القى رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي شارل عربيد، كلمة في اللقاء الطارئ والاستثنائي الموسع لشركاء الانتاج (أصحاب عمل وعمال ومهن حرة) والقطاعات الحيوية والتربوية، الذي دعا اليه الإتحاد العمالي العام، في مقر الإتحاد يوم الاثنين الماضي "لإطلاق النفير العام تحت شعار: أنقذوا الوطن"، استهلها بكلمات لأغنية السيدة فيروز "يا حبيبي شو نفع البكي"، وقال: "يتقدم الوقت بسرعة في العام الرابع على الانهيار. كل شيءٍ يتغير على مستوى المعطيات الاقتصادية الاجتماعية وانعكاساتها على حياتنا. وحده المستوى السياسي لا يشهد تغيراً، ولا يكتسب الإحساس الحقيقي بكل المتغيرات التي تحيط به. ثباتٌ هو أقرب إلى التبلد وانعدام الحس السليم، أو النية الصافية بالاستجابة والتحرك والفعل. بل إن هذا الثبات يعبر عن سمةٍ عامة من سمات السياسة عندنا".
اضاف: "كلامٌ وتراشقٌ بالاتهامات في مسلسلٍ بلا نهاية. تجارةٌ لا تبور بالكلمات والمشاعر والانتماءات والتخويف، فيما تسوء أوضاع الناس مع كل حلقةٍ جديدة من حلقاته. ندور حول ذاتنا، ويدور تاريخنا مرةً بعد أخرى، ليعود إلى النقطة نفسها، فماذا يقال بعد، وما هو الكلام الذي يمكن أن تقبله الآذان بعد؟ وماذا سنقول للناس الذين خسروا قيمة رواتبهم وأعمالهم ومدخراتهم وودائعهم، ماذا نقول بعد والفقر ينهش حياة الناس ومستقبل أولادهم، وماذا يقال والعجز سيد الحضور على المستوى الرسمي، لكن الأكثر سوءاً من العجز هو التعايش معه وتطبيعه واعتباره قدراً محتوماً لا مهرب منه".
واعتبر عربيد "اننا نعيش في هيكلِ دولةٍ مجوّف تحكمه الأنانيات والأطماع، ويرهن مستقبل البلد لطموحات الأفراد، تجار الجماعات، وممتهنو الزعامة المنزوعة المسؤولية. بلاد بحالها مهددةٌ بالضياع، وزعماؤها ينتظرون من يأتي للإنقاذ من الخارج. إنه إدمان الدلع على الدول وحكّامها، بحركات الإغراء لاستدراج الاهتمام الخارجي"، وقال: "والآن يجب أن نصارح أنفسنا. لن ينقذ أحد لبنان. الإنقاذ نصنعه نحن، وإما بلدنا مهدد بالنسيان. كثيرة هي البلدان التي نسيت. تركت لمصيرها، ودخلت دوامات فقرٍ وعنفٍ وانعدام مستوى المعيشة، وفقدت اهتمام العالم فيها. ثمة من يقول أن لبنان الذي نعرفه قد مات، الدول لا تموت، لكنها تتغير، وخوفنا أن يكون لبنان الذي نعرفه قد تغيّر. هذه حال البلاد التي لا يتحلى قادتها بالوطنية وبالمسؤولية عن مصيرها".
اضاف: "لدينا الكثير من المسؤولين، والقليل من المسؤولية، الكثير من القوانين والقليل من سلطة القانون، الكثير من الجدل والقليل من الفعل. ثنائيات كثيرة تفضي إلى نتيجةٍ واحدة، اللبنانيون يستحقون قادةً أفضل مما لديهم".
وتابع: "لقد جربنا كل شيء، جربنا الحروب، والمحاصصة، والتحايل على الخارج، واستغلال العوام، وتحريضهم على بعضهم البعض. وفشلنا بكل شيء، بالمحاسبة، وبناء الدولة، وبالتغيير. وفشلنا بالتصرف كدولة، وبالإحساس كشعبٍ واحد، وذاكرة واحدة وإرادة واحدة نحو المستقبل"، مؤكداً ان "لا فرص بعد الآن إذا لم يتحرك الناس. مجتمع الإنتاج هو الناس، ومصالح الناس تعبر عنهم وعن إرادتهم. وهم اليوم بحاجةٍ إلى "رشتا" تبرمج خطوات الخروج من الأزمة واستعادة العافية. وصفة ينتظرونها ولا يجدون من يكون مسؤولاً أمامهم. بعد أن سقطت كل المواقع في أعينهم".
ورأى عربيد ان "مجتمع الانتاج هو اكبر حزب في لبنان، وأكبر من الجميع. وهو مؤلف من الأفراد والأسر والمؤسسات والقطاعات. يجمعهم الانتماء الوطني والمصلحة العامة. همهم ومطلبهم انتظام عمل المؤسسات وانتخاب رئيس للجمهورية وتوليد سلطة مسؤولة، تطبق القوانين وتطورها كل يوم. لقد قلنا الكثير، وحاولنا أكثر، والمؤلم أن الحلول كانت أمامنا، وكانت قبل الآن نافعة"، وقال: "ها هو نداء 25 حزيران (يونيو) 2015 يشهد على صمم المسؤولين عن إدراك واجباتهم ومواقيتها، يومها قلنا وفي التكرار إفادة، إن على السياسة أن تكون معنية بالحفاظ على الوجود في الحاضر من أجل ضمان التطور والاستمرار في المستقبل. وأن الاقتصاد ليس إلاّ جوهر السياسة وعلى السياسة أن تكون في خدمة مصالح المواطنين في عيشهم وكرامتهم. وأن لا قيمةَ لسياسةٍ تقتصر على لعبة الصراع على السلطة ولا تدور حول الانتاج وقوى الانتاج، وأن لا سلطة تقوم بمعزلٍ عن الناس وبالانفصال عن همومهم واهتماماتهم أو على أنقاض الدولة والنظام العام".
اضاف: "ويا لدقة ذلك النداء حين قال إن الدولة استحالت شبحاً معطَّلاَ ومعطِّلاً قرارها موزَّع بين الداخل والخارج ومؤسساتها معلّقة على العجز الداخلي وانتظار المعجزة الخارجية. كانت تلك الكلمات تأكيدٌ أن العجز السياسي يؤدي ويفاقم العجز المالي، ويوسع دائرة نزيف الهجرة، ويخرجنا من العصر. وها نحن على وشك الخروج من العصر، حيث يعيد التاريخ نفسه".
وتابع: "حسبنا اليوم أننا نجتمع كقوى إنتاج، نتجاوز تباينات الماضي، ونلتقي حول الوطن، لنتابع العيش معاً، ولنفرض هذه المرة أولوية الاقتصاد والمجتمع على مصالح القلة السلطوية، التي استخفت باللبنانيين وبمصيرهم"، وقال: "كلمتنا اليوم صرخة ونداء ورغبة بالعمل ونقطة أمل في هذا الظلام الممتلىء بالظلم. نريد جمع كل جهودنا وصبها في أهداف محددة، وأولويات حقيقية، أولها العمال والمؤسسات. نريد أن نستعيد لبنان من براثن مصالح القلة إلى ناسه ومصالحهم الجامعة والمشتركة. الناس لا يريدون سماع المعزوفة الدائمة من التخويف والتهييج والتحريض، همومهم في مكان آخر، وهي فقط ما استحق اهتمامنا، ولأجلها نجتمع، لنحفظ لبنان كما يستحقه اللبنانيون، ونمنع تغييره إلى شيء لا يشبهه".