تفاصيل الخبر

كابوس دبلوماسي في البيت الأبيض

16/06/2023
كابوس دبلوماسي في البيت الأبيض

 

بقلم خالد عوض

 

تميزت السياسة الأميركية الخارجية منذ عقود أنها غير جامدة وأنها تتلون بتغير المعطيات الدولية ولا تعتمد على مواقف جامدة أو مبدئية. هناك مصالح استراتيجية ثابتة تؤثر بالطبع على هذه السياسة وتسيرها ، ولكن التعاطي الأميركي مع الأحداث، حتى اليومية منها، يتغير حسب ما تشتهي المصالح الآنية والتماهي أكثر مع القوي مع إبقاء علاقة مع الضعيف لعله يصبح قوياً يوماً ما. من الممكن مثلاً أن نرى الولايات المتحدة حليفة لأسوأ دكتاتور في العالم من دون أن تتنازل عن ترويجها لمبادئ الديمقراطية والحرية. ومن المعقول أن تتصالح الولايات المتحدة مع أنظمة معادية لها وتبقي في نفس الوقت العقوبات عليها، ولكن هناك طارئاً جديداً بدأ يتحكم بسياسة الولايات المتحدة الخارجية وهو بروز الصين ليس فقط كقوة اقتصادية كبرى بل أيضاً كصاحبة دور دبلوماسي متعاظم. ولذلك بدأنا نشهد ردات فعل دبلوماسية أميركية مرتبطة حصراً بمحاولة قطع الطريق على الصين من دون أن يكون لها أي قيمة حقيقية في سلم المصالح الأميركية في هذا البلد أو ذاك.

 

حرير دبلوماسي

 

منذ إعلان الاتفاق السعودي الإيراني ودوائر السياسة الخارجية في الولايات المتحدة منشغلة بما تفعله الصين دبلوماسياً في العالم. في الماضي كان هم الأميركيين محصوراً بمتابعة مساعي الصين في ترويج طريق وحزام الحرير في كل أنحاء الكوكب لأن الأخيرة كانت تعلن في كل المناسبات عن عدم تدخلها بالسياسة الداخلية للدول وبالتالي عدم اهتمامها بلعب دور دبلوماسي دولي، ولكن مع تنامي حجم طريق وحزام الحرير بدأت الصين تلمس أنها لن تتمكن من تنمية هذا الخط وحمايته من دون نزع الألغام السياسية أمامه. حاولت بداية في أفريقيا من خلال تقريب وجهات النظر بين عدة دول أفريقية من خلال حضورها المستمر في الاتحاد الأفريقي ونجاحها في وصل البنية التحتية بين دول كانت مغلقة أمام جيرانها وأصبح لديها ثقل اقتصادي ومالي ودبلوماسي وحتى عسكري هناك. ولكنها من خلال رعاية الاتفاق السعودي الايراني أصبحت لاعباً دبلوماسياً عالمياً يمكن الوؤول إليه. ولذلك أصبحت الولايات المتحدة ترصد كل تحركات الصين في العالم والشرق الأوسط، من السودان إلى فلسطين، بعين مختلفة تماماً.

 

ماكرو اتفاق أهم من الاتفاق

 

لا يمكن تفسير ما يحصل بين إيران والولايات المتحدة اليوم من دون أخذ دور الصين بعين الاعتبار. رغم علم الولايات المتحدة بالمساعدة العسكرية الايرانية المباشرة لروسيا من خلال تزويد الأخيرة بالطائرات المسيرة والصواريخ والذخيرة فتحت معها من خلال سلطنة عمان قناة تحاور وبدأت تعطي إيران ما كانت ترفض نهائياً أن تخوض فيه معها منذ عدة شهور. ورغم تأكد الولايات المتحدة أن إيران نقلت معظم أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم إلى انفاق عميقة تحت الأرض بعيدة عن أي مراقبة، رحبت بقبول إيران بالتقرير الايجابي الأخير لوكالة الطاقة الذرية الدولية الذي يؤكد قبول إيران بوضع كاميرات مراقبة على مواقع التخصيب المعلنة، أي تلك التي لا زالت موجودة فوق الأرض! نحن اليوم أمام تقارب أميركي إيراني شبيه بمرحلة المفاوضات النووية بين البلدين عام ٢٠١٥ والتي توجت بالاتفاق النووي الشهير. وبدل أن يسمى باتفاق نووي ويستدرج انتقادات العالم سيعرف باسم تفاهم "صغير" رغم أن مفاعيله كبيرة وبدأت تأتي بالمليارات على إيران بدءًا من كوريا الجنوبية التي كانت تجمد أكثر من ٧ مليارات دولار مروراً بالعراق الذي كان حجز ٢،٧ مليار دولار من مشتريات الغاز الإيراني بسبب العقوبات الأميركية. إذا كان هناك طرف من واجب إيران أن تشكره على المرونة الأميركية الجديدة فهو الصين.

ثب

ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مستقبلا وزير الخارجية الأميركي " انطوني بلينكن "في جدة: التحقوا بالسعودية قبل فوات الأوان

 

 مصالح السعودية أولاً

في وقت تعارض أوروبا كل مساعي العرب لإعادة تعويم الرئيس السوري بشار الأسد ولا تزال متشددة مع إيران بسبب تدخلها في الحرب الروسية الأوكرانية فإن الولايات المتحدة لا تقفل الباب تماماً أمام احتمالات تطبيع نسبي ومحدود مع النظامين. فقد سمع وزير الخارجية الأميركي "انطوني بلينكن" في جدة لدى زيارته الأخيرة، من جملة ما سمعه، كلاماً سعودياً واضحاً بأن المملكة يمكن أن ترعى مصالح مالية واستثمارات لها في سوريا وإيران وعلى الولايات المتحدة أن تجد مخارج لذلك في دفاتر عقوباتها على الدولتين. وإلى جانب طلب السعودية من الأميركيين مواكبة البرنامج النووي السعودي السلمي حتماً والانخراط جدياً ومن دون تردد في كل جوانب رؤية المملكة ٢٠٣٠، فإن المملكة ابلغت الادارة الأميركية أن دخول الأستثمارات السعودية إلى إيران وسوريا هي مسألة وقت. 

الرئيس الصيني "شي جين بينغ" مستقبلاً الرئيس الفلسطيني محمود عباس: هل تتدخل الصين لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؟

 

الصين في فلسطين؟

منذ أيام استقبل الرئيس الصيني "شي جين بينغ" الرئيس الفلسطيني محمود عباس (٨٧ سنة) وجدد التزام الصين بحل عادل للقضية الفلسطينية مذكراً بالمؤتمر الصيني العربي الذي عقد في الرياض بداية هذا العام. هذا الموقف الصيني من فلسطين ليس جديداً ولكن الجديد فيه أن الصين اليوم غير الصين في الماضي. وعندما يذكر الرئيس الصيني أن أبو مازن هو أول رئيس عربي يزور الصين هذا العام وأنه حان الوقت لإرساء حل لقضية فلسطين فإن رادارات الدبلوماسية الأميركية، والإسرائيلية أيضاً، التقطت ذلك بدقة. إذا نجحت الصين في عقد مؤتمر دولي للأزمة الفلسطينية كما لوح "بينغ" سنكون دخلنا في مرحلة حاسمة من مراحل الحل المستدام للقضية الفلسطينية.

   

إذا كان هناك مشهد يختصر النفوذ الدبلوماسي الصيني في المنطقة فهو لبنان. قبل مجئ المبعوث الصيني "زهاي يوان" إلى لبنان في نهاية نيسان (ابريل) المنصرم كان الاهتمام الأميركي بالفراغ الرئاسي في لبنان أقل من الصفر. كل ذلك تغير بعد زيارة الموفد الصيني. إذا أريد للبنانيين أن يحصلوا على رئيس بسرعة كل المطلوب أن يزورهم وزير الخارجية الصيني أو حتى نائبه مرة أو على الأكثر مرتين.