تفاصيل الخبر

"بيت تباريس" التراثي يتحول فضاءً فنياً لدعم المواهب الشابة وموسم موسيقي لا يغيب عنه الملحنون اللبنانيون!

12/10/2022
"بيت تباريس" التراثي يتحول فضاءً فنياً لدعم المواهب الشابة  وموسم موسيقي لا يغيب عنه الملحنون اللبنانيون!

عنوان للثقافة

  

بقلم عبير أنطون

 

خريف موسيقي بامتياز ستتناثر اوراقه الذهبية من الاشرفية على الجمهور الثقافي والموسيقي اللبناني الذي  لا يزال يؤمن بصوت الموسيقى خيارا يتفوق على  معزوفات الحروب والدمار والانهيار التي تقض مضاجع دول العالم باسره، وللبنان منها نصيب طبعا. الاهم ان الشباب اللبناني، هو في قلب الحدث الموسيقي الذي يتيحه "بيت التباريس"  للثقافة والفنون عند منطقة الاشرفية.

فماذا في هذا الموسم الثقافي الراقي؟ مع اية سهرات فنية مميزة نحن على موعد؟ من هي الاسماء العالمية التي يستضيفها البيت الفني، ومن هي السيدة التي تقف وراء كل ذلك؟  

"الافكار تلقي الضوء وتجيب عن مختلف هذه الاسئلة...

 بعد حفلات عازف البيانو العالمي عبد الرحمن الباشا وعازفة التشيلو سوزان فيرمين التي أقيمت بنجاح كبير في أيار(مايو) الماضي، يفتح بيت تباريس بابه قريبا  لنجمين كبيرين في عالم  الموسيقى الأوروبية، هما "سيلفيا كاريدو"، عازفة اولى ناي منفرد في اوركسترا فرنسا الوطنية" وباتريك ميسينا"، عازف أول كلارينيت منفرد في هذه الاوركسترا الفرنسية ايضا، ويقدمان"ماستر كلاس" فنيا في الالتين، يستفيد منه كل طالب موهوب في المجال..

الى الاسمين الكبيرين، تتألّق في بيت تباريس، سلسلة نشاطات وحفلات تمتد من 16تشرين الأول(اكتوبر) الحالي حتى العاشر من الشهر المقبل، وتنتهي بحفل موسيقي وماستر كلاس مع الطلاب المشاركين. وتتوزع سلسلة الحفلات كما يلي:

ريسيتال لـ "الينور خليفة"عازفة لبنانية تعيش في المانيا في معزوفات لكبار المؤلفين الموسيقيين من" شوبان" و"باخ" وغيرهما، يليه حفل مخصص للمؤلفين الموسيقيين اللبنانيين حصرا مع أوركسترا وترية شابة مؤلفة من اثني عشر عازفًا أسسها ويديرها جو ضو، وهي حفلة خاصة بالمؤلفين الموسيقيين اللبنانيين بشارة الخوري ، ناجي حكيم ، وديع صبرا ، جورج باز ، إياد كنعان وهتاف خوري.

 الحفل اللبناني هذا ، يعقبه حفل مع الـ

"contreténor"

  ميشال بو رجيلي والسوبرانو لارا جوخدار في برنامج شرق-غرب، في مزيج مبهج من الموسيقى اللبنانية و"بل كانتو" ليليه  آخر مع ميشال بو رجيلي ايضا انما مع السوبرانو إليان سعادة في برنامج مخصص لموسيقى الباروك. ويتخلّل ذلك كله، من الخامس حتى العاشر من تشرين الثاني( نوفمبر ) المقبل صفوف "ماستر كلاس" مع" سيلفيا كاريد"و(فلوت)  و"باتريك ميسينا"(كلارينيت)، على ان ينتهي الموسم الموسيقي لـ"بيت تباريس" مع حفل موسيقي يشكل نهاية الـ"ماستركلاس" مع الطلاب.  

لكن ما هو بيت تباريس الذي تقام فيه هذه الامسيات الفنية الراقية، ما هدفه ومن اسسه؟

  مؤسِسة المكان هي زينة صالح كيالي التي حولت البيت التراثي الجميل التي ربيت فيه في الاشرفية الى مكان للتلاقي الفني. المنزل المتروك في العام 1990 والذي جاء انفجارالمرفأ في بيروت ليقضي على ما بقي منه عاد واشرأب على يد المهندس جوزيف مارون الذي حافظ على روح المنزل التراثي ما جعل منه مساحةَ  للفنون ومركزًا حقيقيًا للموسيقيين اللبنانيين، ومكانًا  لتدريب الشباب والاقل شبابا، كما وايضا  ملتقى ثقافياً يجمع تحت سقفه أعلام الفكر.  

فرصة...

اول الغيث في المكان الجميل كان في شهر أيار( مايو) المنصرم بحيث استضاف البيت على مدى أربعة أيام  ورشة تدريبيّة قادها الموسيقار العالميّ عبد الرحمن الباشا في إطار حلقات "ماستر كلاس" استفاد منها عدد من طلاب البيانو في معهد الكونسرفتوار الوطني اللبناني. وشهد الجمهور على امتداد ساعة ونصف توالي طلّاب بعمر الورد على البيانو لعزف مقطوعات لعمالقة الموسيقى أمثال جورج باز وهتاف خوري و"رخمانينوف" و"بيتهوفن" و"شوبان "و"شوبرت "و"دوبوسي" وعبد الرحمن الباشا.الاخير عبّر عن سعادته العارمة لقيام كيالي بهذه المبادرة التي" أفسحت للموسيقيين الشباب فرصة لتطوير مهاراتهم كونهم يفتقرون إلى دعم كافٍ في هذا المجال علماً أن المجتمع اللبناني يزخربالمواهب الاستثنائية".

كما امتع الباشا جمهورالامسية بعزفه وزوجته السيدة سوزان فرميان- عازفة التشيلو البلجيكيّة – مقطوعة   أهداها لابنته الصغيرة، ثم عزف الأخير مقطوعتين تحيّة منه لوالده الراحل الكبير توفيق الباشا حملت إيقاعات أندلسية.

 

موسم حقيقي!

عن اطلاق بيت تباريس مساحة للموسيقى وتنظيم هذا الموسم الموسيقي  تقول كيالي ان "الأمور حدثت بشكل طبيعي وبطريقة واضحة، اذ يفتقد فنانو الموسيقى الكلاسيكية اللبنانيون الشباب بشدة إلى الفضاء الموسيقي والحياة الموسيقية واتاحته جزء من مهمة المكان، ووجدنا نفسنا في موسم موسيقي صغير حقيقي! أربع حفلات ، ثم العرض الرئيسي والحفل الختامي ، كل ذلك في أقل من شهر!

 وتضيف: نحن نقدم للموسيقيين الموهوبين المساحة والتنظيم ولكننا للأسف لسنا أقوياء ماليًا بما يكفي لنتمكن من دفع رسوم للموسيقيين. لكن، وبما انهم يحاولون العيش من فنهم الامر الشديد الصوبة في مثل هذه الاحوال خاصة في ظل الازمة التي نعيشها،  قررنا تطبيق نظام "القبعة" الذي يتم العمل به كثيرًا في أوروبا، بحيث يترك الجمهور عند مغادرته يترك مبلغًا صغيرًا أو كبيرًا!، أو يترك شيئًا على الإطلاق، ويتم التبرع به كاملا  للموسيقيين.

 وتؤكد كيالي على وجوب تضمن البرنامج عملا لمؤلف موسيقي لبناني. فنحن لدينا تراثًا موسيقيًا وطنيًا  عالي الجودة، وبعض ملحنينا معروفون في الخارج أكثر  منه من بلادهم! من هنا فإن حفلة العشرين من أكتوبر لفرقة

"Les Cordes Résonnantes "

 مخصصة بالكامل لأعمال الملحنين اللبنانيين.

 

الاونيسكو...

يُذكر ان الكاتبة والباحثة اللبنانية زينة صالح كيالي هي من مؤسّسي "مركز التراث الموسيقي اللبناني"،كما انها، وبصفة مسؤولة عن الشؤون الثقافية في بعثة لبنان الدائمة لدى اليونيسكو في باريس، لطالما سلّطت الضوء على لبنان الحقيقيّ من خلال تنظيمها نشاطات فنية.

ولكيالي ايضا عشرات الكتب في الموسيقى والحركة الموسيقية اللبنانية وتاريخها. كما تعمل منذ سنين على تأريخ الحياة الموسيقية في لبنان، من نهاية القرن التاسع عشر حتى يومنا هذا. من هنا فإن أسماء كثيرة نسيها التاريخ أخرجتها كيالي إلى الضوء مجددا لخلق مادة مهمة تتبع مسار الموسيقى في لبنان والمنطقة العربية، وتعد مرجعا لفهم تطور هذا الفن وأهم ريادييه.

 ففي كتابه"مؤلفون موسيقيون لبنانيون في القرنَين العشرين والحادي والعشرين" مثلا سلطت كيالي   الضوء على مسار الموسيقى في لبنان والمنطقة العربية، إذ يتناول الكتاب المرحلة قبل 1870، ومن ثم الحقبة الأولى 1870-1929، ثم الحقبة الثانية 1930-1975، الى الحقبة الثالثة 1975-1990، ثم الحقبة الرابعة من 1991 حتى يومنا هذا. كما تناول الكتاب النهضة العربية والتأثير المصري، وركز على مؤتمر مصر عام 1932 والذي كان هدفه ترسيخ الموسيقى العربية بعد ان كانت شفهية، وعلى دور الكثيرين من الذين ارسوا قواعد الموسيقى ومنهم وديع صبرا الذي ترأس الوفد اللبناني الى مؤتمر مصر.

 وديع صبرا ستكون موسيقاه حاضرة في الامسية الاولى من الموسم الموسيقي الثاني لبيت تباريس مع اليانور خليفة الى جانب باخ وشوبان وميسيان وشوبرت كما وايضا في سهرة العشرين من هذا الشهر مع الفرقة اللبنانية. وصبرا، الاسم الموسيقي البارز كان بحسب كيالي درس الموسيقى في باريس وأقام فيها نحو عشرين عاماً، كان أسّس أوّل مدرسة موسيقية وصحيفة متخصّصة في الموسيقي بلبنان، كما ألّف نشيده الوطني في العهد العثماني، وكتب أول أوبرا باللغة العربية.

الرسالة الشهابية...

  اما في كتابها "الحياة الموسيقية في لبنان من نهاية القرن التاسع عشر حتى يومنا هذا" فنتعرف من خلال كيالي الى التاريخ الحديث للموسيقى اللبنانية" وانه قبل عام 1870 كانت الموسيقى شفهية ولم تكن منظمة أبدا. من اهم الذين ارسوا قواعد الموسيقى ميخائيل مشاقة وهو من بلدة دير القمر عاش من 1800 إلى 1870 وكان طبيبا لكنه محب للموسيقى، كتب اول رسالة بحث حول الموسيقى في المنطقة وحملت عنوان "الرسالة الشهابية" وبعث بها الى الامير بشير الشهابي عام 1848، وهي بمثابة أول بحث في الموسيقى باللغة العربية وموجودة في أرشيف الجامعة الأميركية في بيروت. من عام 1900 إلى عام 1975 حدثت أشياء كثيرة على صعيد الموسيقى في لبنان من أشخاص ومؤسسات، وبدأت مهرجانات مثل بعلبك ومهرجان عنجر، وبدأ توافد الموسيقيين إلى لبنان حيث كان الثقل الموسيقي في القاهرة في تلك الفترة. كما ان الكثير من المؤلفين كالاخوين رحباني، روميو لحود، وتوفيق الباشا، وزكي ناصيف، أعادوا مركز الموسيقى إلى لبنان لتصبح بيروت مركزاً للموسيقى...

اما عن الموسيقى الكلاسيكية في لبنان فنتعرف من خلال  محاضرة افتراضية سابقة لكيالي حول التاريخ   القتها بتنظيم من "جمعية السبيل" في بيروت ضمن سلسلة "بانوراما الفنون" تحت عنوان "التراث الموسيقي اللبناني"، أشارت كيالي إلى ان الموسيقى الكلاسيكية في لبنان، تنوعت وتأثرت  بألوان موسيقية مصرية وعثمانية وأرمنية وغربية، والتي دُوّنت في نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، حيث كان قبلها موسيقى تقليدية ودينية تُعَلَّم شفاهاً من دون نوتة موسيقية، مع محاولة وحيدة في بلدة دير القمر على يد ميخائيل مشاقة (1800 – 1888) الذي ألّف كتاباً يحتوي قواعد لتنظيم الألحان الموسيقية الموجودة.