تفاصيل الخبر

2023 : أي ليرة بخير؟

03/06/2023
2023 : أي ليرة بخير؟

بقلم خالد عوض

 

حضر منذ أيام حاكم مصرف لبنان الدكتور رياض سلامة أمام المحامي العام التمييزي عماد قبلان لاستجوابه في القضية المرفوعة ضده في ألمانيا. ولدى سؤاله عن وضع العملة اللبنانية أجاب أن الليرة بخير ، كما أكد أن ودائع الناس موجودة ولا خوف عليها! هذا الكلام لم يعد شعاراً مرتبطاً بدور الحاكم المركزي بشكل عام في طمأنة الأسواق بل أصبح قناعة راسخة عند سلامة أن البلد تجاوز الأزمة المالية بعد أن تم رفع الدعم عن كل شيء. هل يهذي سلامة بعد سهام الأتهامات التي انهالت عليه من الداخل والخارج خلال السنوات الثلاثة الماضية أم أن الأزمة المالية في لبنان فعلاً على شفير الانحسار؟ 

 

الحل في السياسة

من الصعب أن يخرج لبنان من الأزمة الاقتصادية والمالية التي عصفت به منذ عام ٢٠١٩ وربما قبل ذلك، من دون رؤية مستقبلية واضحة لدور البلد في المنطقة والترتيبات الحاصلة فيها. ويكفي مراقبة السجالات الحالية في ترشيحات رئاسة الجمهورية والانقسام الكبير في البلد للاستنتاج أن الحل في لبنان يبدأ بالسياسة ولن يستوي قبل حصول تسوية سياسية شاملة على غرار ١٩٨٩ في مدينة الطائف السعودية و٢٠٠٨ في العاصمة القطرية الدوحة. المرشحان سليمان فرنجية وجهاد ازعور غير قادرين على استنباط الحلول مهما تراكمت وعودهما لذلك. وكما حصل عام ٢٠١٦ مع انتخاب ميشال عون، فإن مجرد إنتخاب رئيس للجمهورية لا يكفي لطي صفحة أزمة لبنان. رغم كل ما يحصل والرؤية السوداء للبلد في ظل عجز سياسي من الصعب فهمه فإن كلام حاكم مصرف لبنان أمام القضاء اللبناني ليس بعيداً، هذه المرة، عن الحقيقة.

حاكم مصرف لبنان الدكتور رياض سلامة: الليرة بخير بعد رحيله؟

 

الإصلاحات تتحقق 

منذ ٢٠١٩ قامت الحكومات الرسمية أو تلك التي تصرف الأعمال بالأمور التالية: ازالت معظم الدعم عن المحروقات والدواء والاتصالات وحتى الطحين، وحررت سعر الصرف بشكل غير رسمي وهي في طور توحيده، وزادت الدولار الجمركي والدولار الضرائبي وسمحت بتسعير كافة السلع بالدولار، وأصبحت تعرفة الكهرباء تسعر بدولار "صيرفة بلاس" ويساوي دولار صيرفة زائد ٢٠ بالمئة أي حوالي ١٠ بالمئة أكثر من سعر دولار السوق السوداء. رغم الزيادات المستمرة في أجور القطاع العام إلا أن نسبة هذه الأجور من النفقات تراجعت أكثر من ٨٠ بالمئة بسبب تراجع الأجور إذا احتسبت على سعر الدولار وبسبب انخفاض عدد موظفي القطاع العام، حتى أن الحكومة اللبنانية تمكنت من تحقيق توازن مالي عام ٢٠٢٢ أي أن النفقات لم تتجاوز الواردات وهذا لم يحصل في لبنان منذ حوالي نصف قرن. بالإضافة إلى كل ذلك هناك اقتطاع يومي من الودائع تتكفل به تعاميم مصرف لبنان حيث يتقاضى المودعون جزءًا من أموالهم بسعر ١٥٠٠٠ ليرة لبنانية أي سدس سعر صرف الدولار في السوق السوداء. هذا الاقتطاع يؤدي إلى تخفيف ححم ودائع البنوك في مصرف لبنان بما يقارب مليار دولار كل شهر. هذه الإجراءات هي ألف باء الإصلاحات التي يطالب بها صندوق النقد أي دولة متعثرة وها هو لبنان حققها من دون منة صندوق النقد عليه بأي اتفاق.  

   

لا حاجة للكابيتال كنترول ولا لصندوق النقد؟

هل يعني أن الحاجة لصندوق النقد لم تعد قائمة؟ إذا تواصلت أعمال التنقيب عن الغاز التي بدأت تحضر لها "توتال" في الجنوب وتبين وجود كميات تجارية مهمة في البحر، وإذا تم تعيين إدارة دولية خاصة مستقلة للصندوق السيادي المزمع تأسيسه والتي بلورت لجنة المال والموازنة منذ أيام مواصفاته، سيكون دور صندوق النقد محدوداً جداً في إنهاء الأزمة ويقتصر على طمأنة المانحين المرتقبين أو المستثمرين الذين لا زالوا مهتمين في البلد بأن أي أموال ستأتي إلى لبنان لن تذهب في زواريب الهدر. ويكفي مليار دولار واحد من صندوق النقد لتأمين ذلك لأن الأموال الباقية ستأتي من الاستثمارات الأجنبية والنمو الاقتصادي المرتقب إذا اكتملت عناصر استخراج الغاز. أما موضوع الكابيتال كونترول الذي لا زال يطالب به صندوق النقد فقد أصبح من الماضي، بل بالعكس فإذا تمكن لبنان من الخروج من أزمته المالية سيكون أول بلد في العالم حقق ذلك من دون أن يفرض رسمياً قيوداً على التحويلات وهذا سيعتبر دليلا أن النظام اللبناني حافظ على صيغة الاقتصاد الحر رغم أسوأ الظروف.

رئيسة صندوق النقد الدولي "كرستلينا جورجييفا": لبنان بلد محير مالياً واقتصادياً  

 

الليرة بخير؟

السؤال اليومي حول سعر صرف الليرة هو "إلى أين؟"، أي هل الاتجاه هبوط جديد أو أننا وصلنا إلى التوازن المالي؟ من الصعب التكهن بسعر الصرف ولكن الثبات النسبي الذي نشهده حالياً مرده إلى عدة أمور: أولاً تراجع حجم الاستيراد لأن التجار راكموا البضائع في النصف الثاني من العام الماضي بعد إعلان مصرف لبنان  في آب (أغسطس) ٢٠٢٢ عن رفع سعر الدولار الجمركي ابتداء من شباط (فبراير) ٢٠٢٣. أما وقد أصبح سعر الدولار الجمركي يعادل سعر صيرفة فسيصبح الاستيراد مرتبطاً بالطلب في الأسواق وليس خاضعاً للمضاربات. كان لبنان يتكبد سنوياً أكثر من مليار دولار خسائر في الكهرباء بسبب استيراد المازوت. أما وقد زاد حجم المازوت الآتي من العراق ومع ارتفاع سعر التعرفة الرسمية فمن المفروض أن لا تستهلك مؤسسة كهرباء لبنان أي دولارات من مصرف لبنان. في موازاة كل ذلك فإن تحويلات المغتربين تزيد شهرياً أولاً بسبب غلاء المعيشة في لبنان وحاجة اقاربهم إلى دعم إضافي من جهة وبسبب تحسن أوضاع المغتربين في أفريقيا ودول الخليج في ظل ارتفاع أسعار النفط مما يمكنهم من زيادة تحويلاتهم إلى بلدهم الأم. وأخيراً تمكن القطاع الخاص اللبناني من تجاوز الأزمة والتعامل مع الواقع الجديد في البلد بدينامية استثنائية ستساعد في إعادة إطلاق النمو الاقتصادي عام ٢٠٢٣ ولو بتواضع.

 

الكلام السابق مفعم بالتفاؤل وقد يبدو غير واقعي في ظل الأزمة السياسية العميقة في البلد وفي غياب أفق اقتصادي واضح. ومن المؤكد أن رئة البلد المالية والاقتصادية هي أولاً وأخيراً أموال المغتربين بل تبين أن اقتصاد لبنان هو خارج حدوده وكلما تحسنت اوضاعهم استقرت عملة بلدهم. ربما لا زال حاكم مصرف لبنان يعيش في الأوهام، ولكن هناك معطيات كثيرة تشير إلى أن طريق الخلاص المالي أصبح أقرب اليوم من أي وقت سابق إذا حصل أي اتفاق سياسي داخلي، مهما كان شكله.