متأخرة جاءت زيارة الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية السفير حسام زكي الى لبنان الاسبوع الماضي لــ "يعرض خدماته" على الدولة اللبنانية في ما يمكن ان تقوم به الجامعة للمساعدة على "ايجاد الحلول" للأزمة الراهنة في لبنان لاسيما منها الأزمة الاقتصادية والمالية الحادة التي يرزح تحتها اللبنانيون. ذلك ان الجامعة العربية التي تواجه هي الاخرى أزمة "تناقضات" مواقف الدول العربية وتوجهات معظمها الى التطبيع مع اسرائيل، وجدت نفسها عاجزة عن القيام بأي دور في "لجم" اندفاعة بعض الدول نحو اسرائيل، فارتدت صوب لبنان تبحث فيه عن دور لن يكون ممكناً ولا فاعلاً في ظل استمرار التناقضات العربية والخلافات التي لم تتمكن الجامعة من ايجاد حلول لها.
واللافت ان السفير زكي حرص منذ بداية تحركه في قصر بعبدا ولقائه مع رئيس الجمهورية العمـــاد ميشال عون، على القــول ان "لا مبــادرة عربية" في جعبتــــه، بل ان زيارتـــه هي "للسؤال" و"التقييم" و"عرض المساعدة"، مع علمه بأن جدول الاعمال الاقليمي والدولي قد يجعل المسألة اللبنانية تتراجع في صدارة الاولويات. وكرر زكي ما تقوله دول كثيرة من أن تشكيل الحكومة الجديدة "هو مدخل حقيقي للمجتمع الدولي لمد يد العون في هذا الوضع الصعب"، مشيراً الى ان هناك "حساسيات" وخلافات لا يمكن انكارها وان الهدف من تدخله ليس نكء هذه الخلافات، بل الهدف هو "المساعدة ". ولم يقل زكي جديداً عندما تحدث عن اختلاف واضح حول مسألة تشكيل الحكومة، وانه اقتنع كثيراً بالطرح الذي أبداه رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، وربما يلقى استحساناً دولياً سيساهم في اخراج لبنان من المأزق الذي يواجهه".
وشدد زكي على "اننا لا يمكننا ان نطرح مبادرة الا بعد التنسيق مع الجميع، وهذا يستوجب موافقة مختلف الافرقاء اللبنانيين، الا اننا لم نصل الى هذه المرحلة بعد". وعما اذا من الممكن ان يتم جمع جميع الافرقاء على مائدة واحدة، ذكر زكي ان "هذا الامر ممكن، لكن يبدو لي ان الامر الآن هو بين فريقين او حزبين سياسيين، والمسألة يمكن ان تحسم من خلال المزيد من الحوار والتواصل".
التاريخ يعيد نفسه
هكذا وبكل بساطة اخرج زكي زيارته من اي طابع جدي وأدرجها في سياق الاستطلاع "وتمضية الوقت" ومحاولة ملء فراغ في الحركة السياسية اللبنانية في تلك الفترة ما دفع بالمراقبين الى استذكار المحطات غير المشجعة التي لعبتها جامعة الدول العربية في مسار حل الازمات اللبنانية المتلاحقة وهو ما اشار اليه الامين العام السابق عمرو موسى في كتابه الاخير الذي نشرت فصولاً منه جريدة "الشرق الاوسط" السعودية، مع العلم انه كان يعرف التفاصيل اللبنانية كافة، لكنه مع ذلك لم يوفق في الوصول الى حلول عملية للازمة التي كانت تعصف بلبنان آنذاك وانتهت مبادرته واضعاً الازمة في حينه في المنطقة الرمادية بين التشاؤم والتفاؤل. ويرى مراقبون ان انطباعات موسى بالامس تصلح للوضع الراهن وان ما سيحمله الامين العام احمد ابو الغيط ومساعده حسام زكي سيكون مماثلاً لما حمله موسى في العام 2007 مع اختلاف ان حكومة الوفاق الوطني التي نادى بها عامذاك استحالت في العام 2020 حكومة اختصاصيين مستقلين وغير حزبيين!.
من هنا فإن زيارة زكي لم تحمل معها جديداً وان كان صارح المسؤولين اللبنانيين بأن ابتعاد بعض العرب عن لبنان - ولاسيما الدول الخليجية - يعود الى دور حزب الله في الازمات العربية لاسيما في سوريا والعراق واليمن ما يعني ان لا مساعدة عربية او خليجية مرتقبة قبل توضيح دور الحزب ومستقبله كحزب سياسي وطرف عسكري في حروب الجوار اللبناني.
واللافت ان الرئيس عون الذي يعرف "قدرة" الجامعة على التأثير على الدول الاعضاء فيها طرح موضوع النازحين السوريين مطالباً بدعم عربي لموقف لبنان الداعي الى اعادتهم الى بلادهم، وهو يدرك جيداً ان هذا الطلب سيكون - مثل غيره - مجرد طلب من الدول العربية التي لا تبدي اهتماماً بأوضاع النازحين وتترك لدول اخرى ان تدخل على الملف السوري وتتصرف بالازمة وتداعياتها الداخلية والخارجية وفق حساباتها!
ولعل من نافل القول إن الجامعة التي لم تستطع ان "تجمع" الدول الاعضاء ولو افتراضياً، لا تبدو قادرة الآن على فعل اي شيء للبنان، سوى "الاستطلاع" والتقييم وتقديم عروض للمساعدة تعرف قبل غيرها انها عروض على ورق!.