تفاصيل الخبر

زينة دكاش من الكوميديا التلفزيونية الى معالجة نفسية بالدراما!

30/09/2016
زينة دكاش من الكوميديا التلفزيونية الى معالجة نفسية بالدراما!

زينة دكاش من الكوميديا التلفزيونية الى معالجة نفسية بالدراما!

 

بقلم عبير انطون

5-(2)------1

تطور علم النفس مُذ سبرت اغواره مع رائد مدرسة التحليل النفسي الدكتور النمساوي <سيغموند فرويد> الا انه للاسف لم يواكَب، في سجون لبنان على الأقل، بتطور مقاربته والارتكاز على جديده في ما يخص حالات المساجين، وهم في لبنان ليسوا بالعدد القليل والمرشح طبعا الى الازدياد داخل السجون كما خارجها، مع ما نعيشه من حالات جنون عامة وخاصة وفي كل المجالات. واذا كانت الاحصاءات تشير ان نسبة اللبنانيين الذين يتعاطون المهدئات لامراض نفسية وعصبية بلغت ذروتها مؤخرا ( 50 بالمئة من اللبنانيين يتعاطون ادوية للامراض العصبية بحسب اطباء من ذوي الاختصاص في الطب النفسي <greenarea.me>، فإن تلطيف التعابير قد يكون الايجابية الوحيدة ربما في حاضرنا اللبناني لما لمصطلحاتنا السابقة من <مجنون ومعتوه وممسوس> من وقع ثقيل لا زال يستخدم للاسف في <قانون العقوبات> الصادر في العام 1943 والمتأخر بثلاثة وسبعين عاما عن مصطلحات الطب النفسي وجديده.

 

شفـــــــاء تـــــــام؟!

لكن، ومع الجديد في الطب النفسي، هل يمكن الحديث عن شفاء كامل لذوي الاضطرابات العقلية والنفسية والعصبية؟ وهل يمكن التوصل الى الشفاء التام من الاعراض وهو الشرط الوحيد لانهاء محكومية اي سجين او سجينة حوكموا في لبنان بموجب هذه الاضطرابات؟

الجواب عند جمعية <كاتارسيس> مع رئيسة مركز العلاج بالدراما زينة دكاش، الممثلة المعروفة. فمن خلال ورشات عمل امتدت خلال سنتين، وبعد تحليل النصوص القانونية والاحكام القضائية في لبنان وإجراء دراسات معمّقة للقوانين المرعية لدى الدول العربية والغربية والإتفاقيات الدولية والانظمة الاوروبية، وانتاج مسرحية <جوهر في مهب الريح> التي أدّاها السجناء في رومية (ومنهم مرضى نفسيون) خلال شهر أيار/ مايو 2016، كانت الضرورة الملحة لمُناصرة تعديل واستحداث قوانين لتحسين الوضع النفسي والقانوني للسجناء ذوي الأمراض النفسيّة والسجناء المحكومين بالمؤبد. لهذا السبب اطلقت <كاتارسيس> اقتراح القانون من عقر مجلس النواب في هذين الشأنين، فما هي الدراسات والاحصاءات التي تم العمل بموجبها للاقتراح الجديد؟

اصــــــل الحكايــــــــة..

من المادة (232) من <قانون العقوبات> كان الانطلاق. المادة الجافة كانت زينة لمستها حقيقة واقعة من خلال سجينتين بقيتا رهن الاحتجاز لمدة 38 عاما، ومن خلال السجينة (ف - م) ) بشكل خاص. وكانت قضت اكثر من 11 عاما في السجن ليطلق سراحها في شهر آذار/ مارس 2016، بعد 4 سنوات من المراجعات للمحكمة. فالسجينـــــة( ف - م) كان قد تم <اعفاؤها من العقاب وحجزها في مأوى احترازي لحين شفائها>، وقد اهدتها زينة دراسة المركز <حول المرضى النفسيين في السجون اللبنانيـــــة> بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي والتي كانت حجر الاساس لاقتراح مشروع القانون الجديد حول المرضى النفسيين.

فقصة هذه السجينة ليست فردية او استثنائية، ويرزح تحت حكمها عدد كبير. وتكفي العودة الى مسرحية <جوهر في مهب الريح> التي اطلقتها زينة سابقاً في سجن رومية لنستمع الى اكثر من قصة حقيقية في هذا المجال، من واقع حياة السجن، عن مرضى نفسيين وعقليين يروون معاناتهم التي وثقتها دكاش من خلال مركز <كاتارسيس> حتى تدجج بها حجج مطالبتها بالتغيير القانوني لاحكام مواد من <قانون العقوبات>.

 تقول زينة: <في العام 2012 كنت في سجن بعبدا لجلسة من جلسات العلاج النفسي للسجينات، فاذ بسجينة معروف عنها عدم مغادرتها لزنزانتها تنضم الينا وكانت المرة الاولى التي تقوم فيها بذلك. استغربنا وسألناها عن مدة محكوميتها فأجابت: <لا وضوح في الحكم الصادر بحقي. ربما انا محكومة بالسجن المؤبد>. وبعد الاستفسار عن وضعها القانوني تبين ان الحكم الصادر بحقها يقضي بـ<حجز المتهمة في مأوى احترازي (اي في الجناح المخصص للمضطربين النفسيين) حتى ثبوت شفائها بقرار تصدره المحكمة>. والمحكمة كما هو معروف، تعمل بنص القانون ومواده، وتنص المادة (232) منه على انه <من يثبت اقترافه جناية او جنحة مقصودة وقضي بعدم مسؤوليته بسبب فقدانه العقل حجز بموجب فقرة خاصة من حكم التبرئة في مأوى احترازي.. ويستمر الحجز الى ان يثبت شفاء المجنون بقرار تصدره المحكمة>. وهنا لب الموضوع. فهل يمكن الحديث عن شفاء تام مع الحديث عن مرض نفسي؟ واي محكمة قادرة على اثباته؟>.

تؤكد دكاش انه <لا يمكن لطبيب نفسي ان يكتب في تقريره ان المريض قد شفي. فهو علميا لا يشفى بل يصبح في حالة الاستقرار> من هنا اقتراح القانون لتعديل هذا المصطلح في المادة (232) من <قانون العقوبات> من عبارة <يستمر الحجز الى ان يثبت الشفاء> الى <يستمر الحجز الى ان يثبت استقرار...> فالابحاث العلمية الحديثة يمكنها البت باستقرار حالة المريض وليس شفاءه، وبناء على القانون المعمول به حتى الآن والذي يربط انتهاء المحكومية بالشفاء الكامل، قد يقبع المريض النفسي في زنزانته الاحترازية الى ما لا نهاية، ويصبح السجين منسياً خلف القضبان، وعادة ما يكون وضع السجينة اسوأ، ذلك ان المأوى الاحترازي الذي افتتح في رومية العام 2002 لا يستقبل سوى الرجال فيما السجينات يبقين في غرف معزولة او يختلطن مع الاخريات، مع ما قد يشكل ذلك من خطر على أنفسهن وعلى الباقيات. صحيح ان للمرضى النفسيين طاقماً من الاطباء انتدبتهم وزارة الصحة للوقوف على وضعهم والاشراف عليه الا ان مهامهم محددة، وهي لا تمتد على مدار الاسبوع. ومن هذا المنطلق، جاء في اقتراح القانون صلاحية متابعة ملفات السجناء واقتراح تنفيذ عقوباتهم الى لجنة تنفيذ العقوبات لاسيما ان احد اعضاء اللجنة هو طبيب نفسي متمرس في الحالات الجرمية، وبالتالي ينقل الاقتراح صلاحية البت باطلاق سراحهم الى محكمة الاستئناف الناظرة في تخفيض العقوبات، فضلاً عن منح هذه المحكمة صلاحية اجراء تحقيقات حول المطلق سراحهم. أما المحكمة التي تصدر الحكم، فتصبــــح بموجب الاقتراح ملزمـــــة باعتمـــــاد سجـــل خاص بالاحكام الصادرة بحق المصابين باضطرابات نفسية.

 الى ذلك، يفضي الاقتراح الجديد الى التخلص من حصرية خيارات القاضي بالمأوى الاحترازي الوحيد الموجود، ويمكنه احالة مرتكب الجرم او المرتكبة المصابة باضطراب نفسي اما الى المأوى الاحترازي او الى المستشفيات النفسية والعقلية. وقد تبين من خلال الدراسة حول الصحة النفسية التي اعدها مركز <كاتارسيس> العام الماضي ارتفاع معدل انتشار الاضطرابات الذهانية واضطراب <ثنائي القطب> (بي بولير) في سجني رومية وبعبدا مقارنة بالمجتمع المحلي، كما سجل الاكتئاب ضمن فئة الاعراض الاكثر انتشاراً يليه اضطراب ضغوط ما بعد الصدمة وسوء استخدام الكحول والمشاكل الجسدية التي سببها اضطرابات نفسية.

5-(12)------2 

 الكرة في ملعب المجلس!

 

 بات اقتراح القانون الجديد اليوم في عهدة مجلس النواب، ومن بين ما تناوله باصرار: تغيير التعابير وتطوير اللغة المستخدمة في توصيف الحالات <فلا معاتيه> ولا<مجانين او ممسوسين> انما اشخاص يعانون من <انعدام القدرة على التمييز والتحكم بالافعال> من ضمن ما يسمى بـ<الامراض العقلية والنفسية>، كما تضمن الاقتراح حذف المدمنين على المخدرات والكحول من المادة (234) من <قانون العقوبات> واعتماد عبارة: <المدمن على تعاطي المخدرات والكحول>، ذلك ان لهذه الفئة قانوناً خاصاً بها في موقع آخر من <قانون العقوبات>.

 بعد ان توصلت دكاش سابقا الى العمل بقانون <تنفيذ العقوبات> الذي ينص على خفض مدة عقوبة بعض المحكوم عليهم، ومن بعدها <جرم الزنا> الذي اضاءت عليه من خلال سجينات بعبدا، ومن ثم دخولها الى <مستشفى الفنار للامراض النفسية والعقلية والعصبية>، وإضاءتها ايضاً على قانون العمل لناحية العمال الاجانب، هل ستنجح اليوم في تغيير واقع السجناء ذوي الامراض العقلية او النفسية في لبنان وتغيير وضعهم في ظل القوانين الجزائية من خلال <اقتراح قانون متعلق بالمرضى العقليين أو النفسيين مرتكبي الجرائم، واقتراح قانون لإيجاد حل لإشكالية اطلاق سراح المحكومين بالمؤبد> الذي تم ايداعه مجلس النواب؟

تأمل دكاش خيرا خاصة ان الاقتراح يجري <من دون تحميل الخزينة العامة تكاليف اضافية>، و<التحدي الآن امام المجلس> يعاونها في ذلك مجموعة من النواب بينهم غسان مخيبر، ايلي عون وميشال موسى الذين احالوا الاقتراح على مجلس النواب بعد توقيعه من عشرة نواب، فضلاً عن معاونتها ودعمها من قبل شريحة واسعة من القضاة اللبنانيين والاجانب وممثلين عن وزارات العدل والداخلية والبلديات والصحة والشؤون الاجتماعية والحقوقيين ومدراء السجون والجمعيات من ضمن المشروع الممول من الاتحاد الأوروبي، فماذا سيكون مشروع زينة المقبل، واية مياه راكدة ستحرك؟