تفاصيل الخبر

زيـــــاد دويــــــري لـ”الافكـــــار“: السيـنـمـائــــــي لا يـكــــون الا حـــــراً وسـأعـــــود يـومـــــــاً الــى لـبــــــنـان !

15/09/2017
زيـــــاد دويــــــري لـ”الافكـــــار“: السيـنـمـائــــــي لا يـكــــون الا حـــــراً وسـأعـــــود يـومـــــــاً الــى لـبــــــنـان !

زيـــــاد دويــــــري لـ”الافكـــــار“: السيـنـمـائــــــي لا يـكــــون الا حـــــراً وسـأعـــــود يـومـــــــاً الــى لـبــــــنـان !

 

بقلم عبير انطون

Kamel-el-Bacha--The-Insult-(6)

من دون احكام مسبقة شاهدنا العرض الصحافي لفيلم زياد دويري الروائي الرابع <قضية رقم 23> لكن ليس من دون ان نستشرف جدلاً سيكون واسعاً طبعاً حول موضوع الفيلم واسم كاتبه ومخرجه الذي <يتحسس> منه لبنانيون عديدون لمجرد لفظ اسمه ويطلقون التوصيفات المختلفة عليه وعلى جمهوره حتى.

لا بد ان <قضية رقم 23> او <الشتيمة> سيشكل قضية نقاش في لبناننا الذي لم يشتق اليها يوماً، وترشيحه الى <الاوسكار> ومواكبته في <مهرجان البندقية> من قبل وزير الثقافة غطاس خوري سيزيد في <الطين بلة> وفي <الاتهامات> ايضا. لكن هل يستحق الفيلم المشاهدة؟ الاجابة من قبلنا هي بـ<نعم> مشدّدة ولتترك الساحة للنقاش الحضاري الحر..

 يدور الفيلم في أحد أحياء بيروت حيث تحصل مشادة بين <طوني> وهو مسيحي لبناني، و<ياسر> وهو لاجىء فلسطيني، وتأخذ الشتيمة أبعاداً أكبر من حجمها، مما يقود الرجلين إلى مواجهة في المحكمة. وفيما تنكأ وقائع المحاكمة جراح الرجلين وتكشف الصدمات التي تعرضا لها، يؤدي التضخيم الإعلامي للقضية إلى وضع لبنان على شفير انفجار اجتماعي، مما يدفع بـ<طوني> و<ياسر> إلى إعادة النظر في أفكارهما المسبقة ومسيرة حياتهما.

للفيلم اختار دويري باقة من الاسماء اللامعة بينها عادل كرم، ريتا حايك، كميل سلامة وديامان أبو عبود، إضافة إلى جوليا قصّار وطلال الجردي ورفعت طربيه وكارلوس شاهين وكريستين شويري، والممثل الفلسطيني كامل الباشا (الذي حصد <جائزة افضل ممثل> عن دوره في الفيلم في <مهرجان البندقية>)، أما السيناريو فكتبه بالاشتراك مع جويل توما. مع دويري قبل توقيفه في مطار بيروت واطلاقه بريئاً من المحكمة العسكرية وقبل افتتاح فيلمه رسمياً في 14 من ايلول/ سبتمبر، كان التواصل مع <الافكار> وافتتحناه بالسؤال:

  ــ لطالما قلت ان <السينما تعبير شخصي عن الخبرات>، ما هي الخبرات التي عاشها زياد دويري ووضعها في فيلم <قضية رقم23>؟

- الخبرات مستمدة من تجارب ملموسة ومن امور نفسية قديمة جداً. لا يمكنني القول انها تعود لحدث واحد. كتابة القصة بدأت مستوحاة من حدث صغير تافه حصل معي منذ عدة اعوام لما كنت اعيش في بيروت وكنت اروي الشتول على شرفتي فوقعت الماء على عامل يقف تحتها ودار بيننا شجار وجدل، سباب منه وشتيمة مني، وكبرت القصة قليلاً.. من هنا استوحيت الفكرة. لكن الخبرة الذاتية هي عبر السنوات جميعها. بدأت من طفولتي، وقد كبرتُ مع بداية الحرب الأهلية وعشتُ مراهقتي خلالها قبل ان اسافر واعود الى لبنان. ومع عودتي في العام 2001 عدنا لنعيش حروباً واحداثاً عدة بينها اغتيال الحريري في 2005 وحرب الـ2006. كل ذلك شكل خبراتي الذاتية عبر تكامل وتكتل الأحداث في حياتي.

 ــ خيط رفيع لكنه خفي، يفصل بين الاحداث والمناطق والاسماء الحقيقة والاخرى المتخيلة للسيناريو، وهذه قدرة كبيرة. الى اي مدى القصة واقعية في احداثها وشخصياتها ومناطقها؟

 - وانا أكتب القصة بمشاركة جويل توما طرحنا السؤال التالي: هل نستخدم الاسماء كما هي، سمير جعجع، بشير جميل، او نقول الحزب الفلاني بدلاً عن حزب <القوات> مثلا؟ وبالنهاية قررنا ان نطلق الاسماء الحقيقية لأن المشاهد اللبناني سيعرف عمن نتحدث.. هذه وقائع تاريخية بحتة. بشير الجميل غير موجود على قيد الحياة، يمكن هنا استخدام التاريخ، لكن جعجع حي يرزق، فالأمر يختلف، ورحنا <ندوزن الدوز> او <النسب> التي يمكننا استخدامها. طرحنا اكثر من سؤال. ارتأينا في النهاية ان نأخذ الموقف الواضح من دون لف او دوران. لندخل مباشرة وبوضوح ونستخدم الاحداث الحقيقية التي جرت من دون ان نغفل حقيقة اننا نطرح فيلماً خيالياً درامياً وليس وثائقياً، وفي الدراما نملك حرية اللجوء الى بعض الحقائق والوقائع طالما انها غير مكذبة. وكانت النتيجة ان الفيلم اقتبس عن بعض الاحداث التي جرت، استقيناها أنا جويل توما عبر الاحداث التي مررنا بها. لا تنسوا انني كبرت في بيروت الغربية وكان والداي داخلين في عمق الحركة الوطنية والقضية الفلسطينية، وكانا يديران اذاعة مخبأة في <جامع عبد الناصر>، <جامع المرابطون> عند منطقة كورنيش المزرعة، ويحملان راية تحرير فلسطين وهي لهما القضية الاهم، في حين ان جويل آتية من بكفيا، من منطقة بشير جميل وكان طبعاً موقفها حينئذٍ مختلفاً تماماً عن موقفي، اذ كنا نحارب بعضنا البعض اذا جاز التعبير. من هنا شئنا كتابة السيناريو طرحاً للفكر الآخر، لذلك فإن العديد من المشاهد حول القضية الفلسطينية كتبتها جويل، فيما وجهة نظر <وجدي وهبي> محامي <القوات> في الفيلم كتبتها انا،لأنه أحيانا حينما تعكس الأدوار فإنك تخرج بنتائج مهمة.

 

وجهة نظري..

 

 ــ هل يمكن اعتبار الفيلم <توثيقياً> لمرحلة من تاريخ لبنان غير المكتوب بشكل موحد حتى اليوم ام انه يبقى وجهة نظر في رواية سينمائية؟

- السينما هي مبدئياً واولاً رواية سينمائية، اي انه لا يمكن ان تأخذ فيلماً لأنك تريد ان تعبر عن وقائع تاريخية اذ يصبح عند ذلك فيلماً وثائقياً. نحن لم نقم بفيلم وثائقي انما اقتبسنا من بعض الأمور التي حدثت تاريخياً. القصة يمكن ان تكون بنت الواقع او مؤلفة مئة بالمئة. من جانبنا مزجنا بين الاثنين لكنني اعيد وأشدّد انني وجويل لم نكتب فيلماً وثائقياً. بالمقابل، هل يعبّر الفيلم عن وجهة نظري؟ اقول طبعاً، فكل افلامي تعبّر عن وجهة رأيي وإن رآها بعض الفرقاء متحيزة ام لا، فهذه وجهة نظرهم وفكرهم الخاصة، وهم احرار في تحليل افلامي كما يشاؤون. برأيي على السينمائي ان يأخذ موقفاً حتى ولو كان موقفاً في الوسط او موقفاً عادلاً، فبالنهاية انه موقف.

ــ الاعتذار في الفيلم محور اساسي. هل هو كاف برأيك لطي صفحات دموية بين الشعوب؟ (اللبنانيون والفلسطينيون.. الفلسطينيون والاسرائيليون.. الاتراك والارمن..)؟

- السؤال كبير جدا. هو سؤال فلسفي. لست ادري اذا ما كنت املك الطاقة الفكرية او التحليلية او الاجتماعية او السيكولوجية حتى اجيب اذا ما كان الاعتذار كافياً لطي صفحات دموية بين الشعوب. لآخذها بشكل مبسط اكثر. اعتقد ان الامر الأساسي الذي يمكن ان تقوم به كفرد في المجتمع هو ان تعتذر. طبعاً الاعتذار وحده لا يكفي. كلما كانت المأساة كبيرة كلما كان العمل اصعب واطول. ولكن في البداية قررت وجويل ان نكتب <قضية رقم 23> لأن الاعتذار هو اقل ما يمكن لأي خصمين ان يقولاه لبعضهما. الحد الادنى الممكن القيام به هو الاعتذار..

 سأعود يوماً..

 

 ــ صورت الفيلم في لبنان بعد غياب. ما كانت العوائق والصعوبات التي واجهتها تقنياً ولوجستياً الخ.. ومع خبرتك، هل تراها الى تطور في هذا المجال؟

- صحيح لقد غبت عن لبنان مدة عشرين عاماً، لكنني لما عدت لتصوير الفيلم في لبنان لمست تجاوباً رائعاً من قبل الدولة وتسهيلات عدة خاصة مع التقنيين والممثلين. كانت خبرة ممتازة. بعد عشرين عاماً من الغياب ما عدت اعرف الوجوه الجديدة، التقنيين، درجة احترافهم. لا انكر انني عدت وقلبي على يدي، لا اعرف بمن سأحظى خاصة لناحية الممثلين. شاهدت الكثير من المسلسلات والافلام اللبنانية مع <جينجر بروداكشن> المنتج المنفذ في بيروت وتصفحنا في مئات السير للممثلين ووجدت ان من وقع اختياري عليهم أظهروا فعلاً رغبة كبيرة وشوقاً للعمل، وكانوا في قمة الاحتراف يصلون على الوقت من دون اي تأخيراو تململ او كبرياء او انانية انما بشكل متواضع ورصين. كان عملاً ممتازاً لدرجة انهم عادوا وصالحوني مع البلد. لقد عدت وتصالحت مع لبنان على الرغم من ان ردة فعل سلبية تملكتني منذ فترة. شعرت ان ما عاد وشفى غليلي هو التصوير في بيروت <قضية 23> مع مثل هؤلاء التقنيين والممثلين.

7bcea883-6605-4b8d-9d19-9d6b8d5cad70 ــ راهنت على عادل كرم المعروف <كوميديا> في لبنان. ما المواصفات التي اقنعتك به للدور؟

- لما عرّفوني ببيروت على عادل كرم ما كنت اعرفه او شاهدته من قبل. قالوا لي انه لعب دور <الدركي> في فيلم نادين لبكي <كاراميل> فتذكرته انه لعب الدور بشكل جميل. لم يكن لدي سابق تصوّر عنه وعن العمل معه، وعلمت انه يلعب الكوميديا. لكن العمل معه كان <جنة> لأن من يحترف الكوميديا يعرف تماماً كيف يقوم بالدراما. عادة الممثل الكبير هو من يملك صفة انه يلعب اي دور يرشح اليه.. <روبن وليامز>، و<وودي آلان> يلعبان الكوميديا ويمكن ان يلعبا ما هو دراماتيكي فعلاً بشكل رائع.

 ــ يجري تحميلك في الكثير من الاحيان، وخاصة بعد فيلم <الصدمة> السابق، ما يتخطى عملك كسينمائي وبأنك <من طالبي التطبيع> او من محرّكي الرأي العام لجهة الغرب ونظرته الى الامور، خاصة وان انتاج افلامك يأتي في جانب كبير منه.. كيف ترد على ذلك؟

- العمل السينمائي هو عمل شخصي، فكري. العمل السينمائي بحد ذاته هو عمل التعرف والآفاق المفتوحة. السينمائي هو انسان حساس بمعظم الأوقات، انسان يمر بصعوبات كثيرة اثناء كتابة السيناريو او التفتيش عن الاموال. هذا جزء من حياتي، من عملي، من نفسيتي، كيف انني تربيت في كنف عائلة ناضلت كثيراً. لا سينمائي كبيراً يقبل بأن يكبل. السينمائي حر، شأنه شأن الكاتب والصحافي والنحات والرسام والملحن.. يجب ان يكون حراً، حراً بروحه.. اعتبر نفسي حراً بروحي. أحمل جنسيات أخرى واعود الى لبنان في كل مرة، لأن هناك ما يعلقني بهذا الوطن وبهذا الشعب. اعتبر اننا نملك قدرة كبيرة جداً في هذا البلد ما يجعلني اعود دائماً اليه، ويوماً ما سأعود اليه!

 ــ هل في السيناريو ما طلب الامن العام حذفه، واية ردود فعل تتوقعها على فيلمك في لبنان؟

- لم يحدث اي اشكال على الاطلاق مع الامن العام، بل على العكس برهنوا عن انفتاح ذهني كبير جدا، وبالنسبة لردود الفعل فأنا منفتح عليها جميعها.

  ــ تكرر دائماً  <انا لا امارس السياسة بل الفن>، لكن الطروحات السياسية لا تغيب عن اي من افلامك. ما هي علاقتك بالسياسة والتاريخ وهل من رسائل تريد ايصالها عبر السينما؟

- لا رسالة خاصة اريد ان اوصلها. لا اعتبر نفسي مصلحاً اجتماعياً او سياسياً بل سينمائياً له مشاكله الخاصة. السينمائي هدفه الاساسي ان يخبر قصة حلوة، ان يهتم بالتمثيل والصورة والاخراج وادارة الممثلين. هذا هو الاساس.لا اجلس خلف الكومبيوتر لأكتب قصة اقول فيها عندي هذه الغاية او الهدف السياسي او الاجتماعي او السيكولوجي. لا هدف. الهدف هو الفيلم اولاً. احياناً ينتج عن الفيلم محاور معينة بسبب السياق الطبيعي التاريخي الذي عشت فيه مع عائلة مسيسة وحرب اهلية، عائلة ناضلت كثيرا ولا تزال. الامر عينه بالنسبة الى جويل. جيلنا مر في فترة مراهقة عرفت تجارب كثيرة، كما ان الحرب اللبنانية مع ما قبلها وما بعدها تركت اثرا في طريقة تفكيرنا.

ويضيف زياد قائلاً:

- بالنسبة لي تدخل السياسة في كل شيء. هي ليست ما نسمعه من السياسيين وأعمق بكثير من الخطابات المكررة. في الحب هناك سياسة، في الغرام، في القتل، في الكتابة. انه سؤال فلسفي. انا ابن بيئتي وعشت في فترة كانت الحرب <ولعانة>. لم تكن هذه فترة نذهب فيها للتزلج او الاصطياف، بل فترة تأزم، وقد تركت اثراً من دون شك، وكنت شاهداً عليها منذ طفولتي حتى المراهقة. لا يعني ذلك، انها تركت اثراً سلبياً فقط، انما ايضاً لفتتني الى المواضيع التي تؤثر بي، المواضيع الانسانية، كالمصالحة والكره والحقد.

  ــ كيف تقيّم السينما اللبنانية اليوم ومن تتابع من صانعيها؟

- اكون حذراً جداً عند الاجابة عن مثل هذا السؤال اذ ادرك ان وضع السينمائيين في لبنان حساس جداً، لأنه للاسف ما من تمويل ويضطر السينمائي الى مشوار صعب لإيجاد المال، وفي الوقت عينه لا هيكلية لتوجيه السينمائيين وكتّاب السيناريو. انا لا زلت اؤمن تماماً، والبعض يخالفني الرأي، ان اهم نقطة في السينما هو السيناريو. السينما تبدأ من السيناريو.المخرج قد يحسنه أو يفشله، لكن السيناريو القوي يحل منذ البداية مشكلة كبيرة جداً. فمع سيناريو ركيك لن ينجح اكبر الممثلين او المخرجين، لأن السينما في النهاية هي قصة تخبرها في اربع وعشرين صورة بالثانية. انت لا تخبر فكرة، او لقطة، او مشهداً بل قصة. هذا الأمر ناقص الى حد ما في لبنان، واعتقد انه عندما يجري تأسيس صناعة سينمائية ابتداءً من كتابة السيناريو تكون الاحتمالات للأفضل أكبر. اما الطاقات الموجودة في البلد فهي كبيرة، وهناك كثيرون يهدفون الى تقديم اعمال عالمية ولها مستوى لكن الموجود لا يزال برأيي <وسطاً>. مجال التقدم مفتوح لكن ذلك يتطلب وقتاً وتفكيراً وبناء أسس من الدولة كما في فرنسا وكوريا مثلاً لتمويل وتشجيع هذه الصناعة.