تفاصيل الخبر

يـهــدمــــــون اجــمـــــــل الـمـعـالـــــــــم لـيــبـنـــــــوا الابــــــراج الــشـاهــقــــــة... فـتــبـقــــــــى فــارغــــــــة!

14/12/2018
يـهــدمــــــون اجــمـــــــل الـمـعـالـــــــــم لـيــبـنـــــــوا  الابــــــراج الــشـاهــقــــــة... فـتــبـقــــــــى فــارغــــــــة!

يـهــدمــــــون اجــمـــــــل الـمـعـالـــــــــم لـيــبـنـــــــوا الابــــــراج الــشـاهــقــــــة... فـتــبـقــــــــى فــارغــــــــة!

بقلم عبير انطون

 

تحالف تراثي واسع من ناشطين وجمعيات تحمل همّ تراث العاصمة وهويتها اجتمع في الاسبوع الماضي حول مشروع يطالب فيه بالـ<الحفاظ على ما بقي من بيروت>، وتكريس يوم 26 تشرين الثاني/ نوفمبر <يوم تراث بيروت>.

 من جمعية <تراث بيروت> الممثلة بالدكتور سهيل منيمنة، الى جمعية <شريك> مع جورج غفري، الى المصور مايك عواد صاحب كتاب <لبنان بالقلب>، وبالتعاون مع مبادرة <روح بيروت> ومطلقها جورج طاشجيان انطلقت المبادرة، في فيلا ليندا سرسق في الأشرفية، حيث وقّع المشاركون على وقع انغام البزق وخبريات آخر <الحكواتيين> عماد محمد الوزان مع جمع من المهتمين، على عريضة موجّهة إلى وزارة الثقافة ونوّاب بيروت التسعة عشر للعمل الجدي <لإعلان حال طوارئ ثقافية>، وتجميد كل رخص هدم المباني التراثية، والعمل على صوغ قانون جديد مع المراسم التطبيقية الملحقة للحفاظ على ما نجا من الهدم من <مباني العاصمة الأثرية والتراثية> ومن إرث فني وموسيقي للعاصمة... فهل من أمل؟

 

<درة الشرقين>...!

ما سلِمَ من الحرب وشظاياها من ابنية تراثية عريقة يقرأ من خلالها التراث العمراني لمدينة الستة آلاف عام، لا يسلَم من هدير الـ<بولدوزيرات> تشق طريقها الى هدمها. واقع الحداثة ومجاراة العصر ومتطلباته لا يمحيان ذنوب تشويه بيروت وهويتها ووجهتها كقبلة سياحية ودرة شرقية. الفوضى ضربتها فأضحت بيروت ذاتها غريبة عن نفسها. عشوائية في الهدم وعشوائية في البناء باستثناء قلة قليلة، وماكينات الباطون دوارة... تدور لمن؟ وماذا بعد؟

التحرك المدني في هذا المجال أساسي، وصراخه <يطوش> وان لم يسمع دائما للحفاظ على الارث الجماعي والأهم في علاقة الانسان بالمكان، هذه العلاقة يعتبرها جورج طاشجيان

أساسية وعن العريضة تحدث لـ<الأفكار>:

- العريضة التي نوقّعها اليوم هي مرحلة في مسار. انطلقنا في العام الماضي بمبادرة <روح بيروت> للفت النظر الى الازقة والشوارع الجميلة في عاصمتنا التي لا يجوز ان تهمل، وهي تضمنت أيضا تشجيع اصحاب المحلات الصغيرة التي تنازع وسط افتتاح المتاجر والمجمعات التجارية الضخمة. عملنا بجهود بحت شخصية لمساعدة بائعي المحلات على الصمود وذلك من خلال اطلاق مبادرات وصفحات تواصل، فاستفادوا من هذه الحملة، حتى ان شخصيات رسمية هذا العام بدأت بدورها تشجع على ارتياد هذه المحلات الصغيرة وشراء هدايا الاعياد منها وهذا جيد. اليوم، انتقلنا الى مرحلة تالية، فـ<روح بيروت> هي أيضاً روح التراث والابنية العريقة. نعرف جميعا انه بعد الحرب المشؤومة تم تصنيف اكثر من ألفي مبنى وموقع تراثي على اللوائح الرسمية ليصل العدد الى مئتي منزل أثري في بيروت على لائحة وزارة الثقافة اليوم مقابل 1016 منزلاً عام 1995، اذ شهد العام 1995 تجميد عمليات الهدم بحق 1016 منزلاً تراثياً بناءً على توصيات مدنية، إلا أن كثيرين من المالكين سارعوا إلى هدم منازل كان يمكن إنقاذها. وقد أجرى لبنان الرسمي بعد عامين دراستين خفّضتا عدد البيوت التراثية فنجا من الهدم نحو 520 منزلاً فقط عام 1997، ثم خفّض العدد إلى نحو 210 في العام التالي، ويذكر هنا أن قرار

الهدم أو الوضع على لائحة الجرد العام للأبنية الأثرية متوقّف عند قرار وزير الثقافة.

ويكمل جورج حديثه قائلاً:

- ما يجري، انه مع كل نية لهدم مبنى تراثي لاقامة برج مكانه، بات اصحابه يتوجهون الى شطب هذه الابنية عن لائحة <المواقع الأثرية> ضاربين بعرض الحائط التاريخ والهوية والحقبات المختلفة وكل ما يشكل ارثنا المعماري بهدف بناء الأبراج مكانها، وكأننا بذلك نسير بعكس ما يجري في البلدان اليوم حيث يفتشون

<بالسراج والفتيل> عن بناء اثري يعيدون احياءه.

التلطي وراء القول بأن الحاجة الى الحداثة والاستثمار تفرض ابغض الحلول، اي التضحية ببعض المباني التراثية، يرفضه جورج قطعيا: على العكس يمكن لهذه الابنية ان تشكل افضل انواع الاستثمارات عبر ترميمها وتحويلها الى <مكتبات عامة> او <مراكز أبحاث> للطلاب مثلا، او افتتاحها كمتاحف على اسماء المبدعين اللبنانيين وما أكثرهم في لبنان وخارجه، كما يمكن ايضا الاستثمار فيها كنواد للشباب او للسياح، او تحويلها الى <بوتيك اوتيل>، داعيا الجهات المعنية المسؤولة الى استملاكها والاستثمار فيها بمشاريع مربحة مع الحفاظ على هويتها التاريخية. اما دائرة العلاقات المنسوجة بين الجهات المستفيدة والتي تمرر المشاريع في ما بينها، فيصفها جورج بـ<دائرة حيتان المال والفساد التي لا ترتدع عن تخريب هوية تراثنا وطمسه>.

 

شبكة معقدة...!

من جانبه الدكتور سهيل منيمنة، الباحث في التراث الشعبي والمسؤول عن صفحة ومجموعة <تراث بيروت> اللتين توثقان للاجتماع والأدب والفن والمعمار في بيروت، عبر مشاركات المواطنين مما لديهم في أرشيفاتهم الخاصة، أو بكل بساطة، عبر صور يلتقطونها بهواتفهم الذكية، فإنه يؤكد في حديث سابق له بأن المال والسياسة متآمران بشراسة لتشويه المدينة قلباً وقالباً، ويرى أن تجار سوق العقارات الكبار معروفون، وعددهم لا يتعدى أصابع اليد الواحدة، إلا أن مصالحهم تتقاطع مع مصالح الحكّام في شبكة معقدة تغدق عليهم إفادة لا تنتهي.

وقد أضاف:

- يملكون الثروات الطائلة، صحيح، لكنهم يفتقرون إلى الثقافة، ثقافة بيروت - الناس بالتحديد: الأسواق الشعبية، والدكاكين المتفرقة، والبسطات، والباعة المتجولون، وليس لديهم أي جذر يربطهم بها، وبالتالي إلى <نوستالجيتهم> معها أو انتمائهم إلى هويتها، وإلا لكانوا استطاعوا استثمار المباني الأثرية الباقية بطرق فعّالة عوضاً عن تحويلها أكواماً من حطام وإنشاء الأبراج مكانها، كذلك المراكز التجارية الضخمة التي تضيق بها مدينة بحجم بيروت وتعدادها.

ويؤكد منيمنة من جديد على ضرورة ترميم هذه المباني وتفعيلها عبر تحويلها الى مدارس ومتاحف وأماكن عمل وتجارة أيضاً، أو على الأقل الإبقاء على الواجهات القديمة وجعلها جزءاً من المشاريع الجديدة، كما في أماكن عدة في العالم.

 كما ويتحدث منيمنة عن نية مجموعة <تراث بيروت> العمل على الحفاظ على الإرث الفني والموسيقي <البيروتي> عبر <إعادة تعريف الناس إلى العديد من الفنانين غير المعروفين وإصدار منشورات عنهم وحفظ إرثهم>، كما وتخطّط المجموعة لتشكيل فريق متخصص للبحث في البيوت ولدى العائلات البيروتية عن وثائق قديمة وتحف وسواها لجمعها وحفظها وإنشاء متحف لها.

 26... لماذا؟

 

 اول ما يفتش عنه السياح يقول جورج طاشنجيان في البلد الذي يزورونه هو هويته، إذ يطلعون على تاريخه وحضارته من بين فنون عدة ابرزها فن العمارة في المدن والبلدات والقرى. نحن نقوم بالعكس حيث نطمس في الباطون تميز وفرادة وذاكرة عاصمتنا لنبني ناطحة سحاب مهجورة وفارغة، وكأنها سياسة تتعمد تهجير الناس الى خارجها. انا مثلا ابن منطقة <الرميل>، واضطر اليوم للسكن في <الربوة>، إذ اضحت العاصمة غابة من الباطون ينطفئ معها رونق بيروت الدرة التراثية للشرق والعرب، وبعريضتنا حاليا نحاول القيام بدفع معنوي لبلدية بيروت ولوزارة الثقافة والوزارات المعنية للضرب بيد من حديد لإيقاف المجازر بحق <ست الدنيا>.

 وحول اختيار تاريخ السادس والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر ليكون يوما وطنيا للتراث، اكد جورج ان لا رمزية خاصة للشهر الذي يحتضن تاريخ الاستقلال ايضا، انما لأنه اخف ضغطا على اللبنانيين من أشهر أخرى فيها استحقاقات معروفة. اما الدكتور سهيل منيمنة فيلبس التاريخ رمزية اكبر لما يعيده الى ما كتبه الشاعر الفرنسي <ألفونس دو لامارتين> في اليوم نفسه في عام 1832 حين وقف على تلّة مار متر - الأشرفيّة ونظر نحو البحر وعين المريسة ورأس بيروت وميناء الحصن والسور... وسواها من مناطق بيروت التي كان يمكن رؤيتها من التلّة، وقال: <كم كنت أتمنى أن أرى جنّة عدن، وأستطيع الآن أن أقول إنني أشاهدها>.

 

 اليوم العالمي...!

 نواب بيروت لم يحضروا للأسف لتوقيع العريضة ولا تمت دعوتهم بشكل رسمي، فهذه اعلن عنها لمن يشاء ويقدر اهمية الخطوة، لكن الحدث لقي بحسب ما يخبره جورج لـ<الافكار> صدى طيبا جدا لدى عدد من السفارات اعربت عن دعم المبادرة لـ<يوم وطني لتراث بيروت> وقد دعتهم هذه الى المشاركة في <اليوم العالمي للتراث> الذي يحتفى به في كل عام من حول العالم:

- طرحوا علينا التعاون لاحياء الحدث، وشجعونا على المبادرة فيما مسؤولونا ملتهون بامور اخرى. غالبية هذه السفارات اوروبية، بينها سفارات الدانمارك والنروج وفرنسا. السفارة اليابانية ايضا تنظم دعما للمهتمين في هذا المجال ونحن سوف نتقدم بطلب لنحظى به. نعد الآن لمشاريعنا حتى نتقدم بها الى مختلف السفارات، وفي نيسان/ ابريل سنتبادل في <اليوم العالمي للتراث> الخبرات والآراء ونطلع الرأي العام عما وصلنا اليه.

ويزيد جورج وهو أيضا منسق حملة <أدراج الأشرفية>:

 - نعتمد على شبكتنا التي تزداد ونحن نتواصل مع عدد أكبر من الناس، فدائرة الاشخاص المهتمين والداعمين تتوسع وهذا مهم جدا. البارحة مثلا اتصلوا بنا من احد الاحياء البيروتية ينقلون مشاهدتهم لـ<لفّ الشباك> حول احد المباني القديمة تمهيدا لبدء الهدم والحفر، وقد قررنا ان نتحرى من بعد ظهر اليوم نفسه حتى نضع الموضوع برسم الرأي العام..

ولما نسأله: «لماذا تحصرون تحرككم ببيروت وفي خارجها ايضا مواقع اثرية رائعة؟> يجيبنا بأن السبب بسيط، وهو اننا اذا وصلنا لحل لمدينة بيروت فانه سوف يعمم، ونحن على تواصل دائم مع جمعيات مهتمة في المناطق من طرابلس الى صور وغيرهما مشيرا ايضا الى تواصل مع جمعية <تران - تران> المهتمة بالمحافظة على التراث من خلال محطات القطار <ترامواي بيروت> المنتشرة في بيروت وعاليه وطرابلس والجنوب، وهذه الجمعية الكبيرة تعمل لإحياء سكة الحديد مؤكدة جدوى تشغيلها لأكثر من سبب... <سنحيي نشاطات بالتعاون في ما بيننا للضغط على الدولة اللبنانية في ما يبقي لبيروت <روحها>، ولقد لمسنا تفاعلا ايجابيا كبيرا لحدث التوقيع على العريضة بعد احيائه من منظمات عديدة لا تتوخى الربح وفعاليات وشخصيات غير رسمية.

 

بالقانون... والضغط!

 

ومع التشديد على ضرورة الجانب القانوني الرادع والحامي والمنظم، يؤكد جورج أن الضغط ايضا يؤتي ثماره والتجربة الميدانية اثبتت ذلك:

- منذ مدة كانوا سيحولون <حديقة اليسوعية> الى موقف للسيارات وقد اوقف الضغط المشروع، كذلك <البيت الزهر> كان سيهدم وتوقف العمل بالامر، <درج مار مخايل - الجميزة> حميناه وكانوا يريدون تحويله الى طريق، كما اوقف الهدم لفترة بحق مبان اربعة امام بيت الكتائب في الصيفي.

ــ أخيرا، ماذا عن كثرة الجمعيات والصفحات الالكترونية <التي تحمل هم التراث البيروتي> والتي تحمل الاسماء عينها أحيانا، هل تشتت الجهود ام على العكس تجمعها؟

 - تجمعها يجيبنا جورج، فكلما كثرت كلما كان ذلك افضل. نحن في النهاية في لبنان ولكل بيئته. فأنا اللبناني الارمني المولود في منطقة الرميل، أختلف عن بيئة الدكتور حسن منيمنة، المختلف عن محمد أيوب من جمعية <نحن>، وهو يختلف بدوره عن مايك عواد الذي التقط بعدسته الكثير من الاماكن البيروتية العريقة ووثقها في كتاب <بيروت بالقَلب>... الصور التي التقطها لـ300 موقع اثري تشكل ارشيفا لها، وقد اختار منها صورا أرفقها بنصوص تعرّف بالمكان والمراحل التي مرّ بها وهي صور مختارة لمنازل بيروت مصنفة او غير مصنفة... لقد عمل عليها طوال عامين وتمكّن من جمع نحو 12 ألف صورة في مناطق مختلفة منها الجمّيزة والخندق الغميق والمصيطبة وغيرها...

في النهاية، فإن العريضة التي أُطلقت من فيلا ليندا سرسق للحفاظ على ارث بيروت وجعل السادس والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر من كل عام يوما وطنيا لتراث بيروت، تم التوقيع عليها من قبل 260 مهتما في ليلة واحدة، ولا شك بان في ذلك دليل وعي واهتمام، ومع بلوغ عدد اكبر من التواقيع خاصة بعد سلوكها طريق المدارس والجامعات، سيجري التحرك الرسمي للضغط في اتجاه حماية التراث وحفظه واقرار يوم وطني، ينضم الى روزنامة لبنانية ثقافية تشمل ايضا - في كل عام وتحديدا في الخميس الثالث من شهر ايار/ مايو - احتفال لبنان بـ<اليوم الوطني للتراث> من خلال فتح المتحف الوطني والمواقع الأثرية ابوابها مجانا امام الزائرين.