تفاصيل الخبر

مونديال 2022: هذا ما تستفيد منه دولة قطر من خلال استضافتها لاكثر حدث انتظارا من حول العالم!

23/11/2022
مونديال 2022: هذا ما تستفيد منه دولة قطر من خلال استضافتها لاكثر حدث انتظارا من حول العالم!

شكراً قطر

بقلم عبير أنطون

 

في العام 2014 وضع المؤلف" كلاوس تسايرينجر" كتابا باللغة الالمانية تحت عنوان" كرة القدم. قصة ثقافة"، سعى فيه وبحسب ما يرد حول الكتاب إلى "فك شفرة العلاقة بين كرة القدم والتاريخ والمجتمع والسياسة،" راسما"خطوط تطورها من تسلية للنخبة الإنكليزية في القرن التاسع عشر حتى آخر بطولة لكأس العالم في 2014( اي سنة وضع الكتاب) . اليوم ينشغل العالم كله بمجريات الرياضة الاكثر شعبية في العالم مع انطلاقه في الامارة التي سددت هدفها في "مرمى العالم" مع تحدي حصول الفعاليات على أرضها.

فلماذا هذه الشعبية الكبرى لكرة القدم؟ ما جذورها التاريخية ودلالاتها وانعكاساتها؟ ماذا تستفيد الدول من إجرائها على أرضها، وتحديدا قطر اليوم؟

"الافكار" تقوم بجولة كروية لتعود لكم بمختلف الاجوبة.

يعرض المؤلف" كلاوس تسايرينجر" مؤلف كتاب" كرة القدم. قصة ثقافة" لهذه اللعبة بالقول انها" كانت منذ العشرينيات الرياضة السائدة في كثير من المجتمعات الوطنية فقد ساعدت في بناء الأمة، وارتقت المنتخبات الوطنية إلى مستوى الأسطورة، ونقلت سردية العلاقة بين الانتصارات الكروية والتقدم" معطيا مثالا على ذلك تحديث الاوروغواي، فيقول بأنه نشأ على يد اثنين: الأول هو" خوسيه بيدرو فاريلا "إصلاحي النصف الثاني من القرن الـ 19، والثاني أوبدوليو فاريلا كابتن" منتخب أوروغواي الذي فاز ببطولة العالم عام 1950."

كذلك، يعرض الكتاب لطريقة المعالجة الإعلامية لهذه الرياضة في البدايات، ومدى أهمية دور الصحف والإذاعة والتلفزيون كقوة محركة روجت لمسيرة انتصار كرة القدم على ما عداها من الرياضات، لتصبح لعبة عالمية، كما ويعرض المؤلف لعاملَين ربما كانا الأكثر أهمية في نجاح هذه اللعبة هما انفتاح مجال كرة القدم على جميع الطبقات (وهذا ينطبق على اللاعبين والمتفرجين) وطرق اللعب المثيرة للدهشة. ففكرة كرة القدم كما يقول الأرجنتيني" خورخي فالدانو" المدير التنفيذي الأسبق لريال مدريد تمتلك "قدرة خيالية على التكيف، وهي تتكيف مع أي اقتراح للحداثة رغم أنها في حد ذاتها رياضة بدائية، وأقيَم ما فيها أنها تعمل من خلال العاطفة، ولذلك لا تكبر في السن أو تصاب بالعجز".

الى ذلك يرى" تسايرينجر" أن "كرة القدم كانت الرياضة المناسبة في الوقت المناسب خاصة عندما غير التصنيع واتساع المدن شكل المجتمعات" ومع نشوء مفهوم الحداثة... فبرأيه "عالجت الحداثة تصورات الذات والهوية والمكان والزمان من جديد، فلم تفرض رياضة الفريق "تشكيل الذات" على النحو الذي فعلته المؤسسة العسكرية، بل أعطت داخل الفريق مساحة من الحرية الفردية ودعمت في الوقت نفسه هوية جماعية".

 ولا يغيب عن المؤلف عرض الصلة ما بين كرة القدم والطقوس الدينية والقومية القديمة، كما ويستعرض ايضا للتوظيف السياسي لكرة القدم، والتداخل ما بين السياسة والكرة، وكيف تستفيد الانظمة من الكرة فيقول ان" النظام يستفيد من الانتصار الكروي لتغطيتها احيانا على السخط السياسي". وعرض ايضا في الكتاب الى المرات العديدة التي استخدمت فيها الملاعب كسجون أو أماكن اعتقال أو إعدام صادمة، وصولا به الى الدخول في قسم" التاريخ المخزي" لهذه الرياضة والاتهام الصريح للفيفا بأنها تتصرف كما لو كانت "دولة داخل الدول"، مستعرضا هنا للاحتجاجات التي اندلعت في البرازيل بالتوازي مع تنظيم كأس العالم 2014، او ايضا لتنظيم كأس العالم في قطر.

 

قطر اليوم...

ها هي قطر فعلا تفتح اليوم ملاعبها لاستقبال الضيف الاكثر شعبية في العالم، بمشاركة عدد هائل من الشخصيات السياسية الرفيعة المستوى فضلا عن عدد كبير الفنانين والمشاهيرعربا واجانب، مع نقل للمباريات عبر شاشات العالم اجمع على وقع اغان خاصة بالمونديال، ومع اعلانات تجارية واستثمارات هائلة في قطاعات مختلفة. وهنا يفتح المجال واسعا للسؤال: ما الذي سوف  تجنيه  قطر من خلال استقبال حدث كلفها مئات مليار الدولارات؟ وما هو "الارث" الذي يتركه المونديال فيها؟

يأتي الجواب سريعا من خلال "استراتيجية التنمية الوطنية لدولة قطر"

"National Development Strategy"

 التي أطلقها أمير البلاد الشيخ تميم  حمد بن خليفة آل ثاني من خلال "رؤية قطر الوطنية 2030"، واضعا نصب عينيه بحسب ما جاء في لائحة الاهداف" مساراً واضحاً لتحقيقها من خلال إعداد استراتيجية تعتمد نهجاً تدريجياً، من خلال تركيزها على مجالات كالرياضة، والبنى التحتية، والرعاية الصحية، والثقافة، والسلامة العامة والأمن والبيئة وإظهار قدرة قطر وطاقتها على تنظيم حدث يبقى راسخاً في أذهان الناس عقوداً"، هذا مع تحويل قطر إلى مجتمع عالمي مع توفير مستوى معيشة أعلى. فصحيح أن صادرات النفط والغاز في الامارة تعدّ ركيزة الاقتصاد فيها اذ انها تمتلك ثالث أكبر احتياطي غاز طبيعي في العالم، وتعد من أكبر الدول المصدرة للنفط، الا أن الامارة لا تسعى الى الاعتماد على ذلك وحده في المستقبل اذ تهدف إلى زيادة حجم اقتصادها الذي لا يعتمد على الطاقة، حيث تطمح إلى أن تصبح ايضا مركزا تجاريا وسياحيا في المنطقة.

 

صفر انبعاثات...

    ثمانية ملاعب في النسخة الـ22 لكأس العالم بمشاركة 32 منتخبا من حول العالم صُممت وفق أعلى المعايير العالمية، و جهزت للمرة الاولى بتكييف وتبريد بحيث في حال حصول أي ارتفاع بدرجات الحرارة يمكن تعديلها داخلياً لتصبح بحدود 20 درجة مئوية عبر تقنية الطاقة المتجددة الصديقة للبيئة والاستدامة عبر الألواح الشمسية في اولى بطولة تشهد صفر انبعاثات كربونية. وسط ذلك، يتوقع وصول أكثر من 1.7 مليون زائر للدوحة، في أول مونديال يقام بالشرق الأوسط والمنطقة العربية. تشييد الملاعب هذه، تزامن مع إنشاء شبكة مترو حديثة، وتوسيع نطاق المطار، مع بناء مناطق جديدة داخل العاصمة الدوحة، ضمن استراتيجية وٌضعت لكي تفيد الاقتصاد بعد كأس العالم، مع تحويل المرافق إلى مجتمعات ومدارس ومستشفيات جديدة، فضلا عن نقاط انطلاق لتدفقات السياحة، وتوسيع نطاق مبادرات النقل والتجارة والاقتصاد، ويقول خبراء ان هذه المرافق والملاعب الكروية قد تُستخدم للحصول على حق استضافة نهائيات بطولات أوروبية مثل نهائي دوري أبطال أوروبا والدوري الأوروبي.

من جهتها، تتوقع قطرأن يضيف الحدث 17 مليار دولار على اقتصادها. وتشير بعض التوقعات إلى أن نمو إجمالي الناتج المحلي القطري سيوفر فرصة دخل بقيمة 4 مليارات دولار من وراء إنفاق السائحين في الشرق الأوسط، فيما يقدر الفيفا  أن نحو 3 مليارات شخص سيشاهدون كأس العالم، ومن الممكن أن يسعى نحو 40 مليون شخص لزيارة قطر بعد انتهاء البطولة، هذا بغير ان العالم اجمع سيتعرف بشكل أفضل على قطرعبر وسائل الإعلام المطبوعة وشبكات الإذاعة والتلفزيون، ومن منشورات التواصل الاجتماعي التي ستصدرعن المشجعين والفرق المشاركة، والصحفيين المتواجدين فيها.

 وفي حين تشير الفيفا- الاتحاد الدولي لكرة القدم-الى ان "تكلفة البطولة قد تكون كبيرة، الا انها على عاتق الدولة المضيفة، وبأن المهم هو ضمان نجاح البطولة ولا يساورها أي قلق حيال التكاليف" صرح مسؤول حكومي قطري لرويترز "إن تخطيط أغلب الأعمال تم بشكل منفصل مع سعي الدوحة لتنويع أنشطتها الاقتصادية غير المعتمدة على الطاقة، طامحة في أن تصبح مركزا إقليميا للأعمال وإلى زيادة عدد السياح إلى ثلاثة أمثاله ليبلغ ستة ملايين سائح سنويا بحلول 2030 ". وفي هذا السياق قال"ت كارين يانغ"  في معهد الشرق الأوسط بواشنطن ان قطر تعتمد فلسفة "شيّد وسيأتون" للتنمية في الخليج.  

 

230مليار دولار...

بحسب تقديرات الخبراء فإن مونديال قطر هو منذ بدء بطولات كأس العالم في عام 1930 اغلى مونديال على مر التاريخ، وسط ارقام تشير الى ان  التكلفة قد تتساوى مع ما جرى إنفاقه على واحد وعشرين بطولة سابقة، مع صرف وصل الى عتبة ال 230مليار دولار انفقتها الامارة على مشروعات البنية التحتية على مدى 11 عاما، أي منذ فوزها باستضافة كأس العالم 2022 لبطولة تستمر 28 يوما..ومع العلم، بحسب الخبراء، بأن المونديال من الناحية التجارية يمثل خسارة، فإن هذا الأمر"لا يثير قلق قطر، فالمكاسب الرئيسية التي تسعى إلى تحقيقها من وراء استضافة كأس العالم ليست "تجارية"، انما دافعها الرئيسي يتمثل في "تعزيز العلاقات الدولية ودور قطر الاستراتيجي والدفاعي كقوة ناعمة".

 هذه القوة الناعمة، تترافق مع عين ساهرة على الامن الذي لا تقوم تنمية من دونه. وفي هذا السياق أكّد   قائد عمليات أمن كأس العالم 2022 في قطر الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني أن لجنة عمليات أمن وسلامة البطولة كانت حريصة على الوصول إلى قمة الجاهزية لتأمينها على مختلف المستويات:" دربنا 49 ألفا للوصول إلى قمة الجاهزية لتكون البطولة الأكثر أمنا في العالم". وقد تمت الاستعانة في برامج التدريب بخبراء متخصصين من الشرطة الأوروبية ومنظمة يوروبول، وتطابقت جميعها مع ما هو معتمد ومطبق لدى الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) وبلغ إجمالي المشاركين بهذه البرامج من الأمن الحكومي 32 ألف مشارك، بالإضافة إلى 17 ألفا من الأمن الخاص.

 لا جرّ للكرة...

هذه الاهداف جميعها التي عملت قطر على تأمينها ووضع الاستراتيجيات لنجاحها، لم تشح النظرعن الانتقادات التي تلقتها الامارة من سهام مختلفة منها ما جاء من بوابة تجريم قانونها للمثلية الجنسية، إلى سجلها في مجال حقوق الإنسان ومعاملة العمال المهاجرين الذين عملوا في الإنشاءات الرياضية فيها على مدى عقد، وسط اتهام منظمة العفو الدولية قطر بارتكاب "تجاوزات فاضحة" بحق عمال أجانب قالت إنهم كانوا ضحايا عمل قسري خلال إنشاء ستاد خليفة الدولي، وتقاريربوفاة آلاف العمال الأجانب في قطر منذ عام 2010 بحسب ما ذكرت صحيفة "الغارديان".

 ومع ان قطر أقدمت على بعض الإصلاحات في مجال العمالة الأجنبية على أراضيها خلال السنوات الأخيرة، الا انها ظلت اصلاحات متواضعة بحسب منظمة العفو الدولية التي تعتبر على أن المشاكل الأساسية ما زالت قائمة. وذكرت المنظمة في تقرير نُشر الشهر المنصرم "لا تزال انتهاكات حقوق الإنسان مستمرة حتى اليوم على نطاق كبير".

هذه الانتقادات كانت ما دفع ب"الفيفا" الى توجيه رسالة وقعها رئيسها" جياني إنفانتينو" والأمينة العامة" فاطمة سامورا"، على عدم "جرّ" كرة القدم إلى "معارك" أيديولوجية أو سياسية وألا تكون "توزيع دروس أخلاقية"، ما دفع الى صدور بيان  مشترك عن أعضاء مجموعة العمل التابعة للاتحاد الأوروبي لكرة القدم بشأن حقوق الإنسان وحقوق العمال الى رد جاء فيه : "إننا نقر ونرحب، كما فعلنا في الماضي، بالتقدم الكبير الذي أحرزته قطر، لا سيما في ما يتعلق بحقوق العمال المهاجرين، مع تأثير التغييرات التشريعية الموضحة في التقارير الأخيرة لمنظمة العمل الدولية . ويضيف البيان: "نرحب بالتأكيدات التي قدمتها الحكومة القطرية والفيفا في ما يتعلق بسلامة وأمن وإدماج جميع المشجعين الذين يسافرون إلى كأس العالم، بما في ذلك المشجعون من المثليين والمتحولين جنسياً. كما ندرك أن كل دولة لديها مشاكل وتحديات ونتفق مع الفيفا في أن التنوع قوة ...ومع ذلك، فإن تبني التنوع والتسامح يعني أيضاً دعم حقوق الإنسان. حقوق الإنسان عالمية وتسري في كل مكان". 

 

نساء ...حكم

هذه الانتقادات التي واجهتها قطر، واجهها ايضا العديد من المشاهير ونجوم كرة القدم الذين يروجون للمونديال، بينهم لاعب كرة القدم الإنكليزي السابق" ديفيد بيكهام" سفير البطولة  بشيك بلغ10 ملايين دولار، وهو ما عرضه للكثير من الانتقادات من جماعات حقوق الإنسان والمشاهير على حد سواء.

نذكر اخيرا ان الانتقادات المختلفة لم تحجب السابقات الرائدة التي يتميّز بها المونديال على غير صعيد بينها اختيار ثلاث حكمات ومثلهن من المساعدات ليشاركن في قيادة مباريات المونديال، لتكون المرة الأولى التي تقود فيها حكمات من الجنس اللطيف مباريات في بطولة العالم للرجال.

وقد اختار الاتحاد الدولي لكرة القدم السيدات الست في خطوة منه لكسر الحواجز التي كانت وجودة في فتح المجال أمام الحكمات في قيادة مباريات أهم بطولات العالم، على أن تتطور في المستقبل وتصبح هي القاعدة وليس الاستثناء وفقاً لما قاله الفيفا في بيانه وقت الإعلان عن أسمائهن.