بقلم عبير أنطون
بين المشاريع الستة الفائزة بجائزة "آغا خان" المرموقة للعمارة في دورتها لعام 2022 مشروع تجديد بيت ضيافة" نيماير" المهجور بمدينة طرابلس اللبنانية .
فما هو بيت" نيماير" ولماذا اختير له هذا الاسم؟ اين يقع في طرابلس وما اهميته؟ ما حاله اليوم وما وجهة استخدامه؟ ومن هي الجهة التي فازت عن تجديده بالجائزة؟
عند "الافكار" مختلف التفاصيل، والبداية من القاء الضوء على الجائزة العالمية ...
جائزة "آغا خان للعمارة"هي جائزة معمارية أنشأها" آغا خان الرابع" في عام 1977 في مدينة جنيف بسويسرا و تهدف إلى" تحديد ومكافأة المفاهيم المعمارية التي تلبي الاحتياجات والتطلعات في مجالات التصميم المعاصر والإسكان الاجتماعي وتنمية المجتمع وتحسين وترميم وإعادة الاستخدام والمناطق التي تحتاج للحفظ، فضلا عن تصميم المناظر الطبيعية وتحسين البيئة". الجائزة تقدم في دورات، كل دورة مدتها ثلاث سنوات لمشاريع متعددة، وهي نقدية مجموعها مليون دولار أميركي، وترتبط الجائزة مع مؤسسة "الآغا خان" الثقافية ووكالة شبكة الآغا خان للتنمية.
و"الآغا خان الرابع" هواللقب الديني السياسيي للامير" كريم الحسيني"، المعروف أيضًا باسم الأمير" شاه كريم الحسيني"، وهو رجل أعمال بارزمن اصول باكستانية وهو الإمام التاسع والأربعين للطائفة الإسماعيلية النزارية. يحمل الجنسية البريطانية والجنسية البرتغالية، وهو أيضًا مربي ومالك أحصنة سباق. تولى مرتبة الإمام تحت لقب الآغا خان الرابع منذ 11 تموز( يوليو) عام 1957، عندما خلف جده" الآغا خان الثالث" والسير" سلطان محمد شاه".
تصف مجلة فوربس" الآغا خان "بأنه واحد من أكثر عشرة ملوك ثراءً في العالم. وهو بارز لكونه ملكي دون أن يحكم منطقة جغرافية معينة. درس في جامعة هارفرد، وتخصص هناك في التاريخ الشرقي. ومن بين الأهداف التي ذكر" الآغا خان" أنه يعمل على تحقيقها: القضاء على الفقر العالمي، وتطبيق التعددية الدينية وتعزيزها، والنهوض بمكانة المرأة، وتكريم الفن والعمارة الإسلامية، كما انه مؤسس مؤسسة" الآغا خان للتنمية" ورئيسها، وهي احدة من أضخم الشبكات التنموية الخاصة، وتعمل على تحسين البيئة، والصحة، والتعليم، والهندسة المعمارية، والثقافة، وتمويل المشاريع الصغيرة، والتنمية الريفية، والحد من الكوارث، وتعزيز مشاريع القطاع الخاص، وتنشيط المدن التاريخية.
طرابلس تحظى بالجائزة...
في أيلول( سبتمبر 2022)، تم الإعلان عن الفائزين بجائزة الآغا خان للعمارة. والمشاريع الستة الفائزة كانت: المساحات النهرية الحضرية، بلدة الجنيدة- بنغلاديش، المساحات المجتمعية استجابةً لأزمة اللاجئين الروهينغا- منطقة كوكس بازار، مطار بانيوانجي الدولي، بليمبينغساري- جاوة الشرقية، متحف أرغو للفن المعاصر والمركز الثقافي- طهران، مدرسة كمانار الثانوية في بلدة ثيونك إيسيل- السنغال وطبعا تجديد دار نيماير للضيافة في طرابلس- لبنان.
اختيار المشروع اللبناني تمّ لانه، وبحسب بيان الجائزة "يُمثل تجديد" دار نيماير للضيافة" قصة ملهمة لقدرة العمارة على الإصلاح، في وقت يشهد حدوث أزمة متشابكة حول العالم، وفي لبنان على وجه التحديد، حيث تواجه البلاد انهياراً غير مسبوق على المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية... تم تنفيذ المشروع بدقة كبيرة، حيث تكشف جودته العالية عن البحث الشامل الذي قام به المعماريون لإحياء هذا التراث المعماري والعمراني المهم" ليختم بيان الجائزة بالقول "نأمل أن تحتفل هذه الجائزة بالعمل التعاوني وراء هذا المشروع وأن تصبح الخطوة الأولى نحو إعادة تأهيل نموذجي ودقيق وإعادة استخدام تكيفية لبقية موقع المعرض".
ودار الضيافة هذه تقع على مشارف طرابلس، وهي إحدى أقدم المدن الساحلية وأجملها، والتي اشتهرت في يوم من الأيام بحِرفها، ولكنها تعاني في الوقت الراهن من الفقر والهجرة ونقص في الأماكن العامة".
الحياة للمهجور...
الاستوديو الفائز بجائزة "أغا خان" العمرانية ، والذي يقع على عاتقه تجديد مشروع" بيت نيماير" فهو
"East Architecture"
الذي اختير للعمل عليه في العام 2018. ويقول شارل كتانة أحد مؤسسي الاستوديو :"بعد الحروب المتتالية، والغزو الإسرائيلي في عام 1982، توقّف العمل في المعرض بشكلٍ دائم، ما ترك المجمع مهجورًا لأعوام".
و"بيت نيماير" المهجورهو جزء من معرض رشيد كرامي الذي يمتد على مساحة مليون متر مربع ويضم 120 ألف متر من الحدائق، 20 ألف متر من البرك المائية، 20 ألف متر مخصصة لقاعات المعارض والمؤتمرات، ونحو 20 ألف متر كسقف يمكن استغلاله وضمه لقاعة المعارض وصمم بهذا الشكل لاستيعاب ما يصل إلى مليوني زائر سنويًا. اما بيت نيماير فصمم لاستضافة منظمي المعرض المذكور، والمشاركين فيه.
ويقول احد مؤسسي "ايست -ستوديو"، نقولا فياض ان " مساحاته الداخلية مغمورة بالضوء، وهو عبارة عن خطة أرضيّة مفتوحة ذات ساحة مركزية...و خلال عملية التجديد، أراد "ايست ستوديو" التمسك ب"الصفات المعمارية الأساسية للمبنى، وماضيه المُتخيّل وتضمن التصميم تركيب فواصل مرنة، وإدخال تركيبات كهربائية، وميكانيكية".
مضيفا: "الأهم من ذلك، أردنا أن يكون كل جانب من جوانب التدخّل قابلاً للعكس في حال استضاف المبنى برنامجًا جديدًا في المستقبل، وكطريقة للحفاظ على سلامة الهيكل أيضًا"، ومؤكدا"نحن فخورون بأن تجديد "بيت ضيافة نيماير" ميّز نفسه بين مجموعة من المشاريع الرائعة”..والذي أدّت مختلف الأزمات في لبنان لإيقاف تطويره لعقود".
الاونيسكو...
معرض رشيد كرامي الدولي الذي يحتضن بيت الضيافة ادرجته الاونيسكو في العام 2018 على لائحتها شارحة ان اهميته ترتكز على قيمته المعماريّة والجماليّة، كما ولانه يتمتّع بقيمة إقتصاديّة مهمّة.
وبحسب الاونسكو " كان من المفترض أن يُستخدم معرض رشيد كرامي كمعرضٍ دائم ومتطوّر خلال المدّة المعروفة بالعهد الذّهبيّ اللّبناني، وذلك بهدف استعراض نموّ البلد وابتكاره، وموازنة النّموّ مع ما كان يعرف بلامركزيّة الأنشطة بين مختلف المناطق (فطرابلس هي ثاني أكبر مدينة لبنانيّة بعد بيروت). ولكن في العام 1975، وقبل فترة قصيرة من انتهاء هذا المشروع، اندلعت الحرب الأهليّة اللّبنانيّة وتوقّفت عملية بناء المعرض. وبعد الحرب، باءت جميع محاولات إعادة بنائه بالفشل".
"نيماير للابد "..
كذلك فإن لاسم مصممه" اوسكار نيماير "وقع كبير وهو الذي يُعتبر من أبرز الأسماء في عالم العمارة الحديثة، و الذي اشتهر ايضا بتصميم مشروع بامبولا، بالإضافة إلى المباني الحكومية في برازيليا المدرجة اليوم على لائحة التّراث العالمي .
في هذا السياق تلقي " الافكار" الضوء على فيلم انتج منذ فترة بالشراكة مع وزارة السياحة في لبنان من إنتاج نيقولا الخوري حمل اسم " نايمار فور ايفير" أي نيمار للأبد" الذي عرض لقصة انشاء معرض رشيد كرامي الدولي.
عنوان الفيلم بحسب ما قال خوري لـ"الافكار" استلهمه "من غرافيتي مرسومة في داخل المعرض كتب عليه " نايمار فور ايفير" اي نيمار للأبد". جعلناها نقطة الانطلاق في تجسيد ما نتناوله في الفيلم، ذلك ان "أوسكار نيماير" هو أشهر معماريي العالم في القرن العشرين العالم...ارتاينا ان نلقي الضوء عليه وان نذكر اللبنانيين به وبمعرض رشيد كرامي الدولي خاصة وان هنالك من لا يعرف انه موجود في لبنان حتى. الوثائقيات حوله نادرة ومن الاهمية بمكان ابراز قيمته الفنية الى جانب ميزاته الاخرى".
ويضيف خوري:" قصة المعرض انعشناها من خلال مهندسه ورسمنا من خلال الفيلم البورتريه الخاص به. ومن خلال المونتاج، جعلنا لكل قسم من المعرض الدولي الحكاية التي تتعلق بهذا الجزء فروى كل من وسيم ناغي وربيع مجذوب قصة نيماير فيما ركزنا في جانب آخر على طرابلس نفسها".
وعن رأيه في سبب اعتماده من قبل السلطات حينها دونا عن مهندسين لبنانيين بارعين فيعيد نيكولا السبب الى التنافس على الاجمل بين الدول العربية :"كانت الرؤية العامة في تلك الفترة متقدمة جدا . ففي حين كان يشيد في كل بلد عربي معرضا دوليا ضخما اراد المسؤولون حينها ان يأتي معرض لبنان في الصدارة بهندسة عالمية فريدة على ان لا يكون طابعه صناعيا انما ثقافيا. وكان اسم نيماير صاعدا بقوة بعد ان هندس مدينة برازيليا عاصمة البرازيل وكان المعرض مشروعه الاول خارج بلده".
ولفت خوري ان ما فاجأه اثناء عمله على الفيلم ولم يكن يعرفه ان المعرض الجميل تحوّل في خلال الحرب اللبنانية الى منطقة عسكرية، وعرف القتل والجرائم وقد سكنته الميليشيات وحولته عن وجهته الساسية. "هذا مخيف تماما لانه مناقض كليا للرؤية التي بني على أساسها. تغيّره من مكان جميل جدا، من حلم يتطلع الى الحداثة والثقافة الى وجهة تخيف الناس وتبعدهم عنه خوفا من السجن او الخطف وهذا فعلا ما فاجأني بقوة . لقد ترك في هذا المكان تاثيرا قويا".
منجرة...
يحتضن معرض رشيد كرامي الدولي اليوم مبادرة "منجرة" وهي مبادرة تهدف لتنشيط صناعة الأخشاب الشهيرة في طرابلس"، ودعم قطاع تصنيع الأخشاب والأثاث.
و"منجرة"هي العلامة التجارية المنبثقة من مشروع هو "جزء من برنامج تطوير القطاع الخاص في لبنان المموّل من الاتحاد الأوروبي والمنفّذ من الوكالة الفرنسية للخبرة الفنية الدولية "اكسبرتيز فرانس" وشركاء محليين.
وقد فتحت"منجرة" من خلال مبادرتها، نافذة ضوء هامة على حرفيي المدينة الماهرين وسهّلت لمنتجي المفروشات سبل الاستمرار وتسويق اعمالهم من خلال منصة "منجرة" لتقديم مجموعة متكاملة من الخدمات بحيث توفر مكانا للعمل والتواصل بين كافة الاطراف ضمن سلسلة الانتاج من نجارين ومصممين ومستهلكين. كما سهلت المبادرة تسويق الاعمال اما عبر التواصل المباشر او عبر المنصة الالكترونية أكان بالنسبة للمشاريع الكبرى او التصاميم المنزلية تحت عناوين اربعة عريضة تشكل قيم "منجرة" وتتلخص ب"الدقة والمرونة والتنوع والأصالة".
المبادرة، لم تقتصر على العرض والتشجيع انما دخلت في التطوير عبر اجراء دورات تدريبية لتنمية القدرات والمهارات ليس في مجال التصنيع وحده، انما ايضا في التسويق والادارة والمحاسبة المالية فضلا عن تدريبات تقنية في الرسم الثلاثي الأبعاد، مع اتاحة المزيد من الفرص لتسويق المنتوجات في لبنان والدول المجاورة.