تفاصيل الخبر

زيارة «كيري » لبيروت ثمرة جهد «هيل »... ولا جديد فيها: إجراء الانتخابات الرئاسية يوازي ضرورة تفعيل الحكومة!

13/06/2014
زيارة  «كيري » لبيروت ثمرة جهد  «هيل »... ولا جديد فيها: إجراء الانتخابات الرئاسية يوازي ضرورة تفعيل الحكومة!

زيارة «كيري » لبيروت ثمرة جهد «هيل »... ولا جديد فيها: إجراء الانتخابات الرئاسية يوازي ضرورة تفعيل الحكومة!

لم يتطرق الى أسماء المرشحين واكتفى بتحديد مواصفات تنطبق على كثيرين...

 salam-kerry

من حق السفير الأميركي في بيروت <ديفيد هيل> أن <يفاخر> بالإنجاز الديبلوماسي الذي حققه الأسبوع الماضي، إذ تمكن من <انتزاع> رئيسه وزير الخارجية الأميركية <جون كيري> من الوفد الرئاسي الأميركي الذي كان يتجول في أوروبا، وأتى به الى بيروت في زيارة خاطفة كان وعد <كيري< بالقيام بها قبل سنوات لكنه لم يفعل رغم وعود متكررة أبلغها الى الرئيس السابق ميشال سليمان بالتوقف في بيروت، كما كان يفعل عندما كان رئيساً للجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الأميركي... إلا ان <كيري> <وفى بوعده> متأخراً وأتى بعدما غادر الرئيس سليمان قصر بعبدا.

وإذا كانت زيارة <كيري> <لم تقدم ولم تؤخر> في المسار <المكربج> الذي يعتري الاستحقاقات السياسية في لبنان وأبرزها انتخاب رئيس جديد للجمهورية، إلا انها <خرقت> الجمود الذي تعيشه الحياة السياسية اللبنانية منذ ان تراجعت الحماسة لانتخاب رئيس جديد، وحلّ بدل عن ذلك الاستحقاق، نقاش بدأ ولما ينتهي بعد حول آلية عمل الحكومة التي آلت إليها صلاحيات رئيس الجمهورية بعد شغور الموقع الرئاسي الأول، لينافسه أيضاً الخوف من تعطيل المؤسسة الدستورية الأم، أي مجلس النواب.

والذين تسنى لهم لقاء الوزير <كيري> في بيروت أو تابعوا أحاديثه وأطلقوا على مضمون محادثاته مع الرئيسين نبيه بري وتمام سلام والبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، خرجوا بانطباعات مختلفة التقت في معظمها على أن رئيس الديبلوماسية الأميركية أتى الى العاصمة اللبنانية ليضمن وصول رسائل <تطمين> من الإدارة الأميركية بأنها تتابع الملف اللبناني عن قرب، خلافاً لغالبية المعلومات التي تتحدث عن تراجع هذا الملف في سلم الأولويات الأميركية، وأنها لا تزال تولي أهمية للوضع في لبنان، مع ضرورة انتخاب رئيس جديد للجمهورية تختاره القوى السياسية اللبنانية. صحيح أن <كيري> لم يدخل في لعبة الأسماء ولا أبدى <حماسة> للإسراع في إنجاز العملية الانتخابية، إلا أنه بدا من خلال اهتمامه بضرورة تفعيل عمل الحكومة التي آلت إليها صلاحيات الرئيس، وكأنه يدرك أن <الشغور> في رئاسة الجمهورية يمكن أن تملأه الحكومة وفقاً لصلاحياتها الدستورية، وبالتالي لا خوف من <الفراغ> الذي يهول به كثيرون.

الأولوية للاستقرار الأمني

إلا أن أهم ما أتى به <كيري>، وفقاً لمصادر ديبلوماسية متابعة، تأكيده على نحو لا يقبل الشك، أن ثمة أولوية لبنانية تتمسك بها واشنطن، ولا مجال لتقديم أي تنازل فيها، وهي المحافظة على الاستقرار والأمن في لبنان، وإبعاده عن تداعيات الحرب السورية، مع إبراز الاهتمام بأوضاع النازحين وتقديم مساعدة مالية لتأمين بعض من حاجاتهم. وبدا الوزير <كيري> واضحاً مع محدثيه، بأن لا شيء يستحق <التضحية> بالاستقرار والأمن في لبنان، لاسيما في ظل جوار متفجر يخشى أن يصدّر أسباب تفجره الى الداخل اللبناني <الواقف على الشوار> منطلقاً الى عدم <هزه> لأي اعتبارات. لكن هذا الحرص قابله حرص آخر وهو رفض <كيري> الدخول في أسماء مسترئسين أو تقديم اقتراحات، وهو سمع من كثيرين ممن التقاهم، <مقترحات> و<مواصفات> إلا أنه آثر عدم إبداء أي رأي واضح في شأنها، وإن كان قد طرح أسئلة كثيرة حول أحد المرشحين، ولم يكن <كثيفاً> بأسئلته عن مرشحين آخرين، لكن ذلك اندرج في إطار <معرفة> الشخص المرشح من خلال الحصول على أجوبة على مجموعة من الأسئلة التي طرحها <كيري> في سياق الأحاديث التي دارت بينه وبين مستقبليه. وهكذا لم يخرج <كيري> في الشق الرئاسي من أحاديثه عن <العموميات> و<الكليشهات> التي اعتاد طرحها منذ بدء الحديث عن الاستحقاق الرئاسي.

باسيل-هيل

وقد فهم الجانب اللبناني من <كيري> انه في غياب الأمل بانتخاب رئيس جديد، لا بد من المحافظة على ما تبقى من مؤسسات دستورية وعدم تعطيل العمل فيها لاعتبارات مختلفة، ولعل <حصر> زيارته برئيسي مجلس النواب ومجلس الوزراء من دون غيرهم من وزراء أو سياسيين له بينهم أصدقاء، الدليل الكافي على ما تعلقه الإدارة الأميركية من أهمية على دور المؤسستين الدستوريتين في غياب رئاسة الجمهورية، علماً أن حال <الستاتيكو> الذي تعيشه البلاد حالياً لا <تزعج> الأميركيين كثيراً لأن الهم الأبرز هو المحافظة على الهدوء ريثما تتبلور نتائج الاتصالات الجارية بالنسبة الى الملف الرئاسي. وقد التقى قياديون في 8 و 14 آذار على وصف زيارة <كيري> بـ<زيارة رفع العتب>، فيما ذهب آخرون الى القول ان السفير <ديفيد هيل> نجح في إتمام الزيارة بعدما سمع كلاماً كثيراً و<كبيراً> عن <تهميش> واشنطن للبنان قيادات وسياسيين ومسؤولين. وقد أتت الزيارة لتثبت العكس، حسب المفهوم الأميركي، ولتتزامن مع بدء حلقات جديدة من الدعم العسكري الأميركي للجيش اللبناني والقوى الأمنية الأخرى، علماً أن هذا الملف بحثه بعد يومين من مغادرة <كيري>، قائد القيادة الوسطى في الجيش الأميركي الجنرال <لويد أوستن> الذي التقى قائد الجيش العماد جان قهوجي، وتناول البحث خلال هذه المحادثات كل الملفات العالقة، لكنها ركزت بصورة خاصة على الإسراع في تقديم المساعدات العسكرية الأميركية للجيش اللبناني، مع استطلاع مضمون الأسلحة والآليات التي سيشتريها لبنان من فرنسا بتمويل سعودي، لاسيما وانه سبق للبنان أن تحفظ - وجارته السعودية - على تضمين المشتريات أسلحة معينة لا يحتاجها الجيش اللبناني قياساً الى المهمات التي يقوم بها.

لا خيار رئاسياً لدى واشنطن

وفيما ذكرت معلومات ان رئيس الديبلوماسية الأميركية <سعى> الى اقناع القيادات اللبنانية بإنجاز الاستحقاق الرئاسي اللبناني قبل نهاية الصيف، من دون أن يقدم آلية عمل ومعطيات تضمن فعلاً حصول الاستحقاق قريباً. أشارت معلومات من مصادر ديبلوماسية موثوق بها الى ان الوزير <كيري> لم يوحِ في كلامه بأي معلومات تظهر خياراً أميركياً رئاسياً، علماً أنه بدا بوضوح مشجعاً للحوار القائم بين القيادات السياسية - اللبنانية (في إشارة الى حوار عون ــ الحريري) من دون أن يدخل في التفاصيل. أما بالنسبة الى اللقاء مع البطريرك الراعي، فإن كل المعلومات صبّت في اتجاه واحد، وهو طمأنة اللبنانيين المسيحيين بأن واشنطن حريصة على موقع رئاسة الجمهورية والى أنها لن تؤفر جهداً من أجل إنجاز الاستحقاق في أسرع وقت ممكن، علماً أن توقيت زيارة <كيري> واللقاء مع البطريرك تزامنا مع عودة سيد بكركي من زيارته الى الأراضي المقدسة المحتلة، وما أثارته من ردود فعل على مختلف المستويات. وقد حرصت مصادر السفارة الاميركية في بيروت على القول ان الوزير <كيري> لم يدخل لا من قريب ولا من بعيد في تفاصيل زيارة البطريرك للأراضي المحتلة، على الرغم من إشارة البطريرك الى حصولها في معرض حديثه في <العموميات> في بداية حواره مع الوزير <كيري> الذي تم داخل دار مطرانية بيروت المارونية في منطقة الأشرفية لتعذر انتقال <كيري> الى بكركي بسبب ضيق الوقت. واكتفى <كيري> بتهنئة البطريرك على الزيارة وعودته سالماً الى بكركي.

وفيما وجد الوزير <كيري> في بيروت منبراً للتعليق سلباً على حصيلة الانتخابات الرئاسية السورية وفوز الرئيس بشار الأسد فيها، فإن دعوته للجانب اللبناني بعدم الاعتراف بمفاعيل هذه الانتخابات، أربكت بعض الشيء المسؤولين اللبنانيين، فذهب بعضهم الى الحديث عن <استمرار العمل بخيار النأي بالنفس>، فيما رأى البعض الآخر أن <كيري> تجاوز الأصول والأعراف الديبلوماسية عندما طلب من لبنان ذلك، وان من الأفضل لو لم يفعل، لاسيما وأن موقف واشنطن من الحرب السورية معروف، وكذلك موقف لبنان <الرسمي> الذي لا يمكن إحراجه بطلبات مماثلة!

دور حزب الله في حل الأزمة السورية

كيري-1

وعلى الرغم من أن الوزير الأميركي لم يحذُ حذو زملائه السابقين بتخصيص محطة في الزيارة للقاء قوى 14 آذار لإعلان التضامن معها أو التزام تأييدها، فإن السفير <هيل> تولى وضع قيادات 14 آذار ورؤساء الحكومة السابقين والنائب وليد جنبلاط في صورة المواضيع التي طرحها <كيري> خلال لقاءاته، مع خلاصة لما سمعه من ردود فعل وتعليقات. غير ان الأبرز في محطة <كيري> <البيروتية> كان مطالبته سوريا وحزب الله وايران بالمساعدة على إيجاد حل سياسي للأزمة السورية والذي فُسر وكأنها خطوة غير مسبوقة للانفتاح على حزب الله الموضوع على لوائح الإرهاب الأميركية، ما استوجب سلسلة من التوضيحات والشروح ألقت في معظمها <الخطأ> على الترجمة وأعادت الإدارة الأميركية تكريس ثوابت سياستها تجاه حزب الله وحركة <حماس> كونهما من <المنظمات الإرهابية>! لكن هذه التوضيحات لم تلغِ صدور مثل هذا الموقف عن <كيري> الذي <تلقفته> قيادة المقاومة إيجاباً إذ يعني - حسب مصدر مطلع فيها - اعترافاً بدور الحزب الممتد إقليمياً وبارتقائه الى المستوى الذي يتجاوز عملياً  مستوى حزب محلي في بلد بحجم لبنان. كذلك سجلت قيادة حزب الله خلو كلام <كيري> من أي تعابير <عدوانية> ضد الحزب، واختياره كلماته بعناية، بدليل ان الكلمة التي تحدث بها الوزير <كيري> الى الإعلاميين، كانت مكتوبة ولم تُرتجَل ارتجالاً، وهو أتى بعيد ساعات من إجراء الانتخابات الرئاسية السورية التي اعتبرتها الادارة الاميركية <صفراً> (Zéro). وفي رأي القيادة نفسها ان كلام <كيري> حول دور لحزب الله في إيجاد حل في سوريا يلتقي مع تحولات تدريجية وحذرة بدأتها الإدارة الأميركية في الآونة الأخيرة، لاسيما في أفغانستان حيث سجل انفتاح على <طالبان> لم يكن حاصلاً في السابق، فضلاً عن الحديث عن <الرعاية> الأميركية غير المباشرة للتقارب الذي حصل بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس وحركة <حماس>، وأدى الى تشكيل <حكومة شراكة> سياسية بعد طول انقطاع، لاسيما وان لا أحد يعتقد أن الرئيس الفلسطيني أقدم على خطوات الانفتاح مجدداً على <حماس>، من دون <تشاور> مع الأميركيين وحصوله منهم على <ضوء أخضر>، أو على الأقل <عدم عرقلة> مثل هذا الاندماج. واعتبر المصدر في قيادة المقاومة ان ما كان يُقال عن <هامش> واسع لتحرك السفير الأميركي في بيروت <ديفيد هيل> في تعاطيه مع الملف الرئاسي اللبناني وانفتاحه على سائر الأطراف اللبنانيين، تأكد خلال زيارة الوزير <كيري> الذي تحرك لبنانياً تحت <سقف> رسمه السفير <هيل>، وهو يشبه الى حد ما، ما يبديه السفير الأميركي من رغبة في التواصل مع جميع مكوّنات المجتمع اللبناني، ولاسيما منها حزب الله الذي يبدو ان واشنطن قررت إسقاط <جدار> القطيعة معه ومباشرة اعتماد قراءة جديدة لمواقف الحزب من دون أن يعني ذلك تخلي الإدارة الأميركية عن ثوابتها في مكافحة الارهاب والمنظمات الإرهابية التي لا يندرج حزب الله في عدادها ــ حتى الآن على الأقل ــ  وفقاً للمعايير الأميركية والأوروبية.

إلا ان الملفت في الأحاديث التي دارت خلال زيارة <كيري> لبيروت، عدم الإشارة ــ مباشرة أم غير مباشرة ــ الى جديد الحوار الايراني ــ الاميركي حول السلاح النووي، في حين أعطي للحوار السعودي - الايراني بعض الحيز خلال النقاش حول مستقبل العلاقات بين دول المنطقة، وبدا ان الاتجاه الأميركي هو <تشجيع> مثل هذا الحوار من دون الإفصاح عن أي مؤشرات على ان إمكانية نجاحه واردة في مدى قريب!