تفاصيل الخبر

يوم تقاعست الدولة عن واجباتها وتركت لبنان لألسنة النيران!

24/10/2019
يوم تقاعست الدولة عن واجباتها  وتركت لبنان لألسنة النيران!

يوم تقاعست الدولة عن واجباتها وتركت لبنان لألسنة النيران!

 

بقلم علي الحسيني

ألهبت الحرائق خريف لبنان بنيرانها بعدما قضت على مساحات واسعة من الأراضي والغابات قبل أن تمتد بعدها الى البشر والحجر وأرزاق الناس وممتلكاتهم. فاجعة ألمّت بجميع اللبنايين بكل طوائفهم وتلاوينهم المذهبية، في وقت كان فيه المسؤولون اللبنانيون يتلهوّن بتقاذف الإتهامات بين بعضهم البعض من أجل الوصول إلى تسوية شاملة تسمح لهم باقتطاع قالب الجبن وتوزيعه بحسب الأحجام والتمثيل. امّا الفضيحة الأكبر، فقد تمثلت  بطائرات <السيكورسكي> الثلاث من طراز S-70A، والتي كان تم شراؤها بقيمة نحو 13 مليون دولار من تبرعات خاصة قبل أن تتوقف عن العمل لأسباب قيل أنها تتعلق بالصيانة، لكن الحقيقة أن هذه الطائرات مثلها مثل أمور أخرى لم تعد لها منفعة في بلد كل شيء فيه خاضع للتسويات والمساومات، أبرزها أمن المواطن اللبناني وأمانه.

 

النيران تأكل الأخضر واليابس..

أين المحاسبة؟

قبل أن تعترف حكومة الرئيس سعد الحريري بتقصيرها الفاضح في مجالات عدة وفي القيام بدورها كما هي عادة الحكومات في بلدان العالم، كانت الحرائق قد أشتعلت في الاسبوع ما قبل الماضي في أماكن عديدة من الأراضي اللبنانية أتت على مساحات واسعة من الأحراج، ودمرت الحجر وأرزاق البشر وأخذت بطريقها الأخضر واليابس وأرواح بشر حاولوا الإلتفاف عليها لينقذوا حياة الأخرين. فمن محافظة جبل لبنان، وتحديداً عند مداخل منطقة الشوف، إلى بلدات في المتن الشمالي، وصولاً إلى شمالي وجنوبي البلاد، أحرقت ألسنة اللهب مساحات واسعة من الأراضي الحرجية وحاصرت بعض المنازل، بينما أتت النيران على عشرات السيارات ومُحيط العديد من المنازل. ومنذ ساعات فجر الثلاثاء ما قبل الماضي الأولى، راحت فرق الإطفاء وطوافات الجيش اللبناني تعمل على إخماد النيران وسط صعوبات جمّة حالت دون وصول كل الأجهزة المعنية بعملية الإطفاء إلى المناطق الحرجية الوعرة، مما استدعى الاستعانة بطائرات إطفاء من الخارج. وبالتزامن، رفعت الأجهزة الأمنية وفرق الإطفاء والإسعاف من درجة جهوزيتها، وأعلن الصليب الأحمر اللبناني عن معالجة وتقديم الإسعافات لعشرات الحالات في مستشفى ميداني أقامه ببلدة الدامور جنوب بيروت،

إضافة إلى نقل عدد من المواطنين إلى المستشفيات لمعالجة إصاباتهم.

وقد طرحت الكارثة التي حلّت بمناطق لبنانية جراء الحريق الهائل الذي كاد أن يصل إلى عمق القرى والبلدات اللبنانية لولا العناية الإلهية، عشرات الأسئلة التي تتعلق بالإمكانات التي تمتلكها الدولة اللبنانية وخصوصاً الأجهزة المعنية بمكافحة الكوارث البيئية وكيفية التعامل مع الحوادث الطارئة أو المُفاجئة كتلك التي حصلت في بلدة المشرف، خصوصاً وأنها ليست المرة الأولى التي تحصل كوارث بيئية كهذه. وربما السؤال الأبرز يكمن في المساعدة التي طلبتها الدولة من قبرص واليونان والأردن في وقت كان لبنان يتغنّى بوجود طائرات إطفاء مخصصة للتعامل مع الحرائق الكبيرة كتلك التي حصلت. أيضاً القى الحريق الضوء على المشكلات التي يعاني منها البلد والتقصير المتمادي من الدولة البعيدة كلياً عن الإهتمامات في كيفية التعامل مع الكوارث البيئية، وهذا ما دعا الناس إلى المطالبة بفتح تحقيقات جدية من دون تمييع أو مراوغة وتحديداً في قضية طوافات الحرائق التي لا تعمل.

أين كانت الطوافات ومن الجهة المسؤولة؟

في العام 2009 قامت مجموعة من الجمعيات البيئية اللبنانية والمجتمع المدني والمؤسسات الأهلية وعدد من الميسورين بالتعاون مع بعض الوزارات، حملة واسعة ونشطة من أجل الحصول على تبرعات وافرة من أجل الحصول على الأموال اللازمة لشراءِ طائرات خاصة لإطفاء الحرائق، ويومها كان رئيس الحكومة الحالي سعد الحريري أحد أكبر الداعمين والمتبرعين. وتمكنت الهيئات المعنية آنذاك من جمع مبلغ من المال وصل إلى حدود 12 مليون دولار وهو مبلغ كاف لشراء الطائرات المطلوبة، أما ما تبقّى من أموال، فقد جرى ايداعهم لدى الشركة المعنية بهدف أن تتولى صيانة هذه الطائرات لمدة ثلاث سنوات ولتنتهي فترة صلاحية عقد الصيانة في العام 2012. وأكثر من مرة، واجه اللبنانيون دولتهم بأسئلة تتعلق بعدم استخدام هذه الطائرات في أوقات كانت تشبّ فيها الحرائق في أكثر من منطقة لبنانية، لكن من دون أن يحصلوا حتى اليوم على أسئلة شافية أو واضحة من الجهات المعنية.

مصادر معنية بملف الطائرات تؤكد انه في العام 2015، تم تأمين ما يُقارب ال700 مليون دولار تم رصدها لصيانة الطائرات، لكن بعد أقل من عامين عادت هذه الطائرات لتُصبح مجدداً خارج الخدمة، وحتى ولو كانت حاضرة اليوم لما كانت تمكنت من العمل ضمن المستوى المأمول أو المطلوب نظراً الى حجمها الكبير الذي يمنعها من الدخول ضمن البيئة الجبلية حيث الوديان والجبال. واللافت أيضا، أن هذه الطائرات المستَعملة أصلاً، جرى تعديلها، ويعود تاريخ تصنيعها الى العام 1987. وبالاضافة إلى الكلفة العالية لصيانتها، تصل كلفة تدريب الطيارين على قيادتها حوالى مليون دولار لكل آلية في حال أُفرز لها 4 طواقم في السنة. في حين أن كلفة تشغيل مروحيات الجيش اللبناني تبلغ حوالى 2000 دولار في الساعة فقط.

التصريحات تختصر وضع الطائرات!

وزير الداخلية السابق زياد بارود، كشف، بأن دفتر الشروط تمّ وضعه من قبل قيادة الجيش اللبناني، لذلك نذكر هنا، أن من تسلّم قيادة الجيش في تلك الفترة هو رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان، وهو وفق القانون المسؤول عن التوقيع على دفاتر الشروط الخاصة بمؤسسة الجيش. أما في ما يتعلق بالطائرات القبرصية والتي قال عنها الوزير السابق نهاد المشنوق بأنها لم تأت صدفة إلى لبنان ولا حتّى تم إستئجارها، أوضح وزير الدفاع السابق يعقوب الصراف، بأنّه خلال توليه حقيبة وزارة الدفاع وقّع مذكرة تفاهم مع قبرص لتبادل المساعدات في مجال اطفاء الحرائق، حتى تكون الطوافات بموجب هذه المذكرة، موضوعة بتصرّف لبنان عند حاجته إليها، على أن يتم تغطية كلفة المحروقات والزيوت. وأشار الوزير الصراف، إلى أن الجيش اللبناني أشرك طيارين ومروحيات تابعة له في اطفاءِ حرائق نشبت في قبرص العام الماضي، ونالوا أعلى التقدير من قيادة الجيش.

وتشير المعلومات إلى أنه كان جرى استعمال الطائرات لفترة في لبنان وأيضاً في مناطق حدودية، وقد تعرضت طائرة لحادث واخرى تعطلت، أمّا الثالثة فقد جرى استهلاكها بدرجة كبيرة، علما بأن فاعلية هذه الطائرات ليست كبيرة في المناطق اللبنانية غير المجهزة، إضافة إلى أن صيانتها تحتاج إلى مبالغ كبيرة، كما أنه من الصعب العثور على قطع لها بسبب قدم طرازها القديم الذي يعود للعام 1975 و1979 و1980. وقالت المصادر: إذا كانت الموازنة تعيق تثبيت عناصر الدفاع المدني، فإن الخلافات الطائفية تحول دون تعيين من يعرفون بـ>حراس الأحراج> الذين لهم دور أساسي ومهمة استباقية لتفادي هذا النوع من الحرائق، إذ كان قد نجح عام 2016 في مسابقة في مجلس الخدمة المدنية 106 هم 87 مسلماً و19 مسيحياً، فيما العدد المطلوب هو 145. لذلك المطلوب من الدولة اليوم، النظر إلى الإحتياجات الوطنية لا إلى الحاجات الطائفية والمذهبية.

تدخل العناية الإلهية وابو مجاهد شهيد الواجب الأخلاقي!

من جهتها ساهمت الأمطار الغزيرة جداً والمصحوبة بعواصف رعدية قوية وبرق، على طول الأوتوستراد الساحلي الممتد من بيروت وفوق مناطق جبل لبنان في توقف الحرائق الهائلة التي التهمت مساحات واسعة من لبنان وهددت منازل المواطنين في بعض المناطق اللبنانية من شماله إلى جنوبه من جراء ارتفاع درجات الحرارة، في وقتٍ أعلن فيه الصليب الأحمر اللبناني أن الحرائق التي يتعرّض لها لبنان الآن هي الأكبر والأخطر. وقد افترش بعض المواطنين الطرقات والساحات العامة بعدما وصلت الحرائق الى بيوتهم وتعمل فرق الاطفاء على إخماد النيران. إلا أن المأساة الكبرى قد نجمت عن استشهاد العنصر في الدفاع المدني سليم ابو مجاهد ابن الـ 32 عاماً وذلك أثناء مساهمته في اخماد الحرائق.

يقول والد سليم جهاد أبو مجاهد: قرابة الثانية عشرة من ليل الاثنين بدأت الحرائق تقترب من بلدة بتاتر في قضاء الشوف، فسارع سليم إلى القيام بواجبه كونه عنصراً في الدفاع المدني، وطلب مؤازرة رفاقه وأصدقائه في البلدة من أجل منع تمدد الحرائق. بعد ساعتين من المشاركة في عملية الإطفاء، عاد سليم إلى المنزل وطلب منّي أن أعطيه مسكّناً للأوجاع لأن صدره كان يؤلمه، علماً أنه أجرى منذ ثلاث سنوات عملية في قلبه استدعت تركيب <دعامة>، فسارعت لجلب الدواء إلا أن حالته تدهورت سريعاً لأنه لم يعد يستطيع التنفّس، عندها نقله شباب البلدة ورفاقه في الدفاع المدني إلى المستشفى غير أن قلبه الضعيف لم

يقاوم ففارق الحياة عند وصوله إلى الطوارئ. وسليم شاب متزوج منذ ثلاث سنوات ولديه ولدان، وهو الابن الأكبر في عائلته المكونة من ثلاثة شباب.

وحمّل والد سليم الدولة اللبنانية مسؤولية ما حصل مع ابنه، وقال: نحن دفعنا ضريبة الإهمال والفساد والنهب. فلو أجروا عمليات صيانة للطوافات (السيكورسكي) التي استقدمت قبل سنوات والقابعة في المطار، لما حصل ما حصل. ربما ليس لديهم الوقت لشراء الفيول لهذه الطائرات لأنهم مشغولون بالنهب والسرقة.

 

كل الحق على الطليان!

اللافت انه في وقت تراوحت التعليلات في أسباب الحرائق، بين العوامل المناخية أو إقدام البعض على افتعالها، راحت أصابع الاتهام تتجه نحو وجود تقصير وفساد، ساهم في عدم الاستجابة اللازمة لإخماد الحرائق بالشكل المطلوب. رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري أكّد أنه إذا كان الحريق مفتعلاً فهناك من سيدفع الثمن، وأشار إلى أن كلّ الأجهزة تعمل من دون استثناء ولا بد من فتح تحقيقٍ في ملابسات الحرائق وأسبابها. لكن وزيرة الداخلية ريا الحسن أعلنت السيطرة على النيران في بعض المناطق بنسبة 80 بالمئة لكن استمرار هبوب الرياح الساخنة جدّد اشتعال النيران، محذرة من إمكان اندلاع حرائق اضافية اليوم بسبب ارتفاع درجات الحرارة نهاراً.

من جهته قال عضو <اللقاء الديموقراطي> بلال عبدالله: يراودني شعور، أتمنى أن يكون خاطئاً، أن الحرائق المتكررة، وفي أكثر من مكان في الشوف مفتعلة. أتمنى على الأجهزة المعنية التحقيق بالأمر.