تفاصيل الخبر

زيارة ”هيل“ إلى لبنان..التوقيت والمضمون!

26/12/2019
زيارة ”هيل“ إلى لبنان..التوقيت والمضمون!

زيارة ”هيل“ إلى لبنان..التوقيت والمضمون!

 

بقلم علي الحسيني

قبل أن تحط طائرة مساعد وزير الخارجية الاميركية <دايفيد هيل> على أرض مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، كانت حدة المواجهات الميدانية بين المتظاهرين من جهة والقوى الامنية من جهة أخرى قد وصلت إلى أعلى مستوياتها قبل أن تُستكمل وبشكل تصاعدي وخطير مع تسمية الوزير السابق حسان دياب لتأليف الحكومة خلفاً لحكومة الرئيس المستقيل سعد الحريري. والمُلاحظ أن التعويل على زيارة <هيل> من الجهات الرافضة لأي وجود لـحزب الله في الحكومة أو لجهة سعيه تأليف مظلة سياسية تحمي اختياره حسان دياب لهذه المهمة إلى جانب حلفائه وتعليق آمالها على إعلان أميركي يُطيح بتسوية <الحزب> الحكومية، إذ بخيبة أمل تصيب الجهات بعدما تبيّن لها أن زيارة المبعوث الأميركي للبنان، تصب فقط بمصالح أميركية وإسرائيلية، تبدأ بالترسيم الحدودي وتنتهي يصفقة القرن.

 

عن زيارة الترسيم والبحث عن التسويات!

حتى الساعة، لم يدخل ملف ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل بعد، مرحلة الطمأنينة نظراً للمعوقات والخلافات الكثيرة التي تواجه المفاوضات القائمة بين الجهتين تحت إشراف الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأميركية. فعلى ما يبدو أن الخلافات حول الآلية التي يجب أن تُتبع في عملية التفاوض أبرزها التنصّل الإسرائيلي من بعض الشروط، قد أوصلت الجميع إلى طريق متعرّج أصبح من الصعب فيه الإستمرار بالتفاؤل الذي كان عمّ الأجواء خلال مرحلة سابقة، وكانت على أساسه طُرحت العديد من المواقف المُسبقة صبّـت بمعظمها تحت عنوان <لبنان إلى التنقيب عن النفط>. من هنا تأتي زيارة <هيل> إلى لبنان في محاولة منه لاستكمال ما كان جرى البحث فيه سابقاً سواء بما يتعلق بترسيم الحدود البحرية والبرية بين لبنان وإسرائيل، أو ما يتعلق بعمليات التنقيب عن النفط بالإضافة إلى حل الخلافات الحاصلة حول البلوك 9، حتى ولو لم تكن هناك اجوبة إسرائيلية واضحة ونهائية حتى الساعة حول كل ما يتعلق بالطروحات الاميركية والدولية.

وعلى الخط نفسه، ثمة سعي أميركي دؤوب لإنتاج مجموعة دول تُسوّق معها لفكرة <صفقة القرن> ويُعتبر لبنان واحداً من هذه الدول التي تطمح الإدارة الاميركية لتطويعها ضمن المخطط هذه إن لم يكن أبرزها. من هنا ترى أوساط دبلوماسية أن تأثيرات هذه الصفقة على لبنان لن تكون ذات وجه واحد، ففي حال موافقة لبنان على القبول بها تحت ضغوط أميركية مشدّدة ومتنوعة أو حتى تسوية ما على غرار ما يُحكى اليوم في ما يتعلق بعملية تأليف الحكومة، فأول ما يمكننا التطرق إليه هو التّغيير الجغرافي وترسيم حدود بحريّة جديدة مع إسرائيل والقبول بخطّ <هوف> الذي يقتطع ثلث المنطقة الإقليميّة اللبنانيّة الغنيّة بالنفط والغاز لمصلحة إسرائيل، كما سيواجه لبنان انفجاراً شعبياً نتيجة توطين نصف مليون لاجئ فلسطيني مقيمٍ في لبنان حالياً، كشرط إسرائيلي أساسي لإتمام الصفقة مما سيؤدي إلى تغيّر ديموغرافي ملحوظ وبعثرة في التوازن الطائفي الّذي يقوم عليه النظام اللبناني.

حزب الله يستبق الزيارة: واشنطن تراهن على الفوضى!

من جهته كان عبّر حزب الله عن موقفه من زيارة <هيل> بكلام لعضو المجلس المركزي في <الحزب> الشيخ نبيل قاووق قال فيه: لا أهلاً ولا سهلاً بـ<ديفيد هيل> إلى لبنان، هذه الزيارة يُراد من خلالها تأجيج التوترات التي تستهدف الإستقرار كما الفوضى لأن الإدارة الأميركيّة تراهن على الفوضى للضغط على المقاومة ولإبتزاز الموقف اللبناني بوجه العدو الإسرائيلي. وأشار إلى أن أميركا لم تكن أبداً في موقع الصداقة للبنان فهي شريكة بكل نقطة سُفكت في عدوان تموز

(يوليو) ٢٠٠٦، وتقف إلى جانب إسرائيل في الضغط على لبنان فيما يتعلّق بترسيم الحدود البريّة والبحريّة.

ولا بُد من التذكير أن زيارة <هيل> السابقة إلى لبنان في كانون الأوّل (يناير) الماضي، كانت ركزت على ضبط أنشطة <حزب الله> الأمنية في الجنوب، وعلى وقف بناء الأنفاق، وعلى تثبيت الهدوء على الخط الأزرق، إضافة إلى البحث في ملف ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل. وفي آذار الماضي، زار وزير الخارجيّة الأميركي< مايك بومبيو> بيروت، مُستكملاً البحث في هذه القضايا. أما اليوم، فإن زيارة <هيل> الجديدة فقد ركزت بشكل خاص على الجانب السياسي من نُفوذ حزب الله ضُمن التركيبة اللبنانية، وليس على أنشطته العسكرية والأمنيّة فحسب. وليس بسر أن الجانب الأميركي كان رفع ضُغوطه تدريجياً في المرحلة الأخيرة، من مُجرّد مُقاطعة حزب الله، إلى مُقاطعة حلفائه مع توقع أن تبلغ الإدارة الأميركية قريباً، مرحلة مقاطعة أي حُكومة تضمّ ممثلين عن <الحزب>، أو أقلّه أن تتعامل معها بشكل جاف وخال من أي دعم. ولائحة العُقوبات الجديدة التي صدرت وطالت شركات وشخصيّات لبنانيّة متنوعة، هي خير دليل على هذا التوّجه.

والمؤكد ما لا يقبل الشك، أن <الثنائي الشيعي> الذي يرفض الذهاب إلى حكومة مُواجهة أقله حتى تاريخه، يرفض أيضاً تشكيل أي حكومة وفق شروط الولايات المتحدة الأميركية أو صندوق النقد الدولي، أو أي جهة خارجية أخرى، وهو كان تحضر لشن حملة إعلاميّة رفضاً لتدخل الإدارة الأميركيّة في الشؤون اللبنانيّة، ورفضاً لضُغوطها المُمارسة على خط تشكيل الحكومة، لكن يبدو أن الثنائي قد ارتأى تأجيل المواجهة خصوصاً بعد لمسها كلاماً ايجابياً نوعاً ما من <هيل>، مفاده بأن بلاده لن تتدخل في عملية تشكيل الحكومة وان كل ما يهمها هو حكومة منتجة تقوم بما يلزم لاخراج الوضع المأزوم مما هو فيه، وضمان سلامة الحراك وحق اللبنانيين في التعبير عن آرائهم.

بيان السفارة الأميركية: ما يهمنا الإلتزامات فقط!

يوم الجمعة الفائت وزّعت السفارة الأميركية في بيروت تصريح <هيل>، وذلك بعد اجتماعه برئيس مجلس النواب نبيه بري والذي وصف بـ<اللقاء الأبرز> من بين اللقاءات التي عقدها مع المسؤولين اللبنانيين، حيث قال فيه: لقد اختتمت للتو اجتماعاً مع رئيس مجلس النواب نبيه بري. وأنا في لبنان اليوم، كما قلت عندما زرت مقام الرئاسة، بناء على طلب وزير الخارجية <مايك بومبيو>، للقاء القادة اللبنانيين من اجل البحث في الأوضاع الحالية هنا في لبنان. وتعكس زيارتي هذه قوة الشراكة بين بلدينا. وتابع: لقد نقلت إلى الرئيس بري الرسالة عينها التي نقلتها إلى الرئيس عون، بأننا نحث القادة السياسيين في لبنان على الالتزام وعلى إجراء إصلاحات هادفة ومستدامة يمكنها أن تقود إلى لبنان مستقر ومزدهر وآمن.

وقال: نحن نعتقد بأن الوقت قد حان لترك المصالح الحزبية جانباً، والعمل من أجل مصلحة لبنان، من خلال دفع عجلة الإصلاحات وتشكيل حكومة تستطيع إجراء تلك الإصلاحات والقيام بها. وكما قلت، الولايات المتحدة ليس لديها أي دور في تشكيل الحكومة، إن من يختار رئاسة الحكومة واعضاءها هو الشعب اللبناني. كما وزعت السفارة تصريح <هيل> بعد اجتماعه بالرئيس سعد الحريري، حيث قال: ليس للولايات المتحدة الآن دور أو قرار ولا رأي في من يقود او يؤلف حكومة في لبنان. قادة لبنان المنتخبون من الشعب هم الوحيدون القادرون على القيام بذلك. ما يهمنا جميعاً هو ما اذا كان قادة الاحزاب والمجتمعات اللبنانية سيوفون بالتزاماتهم لخدمة شعب لبنان عبر الاستجابة للحاجات والاصوات التي نسمعها. وعندها فقط يمكن للمجتمع الدولي أن يساعد اللبنانيين على تحقيق امكاناتهم لتطوير هذا البلد.

 

ماذا قرأت <14 أذار> في الزيارة؟

 

بحسب مصدر قيادي في <14 أذار> أنه من الطبيعي أن يكون <هيل> قد تطرق مع محدثيه الى موضوع الاحتجاجات وتداعياتها على القرار السياسي، وهو قد أبلغ رسالة دعم قوية من واشنطن لا تقتصر على الحركة التغييرية ضد الفساد، بل أيضاً أن واشنطن مع الشعب اللبناني، وبأنها تسعى إلى تقديم المساعدات في المجالات التي تركت الاحتجاجات تداعيات عليها، لاسيما في مجالي الاقتصاد والنقد.

ويقول المصدر نفسه: لقد حمل <هيل> إلى المسؤولين في لبنان مجموعة رسائل حازمة وعلى قدر كبير من الأهمية وهي انه ممنوع <اللعب> بالتوازنات الطائفية. ولا بد من التشديد على توقيت الزيارة كونها تتزامن مع الاستشارات النيابية لتشكيل حكومة جديدة، وهو أمر تتعامل معه واشنطن بجدية بالغة، لناحية أن المسؤول الأميركي يحمل معه تحذيراً شديد اللهجة للمسؤولين اللبنانيين، بأن إدارة بلاده لن تتهاون مع سيطرة حزب الله على الحكومة الجديدة، وأنه سيكون لهذا القرار تداعيات خطيرة جداً على لبنان، يأتي في أبرزها تخلي المجتمع الدولي عن مساعدته، في ظل الظروف الحرجة التي يعانيه، على مختلف الأصعدة.

وأشار المصدر إلى أن <هيل> طلب من المسؤولين اللبنانيين الاستماع للغة الشارع وتنفيذ مطالبه، في تشكيل حكومة اختصاصيين توحي بالكفاءة ونظافة الكف، ولديها القدرة على اكتساب ثقة المجتمع الدولي الذي يريد منها أفعالاً وليس أقوالاً. وتالياً فإنه وبقدر ما تبتعد الحكومة الجديدة عن حزب الله، بقدر ما ستجد الولايات المتحدة والدول المانحة إلى جانبها، والعكس صحيح، مؤكداً أن المساعدات الأميركية للجيش لن تتأثر بأي قرار، لأن واشنطن تعتبر أن تسليح القوى العسكرية والأمنية اللبنانية أولوية لديها تتجاوز ما عداها.

 

في مضمون الزيارة!

زيارة <هيل> إلى لبنان هي الأولى لمسؤول أميركي منذ 17 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. ومن نافل القول إن دبلوماسية <هيل> لا تعني بطبيعة الحال أنه لم يكرر موقف الأميركيين نفسه تجاه حزب الله ومعارضتهم مشاركته أي حكومة مقبلة، لكن قبولهم بمشاركة تُشبه مشاركته في حكومة الحريري السابقة، هو أمر مفروغ منه في ظل غياب البدائل أولاً، ولكون <الحزب> يُمثل فئة من اللبنانيين ولديه نواب في البرلمان. لكن المشكلة هي انه دائماً هناك من يذهب أبعد من ذلك في الإيحاء وكأن أي زائر الأميركي يأتي محمّلاً بفائض من الحماسة لتوجيه <اللكمات> لحزب الله أو الإنذارات، لكن في كل مرة يعود فيها الزوار الأميركيون إلى بلادهم خاليي الوفاض من دون تحقيق نتائج سياسية تُذكر. واليوم فإن الحرث الوحيد الذي يستطيع فيه الأميركيين تحقيق مكتسبات أو نتائج مهمة، هو دعم المؤسسة العسكرية كونها المؤسسة الوحيدة غير المحكومة من أي جهة سياسية، وهذا ما كشفته الأحداث الجارية حتى اليوم في الشارع.