تفاصيل الخبر

زواج القاصـــــرات تـحــت عـيـــن الـكامـيـــــرا والـفـيـلــــــم إحــدى وسـائـــــل الـضـغـــــط لإقــــرار الـقـانــــــون!   

05/05/2017
زواج القاصـــــرات تـحــت عـيـــن الـكامـيـــــرا والـفـيـلــــــم  إحــدى وسـائـــــل الـضـغـــــط لإقــــرار الـقـانــــــون!    

زواج القاصـــــرات تـحــت عـيـــن الـكامـيـــــرا والـفـيـلــــــم إحــدى وسـائـــــل الـضـغـــــط لإقــــرار الـقـانــــــون!   

بقلم عبير انطون

1

من تجارب حية، واقعها مرير ومأساوي انطلق فيلم <نور> الروائي في الصالات اللبنانية لمنتجه ومخرجه والبطل فيه خليل زعرور. ابنة الخامسة عشرة تتزوج بمن يكبر سنها بأضعاف، لا هي أرادت ذلك ولا رغبت به، ولا حتى تعرف معنى الحب والعائلة والارتباط في مثل هذا العمر، فمن اختار بدلاً عنها بالقوة واجبرها على قدرها الصعب؟ هل كان بإمكانها أن ترفع الصوت وتقول لا؟ ما كان مصيرها؟ وهل ستصل رسالة الفيلم التي يضج بها المجتمع اللبناني اليوم بين مؤيد ومعارض، إذ ان الجمعيات النسائية والمدنية تحارب لأجل إقرار قانون في المجلس النيابي يمنع زواج القاصرات، فيما تعارضه علناً وبالصوت العالي والخطابات مرجعيات عدة بينها دينية طبعاً، ولأكثر من سبب.

 الأهم أن تصل رسالة <نور> إلى من يعنيهن الأمر أولاً، الفتيات بعمر الورود اللواتي يُقرر مصيرهن عنهن  بـ<صفقة> حسابية وحفنة ليرات، بأن تتشبثن بقدر استطاعتهن بحقهن في مواجهة ما يرسم لهن تحت أكثر من ستار، هذا إذا لم يتوصل مجلسنا النيابي وسط كل ما يتخبط به الآن إلى قرار حاسم بهذا الشأن..

 

زعرور.. والواقع 

لطالما أراد المخرج خليل زعرور حامل شهادة الماستر في الفنون السمعية البصرية والآتي من عالم الأفلام الوثائقية بجوائز وتقديرات عدة من دبي وكندا وفرنسا واليابان، أن يتناول قضايا المرأة وشجونها في مجتمعنا العربي. سابقاً حمل لواء المرأة الأم من خلال فيلمه الوثائقي <ملاكي> عن أمهات مفقودي الحرب الأهلية، واليوم يضيء على ظاهرة زواج القاصرات. كان يمكن لـ< نور> فيلمه الروائي الأول أن يكون من النوع الوثائقي أيضاً، إلا أن وقعه لن يؤتي بالثمار المطلوبة، فهذا النوع من الأفلام لا يلقى رواجاً عندنا لان <ثقافة الوثائقي غير رائجة في لبنان> كما يقول.

سمع خليل ما يدور هنا وهناك عن هذه القصص حيث تزوج القاصرات ويتركن لمصيرهن. فيلمه مبني بحسب ما يقول <على مجموعة قصص حقيقية لا قصة واحدة بعينها بحيث كيفنا الوقائع الحقيقية التي اطلعنا عليها كي تتلاءم مع المتطلبات السينمائية ومع جمهور السينما، فالفيلم جاء نتيجة لبحث طويل ومقابلات مع فتيات مررن بهذه التجربة، وقد أجرينا مقابلات في مقر جمعية <دار الطفل اللبناني> التي تعاونت بشكل كبير>، ويؤكد المخرج أن الفيلم بالرغم من موضوعه القاسي ليس فيلماً كئيباً وفيه حب وبراءة 3وضحك، ذلك أن الكآبة لا توصل الرسالة برأيه.

 

المجتمع هنا..

 

لأجل <نور> اختار زعرور، مع شريكته في كتابة السيناريو اليسا أيوب، نخبة من الأسماء اللبنانية المعروفة، تمثيلياً وموسيقياً. في الشق الأخير، أي الموسيقى الدرامية المصممة خصيصاً لكل مشهد من الفيلم عمل المؤلف الموسيقي المعروف عالمياً توفيق فروخ، أما للتمثيل فاختار جوليا قصار بدور والدة <نور> التي يقول إنه لم ير غيرها عند كتابة السيناريو، فيما اختار القديرة عايدة صبرا في دور الخادمة في البيت الثري، فضلاً عن إيفون معلوف بدور السيدة الإقطاعية <زوجة البيك> ووالدة العريس الآتي من المهجر، فضلاً عن نبال عرقجي ومجموعة لامعة، أما هو فلبس جلباب الرجل الذي ينتعش عمره بالزواج من زهرة في مقتبل العمر.

 فمن اختار زعرور للغرض؟ ومن هي <نور> فيلمه؟

<الأفكار> التقت البطلة الصبية وتعرفت إليها في حوار جميل يهدف إلى الإضاءة على البطلة والقضية التي سترفع لواءها مع الفيلم ومن بعده..

في حديثها إلينا، تقول فانيسا إنها لم تكن تتوقع ردة الفعل الإيجابية والمؤثرة على الفيلم بكامله وليس على دورها وحسب، تحديداً في ما خص النهاية، إذ ساد استغراب لدى الجمهور من الواقع المأساوي الذي تعيشه بعض البنات في مثل هذه السن، وفي المجتمع من حولهم.

وفانيسا التي صورت الفيلم منذ ثلاث سنوات وكانت حينئذ بعمر الخامسة عشرة، كانت تعلم بقضية زواج القاصرات، إلا أنه لم يكن ذلك ما دفعها إلى التقدم إلى الـ<كاستينغ> الذي علمت به من خلال صفحة المنتجة المنفذة اليسا أيوب عن حاجة المخرج والمنتج إلى صبية صغيرة  تلعب دوراً سينمائياً، من دون اطلاع المتقدمات على أية تفاصيل.

 تحمست للفكرة جداً، تقول فانيسا وتقدمت إلى <الكاستينغ> ونجحت فيه، وكانت مفاجأتي كبيرة لما علمت بموضوع الفيلم الذي وجد <أخيراً> بحسب قولها من يطرحه سينمائياً. كانت التجربة التمثيلية الأولى لي، فأنا لم أقف أمام الكاميرا سابقاً ولا ألم بتفاصيل ما أقدم عليه، فكل ما فكرت به ابنه الخامسة عشرة حينذاك: <إنها فرصة أمامي وسوف أقتنصها> من دون تصور أو أي تصميم مسبق لخوض مجال التمثيل أو احترافه. وفانيسا حتى اليوم تضع نصب عينيها اختصاص الهندسة الداخلية التي تحبها جداً 4وتسعى إلى دخول مجالها بعد الانتهاء من تقديم الامتحانات الرسمية لشهادة الثانوي التي تقدم عليها هذا العام.

<الأولوية ستكون للهندسة> تقول فانيسا ولا مانع من أن أعمل في مجال التمثيل أو دراسته كخطة بديلة إذا لم ينجح مشروعي الأول أو أن أكمل في الطريقين معا>. التجربة في فيلم <نور> شجعتني على خوض غمار هذا العالم، إلا أن أحلامي يتقاسمها مجال آخر ايضاً.

الأم.. أيضاً!

لم تقف عائلة فانيسا التي تتكون من أربع بنات ووالدين محبين أمام طموحها لا بل كانت إلى جانبها في المغامرة الجديدة معتبرة أنها تجربة ستتعلم منها، وأن الجميع سيدعمها إن هي احتاجت إليهم. في العرض ما قبل الرسمي للجمهور حضرت أخوات فانيسا، بكين للموضوع، فرحن لها وعانقنها مطولاً، معربات عن فخرهن بالقضية التي مثلتها والتي ستبقى لفانيسا كما أوضحت لـ<الأفكار> قضيتها التي ستكمل بها حتى النهاية، داعية المجلس النيابي إلى إقرار القانون وإنقاذ حياة الفتيات: <يحسوا شوي مع هالبنات> مردفة طلبها بسؤال حمّلته نكهة ساخرة: لكن هل هم يشعرون بالشعب حتى يشعروا بمثل هذه القضية المهمة؟

أكثر المشاهد صعوبة لفانيسا تلك التي كانت تحمل الحزن والشجن. تقول لنا: <أنا بطبعي لا أحب أن أظهر حزني للناس، ولكنني كنت أعود بعد تصوير المشاهد وأنا مثقلة به 5خاصة أن القضية تمسني وأتأثر بها>.

أما عن وجه الشبه ما بين شخصيتها و<نور> التي تعمقت في تفاصيلها فتقول: <هناك العديد من أوجه الشبه من حيث حب الحياة والتطلع إلى المستقبل وعيش اللحظات الحلوة لكن الاختلاف الأكبر في أنني لا أستسلم لما يرسمه لي غيري وأنا من أقرر مصيري، فقوة شخصيتي هي ربما أقوى من شخصية نور>.

 وعما اذا كانت براءة البنات اليوم موجودة في عصر تغيرت فيه مفاهيم كثيرة   وكبر الاولاد قبل اوانهم على مختلف الصعد، تجيب فانيسا: البراءة طبعاً لا تزال موجودة و<نور> مثال على ذلك.

ونسألها: هل تلومين <نور> في مكان ما؟ فتسارع إلى القول: لا ألومها وأتفهمها. سلطة أهلها عليها كبيرة، والضغط الذي مارسته والدتها قوي لدرجة أنها لا تستطيع المقاومة بقول <لا> وهي حاولت ولم تصل إلى نتيجة.

وعما إذا كان الفيلم برأيها سيترك تأثيره لدى الرأي العام أو في مجلس النواب الذي يطرح أمامه اليوم موضوع زواج القاصرات فيما بعض المرجعيات وخاصة الدينية تتحفظعليه، تجيب فانيسا:

- بالطبع سيترك أثراً. أنا لعبت دوراً فيه وأعرف تفاصيله وقد شاهدته لمرتين، وفي المرتين بكيت وتأثرت وشاهدت العديد من الجمهور بمثل حالتي، خاصة وأن بين الجمهور صبايا في مقتبل العمر بين 14 و15 عاماً اسرّين لي بعد العرض أنهن تأثرن جداً وفي أكثر من ناحية.

فانيسا، ابنة بلدة <كهف الملول> في الضنية والتي تعيش في زغرتا تعرف أكثر من حالة عن زواج القاصرات، وكانت هذه تستفزها منذ مدة، خاصة أن والدتها التي تعمل كممرضة وتنشط في عدد من المجالات والقضايا الإنسانية مطلعة على تفاصيل هذه الأمور وتصادف في مجالها أكثر من حالة. وتزيد فانيسا: زواج القاصرات للأسف إلى تزايد مع ازمة النازحين السوريين من دون ان ننكر ان مجتمعاتنا اللبنانية غير معصومة أيضاً.

تتمنى فانيسا على المدارس في الصفوف النهائية بشكل خاص ان تحمل الطلاب ذكوراً واناثاً على مشاهدة الفيلم لاستخلاص العبر منه، فالفيلم مسموح لمن هم ما فوق الرابعة عشرة، ذلك انه حتى طالبات المدارس الكبرى والمعروفة في العاصمة او في خارجها قد يكن عرضة <لصفقة زواج> بنت قاصر.

اما عن مساعدة الممثلات القديرات المشاركات في الفيلم الذي صور في بلدة يحشوش، من بينهن جوليا قصار وعايدة صبرا فضلا عن نبال عرقجي والمخرج نفسه بدور الزوج فتقول فانيسا: احبهم جدا، لقد ساعدوني كثيراً كأنني ابنتهم واهتموا بي إلى اقصى الحدود وكانوا حاضرين دوما للدعم في أي مشهد صعب.

2 

بالتوفيق!

ــ الفيلم الذي يلاقي اقبالا في الصالات هل كان ضربة معلم في توقيت عرضه اليوم في حين انه صور من سنوات ثلاث؟

- قد يكون كذلك، وربما تصل الرسالة بهذا الشكل بطريقة اسرع واكثر فعالية، مع حضور العرض الاول من قبل وزير الشؤون الاجتماعية بيار ابو عاصي.

من ناحيتها تؤكد الممثلة عايدة صبرا أن الاعلام يتداول اخباراً كثيرة عن تزويج القاصرات بالقوة وما ينجم عن ذلك من مشاكل، مضيفة انه من الضروري رفع الصوت في هذا التوقيت سعياً إلى تحصين المرأة بقوانين لرفع سن الزواج ولكي تعيد المراجع الدينية النظر في المسألة وكذلك الاهل.

أما إيفون معلوف فأكدت أن الموضوع كونه راهناً فسيجذب الجمهور إلى السينما، علماً أن الفيلم لا يتناول هذا الموضوع فقط، فهناك قصة حب جميلة بين مراهقين، فضلاً عن مسألة الطبقية في المجتمع اللبناني فأهل <البيك> لا يتزوجون من عامة الشعب وقد أرغمهم ابنهم المسافر الذي تغيرت نظرته إلى تلك المفاهيم على اختيار الفتاة التي أرادها.

فيلم <نور> الذي يعرض في الصالات اللبنانية مستمر وبنجاح، بانتظار أكثر من استحقاق...