تفاصيل الخبر

زوجة السفير التونسي في لبنان السيدة زينب بودالي: الحضارات التي مرّت على تونس تركت بصماتها في مختلف المجالات...!

10/08/2018
زوجة السفير التونسي في لبنان السيدة زينب بودالي:  الحضارات التي مرّت على تونس تركت بصماتها في مختلف المجالات...!

زوجة السفير التونسي في لبنان السيدة زينب بودالي: الحضارات التي مرّت على تونس تركت بصماتها في مختلف المجالات...!

 

بقلم وردية بطرس

تونس التي احتضنت حضارات عدة تاريخية وثقافية عبر العصور تضفي على المنطقة رونقاً غريباً تتباهى به باندماج الماضي بالحاضر... وسحر تونس بالانفتاح الطبيعي فما كانت لتُسمى تونس الخضراء الا لجمال طبيعتها الخلابة حيث تتغطى جبالها وسهولها باللون الأخضر لتشكل مزيجاً من احتضان الجبال والسهول الخضراء بقلب حوض البحر الأبيض المتوسط باندماج ساحر للأخضر والأزرق. ويتميز هذا البلد الجميل بارثه التاريخي والحضاري، كيف لا وهو الذي تعاقبت عليه العديد من الحضارات التي جلبتها ثروات هذه الأرض وأهمية موقعها الاستراتيجي الذي ساعد على دخولها وانفتاحها التجاري والحضاري لتصبح مركزاً ومقصداً تجارياً سياحياً يقصدها السياح من كل أنحاء العالم. ولنتعرف على العادات والتقاليد التونسية والتراث التونسي والفنون كان لـ<الأفكار> لقاء وحديث ممتع وغني مع السيدة زينب بودالي زوجة السفير التونسي في لبنان السيد محمد كريم بودالي التي استقبلتنا بحفاوة، وعرفّتنا أكثر على تونس الخضراء هذا البلد الجميل والمتميز بعاداته وتراثه وثقافته الغنية. ونبدأ حوارنا مع السيدة زينب بودالي (حائزة الماجستير في قانون الإعمال من جامعة تونس، ودرست أيضاً الحقوق وهي بصدد انجاز الدكتوراة) عن لبنان والقواسم المشتركة بين تونس ولبنان فتقول:

- بعدما تخرجت عملت في مجال المحاماة ودرسّت في الجامعة. وعندما تزوجت انتقلنا الى البرتغال اذ كان زوجي قائماً بالأعمال في السفارة التونسية في البرتغال، وكانت لنا تجربة ديبلوماسية واجتماعية ثرية في البرتغال حيث أمضينا فيها خمس سنوات، اطلعنا خلالها على حضارة هذا البلد وتاريخه العريق وجذور تواصله مع البلدان العربية والتي تبرز في المطبخ البرتغالي وفي أسماء العديد من القرى ومواقع المدن البرتغالية، واثر هذه التجربة البرتغالية كان من حسن حظنا ان انتقلنا الى لبنان في محطة سعدنا بها كثيراً لما لمسناه من تقارب شديد بين الشعبين التونسي واللبناني، تقارب تعود جذوره الى الروابط التاريخية والحضارية بين البلدين والشعبين الشقيقين، والتي لمسناها في تعدد أوجه التشابه في اللهجة والعادات والتقاليد وتشابك العلاقات العائلية التي تعود الى موجات الهجرة من منطقة المغرب العربي وبالتحديد من تونس الى الشرق حيث استقرت العديد من العائلات التونسية الأصل في لبنان ولاسيما في مدينة بيروت. والمؤكد انه لا يُخفى عن كل متابع لتاريخ البلدين ان هذه العلاقات المتجذرة تعود الى سفر الأميرة اليسار من مدينة صور اللبنانية، وقد حطت رحالها على ضفاف البلاد التونسية حيث أسست مدينة قرطاج التي أشعّت بحضارتها على كامل حوض البحر الأبيض المتوسط.

وتتابع:

- المؤكد ان الشعب التونسي يكّن كل الحب والتقدير للشعب اللبناني الذي تجمعه به الثقافة والتراث والفن، وان الشعب التونسي يتطلع بشغف الى مبدعي وفناني الشعب اللبناني حيث يحتل العديد من الفنانين والمبدعين مكانة خاصة على غرار فيروز، وماجدة الرومي، ومارسيل خليفة، ووديع الصافي الذين تعّد مساهماتهم في <مهرجان قرطاج الدولي> محطات مضيئة يستمتع بها الى الآن كل التونسيين. وقد حرصت منذ وصولي الى لبنان على ربط صداقات مع اللبنانيات من مختلف المجالات، وقد لاحظت من خلال لقائي وحديثي مع الصديقات اللبنانيات العديد من النقاط المشتركة بين المرأة التونسية واللبنانية والتي تكّن كل الاحترام والتقدير لنضال المرأة التونسية، وتقف معجبة بالمكاسب والحقوق التي حققتها المرأة التونسية.

 

العادات والتقاليد التونسية

ــ هلا حدثتنا عن العادات والتقاليد التي تتميز بها تونس؟

- يعود تاريخ وحضارة تونس الى أكثر من ثلاثة آلاف سنة، اذ تعاقبت عليها حضارات وثقافات عديدة، وهذه الحضارات تركت آثارها وبصماتها على البلاد وكونّت لها ثراء ثقافياً، ففي تونس ثراء ثقافي سواء بالارث المعماري او اللباس التقليدي، وحتى في المطبخ التونسي تجدين بصمات كل الحضارات التي مرت على تونس، وحتى اللغة فهي موروث ثقافي، فهناك كلمات تُستخدم هي بربرية الأصل، طبعاً اللغة المستخدمة هي العربية ولكن بحكم تعاقب الحضارات تجدين كلمات من اصل بربري أيضاً، وفي ما يتعلق باللباس فهناك لباس عربي وأندلسي، وحتى في مجال الزراعة مثلاً تتميز تونس بزهرة <النسرين> اذ رائحتها عطرة، وهي موجودة في منطقة معينة في تونس لونها أبيض ومن الداخل لونها أصفر ونكهتها مثل ماء الورد الذي تستخدمونه في لبنان، وزهرة <النسرين> تُستخدم في الحلويات اذ تمنحها مذاقاً لذيذاً، وأيضاً في مجال الموسيقى فتونس تأثرت بالفن الأندلسي والأغاني والموشحات الاندلسية اذ أصبحت راسخة في موسيقانا حتى في شهر رمضان والمناسبات والأعراس وهو فن راق.

ــ كزوجة للسفير التونسي في لبنان كيف تعرّفين اللبنانيين على العادات والتقاليد التونسية؟ وما هي أشهر المأكولات التونسية؟

- نحاول بكل مناسبة نقيمها سواء في مقر اقامة السفير التونسي او خارج المقر ان نعرّف اللبنانيين على الطعام التونسي والحلويات، مثلاً كعك الورقة وهي من الحلويات المصنوعة باللوز والمنكهّة بزهرة <النسرين>، وبالنسبة للكعك فعندما هاجر الاندلسيون من اسبانيا وضعوا مجوهراتهم داخل الكعك الذي صنعوه خصيصاً شبيهاً بـ<السامبوسك> لاخفاء مجوهراتهم وأموالهم بداخل الكعك، وبالتالي هناك تأثير اندلسي على المأكولات التونسية وأيضاً هناك تأثير عثماني وبربري، فمثلاً الكسكسي هي أكلة بربرية معروفة في المغرب العربي، ولكن في كل بلد لها ميزتها وطريقة تحضيرها، فالكسكسي هي أكلة رسمية وتُطبخ بطريقة مختلفة، مثلاً في المناطق القريبة من البحر يُستخدم السمك، وفي المناطق الجبلية تُستخدم اللحوم، اذ هناك أكثر من عشرة أنواع من الكسكسي، اذاً الكسكسي من أساسيات المطبخ التونسي.

وتتابع:

- من الأكلات التونسية الشهيرة أيضاً الملوخية ولكنها مختلفة عن الملوخية في مصر ولبنان لأن المطبخ التونسي يستعمل الأوراق المجففة وهي مطحونة، وحتى نكهتها تختلف عن الملوخية التي تحضّر في لبنان، اذ ان طريقة طهيها تجعل مذاقها مختلفاً، اذ تُستخدم بودرة مجففة ثم يُضاف اليها الماء والزيت وبودرة الملوخية، وعادة يتطلب اعداد الملوخية عندنا 12 ساعة على الأقل، وهي تُطبخ قبل بيوم. وعندنا أكلة تونسية شهيرة تُدعى <عين اسبنيورية> وهي عبارة عن لحم مفروم او شريحة لحم كبيرة يُضاف اليها التوابل والبقدونس والبصل والبيض من ثم نقوم بلفها ونضعها في الفرن وبعدما نخرجها من الفرن نقوم بتقطيعها شرائح ويبدو شكلها مثل العين الشبيهة بالعيون الاسبانية الكبيرة. وأيضاً <البريك> وشكلها مثلث وهي عبارة عن ورق صغير، وفي الماضي قبل ان يتوافر البراد في حياتنا كان يُحضّر <البريك> خلال شهر رمضان ويُقدّم على مائدة رمضان، ومكوناته هي بيض غير مسلوق، يُضاف اليه البقدونس واللحم المفروم والبصل والتونا، من ثم نقوم بقليه، ويمكن وضعه في الفرن أيضاً. يذكر ان التونا التونسية لذيذة جداً وهي معروفة حتى في أوروبا. ويعتمد المطبخ التونسي بشكل أساسي على الهريسة (حار خفيف) وزيت الزيتون ولحم الضأن، والأسماك، والعديد من الخضراوت والتوابل، كما يقدم المطبخ التونسي ما يعرف باسم <مطبخ شمسي> الذي يعتمد بشكل كبير على زيت الزيتون والأسماك والتوابل، وتُستخدم اللحوم كثيراً فالوصفات التقليدية تحتوي على الأسماك واللحوم وثمار البحر، كما لدينا أطباق تحتوي على الفواكهة المجففة، اذ لدينا نوع من الكسكسي الذي يحتوي على الفواكهة المجففة.

ــ ما الذي يميز التراث التونسي؟

- يتميز التراث التونسي بأنه غني نظراً لانفتاح تونس على العديد من الحضارات بحكم موقعها الجغرافي اذ تقع على السواحل، وبالتالي تركت الحضارات التي مرّت على البلاد بصماتها، وتلمسين ذلك من خلال محافظة الشعب التونسي على اللباس التقليدي خصوصاً في الأعراس والمناسبات والأعياد، وهناك نزعة لاحياء العادات التونسية، فالانسان التونسي يتمسك بتراثه، واليوم يحاول التونسي تبسيط كلفة تطريز اللباس التقليدي لكي يتمكن الجميع من اقتنائه وارتدائه، كما ان الشابات التونسيات اللواتي يتابعن دراستهن في اوروبا يرتدين اللباس التونسي التقليدي بشكل يومي، مما يثير اعجاب العديد من الأوروبيات اللواتي يرغبن بارتداء اللباس التونسي، والأمر نفسه بالنسبة للحقائب والاكسسوارات. والزوار في تونس يستمتعون في جولاتهم السياحية اذ لا يشعر الاجنبي انه غريب، فالسائح يتعرف على الثقافة والتراث من خلال زيارة المتاحف والقصور، مثلاً قصر الجم الأثري الذي تُقام فيه الاحتفالات في الصيف اذ يأتي الزوار من كل أنحاء العالم للاستمتاع بالموسيقى الكلاسيكية، كما يُقام في مدينة قرطاج المهرجان الذي يقصده الزوار من كل البلدان، كما ان قرطاج مدينة أثرية حيث تختزن الآثار والمعالم الأثرية التي هي بصمة فينيقية ذلك أن العلاقة بين تونس ولبنان متجذرة منذ ثلاثة آلاف سنة.

 

تقريب العلاقات بين تونس ولبنان

ــ كيف يمكن تقريب العلاقات بين تونس ولبنان أكثر؟

- يجب تكثيف العلاقات لتعريف اللبنانيين على التراث التونسي، وأيضاً تكثيف اقامة المعارض التشكيلية وحتى المعارض خلال شهر رمضان، وأيضاً تعريف التونسيين على الحلويات اللبنانية التي تشبه الحلويات التونسية ولكن التسميات تختلف مثل المهلبية وغزل البنات والبقلاوة (البقلاوة التونسية أطول من حيث الحجم)، وبالتالي هناك تشابه من حيث الموروث الثقافي بين تونس ولبنان نظراً لتأثير الحضارة الفينيقية على تونس، وهناك أيضاً بعض الحضارات التي تعاقبت على تونس وتركت بصماتها كما تعاقبت على لبنان، ونحن دائماً نحاول ان نحافظ على هذا التقارب على جميع الأصعدة.

دور المرأة التونسية

ــ مرّت تونس بفترة صعبة فكيف ترين تونس اليوم؟ وكيف تقيمّين وضع المرأة التونسية التي كان لها دور وأهمية في الثورة التي شهدتها البلاد؟

- بالنسبة للثورة التونسية فلقد عشتها، مع العلم اننا كنا في تلك الفترة في البرتغال بحكم عملي زوجي كقائم بالأعمال في السفارة التونسية في البرتغال، ولكن صادف انني كنت في تونس عندما بدأت الثورة في البلاد، وكانت هناك مطالبة بحرية التعبير، ولم يكن ممكناً ان نتخلى عن هذه المطالبة، والحمد لله حظينا بذلك بفضل التحام الشعب التونسي والأحزاب السياسية حول العلم التونسي، وهذا الشعور بحرية التعبير لا يُقدر بثمن، واليوم هناك دستور جديد في البلاد مما يمنحنا الشعور بالفخر. والحمد لله لدينا دولة قوية وكل ذلك بفضل جهود التونسيين وجهود الرئيس الأسبق الحبيب بو رقيبة الذي جعل الدولة قوية (الحبيب بورقيبة اول رئيس للجمهورية التونسية بين عامي 1957 و1987) ، ولهذا لم تتأثر مؤسسات الدولة في تونس مع اندلاع الثورة فيها في العام 2011، ولم تغلق اي مؤسسة خلال الثورة بل كلها عملت للنهوض بالبلد وتحقيق أهداف الثورة. والحمد لله كان للمرأة التونسية حقوق وتقدير لجهودها ونضالها حتى انها سبقت بعض الدول الأوروبية من حيث الحق بالتصويت، كما ان تعدد الزوجات ملغى في تونس منذ العام 1956 والتونسيات حتى خلال الاستعمار الفرنسي ناضلن في سبيل حقوق المرأة. واليوم هناك قوانين ومراسيم صدرت بعد الثورة، وبالتالي لا خوف على حرية المرأة التونسية.

ــ هل تنظمين نشاطات لتعريف السيدات اللبنانيات على العادات والتقاليد والفنون التونسية؟

- أحياناً ننظم لقاء مع سيدات لبنانيات وأيضاً مع زوجات السفراء العرب والأجانب في لبنان ويُقدم لهن عرض ازياء باللباس التونسي التقليدي، كما نستضيفهن في شهر رمضان الكريم للمشاركة في الافطار الرمضاني على الطريقة التونسية مثلاً بعد الآذان نضع الموسيقى التونسية ونقدم القهوة على الطريقة التونسية والأكلات التونسية التقليدية وما شابه... كما تقوم السفارة التونسية في لبنان بعرض الأفلام التونسية او الأفلام الوثائقية التي تحكي عن مختلف العادات والتقاليد في الأعراس والمناسبات والأعياد، على سبيل المثال التقاليد التونسية التي تُقام في حفلة الخطوبة والعرس والاحتفال بالمولود والسنينية. وبما يتعلق بتقريب العلاقات بين تونس ولبنان من الناحية التراثية فلقد نظمت السفارة التونسية معارض الرسم والفنون التشكيلية حيث يجد الزائر اللوحات اللبنانية والتونسية، ويستمتع الزوار عندما يزورونا في مقر اقامة السفير بمشاهدة لوحات الرسام التونسي والعالمي زبير التركي، وأيضاً هناك لوحات للفنان ابراهيم الضحك، والفنان التشكيلي عادل مقديش الذي يعد من اشهر الفنانين في العالم العربي، وأيضاً الفنان الغُرجي.

وعن اقامتها في لبنان تختم بالقول:

- انني سعيدة في لبنان اذ اشعر انني في بلدي، وأشعر بالأمان والراحة وأتجول في مختلف المناطق اللبنانية من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب، وأحب كثيراً مدينة جبيل، وصور، وصيدا، والشوف، وأحب التجول في بيروت وشوارع الحمراء والجميزة وأسواق طرابلس، ونقوم برحلات مع زوجات السفراء العرب الى مختلف المناطق اللبنانية.