بقلم عبير أنطون
قد يكون البحر ايها اللبنانيون منقذنا من حالة الخواء التي أٌغرقنا فيها، حتى أضحى التفتيش عن اي مسرب يخرجنا من الاجواء الملبّدة التي نرزح تحتها بعيدا عن الوجوه السياسية الكالحة عينها والالسن الخشبية نفسها بمثابة الانقاذ لنفوس حان لها ان ترتاح مع اشخاص وكتب واقلام وافكار جديدة، وهذا ما تتيحه اليوم اكبر مكتبة عائمة وصلت الى شواطئنا لاسبوعين حاملة الينا الاف الكتب بأسعار هي بالمتناول بعدما ارتفع الدولار حاجزا بيننا وبين الكثير من الكتب، الاجنبية بشكل خاص، لعدم القدرة على اقتنائها بسبب اسعار الصرف.
فما هي هذه المكتبة الآتية الينا من عباب البحر بادارة من منظمة "دجي بي اي شيبس" الالمانية؟ لماذا قصدت لبنان الذي ترسو في مرفأ عاصمته لمدة اسبوعين؟ ما الذي تحمله لنا على متنها وما الرسالة من خلفها؟
"الافكار" تحملكم في نزهة بحرية على متن السفينة الثقافية...
بثمن بطاقة رمزي يبلغ عشرين الف ليرة لبنانية يمكنك الدخول كملك متوّج الى باخرة" لوغوس هوب" السفينة العائمة بالكتب التي وصلت الى مرفئنا اللبناني محتضنة الاف الكتب، بقيادة البريطاني" جيمس بيري". الكل هنا يرحب بك، يصافحك ويستقبلك بابتسامة ثقافية حضارية حلوة تأتيك من كل من المتطوعين الأربعماية المختلفي الجنسيات والاتين اليك من 65 بلدا من حول العالم. هؤلاء يشكلون طاقم السفينة، ومنهم من يلبس بفخر زيّه الوطني التقليدي. اما هدفهم جميعا، الاول والاخير فإنما هو" مشاركة المعرفة والمساعدة والامل مع الناس في انحاء العالم كافة".
في كافة انحاء العالم، عبارة بكل ما للكلمة من معنى. فالسفينة التي تبحر منذ أعوام في البحر، تجوب الشطآن المختلفة، تزورالبلدان ولا تتوانى حتى عن الرسو في بلدان تعيش حروبا وأزمات. اليوم هي في لبنان قادمة اليه من قبرص، وبالامس القريب كانت في ليبيا، وهناك كان انقسام حول رسوها، وعلى الرغم من ذلك فإنها قامت بمهمتها على اكمل وجه، وهذا ما اشار اليه الكاتب والباحث الليبي د.جبريل العبيدي بالقول انه "على الرغم من اللغط الذي صاحب وصول السفينة الى ليبيا بين مرحب، وهم الأغلبية، وبين رافض، وهم أقلية، بحجة أن السفينة تتبع إحدى الجمعيات التبشيرية، فقد كان القائمون على السفينة متعاونين لأبعد حد ووافقوا على حجب أي كتاب أو عنوان يثير الجدل وقدموا قائمة بالكتب للسلطات الليبية وإدارة مراجعة الكتب بوزارة الثقافة الليبية التي درست القائمة وحجبت بعض الكتب التي لا تتماشى مع القيم والعادات الليبية، لترسو السفينة بسلام في ميناء بنغازي البحري الذي كان قبل بضع سنين تحتله الجماعات التكفيرية وتمنع حتى إبحار سفن الغذاء منه وإليه"..
للاطفال حصة كبيرة!
زيارة "لوغوس هوب" اكبر مكتبة عائمة في العالم الى لبنان اليوم ليست الاولى، فهي سبق ان كانت في ضيافتنا في العام 2010، وقد تعرفنا على هذه الباخرة- المكتبة وهي إحدى سفن الأسطول التابع لمنظمة
"GBA"الخيرية، وقد بدأت رحلات الأسطول منذ عام 1970، وعلى مدار نصف قرن استضافت المنظمة على متن سفنها، أكثر من 49 مليون زائر في أكثر من 150 دولة وإقليم حول العالم رحلاتٍ بحريّةٍ بلا توقُّفٍ إلى أغلب الموانئ الدولية.
يضم معرض الكتب العائم هذا نحو خمسة آلاف كتاب باللغتين العربية والانكليزية. وهذه المطبوعات مبوبة بشكل منظّم، فيها المتخصصة بعالمَي المرأة والرجل، وثمة كتب علمية واخرى تحفيزية ومجموعة من الكتب الدينية والقسم الاكبر من المعرض مخصص لكتب الاطفال، كما تتنوّع مواضيعها بين العلوم والرياضة وفن الطبخ والفنون والطب والمعاجم واللغات باللغتَين العربية والإنجليزية.
وامام اللبنانيين، ستكون الابواب مفتوحة، طلابا ومثقفين ومحبي مطالعة من الساعة 9 صباحا ولغاية 10.00 ليلا، وذلك لغاية 3 كانون الثاني ( يناير)2023، فتشكل الباخرة جسرا إلى بر العلم والمعرفة، وواحة لمحبي القراءة بعدما لم يعد شراء الكتب المستوردة في متناول معظم اللبنانيين، بفعل الضائقة الاقتصادية والمعيشية"التي يشهدها البلد. اما على متن "لوغوس هوب" فتطرح هذه للبيع باسعار مخفضة.
ابعد من الكتب...
بابتسامته الواثقة، يشرح مدير المكتبة العائمة" مايك نغوارو" المتحدر من زيمبامبوي و الذي يعمل على متن السفينة منذ ستة اعوام ان لهذه المبادرة رمزيتها في تشجيع الناس ومجتمع بكامله على القراءة شارحا ان في المكتبة العائمة هذه مجموعة كبيرة من الكتب المتنوعة للكبار والصغار، مضيفا انهم يحاولون الحصول على الاصدارات الحديثة قدر المستطاع"، وملاحظاً أن زاور السفينة يهتمون عادة بالكتب الادبية عموما وكتب الاطفال.
من ناحيته، يوضّح مدير السفينة والطاقم الماليزي" ادوارد ديفيد " أن الهدف من حضور السفينة الى بيروت اتية من قبرص وافتتاح معرضها العائم يتمثل في "تَشارُك المعرفة والرجاء والامل مع اللبنانيين، مشيرا الى ان "المكتبة تجول العالم لتشجيع كل مواطن على المطالعة والقراءة في لغات عديدة للتزود بأكثر والتعرف على ثقافات أخرى" وبانها ستغادر متجهة الى مصر في اول اسبوع من كانون الثاني/يناير، داعيا اللبنانيين الى زيارة السفينة والتفاعل مع طاقمها مشددا على انها" ليست سفينة ومعرضا للكتاب فحسب، بل هي أبعد من ذلك، إذ تمثل رؤية تصنع فرقا وتساهم في تطور الانسان وتقدم المعرفة من خلال الكتب المعروضة. كما تقدم السفينة بالإضافة إلى الكتب، نشاطات عديدة منها مهرجان موسيقي ومسرحية للأطفال".
مرتضى: الامل كل ما نحتاجه!
وزير الثقافة اللبناني محمد مرتضى اكّد في خلال رعايته وافتتاحه فعاليات الباخرة المكتبة في المرفأ و التي يعد قص الشريط فيها طقسا من طقوس انطلاق فعالياتها، وفي حضور كابتن الباخرة والطاقم الى جانب عدد من السفراء والهيئات الثقافية والأدبية والتربوية، ان اسم السفينة "لوغوس هوب " يعني الكلمةُ والأمل، ليزيد: "الامل كلُّ ما نحتاجه لبناء الوطن (...) والكلمةَ هي المرجعيةُ الإيجابية التي تحل كل العقد، وتَخفض سقفَ التشنجاتِ والعصبيات، وما أروع ما سميت به "لوغوس هوب". وهل من أمل إلا في أن تعلو الكلمة على كل شيء، وتصير سيدة الحياة الإنسانية؟
وذكر مرتضى ان "التاريخ القديم دوّن في صفحاته أن مراكب انطلقت من عندنا، من شط جبيل، حاملة إلى بلاد الإغريق، ومنها إلى العالم أجمع، أثمن كنز عرفته الحضارة، هو الأبجدية. وها هو التاريخ الجديد يستعيد صفحاته تلك المشرقة، عبر هذه السفينة التي تجوب المياه حاملة على متنها آلاف الكتب، لتكون مكتبة مائية متنقلة مباحة لجميع الشعوب.
واضاف مرتضى انه سبق للباخرة أن زارت لبنان وأتاحت للمهتمين والمثقفين الصعود إلى متنها والاغتناء بما تحمله من معارف، كما زارت مدناً وعواصم ومرافئ أخرى على امتداد الشطوط. من أجل ذلك، فأنه مشروع برأيه السؤال:"ما دامت الوسائل الرقمية الحديثة تسمح لمن يريد بأن يقرأ أي كتاب وهو مستلقٍ في غرفة نومه، فلماذا كل هذا العناء والسفر في دوار البحر وجعل باخرة مكتبة عائمة؟ والجواب عندي، يقول مرتضى، أن الرسالةَ التي توجهها هذه السفينة للبشرية جمعاء، هو أن البوارج وحاملات الطائرات والغواصات ليست هي التي تصنع الحضارة مهما احتوت من معدات وتقنيات وعصارة علوم، ذلك لأنها تحمل أشياء الحرب، وبمعنى آخر إنها تحمل أدوات القتلِ والموت. أما الكتاب فلا يحمل إلا الحياة، والحضارة في حقيقتها سجل الحياة. من هنا تصبح هذه السفينة جسر صداقة بين الشعوب".
يُذكر انه خلال وجود السفينة في بيروت، ستوفد إدارتها فريقا لزيارة احد المستشفيات، وستقيم مبادرات كثيرة على متنها، من بينها "أنشطة فنية وتربوية للصغار تنشر معنى الصداقة وتحمل قيماً"، على ما قال لوكالة فرانس برس مدير ارتباط الموانىء" نيدين سباستيان".