تفاصيل الخبر

زيــارة ”بـومـبـيــــو“ إلـى لبـنان.. ملفـات خلافيــة وطـروحــات مُـفـخـخـــة!

21/03/2019
زيــارة ”بـومـبـيــــو“ إلـى لبـنان.. ملفـات خلافيــة وطـروحــات مُـفـخـخـــة!

زيــارة ”بـومـبـيــــو“ إلـى لبـنان.. ملفـات خلافيــة وطـروحــات مُـفـخـخـــة!

 

بقلم علي الحسيني

من المفترض أن يحل وزير الخارجية الاميركية <مايك بومبيو> ضيفاً <نوعيّاً> على لبنان هذا الاسبوع نظراً للملفات التي يحملها والتي توصف <بالثقيلة>. وبين مُرحب بالضيف الأميركي ومترقب لما سيعرضه على المسؤولين اللبنانيين، يبدو أن لبنان الرسمي بدأ يُعد منذ اللحظة الأجوبة الحاسمة والحازمة لكل ما هو متعلق بعملية ترسيم الحدود البريّة والبحرية وخصوصاً الشق المرتبط بملف النفط المتنازع عليه بين لبنان وإسرائيل التي تُصرّ على استباحة المياه الإقليمية اللبنانية.

زيارة أميركية محددة الأهداف!

خلال زيارة مساعد وزير الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الادنى <دايفيد ساترفيلد> إلى لبنان منذ فترة وجيزة، حمل الرجل في جعبته جملة مطالب بينها اعتراض علني على المساحة الواسعة التي أصبح يحتلها حزب الله داخل الدولة اللبنانية وتحديداً داخل مجلس الوزراء، وقد عبّر للمسؤولين الذين التقاهم عن امتعاض بلاده من هذا الأمر وسط تحذير من التراجع الملحوظ للقوى السياسية المناوئة للحزب. من جهته عبّر حزب الله عن امتعاضه وانزعاجه من التدخل الأميركي في الشؤون اللبنانية بشكل مباشر أو عبر مصادره، وقد ظهر هذا الاعتراض على لسان السيد حسن نصر الله خلال الاحتفال بمناسبة تأسيس <هيئة دعم المقاومة الأسلامية>، قابلته في مكان آخر قراءات داخلية مختلفة اعتبرت أن الهواجس الأميركية تصب في إطار المصلحة اللبنانية والحفاظ على وحدته وسيادته والخوف من جره إلى  محاور إقليمية.

خصوم حزب الله ذهبوا في قراءاتهم إلى أن الرسائل الأميركية التي نقلها زوّار بلاد <العم سام> خلال الفترة الأخيرة، صبّت جميعها وبشكل أساسي بضرورة النأي بلبنان عن جميع الصراعات التي تدور حوله والتأكيد على دور الجيش كجهة شرعية وحيدة مسلحة على كافة الأراضي اللبنانية. لكن في المعلومات فإن جزءاً كبيراً من المسؤولين اللبنانيين سيُركزون خلال لقائهم <بومبيو>، على أن حزب الله فريق لبناني وممثل في الحكومة، لكنهم بالتأكيد لن يكونوا مُدافعين الى حد الشراسة عن سلاحه ودوره، بل سيتطرقون اليه من باب <المقاومة>، أما في ما يتعلق بحقوق لبنان الحدودية، فستكون هناك مطالبة شرسة في هذا السياق وتحديداً في الشق المتعلق بالحدود البحرية او بما يُعرف بـ«خط هوف>.

ماذا في جعبة الزائر الأميركي؟

سيحمل <بومبيو> في جعبته قلق الولايات المتحدة من نفوذ وتصرفات حزب الله ومن يدعمونه، وسيؤكد أن تصرفاتهم تضع لبنان والمنطقة في خطر. ومن الواضح أن موقف الإدارة الأميركية من لبنان اختلف بين مرحلة الانتخابات اللبنانية وتشكيل الحكومة برئاسة سعد الحريري. فقبل الانتخابات، أعطى الأميركيون اللبنانيين فترة <سماح>، لكن بعد الانتخابات وتشكيل الحكومة، جاءت تصريحات وكيل وزارة الخارجية في بيروت، <دايفيد هايل،> ثم تصريحات سفيرة الولايات المتحدة، <إليزابيث ريتشاردز>، وبعدها <ساترفيلد>، وأكدوا جميعاً على أن القرار اللبناني يجب أن يكون بيد المؤسسات الحكومية الشرعية اللبنانية التي تعبّر عن إرادة الشعب اللبناني.

بدورها كشفت وزارة الخارجية الأميركية أن <بومبيو> سيزور أماكن عدة خلال زيارته لإسرائيل، في إشارة غير مباشرة إلى أنه سيذهب إلى الجولان، وربما إلى الحدود مع لبنان، حيث يتعمّد رئيس الوزراء الإسرائيلي <بنيامين نتنياهو> مرافقة زواره للتأكيد على أن الخطر الإيراني موجود على حدود إسرائيل فعلاً، ويجب منع إيران من <التموضع> في سوريا كما يجب مواجهة ما يفعله حزب الله في لبنان. كذلك ستكون زيارة <بومبيو> إلى لبنان مثيرة للاهتمام، فهو سيكون في عاصمة يملك حزب الله ميليشيا على أطرافها ويملك مقاعد في حكومتها ومجلسها النيابي. وهنا رد بعض الإعلام اللبناني بأن لبنان يُرحب بكل ضيف يحترم القوانين اللبنانية والدولية ولا يتدخل في شؤون البلاد الأخرى، غامزاً من قناة زيارة <بومبيو> الذي يبدو أن زيارته لن تحمل الكثير من الود حتى لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون.

وينقل عن أشخاص من داخل البنتاغون الاميركي والأمن القومي، أن الأميركيين على عكس رئيس الوزراء الإسرائيلي <بنيامين نتنياهو>، فهم يُريدون القول للبنانيين وللعالم ولإسرائيل إن إدارة الرئيس <دونالد ترمب> لا تضع كل لبنان في سلّة حزب الله، وهي تريد التعامل معه على هذا الأساس، وأن إدارة الرئيس <دونالد ترمب> لا تريد حتى التعامل مع الشيعة اللبنانيين على أنهم جميعاً في سلّة حزب الله، بل تفرق بينهم وبينه وسيكون <بومبيو> أفضل حامل للرسالة الأميركية، وقد اشتهر عنه القول في خطاب بالقاهرة <إن اعتقدت إيران أنها تملك لبنان، فهي مخطئة>.

 

وجهات نظر لبنانية غير متطابقة

تنقسم الأراء حول زيارة <بومبيو> الى لبنان قسمين، فعلى ضفّة وزارة الصحة التي تسلمها حزب الله وانطلق منها لمحاربة الفساد في الداخل، لا تُسقط مصادر الحزب من حساباتها بأن يقوم <بومبيو> بـ«الحرتقة> الداخلية من خلال التشكيك بالدور الذي يقوم به بالإضافة إلى اتهامات من قبيل <تبييض الأموال> أو استغلال الوزارات لهذا الغرض. يبدو أن الأميركي وصل الى قناعة اليوم، انه لم ولن يستطيع شطب حزب الله لا من المعادلة الاقليمية وهذا ما يؤكده الوضع الاقليمي، ولا من الداخل اللبناني وهذا ما اكدته نتائج الانتخابات النيابية ووضعه داخل الحكومة بالإضافة إلى التحالفات السياسية التي ينسجها مع غالبية الأفرقاء اللبنانيين.

من هنا، يتمنى الحزب على بعض الأفرقاء في الداخل عدم الإنجرار أو الانسياق لرغبات الاميركي والتعويل على اي دور له لضرب الحزب، فهذه الوعود التي أُطلقت قبل وبعد وخلال حرب تموز بمحاصرة حزب الله وتجريده من سلاحه، قد ذهبت مع الرياح. واليوم فإن كل ما يُحاول الاميركي القيام به اليوم هو إيجاد شرخ بين اللبنانيين لتجديد الانقسام بينهم.

في المقابل تعتبر الجهة المناوئة للحزب أن زيارة <بومبيو> تأتي ضمن سياق تعزيز دور لبنان وأمنه وإبعاده عن الحريق المشتعل في المنطقة والتأكيد على دور مؤسساته ودعم الولايات المتحدة للحكومة برئاسة الرئيس سعد الحريري ومن دون أن تنسى الدعم المُطلق لمؤسسة الجيش خصوصاً وان هناك مجموعة طائرات هجومية يُنتظر أن يتم تسليمها خلال فترة قريبة. وتعتبر هذه الجهة أن تركيبة لبنان لا تسمح لا لإيران ولا حزب الله ولا اي جهة أخرى، بجر لبنان نحو مشاريع خارجية. وهي تعتبر أن كل هذه الزيارات الدولية، إنما تصب في مصلحة تدعيم لبنان وتعزيز الاستقرار فيه، وأن ما يحصده لبنان اليوم من استقرار أمني وسياسي، هو نتيجة دعم هذه الدول وفي طليعتها الولايات المتحدة التي تواجه المشروع الايراني في المنطقة.

حطيط: هذه هي ملفات <بومبيو>

المحلل الاستراتيجي العميد المتقاعد امين حطيط يؤكد لـ<الافكار> أن <بومبيو> سيحمل معه إلى لبنان ثلاثة ملفات: ملف حزب الله بشكل مباشر وذلك بعد ان فشل <ساترفيلد> بتحريض المسؤولين من خلال وضع الدولة اللبنانية أمام أمرين، إمّا تضييق الخناق على الحزب وإما أن اميركا سوف تضطر إلى إتخاذ إجراءات صارمة بحق لبنان. أما الملف الثاني فهو يتعلق بموضوع النازحين في لبنان حيث سيطلب من لبنان عدم إنهاء هذا الملف والإصرار على عدم التطبيع مع النظام السوري خصوصاً وأن الأميركي لا يُريد اليوم إنهاء هذا الملف لأنه يعني إسقاط ورقتها السورية بشكل نهائي.

ويقول: <إن بشائر الرسائل الأميركية بدأت بالضغط على الوفد الذي اتجه الى بروكسل الذي هو لا يُعتبر مؤتمر لإعادة النازحين، بل هو مؤتمر لدوام استمرار النازحين حيث هم مع تأمين بعض المستلزمات لبقائهم في دول الجوار. وهذا الوفد اتجه إلى بروكسل لتأمين أموال من أجل إبقاء النازحين وليس تكريس حق عودتهم. ولهذا السبب تم استبعاد وزيرا الصحة وشؤون النازحين السوريين. وأضاف: <أمّا الأمر الثالث فيتعلق بالحدود البحرية لأن اسرائيل تريد أن تبدأ بالاستثمار، من هنا سيعرض <بومبيو> على لبنان القبول بالعرض الإسرائيلي <خط هوف> وهو يُعطي لبنان560 كلم مربع من أصل 860 كلم مربع على أن تحصل إسرائيل على 300 كلم مربع وإلا فإن الولايات المتحدة لن تتمكن من ردع إسرائيل هذه المرة في

حال فتحت اشتباكاً مع لبنان. وشدد على انه حتى اللحظة فإن جميع المعطيات تؤشر إلى أن موقف لبنان سيكون الرفض للشروط الثلاثة ولن يقبل بكل هذه الطروحات>.

وأوضح أن <خط هوف> يقسم المنطقة المتنازع عليها الى مثلثين، الأول شمالي يُعطى للبنان ومثلث جنوبي يُمنح لإسرائيل، ويبدأ هذا الخط من الناقورة ويصل الى نقطة بين النقطتين (1) و(23). وهنا يجب الانتباه أن مثلث الـ300 كلم مربع الذي تُعول اسرائيل على السيطرة عليه، هو النقطة الأساس  ضمن <البلوك 9>. كيف يُمكن أن يتصرف حزب الله في حال استولت اسرائيل على قسم من الحدود المتنازع عليها؟ يُجيب حطيط: <منذ البداية وضع حزب الله عنواناً لمعركة النفط هذه إنطلاقاً من أنه لن يُبادر إلى فتح معركة مع الجانب الإسرائيلي إلا في حال أعلنت الدولة اللبنانية امتلاكها هذه المساحة، فالحزب لن يقوم بالتحديد والتحرير معاً. التحديد على الدولة والتحرير على حزب الله>.

 

عن <خط هوف> والدور الروسي!

 

إذاً يحمل <بومبيو> أبرز الملفات في المنطقة إلى بيروت وهو ملف النفط، ولديه في جعبته النفطية هذه، عرض واحد للبنان، إما الالتزام بخط <هوف> لترسيم الحدود، أو أن يبقى خارج المعادلة النفطية حالياً. السياق المنطقي يشير إلى أن لبنان حتماً لن يكون قادراً على مواجهة هذا الخط الإسرائيلي القبرصي، خصوصاً أن له امتداداً عربياً، بالتوافق بين الإسرائيليين ومصر والأردن. فالغاز المصري والأردني سيمر إلى أوروبا في الأنابيب الإسرائيلية. من هنا قد يتصور البعض في لبنان أن الرهان على تجاوز هذه المخاطر والمصاعب، يتركز على العلاقة مع روسيا، خصوصاً أن شركة روسية هي المعنية بالتنقيب عن النفط في لبنان. وبالتالي، فإن روسيا ستكون قادرة على حماية لبنان من مخاطر هذا الخطّ. لكن الحقيقة في مكان آخر، وما من صراع في هذه النقطة بين الاميركيين والروس، لا بل ما كان للبنان ان يمنح عملية التنقيب لشركة روسية، لو كان هناك فيتو أميركي، كما ما كان للبنان الإقدام على تلزيم خزانات النفط في طرابلس لشركة <روسنفت>، لو لم يكن الأميركيون قد منحوا ضوءاً أخضر لذلك، بمعزل عن الكلام حول <العتب> الأميركي.

كذبة الصراع الأميركي الروسي.. ابحث عن إسرائيل

ما من صراع بين الأميركيين والروس في هذا المجال. قد يحدث تباين واختلاف في بعض الأحيان، لكن أساس الخلاف ليس جوهرياً. أساساً، الأميركيون لم يتقدموا بأي طلب للدخول في مناقصات الشركات المنقبة عن النفط والغاز في لبنان، فهم يمسكون بالمنطقة النفطية الأساسية، أي الخليج، حيث لا تقارن بنفط هذه المنطقة. وفي مقابل الشركة الروسية في لبنان، هناك شركة روسية أيضاً في إسرائيل، والشركة نفسها هي التي ستتولى تسييل الغاز وتخزينه في حقل <كاريش>، وتشرف على عملية جرّه إلى أوروبا. ولا يمكن الحديث عن صراع نفطي أميركي روسي، فيما ليس هناك أي وجود لأي شركة أميركية تنافس الشركة الروسية.

وفي السياق نفسه، فإن الحلّ الروسي لتسوية وضع حقول النفط في لبنان، في المنطقة الجنوبية، ليس بعيداً عن الحلّ الأميركي، لا في مسألة ترسيم الحدود، ولا في كيفية استخراج النفط من البلوكات اللبنانية، وتسييله، وتصديره. وينص الحلّ الروسي، على شراء الشركة الروسية للغاز والنفط المستخرجين من الحقول اللبنانية، وتسديد ثمنهما إلى الدولة اللبنانية، وبذلك تصبح هذه المنتجات ملكاً روسياً، يحق لروسيا أن تصدّرها عبر الأنابيب الملائمة لها. ما يعني أن روسيا ستعمل على تخزين النفط اللبناني في حقل <كاريش> الإسرائيلي ومنه سيتم تصديره إلى أوروبا.

 

طبارة: زيارة بومبيو ستكون مدّتها قصيرة

من جهته يعتبر سفير لبنان السابق في واشنطن رياض طبارة أن حراكاً أميركياً مكثّفاً سبق زيارة وزير الخارجية الأميركي <مايك بومبيو> لبنان، عبر مساعد وزير الخارجية الأميركية للشؤون السياسية <ديفيد هيل> وتصريح السفيرة الأميركية <إليزابيث ريتشارد> من السراي الحكومي، وزيارة مساعد وزير الخزانة الأميركية لشؤون مكافحة تمويل الإرهاب <مارشال بيلينغسليا>، وزيارة مستشار وزارة الخارجية الأميركية <ديفيد ساترفيلد>، رجل المهمّات الصعبة. وزيارة <بومبيو> تأتي لتتويج كل الحراك الأميركي السابق. كل مسؤول أميركي من الذين زاروا لبنان سابقاً تكلّم بكل ما له علاقة باختصاصه، أي أن <هيل> تحدث عن الأمور السياسية التي تهتمّ بها الولايات المتحدة في لبنان، ضمن إطار المواجهة الأميركية - الإيرانية. فيما تحدث <ساترفيلد> عن ملفات عدّة أيضاً. أما <بيلينغسليا>، فهو تحدث عن التحذير من تبييض الأموال، وأكد أن العين الأميركية مفتوحة على المصارف اللبنانية.

وأضاف طبارة: <زيارة <بومبيو> لبنان ستكون مدّتها قصيرة في العموم، ومن المرجح أنه سيقول للّبنانيين إن كل ما سمعوه من المسؤولين الأميركيين الذين سبقوه، هو سياسة الولايات المتحدة. هذا هو أهمّ ما في الزيارة، وهو لن يتكلم على الأرجح بأمور سياسية أو مالية أو في ملف <صفقة القرن>، لأن تلك الملفات تُحكى عادة مع مسؤولين بمستوى أقلّ من وزير خارجية الولايات المتحدة الذي يشكل رأس هرم السياسة الأميركية، خصوصاً أن لا مجال للكلام على تلك الأمور ضمن زيارة مدّتها قصيرة زمنياً. وحول مساوىء تعاطي لبنان باستخفاف مع الزيارة الأميركية، قال طبارة: <الله يساعدهم. لا أعتقد أن أحداً في لبنان يريد تفشيل زيارة <بومبيو>، خصوصاً أنه سيؤكد للمسؤولين اللبنانيين أن ما سمعوه سابقاً يشكل سياسة واشنطن الجديدة في الشرق الأوسط، وأي تحييد عن هذه السياسة ستكون لها عواقب وخيمة حتماً>.