بقلم عبير أنطون
في الفترة ما بين ١٦ و٢٠ تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، ومن من تنظيم المجلس الثقافي البريطاني في لبنان يقدم مهرجان" ما بين بين" التشاركي أنشطة ثقافية وإبداعية متعددة التخصصات تتمحور حول الاقتصاد الإبداعي والمسائل العالمية. فبحسب القيمين على المشروع، "قام الواقع المحلي والعالمي المتغير باستمرار بخلق حالة انتقالية دائمة، حيث التوقعات والحدود غير واضحة. نتيجة لذلك، ظهرت مساحات جديدة - مساحات للإدراك والإبداع - تعكس الفرص الجديدة لإعادة التفكير في كيفية مساهمة الفنون والثقافة في المضي قدمًا. رداً على ذلك، بني المهرجان على ضوء برنامج مدته عام كامل من مبادرات بناء القدرات المهنية في قطاعات الفنون البصرية، وفنون الأداء والرقص، والموسيقى، وصناعة الألعاب الإفتراضية ليشمل المسرح والأدب، ويدعو الجمهور إلى التفكير في الاحتمالات الموجودة في المساحات الواقعة بينهما"...
فما الذي يقوله مدير المشروع لـ"الافكار"، كيف تم التحضير له، ما الاهداف التي يصبو اليها واي القطاعات يشملها المهرجان؟
يشرح مارك معركش مدير الفنون مدير الفنون لبنان - سوريا في المجلس الثقافي البريطاني لـ"الافكار"عن انطلاقة العمل على المهرجان بالقول:" لطالما كان المركز الثقافي البريطاني داعما للنشاطات المختلفة، الا اننا اعتمدنا تغييرالاستراتيجية لنكون شركاء، نفكر سويا مع المؤسسات الثقافية الموجودة في لبنان، في اي قطاعات نريد ان نشتغل ونطور، وعلى هذا الاساسا نبني مشاريعننا. من هنا كان مشروع "كتابولت"
CATAPULT()
في اربعة قطاعات وهي الفن البصري، الالعاب الافتراضية، الموسيقى والرقص والفنون. المهرجان اليوم يأتي ليتوج هذا العمل الذي كان يجري على قدم وساق مع الفنانين المشاركين مدة عام كامل، وهم فنانون يواجهون تحديات كبيرة في ظل الوضع الراهن في لبنان. المهرجان اليوم يأتي ليظهَرهذا العمل التشاركي ولنتواصل مع الجمهور، فنكون بذلك صلة وصل ما بين هذا العمل الفني الثقافي وما بين الجمهور، فنقف عند كيفية تفاعله معه وما يمكن ان يؤثر به على الوضع الراهن.من هنا كان اختيار 9 محطات رئيسية في مناطق مختلفة : مصنع أبرويان وسينما رويال في برج حمود، قصر سرسق، مركز خاص للفنانين "هايفن فور أرتيست"، الملتقى الثقافي في بيروت ستايشن، مبنى جريدة السفير في شارع الحمراء، المقهى الأدبي "عليا" في الجميزة،" أوربن آرت تور"، و"بيروت ديجيتال ديستركت"، وذلك بهدف تقريب المسافة بين المواطن والشارع والفن، فضلا عن أن فاعلية هذا المهرجان قضت بإحياء الدور المنسي لسينما رويال في برج حمود. كذلك يقوم المهرجان بدعوة الجمهور لزيارة شقق مختلفة في مبنى من ثلاثينات القرن العشرين في برج حمود والعيش لحظات حميمية مع ناسها".
ومارك الذي يعمل في المجال الفني الثقافي منذ 13 عاما اذ كان مديرا للفن المعاصر في غاليري" تانيت" في لبنان ومن ثم مديرا للمؤسسة العربية للصورة على مدى ثلاث سنوات قبل ان يستلم موقعه في المركز البريطاني منذ عام ونصف ، يجد في الفن حاجة لا يمكن اهمالها. ولما نساله إذا ما كان الفن يشكل متنفسا في مثل الظروف التي نمر بها ام انه يتجاوز اهتمام اللبنانيين لكثرة الاعباء في بلد يئن من كثرة المآسي والهموم وقد بات انسانه وفق الاحصاءات من اتعس شعوب العالم يجيب:
الفن متنفس، وهو ايضا في وضع صعب وقد لا يحل عند البعض في قائمة الاولويات، ومن هنا وقع الاختيار على عنوان" ما بين بين"للمهرجان ، وهدفه تسليط الضوء على هذه المرحلة، الواقعة ما بين حدث معين صعب جدا وحدث آخر. ونحن في لبنان نعيش في دورات دائمة من الصعوبات فأردنا من جانبنا الاضاءة على هذا الذي "ما بين بين" حيث الفنانون مهمشون. هؤلاء لا يستطيعون التوقف عن العمل لان فيه معنى وجودهم. وفي مساحة ال" ما بين بين" هذه يستردون ما يخسرونه في الفترات الصعبة، ما يبقينا أصحاء ونشطاء وجاهزين للتحدي. ويضيف مارك:
لقد سألني البعض هل يمكن لبيروت ان تحمل فنا وهي منهكة؟ وأجبت بان الفن هو من يحمل بيروت و يحملنا لنرى بعضنا البعض ، ولنرى بعضا من الامور الجميلة.
تشبيك وشراكات ...
وعن الدعم المادي للفنانين وهم بالنهاية بحاجة اليه في ظروف "استثنائية" في لبنان بشكل دائم تقريبا، يؤكد مارك:
مهمتنا العمل مع مؤسسات معينة تساهم في تطوير القطاع ككل. إن ميزانية المركز الثقافي البريطاني محدودة لذلك نرى ان عملنا يجب ان يكون تأسيسيا على المدى الطويل اكثر منه دعما ماديا. الدعم المادي موجود، وتقدمه اكثر من مؤسسة للفنانين، ما يساهم في خلق توازن معين. اما المركز الثقافي البريطاني فأنه يعمل بدعم متواضع، وعلى هذا الاساس تجدون برامجنا تأسيسية، نحاول ان تفكر مع الفنانين كيف يمكنهم تخطي المرحلة الحالية من خلال تشبيك وشراكات نحاول خلقها. من هنا فإن عملنا تحضيري يعتمد على الشراكات وفرص الصمود كما وفرص العمل المشترك، كما بصداقة نحاول تعميقها ما بين الجهات الفاعلة الثقافية في لبنان والمملكة المتحدة، محافظين على التبادل والمحادثات ذات المنفعة المتبادلة مع الإيمان القوي بتأثيرها الإيجابي على الجانبين. ولهذا الغرض سيستضيف المهرجان ١٥ مندوباً من المملكة المتحدة لتطوير العلاقات والمبادرات مع محركي القطاع الثقافي والإبداعي في لبنان وخلق تعاون ما بين مؤسسات بريطانية ومؤسسات لبنانية وهذه يمكن ان تقدم دعما كبيرا.
ولما نستعيد مع مارك الحب الكبير الذي نعرفه جميعا عن السفير البريطاني الأسبق في لبنان "توم فلتشر" وان كان السفير البريطاني الجديد "هاميش كاول" يشاركه في ذلك يجيبنا معركش بالتأكيد على ان "بيروت بتنحب" من قبل كل من يعرفها وعلى الرغم من كل الصعوبات، وبان سعادة السفير الجديد يبدي اهتماما كبيرا بها وبشكل خاص بالثقاقة والفنون والتربية.
البرنامج...
يقدم مهرجان"ما بين بين" برنامجًا متنوعًا من ٢٣ نشاطاً - بما في ذلك المعارض والعروض المسرحية والراقصة والتركيبات والحفلات الموسيقية والندوات وإطلاق المنشورات وفرص للتشبيك - في ٩ مساحات مختلفة في بيروت، ويتم تحقيقه بالشراكة مع ٢٨ كيانًا ثقافياً مختلفا.
وفي تفصيل للبرنامج الذي يمكن الدخول الى مختلف فعالياته مجانا بعد حجز مسبق، فإنه يبدا الاربعاء في 16 الجاري في مصنع أبرويان بافتتاح معرضين رئيسيين للفنون البصرية - قراءات متعارضة في التسلسل الزمني
Anatomy of a Fall "و " Imagine that Tomorrow"
"، وهما يسلطان الضوء على انطباعات الماضي ورؤى المستقبل من منظور ٢٢ فنانًا بصريًا ناشئًا. وعلى الجانب الآخر من الشارع ، تستضيف سينما رويال مسرحيتين
She-Wolves"
"التي تروي قصص حاكمات إنجلترا المنسيات من خلال عدسة نسوية؛ و
Leatherface "
"التي تتعمق في نفسية زوجين بعد وحي صادم. وفي الوقت نفسه، يتم إطلاق "
Beirut Narratives"
في تكرار ثانٍ للتركيب، يدعو الجمهور لمشاركة أجزاء من ذكرياتهم وانعكاساتها حول انفجار مرفأ بيروت.
اما الخميس ١٧ الجاري فيركز النهار بشكل خاص على الرقص.ويكون العرض الأول
Before You Go"
"، وهو مسار رقص اختباري يقدم عروضا مختلفة لأكثر من ٦ راقصين، تنتمي لأنواع رقص مختلفة. يبدأ العرض في الطريق لينتقل مع الجمهور إلى قصر سرسق. اما العرض الثاني: "المحاق"، أيضاً في قصر سرسق، فإنه يقدم ٦ راقصات وموسيقيين يدققون في قتل النساء في العصر الحديث من منظور موازٍ لقتل الساحرات في القرنين السادس والسابع عشر.
كتاب ومجلة...
وللكتب نصيبها في المهرجان، إذ يتم إطلاق كتاب
Fetch Your Mother's Heart"
" لـ"ليزا لوكس "وهو مجموعة من القصائد حول العنف والنزوح
لقاء ويتناول قطاع الرقص
" All Hands On Deck
"من خلال دعوة المحترفين للمناقشة واتخاذ الإجراءات التي تساعد بتنمية القطاع.
اما في "ستايشن"، فيتم إطلاق مجلة
" AMBIT 248"
التي تطرح فكرة الحرب من خلال تفسيرات فنية جديدة. ويتخلل الحدث معرضًا لمساهمات الفنانين في المجلة ويختتم بأداء شعر.
بعد ذلك، سيسلط حفل إطلاق
SHURUQ"
"الضوء على مشهد موسيقي جديد من لبنان بثلاثة عروض مختلفة.
اما في نهاية الاسبوع، فيعقد حدث احترافي للتعارف السريع (فرصة للتواصل) لبدء تبادلات مثمرة بين الفنانين الناشئين وأكثر من 25 محترفا لبنانيا وبريطانيا. توستمر المحادثات بشكل غير رسمي خلال الكشف عن
FIELDS OF POWER
"، وهي جدارية تعاونية حول الوعي البيئي وتمكين المرأة، والتي تجري أيضا في"
" Beirut Digital District
بالإضافة إلى ذلك ، سيتم افتتاح التركيب الرقمي
Nine Earths"
" بحيث يستكشف هذا التركيب العلاقة بين الأحداث اليومية والاستخدام البشري المفرط لموارد الأرض.
وفي وقت مبكر من المساء، يتم إطلاق عمل فكاهي جديد لـ
Art of Boo"
"بعنوان
The Philosopher "
" بمعرض وحديث في مركز جريدة السفير.
وتنطلق بعد ذلك، مسرحية "فطائر ببندورة" لهبة نجم لتأخذ الجمهورعلى طريق اكتشاف الحياة والحب والسمية والموت من خلال عرض تشاركي.
و في الليل، سيستكشف
Echo in the Dark"
"نماذج جديدة من التعايش البيئي في عمل فني منسوج من الموسيقى والاداء التشاركي وسيفسح المجال لاحفلة في
"B018 "
اما الاحد 20 الجاري فيبدأ النهار بجولة لاستكشاف فن الشارع بين الحمرا وعاليه. خلال فترة ما بعد الظهر، ستعرض "إلعب" مجموعة مختارة من الألعاب الإلكترونية اللبنانية، وستناقش القطاع من التصميم إلى التطوير.
وفي المساء، تصور مسرحية
Fled"
"ممثلين يرثان دون وعي أدوار شخصيتهما، العمل يبني على المساحة المألوفة الآن بين الرغبة في المغادرة والمغادرة فعليا.
وبعد خمسة أيام من الاستكشاف الفني، يختتم المهرجان بإصدار خاص من مسرحية "فرحة"، ويدعو الجمهور إلى زيارة شقق مختلفة في مبنى من ثلاثينيات القرن العشرين في برج حمود، وإلقاء نظرة خاطفة على الحياة الحميمة لسكانها، ومشاهدة الاستعدادات لحفل زفاف في الفناء - رمز المجتمع، والتجارب المشتركة والبهجة.
ومنصة من غوتيه ...
يذكر ان حفل اطلاق مهرجان الثقافي البريطاني تزامن مع اطلاق منصة "أرت إيفولوشن"
(ArtEvolution)
التي اسسها معهد "غوته"- لبنان لدعم التعاون داخل المشهد الثقافي والمدعوم من الوزارة الخارجية الألمانية، وهدفها فتح المجال أمام الانتاج الفني المتعمق، وتوفير مساحة لتطوير ناشط ملتزم اجتماعيًا في لبنان في حين يمرّ البلد ومشهد الثقافة فيه بمرحلة حرجة، فضلا عن دعم التعاون في المشهد الثقافي لتبادل المعرفة والتجارب ولتحفيزالالهام وتزويد الفنانين الشباب والممارسين في المجال الثقافي ومجال الفنون التمثيلية بالبنية التحتية التربوية المهمة لمتابعة ممارساتهم الفنية..
حول هذه النشاطات المختلفة، وبموجب ادارتها ل شركة "ميروز كومونيكاشين" التي اسستها والتي تعنى بالجانب الاعلامي والتواصلي لمختلف الانشطة الثقافية والفنية، تقول السيدة جومانة رزق ان بيروت تحفل بالاحداث والنشاطات الثقافية التي تعم ايضا في العديد منها مختلف انحاء لبنان، وهي تبث نوعا من الايجابية في ظل الوضع المنهك والناس المتعبة، ما يشكل من خلال الثقافة، نوعا من النضال ورفضا للامر الواقع والاقتصاد المزري، مؤكدة على تفاؤلها الاكيد "طالما هناك افرادا ومؤسسات وجمعيات تناضل للابقاء على الوجه الثفافي والحضاري للبنان معطية كنموذج "مهرجان المجلس الثقافي البريطاني" الذي يشكل خير دليل على الاهتمام بالتواصل والحوار واللقاء والمشاركة والتشبيك مع اوروبا وغيرها.