تفاصيل الخبر

زمن المصالح والتسويات.. سياسات وتحالفات بالقطعة

15/07/2020
زمن المصالح والتسويات.. سياسات وتحالفات بالقطعة

زمن المصالح والتسويات.. سياسات وتحالفات بالقطعة

بقلم علي الحسيني

 

[caption id="attachment_79482" align="alignleft" width="444"] ثلاثي المعارضة: الرئيس سعد الحريري ورئيس الحزب "التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط ورئيس حزب "القوات" سمير جعجع...لا عودة[/caption]

منذ فترة والحديث عن مُستقبل العلاقة بين "حزب الله" ورئيس "التيّار الوطني الحر" النائب جبران باسيل يتصدر المشهد السياسي خصوصاً بعد الخلاف الأخير الذي كان وقع بين الطرفين على خلفيّة معمل "سلعاتا" وما نتج عنه من ابتزاز "برتقالي" واضح للحزب خصوصاً في ما يتعلّق بموضوع سلاح الأخير الذي تعرّض بدوره لهجوم واسع وصل إلى حد التماهي مع الموقف الأميركي من السلاح نفسه. هذا الأمر دفع البعض إلى طرح أسئلة حول مستقبل العلاقة بين "الأصفر" و"البرتقالي" خصوصاً وأن "الحزب" كان أغضب جهات عدّة بينهم حلفاء، في سبيل الدفاع عن باسيل والحلف الذي يجمعه مع تياره السياسي.

رغبة شيعية بعودة الحريري.. ولكن

 تمسّك الثنائي الشيعي وتحديداً "حزب الله" بعودة الرئيس سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة بعد تقديم استقالته في أواخر تشرين الأول العام الماضي، أمر لا يقبل تأويلاً ولا تعقيباً من أي جهة خصوصاً وأن "الثنائي" كانا عبّرا عن رغبتهما هذه أكثر من مرّة وأبرزها تسريب جملة "فرشنا له الحرير". لكن في المقابل، أصرّ الحريري على الإستقالة لأسباب كثيرة أبرزها، "إستئثار" رئيس "التيّار الوطني الحر" جبران باسيل بالحكم من خلال إستغلال القربة التي تجمعه برئيس الجمهورية.

المؤكد اليوم، أنه بعد مضي ما يُقارب الخمسة أشهر على نيل حكومة الرئيس حسّان دياب ثقة المجلس النيابي، يُفضّل "حزب الله" لو أن الحريري ما زال رئيساً للحكومة لأسباب كثيرة، منها تأمين غطاء داخلي إضافي له لمواجهة الضغوطات الأميركية، لكنه في الوقت عينه، ما كان ليستطيع أن يظل مُحافظاً على دور المُتفرّج في الصراع المُستفحل بين الحريري وباسيل، لذا كان عليه أن يختار بين حليف مسيحي كاد في لحظة ما أن يخرج عن طوعه عندما راح يغمز من قناة العقوبات الأميركية مقابل "سلعاتا"، وبين خصم يحتكم على الدوام إلى لغة العقل والقانون، حتّى في قضيّة اغتيال والده.

في هذا التوقيت الصعب، يرى البعض أنه قد يكون "حزب الله" خلال الفترة الحالية أشد حاجة لوجود رئيس حكومة قوي يحظى بدعم داخلي وتأييد خارجي من اجل مواجهة الحصار المفروض عليه

[caption id="attachment_79484" align="alignleft" width="300"] الرئيس حسان دياب..الحلقة الأضعف.[/caption]

سياسياً وماليّاً، وهذه مواصفات غير مؤمنة في شخص الرئيس حسّان دياب الذي يفتقد الإحتضان السُنّي والدعم العربي، وربما فُقدان "الحصانة" أو الدعامة هذه، قد تُكّلف "الحزب" مزيداً من العقوبات في الفترة المقبلة، وهو قد يكون بذلك قد دفع فاتورة مُكلفة جداً، مقابل تمسكّه بحليف لا حليف ولا "أخ" له، سوى من يوصله إلى كرسيّ الرئاسة.

الخلاف "الأصفر" ـ "البرتقالي" حلى حاله

 المعروف عن "حزب الله" أنه حزب براغماتي حيث يقوم بفصل الملفات عن بعضها البعض ويتعاطى مع كل مُشكلة أو قضيّة على حدا، وقد ترجم برغماتيته هذه من خلال بنائه منظومة ونظام خاصين به وأيضاً من خلال طرق تعامله مع الحلفاء وتعاطيه مع الخصوم. من هنا تُشير أوساط مقرّبة منه إلى أنه في ما يخصّ وقوفه عند خاطر باسيل في العديد من المسائل وخصوصاً في الخلاف مع الحريري، إنّما يندرج في سياق الحلف الذي يجمعه بالرئيس ميشال عون وبـ"التيّار الوطني الحر"، رغم أن الجميع يعلم مدى إنعكاس هذه العلاقة بشكل سلبي بين الحزب وبقيّة الأطراف في الداخل، والتي لو استغلّها كما يجب، لكان في غنىّ عن الضغوطات التي تُمارس عليه دوليّاً اليوم.

المؤكد أنه حتّى الساعة لا "لملمة" فعليّة للخلاف الذي اندلع منذ فترة بين "حزب الله" وباسيل على خلفيّة معمل سلعاتا. الحزب تعرّض لطعنة قد تصل الى حدود الخيانة خصوصاً بعدما طال كلام البعض من داخل "البرتقالي" عن السلاح "المقدّس" لدرجة التماهي مع التهديدات الأميركية. هذا ما تؤكده أوساط مقربة من حزب الله، والتي تعتبر أن المرحلة الحالية بحاجة إلى شخص الحريري الذي عبّر منذ أيّام عن استعداده للعودة إلى الحكومة ولكن بشروط أبرزها، عدم وجود باسيل في الحكومة نفسها.

نائب "برتقالي": لسنا من يغدر بالحلفاء

[caption id="attachment_79485" align="alignleft" width="371"] باسيل..حيرة وترقب.[/caption]

 من الطبيعي القول، أن لا مؤشّرات واضحة في الأفق تشي بمرحلة هانئة بالنسبة إلى "حزب الله" الذي يوزّع جهوده على أكثر من محور على الرغم من تقسيمه للملفات التي تُحيط به، لكن رهانه الأكبر يبقى مُعلّقاً على الإنتخابات الرئاسية المُقبلة في الولايات المتحدة الأميركية وسط تضرّعات بفوز المرشح الديمقراطي "جو بايدن"، آملاً في استعادة المفاوضات مع إيران بشأن برنامجها النووي. لكن الآمال هذه، لا تُلغي أنه يجب على "الحزب" أن يختار داخليّاً، بين استقرار سياسي مع الحريري معطوف على الإحتكام للقانون والدستور، وبين طموح باسيل الذي يستدعي إبقاء كل الإحتمالات مفتوحة على مصرعيها بما فيها الإبتزاز على أنواعه.

هذا الأمر يرد عليه نائب "برتقالي" بالقول "لسنا من يغدر بالخصوم، فكيف هو الحال بالنسبة إلى الحلفاء. البعض يقرأ مواقفنا بأنها "مناورات"، لكنّنا نقرأها من بوابة المصالح الوطنيّة، والحكمة تقول إنّك لا تستطيع الفوز دائماً بكل شيء. ويُضيف: نعم وجهنا إنتقادات لسلاح حزب الله، وقد قصدنا بالسلاح المنتشر وليس سلاح "المقاومة"، وهذا الانتقاد جاء من باب حرصنا وخوفنا على لبنان وعلى الشعب اللبناني الذي لن يستطيع أن يتحمّل المزيد من العقوبات الدولية.

"الوطني الحر": لا يُريدونه قوياً

 يعتبر سياسيون من داخل "التيّار الوطني الحر" أن باسيل اليوم يُقارب السلطة والعلاقة مع "حزب الله" وغيره من منظور مختلف، فهو برأيهم يُحاجج بـ"الحقوق المسيحية" وضرورة المساواة بين زعماء الطوائف. وبين ليلة وضحاها، صار باسيل نداً للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ورئيسي مجلس النواب نبيه بري والوزراء السابق سعد الحريري وأيضاً لرئيس الحزب التقدمي الإشتراكي الوزير السابق وليد جنبلاط، وحتّى إنه أصبح زعيماً أكبر من الرئيس

[caption id="attachment_79483" align="alignleft" width="333"] الرئيس نبيه بري.. لن ينسى يوماً من وصفه بـ"البلطجي".[/caption]

التنفيذي لحزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع وغيره من القادة المسيحيين.

 أمّا خصوم باسيل فيعتبرون أنها مسألة وقت حتى يستحيل باسيل شخصية ثانوية في شبكة حلفاء الحزب. وفي هذه الحياة السياسية القصيرة التي ستنتهي مع الانتخابات التشريعية المقبلة والرئاسية التالية، قد يتحدث باسيل وفريقه عن الفيديرالية والحقوق ويدعي الندية مع زعماء الطوائف، لكن الواقع بعد سنتين سيكون مختلفاً. ومع تنحي رئيس الجمهورية ميشال عون عن السياسة، لن يبقى من صهره إلا ادعاءات كبيرة سيتداولها اللبنانيون على سبيل الدعابة لعقود.

الجميع في هذا السياق يذكر، كيف أنه وقبل وصول عون إلى رئاسة الجمهورية، كان جبران باسيل يتصدر المعارك السياسية المحلية والخارجية التي خاضتها ما كانت تسمى قوى 8 آذار، حتّى إنه تحوّل وزيراً ثابتاً في الحكومات كلها. وبعد تسوية العام 2016، منحه حزب الله صفة الوزير الأول الموازي لرئيس الحكومة. وعندما اشتدت المعركة، وفُرضت قواعد جديدة في تشكيل الحكومات اللبنانية، كأنما هناك من قال لباسيل: أنا من أوزِّرك وأُولّيك الوزارة أو أحجبها عنك. وبالطبع ليس حزب الله من قال لباسيل ذلك، بل القوى الدولية التي تدخل على خطّ تشكيل الحكومات وإنجاز الانتخابات والاستحقاقات في اللحظات المفصلية.

تحييد حريري لـ "حزب الله"

[caption id="attachment_79486" align="alignleft" width="425"] لقاء السيد حسن نصرالله ورئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية.. يوم تبخرت أحلام رئيس التيار "الوطني الحر" جبران باسيل بالرئاسة[/caption]

 يبدو لافتاً أن التصريحات التي يُطلقها الرئيس الحريري بين وقت وآخر، تطال جميع الأفرقاء بما فيهم مُصنّفون في خانة "الحلفاء"، الا أن المفارقة ان الحريري يعمد الى تحييد حزب الله في الكثير من الأحيان عن اي هجوم سياسي أو إعلامي طبعاً مع ترك هامش واسع من الحريّة لجمهوره للتعبير عن رأيه، الأمر الذي يشير الى أنه يسعى الى الحفاظ على شعرة معاوية والإبقاء على التواصل الودّي مع "حزب الله"، وهذا ما اعتبرته أوساط سياسية "خط رجعة" الى رئاسة الحكومة، التي لا تزال "بعين" الحريري للمرحلة المقبلة، سواء عبر تسوية اقليمية تعيد الوضع الاقتصادي الى ما كان عليه، أو بعد لملمة الأزمة الحالية من خلال اجراءات قاسية غير شعبوية، وهذا ما يتطلّب منه مسافة صداقة مع الحزب أو على الأقل عدم خلق عداوات معه.

 في مقابل ذلك، فإن الحريري يقوم بتكثيف هجماته على "الوطني الحر" وتحديداً ضدّ رئيسه جبران باسيل، ما يوحي بأمرين، الأول هو حاجة الحريري الى خصم جدّي يستطيع من خلاله شدّ العصب الجماهيري لـ "المستقبل"، والثاني أنه يتحضّر للعمل على استعادة رئاسة الحكومة بعد انتهاء مدة صلاحية "العهد"، حيث أن النفور القائم بين الطرفين سيشكّل عائقاً أساسياً أمام عودته الى السراي، الأمر الذي يدركه الحريري جيداً. ويتبيّن أن تعمّد الحريري بإرسال رسائل في اتجاهات مُحددة، إنما القصد منها عدم وجود نيّة لديه في عقد تحالف جدّي مع الحفاء وتحديداً "القوات اللبنانية" لكن مع الحفاظ على علاقة جيّدة وطيّبة مع جنبلاط، محاولاً في ذلك مخاطبة ود "حزب الله" وحفظ خط الرجعة.

يوم تبخّرت أحلام باسيل

 قبل 17 تشرين الأول الماضي، عُقد لقاء الساعات الطويلة بين نصر الله وباسيل، الذي روّج له مناصرو "البرتقالي" أنه اللقاء المفصل الذي حدد مسار باسيل الرئاسي. إلا أن النشوة انتهت عند لقاء نصر الله التالي مع رئيس "تيّار المردة" سليمان فرنجية مما أدّى إلى تخفيف وهج اللقاء الأوّل، وسرعان ما انفجرت التظاهرات لتطيح نتائجه. منذ ذلك اليوم، وباسيل يراكم الأخطاء بحسب معارضيه، بمن فيهم حلفاء مزمنون، سواء بزيادة مفعول التحدي للتظاهرات الشعبية، واستخدامه الشارع في مقابل شارع، لحسابات تتعلق بالوضع المسيحي الداخلي. كذلك الأمر في تجييره مرات عدة كلام رئيس الجمهورية لخدمة التيار في وجه المتظاهرين، ما منع القبض مبكراً على زمام الأمور وفاقم ردات الفعل على رئاسة الجمهورية كطرف منحاز.

كل هذا، يُضاف اليه علاقة باسيل المأزومة برئيس مجلس النوّاب نبيه بري الذي يُحسب له الف حساب في المعارك الرئاسيّة، فكيف الحال إذا كان الأمر يتعلق بشخص وصفه ذات يوم بـ"البلطلجي"!