هيا الى مسرح جديد <مستقبلي> سيقدم الكثير بعد. هيا الى طاقات شابة تطرح اسئلة الشباب من حولها ولا تكتفي باللطم وانتظار الفرج بل تسعى اليه. قد لا يقدم الفن حلولاً وهذا رأي الكثيرين من العاملين فيه، ولكن حسبه أنه يسلّط الضوء. في مسرحية <الطائفة 19> تمرّد على هذا المفهوم ايضاً. برأي صانعي المسرحية والمشتركين فيها ان الفن يطرح ويحرّك ويقدم حلولاً ايضاً. قد تكون سوريالية، أو ناقصة، أو حتى مستحيلة وقد تكون ايضاً بسيطة يكفيها فقط ارادة شعب وتحرك شباب وتحرر عقول. كيف؟
طائفة اختيارية..
فريد وماهر الصباغ المولودان في بلدة ضهور الشوير عامي 1973 و1979 أرادا ان يقدّما حلاً للطائفية التي يرزح اللبنانيون في طوائفهم الثماني عشرة تحتها. <نحن نطرح الأمر اختيارياً، وقد قطعنا مرحلته الأولى بإطلاق المسرحية>. يضعان امام أعيننا نظارات بأبعاد عديدة لحالنا نحن اللبنانيين بعد 20 أو 30 عاماً، ان نحن بقينا في مستنقعنا الطائفي البغيض. هما لا يدعوان الى نبذ الدين والطوائف، ولا يدعوان الى الالحاد لا بل يحاربانه، ولا يريدان الا الوحدة الوطنية بين الجميع. وفي هذا المجال، قد تنسحب تجربتهما المصغرة في بلدتهما <ضهور شوير> في توحيد الاعياد المسيحية فيها على الوطن كله.
يبتعد الأخوان الصباغ عن الوعظ، فهو للشباب ثقيل الظل. ركّبا مسرحيتهما بقالب غنائي جميل، فيه الرقص والغناء والحب والحلوات، وفيه ايضاً السلطة الصارمة والجيش المنقذ والاستشهاد والتضحية والايمان بوطن، قد يضحي وطناً حقيقياً ان تم تأسيس <الطائفة 19>. بالنسبة للاخوين، وجدت هذه المسرحية <نظراً لعدم وجود قانون مدني واحد للأحوال الشخصية، وعدم وجود خيار وأسس واضحة، تنطبق على كل لبناني يرغب بالانتماء الى وطنه اولاً على كل المستويات القانونية والسياسية والاحتفاظ بحرية وخصوصية انتمائه الديني.. وبما ان الدولة ليس لديها امكانية الغاء الانتماء الطائفي لاي لبناني في السجلات الاساسية، وذلك لعدم وجود قانون مدني في لبنان، وجدت وسيلة قانونية في الأنظمة اللبنانية لترخيص طائفة جديدة وطنية غير دينية وولدت على اثرها فكرة تأسيس <الطائفة 19> التي هي تجمّع لكل لبناني يؤمن بالعيش المشترك وبرسالة لبنان السامية بتعددية طوائفه والاحترام المتبادل بين كل مواطنيه مهما اختلفت انتماءاتهم.. ويصبح في السجلات الرسمية للدولة طائفة جديدة هي طائفة الوطن ينتقل اليها كل من يرغب من الطوائف، دون أن يتخلى فعلياً عن دينه او ايمانه الذي ليس للدولة الحق ان تصنفه على أساسه>.
الممثل حسب طائفته..
بعد «شي غيفارا» (2006) و«من أيام صلاح الدين» (2011) للاخوين صباغ، نحن هنا وبعكس السابقتين، أمام قصة مستقبلية، تدور احداثها بعد عشرين او ثلاثين عاماً. ثمانية عشر سجيناً لبنانياً في سجن رومية يمثلون 18 طائفة لبنانية ينتمي كل واحد منهم الى طائفة معينة منها، اختارتهم الدولة بهدف اصلاحهم واعادتهم الى المجتمع. السجن الاصلاحي هذا، يموّله رفيق فخري، متمول لبناني يحمل مشروعاً تقسيمياً وجل طموحه يكمن في المركز السياسي الذي سيتولاه في احدى الولايات المتحدة اللبنانية في حال نجاح مشروعه.
مسؤولية الأمن في هذا السجن يتولاها النقيب المتميّز الذي لم نعرف اسمه ولا طائفته على رأس فرقة من مغاوير الجيش. بحسه الوطني العالي، يحاول هذا النقيب أن يقف في وجه المشروع التقسيمي، ويبقى على تواصل من بعيد مع العقيد فيصل المعروف بوطنيته هو ايضاً. كذلك يساعد النقيب خبراء يابانيون جاؤوا الى السجن لمساعدة المساجين في العودة الى حياتهم والانخراط في قلب المجتمع من جديد، فيعمل معهم على ايجاد ونشر دواء <ضد الطائفية>.
يكتشف الدواء، وتعمل الحبة السحرية فعلها في نفوس السجناء وتختفي كل عوارض الطائفية بينهم فيتعانق السني والشيعي، ويتلاقى الماروني والارثوذكسي، ويتعاون الموحد والبروتستانتي، والأرمن بمختلف طوائفهم مع كل الطوائف الأخرى ويصيرون <قلباً واحداً> نبضه لبناني لا غير، الأمر الذي لم يرق بالطبع للمتمول، فيأمر النقيب بإخفاء مشروع الدواء نهائياً، اذ ان قرار التقسيم قد صدر وسيعود كل سجين الى ولايته بحسب طائفته، وإلا فإن نفيه لن يتأخر، تماماً كما حصل مع العقيد فيصل. يقرر النقيب ان يهرّب السجناء والخبراء اليابانيين الى مكان لا يتبع لأية ولاية، ولا يجد مكاناً آمناً الا مكب النفايات في الكرنتينا بانتظار الرحيل.
<بن> المعارض
لكن، ليت القصة تنتهي هنا. في غمرة النفايات التي يعيشون بينها، تظهر مجموعة من المعارضين بقيادة شاب يدعى <بن> تعقد بدورها اجتماعات سرية وتحضر لعودة العقيد فيصل للانقلاب على مشروع التقسيم، وتبدأ التخطيط لعملية الانقلاب والغاء النظام الطائفي والمطالبة بنظام مدني للأحوال الشخصية وتعميم دواء الاختبار على كل الشعب اللبناني. لكن يتبين ان <بن> المعارض يريد اقامة ولاية للملحدين ويغتال العقيد فيصل، الذي يسلّم، وهو يلفظ انفاسه النقيب الزعامة ويلفظ معها الرقم <19>. يحاول النقيب فك لغز هذا الرقم، فيتبين له ان المقصود به هو الطائفة 19 والمقصود بها ان تكون خيار كل انسان يؤمن بالوطن وبحرية ممارسة دينه مهما كانت طائفته دون الحاجة الى تسجيلها في سجلات الدولة. يقدم النقيب طلباً الى الدولة لترخيص الطائفة الجديدة ويضطر الى السفر لتهريب الخبراء وحماية الدواء لكن طلب الترخيص يرفض، وتتفق الدولة مع <بن> لتنصيبه زعيماً للطائفة الجديدة، وتخيّر السجناء بين العودة كل الى طائفته او الانضمام الى الطائفة الجديدة، طائفة الملحدين، او التمسك بالطائفة 19 التي ستسبب موتهم، فاختاروا جميعاً الاستشهاد في سبيل الاستقلال الثاني.
بيان يوسف الخال..
النقيب الذي يقود التغيير في المسرحية الغنائية <الطائفة 19> هو الممثل يوسف الخال. في المسرحية لا نعرف اسمه ولا طائفته. هو نقيب مغوار في الجيش يحب الوطن و<الحلوين>. تأسره <سارة> (كارين رميا) سجينة مارونية قتلت زوجها بعد ان رصدته يخونها، فيقول لها النقيب: <لو ان كل امرأة تفعل ما فعلته لما بقي رجل على سطح الأرض>. عينه ايضاً على <سوسي> (جيسي عبدو) الاعلامية المغناج..
هذا الدور اعتبره الخال تحدياً جديداً له. ينصح <كل اللي بيحب لبنان وبيحبنا كممثلين> بحضور المسرحية. فيها يمثّل يوسف ويرقص، ويغني ببزة الجيش اللبناني، الاقرب برأيه الى <الطائفة 19>. وهو وضعه في بيانه الوزاري الخاص به و الذي اعلنه كالآتي:
<الفنّ.. الجيش.. الطائفة 19>.
المعادلة الوحيدة تيصير الوطن وطن.
التوقيع: (y.y.k)، اي يوسف يوسف الخال.
دخل الخال المسرحية لانها تشكل قضية فهو آمن بها اولاً، ومن ثم كانت المسرحية. يقول انه طالما بحث في الوضع اللبناني عن حل لن يتحقق الا عن طريق <الطائفة 19> وهذا أمر خطير. من هنا كانت فكرة المسرحية - القضية التي اطلقها الاخوان صباغ طرحاً جدياً لحل مشكلة الصراع الذي يمتد منذ أجيال ويستمر. برأيه الحل الأمثل لواقعنا اللبناني المأزوم يكون بفصل الدين عن الدولة وفصل علاقة الانسان بدولته على أساس طائفته حتى يتمكن من كسر قيد الطائفة، وينطلق في ابداعه بعيداً عن حكم الطوائف فيتساوى الجميع تحت سقف القانون. أما علاقتنا بالخالق فهي شخصية وخاصة جداً.
أما اختيار فريد وماهر الصباغ له وهما كاتبا المسرحية ومخرجاها، فقد جاء على خلفية انها غنائية اولاً، لذلك لا بد من ان تكون اصوات المشاركين فيها جميلة، وعلى خلفية أهم ايضاً، وهي ان يكون من سيقوم بهذا الدور مؤمناً بالقضية التي تعالجها حتى تصل الرسالة بشكل اصدق الى الجمهور. واللافت هنا ان اختيار الممثلين السجناء الـ 18 جاء على خلفية انتمائهم الطائفية فعلاً، حتى يؤدي كل ممثل دوره الحقيقي وفق طائفته.
يوسف النقيب في <الطائفة 19> سيكون <جاد> العام 2014، اذ انه يطل في رمضان المقبل على شاشتي الـ<ام بي سي> و < ام تي في> في مسلسل <لو> الى جانب كل من الفنان السوري عابد فهد ونادين نجيم والذي يعالج موضوع الخيانة الزوجية. يوسف لم يرتوِ بعد من نجاح دوره في مسلسل <وأشرقت الشمس>، وكلما كبر النجاح صعبت الاختيارات، خاصة ان بينها ادواراً عربية مشتركة قد يكون بينها عمل خليجي لبناني مشترك. فدور الشيخ طلال له منزلة خاصة عنده، كونه يتناول حقبة تاريخية عزيزة على قلبه وفيها الكثير من العنفوان ومواقف الرجولة والشهامة، أما دوره الجديد في <لو> فهو يعوّل عليه كثيراً ايضاً.
أنسى نفسي أنني ابن ابي في افتتاح مسرحية <الطائفة 19> على مسرح <قصر المؤتمرات> في ضبيه، كان يوسف محاطاً بعيني أخته الممثلة ورد الخال، ومباركة والدته الفنانة التشكيلية والكاتبة مهى بيرقدار، في ظل غياب زوجته نيكول سابا وام ابنته الصغيرة نيكول، الموجودة في مصر. عائلته المعروفة تعني له الكثير، وهو ورث عنها الاسم والهوايات. فهو الى التمثيل، يجيد الغناء وهو ما ثبت للمشاهد خلال المسرحية، ويجيد الرسم وكتابة الشعر والخواطر. جوّ البيت الذي تربّى في كنفه سكب فيه جميع هذه الوزنات وهو في رحيل صديق والده وشريكه في مجلة <شعر> أواخر الخمسينات أنسي الحاج الذي رحل عن هذه الدنيا منذ مدة وجيزة، كتب يوسف للصديقين:
وها انا أرى أنسي يرحل عند ابي
عشت وشعرك معه
اما نحن عشنا بشعرك بعده..
زمن الوحي انتهى
شعراء البطولة انتم
شهداء العروبة اصبحتم
خير الحياة معكم..
والآن خير اللقاء.. بينكم
لعل الأعالي ترى سلامكم
ولعل الانسان أبهى من عندكم..
ستشتاق الحروف اليكم
كما الهمّ سيشتاق لحريتكم..
والسلام.