تفاصيل الخبر

"مهرجان بيروت للصورة" في موسمه الثاني:مرفأ بيروت، شيرين أبو عاقلة، فلسطين... ونجوم "الزمن الجميل"!

17/09/2022
"مهرجان بيروت للصورة" في موسمه الثاني:مرفأ بيروت، شيرين أبو عاقلة، فلسطين... ونجوم "الزمن الجميل"!

انفجار المرفأ... ذكرى مدينة.

 

بقلم عبير أنطون

 

 هل من "زمن جميل" نركن اليه في أيام بيروت الحزينة حالياً؟ وهل إذا ما استعدناه بالصورة نقع تحت تأثيره الايجابي ولو لساعات قليلات؟ وهذا "الزمن الجميل" الذي عرفته "ست الدنيا" ونجومها الى أي مدى هو كفيل بأن ينسينا مآسي ووجوهاً وجراحاً لم تبارح وجداننا بعد، وقد دخلته عميقاً كمثل وجه الصحافية الشهيدة شيرين أبو عاقلة، ووجوه ضحايا الرابع من آب في مرفأ بيروت، كما وايضاً وجوهاً من فلسطين وتاريخها ومدنها وأحيائها والرحلات اليها، وهي اليوم ترزح تحت النار والرماد؟

المعرض الذي يقدمه "مهرجان بيروت للصورة" تحت عنوان "الذاكرة" يجمع هذا كله وأكثر. فما هي أجنحة هذا المهرجان الذي انطلق في الأول من ايلول - سبتمبر الجاري والمستمر حتى نهايته وينتشر في أماكن مختلفة من العاصمة؟ ما هي الصور الفريدة التي يقدمها، من هم الذين التقطوها، وما الرسائل منها؟

عدسة "الأفكار" تلتقط الأجوبة...

هي النسخة الثانية من "مهرجان بيروت للصورة" عقب توقفه بسبب جائحة كورونا. وكان المهرجان انطلق في العام 2019 بهدف "خلق مساحة لتعزيز ونشر ثقافة الصورة في لبنان والعالم العربي، وإبراز مواهب اليافعين والشباب، مع التأكيد على دور بيروت كنقطة تفاعل ثقافي وحضاري وإعلامي، والتركيز على الصورة كعامل أساسي في أحداث التاريخ وكشف أوجه الحياة الإنسانية المختلفة، وحفظ هذه التجربة ببعديها التوثيقي والفني. ويتضمن المهرجان إقامة معارض للصور الفوتوغرافية في بيروت ومختلف المناطق اللبنانية، مع تنظيم ندوات ولقاءات حوارية حول إشكاليات الصورة، وإقامة برامج التبادل الثقافي في مجال التصوير، بمشاركة نحو مئة مصور وأكثر".

 

المرفأ... وشيرين

 اختيار "الذاكرة" عنواناً لهذه الدورة إنما يأتي للدلالة على الأحداث المهمة التي حصلت في الفترة الأخيرة، بينها انفجار مرفأ بيروت كما وايضاً استشهاد الصحافية شيرين أبو عاقلة. وقد تلقى المنظمون عدداً كبيراً من الصور أرسلها 571 مصوراً من 65 بلداً تضم لبنان والعالم مع 66 جنسية مشاركة، إلا أن ضرورات التحكيم واختيار الأعمال المشاركة قلصت العدد إلى 99 مشاركاً من 28 بلداً و30 جنسية تقدمها المصريون والعراقيون واللبنانيون.

 وقد بلغ عدد المصورين العرب المشاركين 66 مصوراً من 10 دول عربية بينهم 11 مصوراً لبنانياً، بالإضافة إلى 33 مصوراً أجنبياً من 20 دولة.

 

حفل افتتاح المهرجان الذي تنظمه جمعية "مهرجان بيروت للصورة" و"دار المصور" و"اتحاد المصورين العرب جرى في باحة وزارة الثقافة برعاية وزيرها القاضي محمد وسام المرتضى، وبمعرضين يخلّد أحدهما ضحايا انفجار مرفأ بيروت تحت راية "ذكرى مدينة" ويضمّ أعمالاً للمصورة الفوتوغرافية شيرين يزبك، تحت عنوان "ذلك اليوم الذي مُتُّ فيه"، إلى جانب أعمال أخرى متفرقة لـ"دار المصور" ومصورين آخرين فيما يشكل الثاني تحية الى الصحافية الشهيدة شيرين ابو عاقلة.

  تحية الى شيرين أبو عاقلة.

ذكرى مدينة...

 فبعد عامين على مأساة الرابع من آب وانهيار اجزاء من اهراءات القمح في المرفأ مؤخراً، ما زالت الذكريات تفطر القلوب. هذه الذكريات هي ما قرّرت المصوّرة اللبنانية شرين يزبك تخليدها. ويزبك التي تابعت دراسات الإنتاج السينمائي في باريس، كانت تعاونت مع وسائل إعلام دولية مختلفة، وصورت صراعات مختلفة حول العالم، عادت إلى بيروت لتروي قصة مدينتها. وفي العام 2013 كان لها معرضها بعنوان "بيروت تُدمّر" وتروي فيه دمار العاصمة اللبنانية من عام 1991 إلى عام 1996.

  ولطالما كان الدمار في بيروت جزءاً من حياة شيرين. فهي ولدت في الحرب، وكانت في الخامسة من عمرها لما راحت الحرب الأهلية الشنيعة تدمر مسقط رأسها، وسرعان ما فهمت ما يعنيه الخوف والدمار وهي المشاعر التي تلاحقها حتى اليوم.

ومع تعرف شيرين على التصوير الفوتوغرافي، بدأت في تخليد ما تراه الناس، المناظر الطبيعية، الأحياء  ثم بمرور الوقت، أصبحت كاميرا Canon AE-1 امتداداً ليدها، محولة مشاعرها ورؤاها للعالم إلى لقطات مذهلة.

في صورها في المعرض البيروتي اليوم تكريم لأرواح شهداء المرفأ، من خلال صور الملابس والأوشحة على الأرض وما تركه الانفجار الهائل وما تناثر منه لأناس كانوا أحياء قبل لحظات وفقدوا حياتهم تحت أنقاض مدينتهم. وكأنها بصورها تلك تريد شيرين تحقيقاً حقيقياً. تصور لتفهم، تريد أن تعرف الحقيقة، محولة كاميرتها أداة علمية، وكأنما صورها "صور للطب الشرعي". قصاصات القماش والأحذية وقطع الأدوات تضحي دليلاً في تحقيق معقد للغاية. كل هذه القرائن هي اليوم شاهد مباشر على أعمال العنف غير العادية التي هزت الميناء في نهاية يوم صيفي. وتقدم هذه الصور مصدراً حقيقياً للذاكرة، وتحيي الأرواح التي فقدت، وتلك المنسية، وتلك التي انقلبت رأساً على عقب... هي ذكريات لميناء سكنته ذات يوم بهجة الحياة وحب القلوب وتغير فيه كل شيء...

 

اللقاء الأخير...

 بغير آلام المرفأ، يأتي المعرض الثاني في "مهرجان بيروت للصورة" تحت عنوان "تحية إلى شيرين أبو عاقلة" الصحافية الفلسطينية الأمريكية التي لفظت انفاسها في 11 أيار/ مايو 2022 بجنين في الضفة الغربية برصاص الجيش الإسرائيلي.

التحية لشيرين تأتي من خلال عرض فيلم "اللقاء الأخير" مع معرض صور بمشاركة مجموعة من المصورين الفلسطينيين: عمار عوض، محفوظ أبو ترك، معمر عوض، موسى الشاعر، إياد الطويل، بيان جعبة، جعفر اشتيه، ديالا جويحان، ريناد الشرباتي، عزات جمجوم، فايز أبو رميلة، فواز طوباسي، محمود عليان، مصطفى الخاروف، ناصر ناصر، معاذ الخطيب من القدس والذي تُعرض له صور شيرين أبو عاقلة في النعش مع تجمع الناس حولها.

 وفيلم "اللقاء الاخير" كانت بثته قناة الجزيرة التي كانت شيرين مراسلتها، وهو لقاء مصور معها حول مسيرتها المهنية مع القناة منذ التحاقها بها. وتروي شيرين في هذا اللقاء، تفاصيل حول تغطية للأحداث في فلسطين، وأبرز المحطات التي قامت بتغطيتها منذ 25 عاماً. وتذكر ابو عاقلة في "اللقاء الاخير"، تغطيتها اجتياح إسرائيل للضفة الغربية، ومدينة جنين ومخيمها، وحصار الشهيد الرئيس ياسر عرفات في مقر المقاطعة في مدينة رام الله، والانسحاب الاسرائيلي من غزة.

كما يتضمن الفيلم لقطات مصورة من تغطيات الشهيدة خلال 25 عاماً، مرفقاً بتعليق شيرين على الأحداث، ومن أبرز ما ذكرته هو اتصال الشهيد أبو جندل ومكالمته الأخيرة التي وجه فيها نداءً للعالم يطالب فيه التدخل لوقف العدوان.

 وقد تحدثت شيرين في "اللقاء الأخير" ايضاً عن أصعب اللحظات التي مرت بها.

 سميرة توفيق... شاهدة على الزمن الجميل.

قبل النكبة...

وحول فلسطين وأهلها ايضاً، يأتي معرض "فلسطين... حياة" بعيون المصور خليل رعد وهو معرض تكريمي، بالتعاون مع مؤسسة الدراسات الفلسطينية، ويتضمن صوراً تاريخية من أرشيف المصور رعد توثق الحياة اليومية ومشاهد طبيعية، وصوراً من المدن والقرى الفلسطينية ما قبل النكبة، وذلك في قاعة المعارض في مؤسسة الدراسات الفلسطينية، شارع فردان.

 وفي السياق الفلسطيني ايضاً، يقدم "مهرجان بيروت للصورة" معرض "طهران، القدس، بيروت - رحلة آلفرد" للمصور الإيراني الفرنسي آلفرد يعقوب زاده، وهو يجسد صور رحلة بين آلام وآمال ثلاث دول، منذ ثمانينات القرن الماضي، ويقام المعرض هذا في مبنى جريدة السفير.

أما المعرض العام للمهرجان فيقع المكتبة الوطنية اللبنانية، بيروت، الصنايع، ويتضمن مشاريع تصوير متنوعة لـ٣٨ مصوراً من أنحاء العالم. يجمعها محور "الذاكرة"، وتختلف بين التحقيقات الإخبارية والقصص الشخصية الحميمية وفولكلور وثقافات لشعوب متنوعة.

 من المعرض العام.

الزمن الجميل"..."

على ضفة أخرى، لا بد ان يتفاعل الزائر لـ"مهرجان بيروت للصورة" ايجاباً مع معرض "شاهد على الزمن الجميل" لعدنان ناجي، وهي صور من أرشيفه الخاص فيها مجموعة صور النجوم اللبنانيين والعرب، من ستينات وسبعينات القرن الماضي، كمثل فيروز وأم كلثوم وصباح وشوشو، وغيرها من الأسماء التي ملأت الوسط الفني بالجمال والإبداع وذلك في مبنى جريدة "السفير". وفي إحدى هذه الصور نقع على نجمة الغناء البدوي الفنانة سميرة توفيق بكامل أناقتها وإشراقتها في لقطة تعيدنا الى زمن كان فعلاً "زمناً جميلاً"، ذاك الذي عاشت فيه بيروت ونجومها الألق والتميز.

 

  "طهران، القدس، بيروت - رحلة آلفرد" للمصور الإيراني الفرنسي "آلفرد يعقوب زاده".