلال العقود المقبلة. وما زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى العاصمة الكورية "سيول" حيث أعلن عن إستثمارات بقيمة ٢٩ مليار دولار في قطاع البتروكيماويات ثم زيارته لتايلاند لحضور قمة "ابيك" (إجتماع قادة بلدان آسيا والمحيط الهادئ) إلا تأكيد على مركزية آسيا في وجهة الإستثمارات العالمية. 

  رئيس الوزراء الهندي "ناريندرا مودي": حضور متعاظم على الساحة الدولية

 الأقوياء الجدد 

إلى جانب المكانة الإقتصادية المتعاظمة لآسيا فإن الملاحظة الثانية في قمة العشرين هي نفوذ الصين السياسي وليس فقط الإقتصادي وصعود الهند على مسرح السياسة الدولية. تختصر البهدلة التي تعرض لها رئيس الوزراء الكندي "جاستين ترودو" من الرئيس الصيني "شي جين بينغ" حضور الصين الدولي الذي يتتماهى تماما مع شخصية "شي". لولا الصين لما كانت القمة استطاعت إدانة الحرب في أوكرانيا التي لا يزال الرئيس الروسي يسميها بالعملية العسكرية الخاصة. وكذلك تبنى البيان الختامي للقمة رأي "ناريندرا مودي" رئيس الوزراء الهندي بالحرف بأن الوقت الآن ليس للحرب. الهند هي التي تقود النمو الإقتصادي العالمي بمعدل سيناهز ٧ بالمئة عام ٢٠٢٢ بعد أن قارب ٩ بالمئة عام ٢٠٢١. سنوات قليلة ويتخطى إقتصاد الهند بريطانيا وفرنسا ويقارع الاقتصادين الألماني والياباني.

 

منافسة من دون مواجهة 

ولكن العنوان الأهم لقمة العشرين هذا العام هو اللقاء الأميركي الصيني الذي فتح الباب لعلاقة جديدة بين أكبر إقتصادين في العالم. العامل الرئيس في نجاح اللقاء هو أن الرئيسين، الأميركي "جو بايدن" والصيني "شي جين بينغ"، جاءا إلى القمة منتصرين. الأول تمكن من تحقيق أفضل نتائج ممكنة لحزبه في إنتخابات الكونغرس النصفية التي جرت منذ عشرة أيام وإحتفظ له بالأغلبية في مجلس الشيوخ. والثاني إنتزع من الحزب الشيوعي الصيني منذ ثلاثة اسابيع ولاية رئاسية ثالثة بعد أن سمح له الدستور  الذي عدله عام ٢٠١٨ بأن يبقى رئيسا لمدى الحياة. لقاء الرجلين هو أفضل لقاء بين رئيسي الصين والولايات المتحدة منذ أكثر من ٧ سنوات. فالنقاط التي التقى عليها "بينغ" و"بايدن" أكثر بكثير من التي إختلفا عليها. المعضلة التايوانية مثلا تم تجاوزها برغماتيا: الولايات المتحدة لن تساعد في أي إعتراف دولي بالجزيرة المنسلخة عن الصين بينما لن تهاجم الصين "تايوان" لاحتلالها. الرئيسان اتفقا أيضا على إستكمال المنافسة الإقتصادية والتكنولوجية والعسكرية الشرسة بينهما ولكن من دون أن تنزلق إلى مواجهة بينهما ومن دون أن تؤثر على التبادل التجاري بينهما. بإختصار أقر الأميركيون بدور الصين العالمي وبإستحالة تحجيمه. في المقابل قبلت الصين أن تبقى على الحياد في الحرب الأوكرانية وعدم التلازم مع سياسة صديقها الرئيس الروسي"فلاديميير بوتين"  والتعاون جديا في مسألة تغير المناخ. أهم إشارة الى نجاح اللقاء الصيني الأميركي هو التحضير الحثيث لزيارة وزير الخارجية الأميركي "انطوني بلينكن" مع بداية ٢٠٢٣ وإعادة تفعيل عدة لجان صينية أميركية مشتركة كانت شبه مجمدة خلال السنوات الثلاثة الأخيرة. 

لا زالت هناك عدة أمور عالقة بين الصين والولايات المتحدة. ولكن التوجه العام الذي ظهر من لقاء " بايدن" و"شي" أن ما إتفق عليه الرجلان أكبر بكثير مما تحدثت عنه البيانات. 

 

  ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في "سيول": إلى اسيا إستثماريا در