تفاصيل الخبر

يـــــارا الـزغـبـــــي:  لـــن أتــــرك الـمـدرســــة الـرسمـيــــة،  وســوف اتـخـصـــــص بـالجـراحـــــة فــي لـبـــنـان!  

01/07/2016
يـــــارا الـزغـبـــــي:  لـــن أتــــرك الـمـدرســــة الـرسمـيــــة،   وســوف اتـخـصـــــص بـالجـراحـــــة فــي لـبـــنـان!   

يـــــارا الـزغـبـــــي:  لـــن أتــــرك الـمـدرســــة الـرسمـيــــة،  وســوف اتـخـصـــــص بـالجـراحـــــة فــي لـبـــنـان!  

بقلم عبير انطون

fadi_karam

ليست الظاهرة في ان تحصل صبية لبنانية فتية بعمر الورود على معدل 19,21 في شهادة المرحلة المتوسطة فتحل في المركز الاول في لبنان لهذا العام انما الظاهرة الاكبر انها بنت منطقة وطى الجوز في الشمال اللبناني وتلميذة مدرسة <بزيزا> الرسمية التي بتفوقها فيها اثبتت ان العبقرية لا تعود الى الزمان او المكان انما للارادة والوعي، وعي الطالب والاهل والمدرسة.

يارا طوني الزغبي، مبهرة بنتيجتها، ومبدعة في اجاباتها التي حصدتها منها <الافكار> بعدما هنأتها من صميم القلب. فكيف قطفت يارا ثمرة نجاحها، والى اي مدى كان الشاعر الكبير سعيد عقل ليفرح بها هي التي تحمل اسم كتاب وضعه، والتي يتأرجح بين حاضرها ومستقبلها الواعد عمر نتمناه جميلاً كالذي غنته فيروز؟

مع يارا ووالدتها ومديرة مدرستها كان حديث <الافكار> الذي بدأته يارا بتعريف عن نفسها:

 - ولدت في الثالث والعشرين من شهر أيار/ مايو من العام 2001 ولطالما كنت متفوقة والاولى على صفي في المواد التي اعتبرها مهمة جميعها مع ميول لدي الى المواد العلمية اكثر من المواد الادبية وبخاصة مادة الرياضيات، كما انني احب الكيمياء الحيوية جداً. لم اكن اتوقع الحلول في المرتبة الاولى على لبنان. للصراحة كنت انتظر معدل 18 وما فوق. قلقت من تصحيح مادة البيولوجيا وكنت اعتقد انني لم احسن بعض الاجابات لكن المعدل فاجأني حقاً. اشكر الاساتذة جميعهم والادارة لمواكبتهم لنا منذ اول السنة الدراسية تحضيرا للامتحانات.

وسألنا يارا اذا ما انسحب نجاحها على تلامذة الصف كلهم فاجابتنا بان ستة طلاب لم يوفقوا وتشرح الاسباب من وجهة نظرها فتقول:

- هناك طلاب تحملوا المسؤولية ووضعوا كل طاقاتهم في الدرس في حين اهدرها آخرون على مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها. انا ايضاً كما جميع الطلاب لدي موقعي على <الفايسبوك> وأتواصل عبره مع الجميع واهلي لم يمنعوني عنه، كما انني لم اتوقف عن متابعة برامج احبها على التلفزيون، الا انني كنت افصل تماما ما بين اوقات الجد واللهو. فكنت استيقظ في الصباح الباكر، عند الرابعة او الخامسة فجراً حيث يكون الذهن صافيا تماما. لم اترك نفسي للحظات الاخيرة بل اهتممت بدروسي اثناء السنة الدراسية التي عملت فيها باجتهاد اقطف ثمرته اليوم، وقد وصل معدل ساعات الدرس في اوقات المراجعة للامتحان ما بين 11 و12 ساعة يومياً، في برنامج وضعته بنفسي حتى اكون مرتاحة في تطبيقه.

 وعـــــن عائلتهـــــا الفخـــــورة بها تابعت يــــــارا حديثها معنا:

- نحن في العائلة صبيّان وبنت. اخي يورغو هو طالب الآن في سنته الجامعية الثالثة في الجامعة الاميركية يتخصص بموجب منحة حصل عليها في هندسة الاتصالات لتفوقه، وهو من اعطاني الدافع الكبير للنجاح، وقد سبق ان حاز المرتبة الاولى في محافظة الشمال في الشهادة المتوسطة فتحديته بانني سأكسر رقمه واتفوق عليه. اما اخي الثاني يوري فيعاني من صعوبات تعلمية ولم يكمل مسيرته العلمية ويبلغ الآن العشرين عاماً. والدتي <ست بيت> من الطراز الاول، تواكبنا في دراستنا وقد وصلت الى الصف الثانوي الثالث و<اجاها النصيب>، اما والدي فيعمل مديراً فنياً في احدى الشركات.

 

الفخ.. الجميل!

حول الاتصالات الرسمية العديدة من وزراء ونواب افرحتها عقب اعلان نتيجتها المشرفة تقول يارا:

- اكثر ما سعدت به للصراحة كان اتصال معالي وزير التربية الياس ابي صعب. كانت صدمة لم استفق منها الا بعد حين. لم اكن اعرف ما يدور حولي، فقد وصل فريق محطة <ام تي في> الى البيت عندنا على اساس اجراء حديث معي حول مدرسة <بزيزا> الرسمية قائلين لي بانه تم اختيارها كأفضل مدرسة رسمية في الشمال. صدّقتهم، وفوجئت بعد هذا <الفخ> بمعالي الوزير يعلمني بالنتيجة على الهواء مباشرة امام الملايين. كان شعوراً رائعاً لا يمكنني وصفه!

وبغير وزير التربية تلقت يارا اتصالاً افرحها من الدكتور سمير جعجع هنأها فيه على نجاحها، كما اتصل بها الوزير السابق غازي العريضي الذي اثنى على جهودها ايضاً، وحضر الى حفلة تكريمها من قبل مدرستها نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري، النائب نقولا غصن، النائب فادي كرم ورئيس بلدية <بزيزا> بيار عبيد وكثيرون غيرهم.

 تعتمد يارا في دراستها اليوم على اللغة الفرنسية، الا انها مع بلوغها مرحلة الجامعة فسوف تختار جامعة ناطقة باللغة الانكليزية، اللغة التي تملك اطلاعاً كبيراً فيها بحسب ما تقول. لاحقاً سوف تتجه يارا نحو دراسة الطب للتخصص في الجراحة تحديداً..

وعن الحديث حول انتقالها لانهاء دروسها الثانوية في مدرسة خاصة بعد ان تأسست في مدرسة <سانت تيريز> من الروضة حتى الاول تكميلي في بلدة دار بعشتار المجاورة، وهي مدرسة خاصة، اكدت يارا انها لا تفكر بالامر، وقد وردتها عدة اتصالات من مدارس خاصة تتكفل بدراستها ان هي انتقلت اليها، وتقول: <انا افتخر بانني في مدرسة <بزيزا> الرسمية ومنها حققت هذا النجاح، حتى انني لن أنتقل لاحقا للتخصص خارج لبنان، وأنا مصرة على البقاء فيه حيث سأكمل في الجامعة الاميركية في بيروت على غرار اخي>. وتزيد يارا بمرح: <الآن انتقل الى هدفي الثاني وهو الحلول بالمرتبة الاولى في شهادة الصفوف الثانوية وسأبدأ بالتحضير لها لانها اصعب وتتطلب جهدا اكبر>.

والدرس ليس كل ما تفعله يارا. فلها هوايات متعددة، ولقد <التقطت> موهبة العزف على البيانو بسماع اخيها الذي يعزفه منذ ست سنوات، كما انها تعزف على الغيتار، وتغني ايضاً في مهرجانات الكورة واحتفالات مجدل <بزيزا> وغيرها. فنانها المفضل يبقى وائل كفوري الذي <كنت فرحت جداً لو اتصل بي وهنأني..> تقول الصبية الصغيرة وهي تبتسم.

IMG-20160627-WA0002

ذكاؤها واضح..

والدة يارا السيدة سناء ربة المنزل الواعية للشاردة والواردة فيه حدّثت <الافكار> عن يارا بعد ان سألناها عن نفسها اولاً وعن عوامل <تفوق وراثية> في العائلة فاجابت بفخر ممزوج بالتواضع:

- انا ايضاً كنت بين الاوائل في دراستي <جهلت شوي على بكير> وسرعان ما تحملت مسؤولية البيت وصرت اما لثلاثة اولاد. لما كنت اجلس لتدريسهم كنت اقول في نفسي <ليتني اكملت> وكنت اعمل احياناً في الصيف في شركة <سانيتا> في حالات، <فانغريت> بالراتب الذي كنت اتقاضاه لقاء عملي، علماً ان المادة هي آخر ما اهتم به حتى اليوم.. كونت اجتماعياتي وعلاقاتي وكانت لي شعبيتي في محيطي ما ابعدني عن الدراسة وكانت العودة اليها صعبة.

وعن يارا واشارات ذكائها وتفوقها المبكر، وعما اذا كانت علاماته واضحة بالمقارنة مع اترابها تقول سناء:

 - نعم كنا نشعر بذكائها ووعيها المبكرين، وكانت علاماتها متفوقة وكانت معلمة اللغة الفرنسية <مدام وديعة> ترافق علاماتها بالتسبيح لله لهذه الموهبة التي فيها. كذلك فقد واكبها الاب فادي مدرس حصص مادة الدين في مدرسة <سانت تيريز> في دار بعشتار حيث تدرس سابقاً، وفي احدى المرات ارسل في طلبي مهنئاً وقائلاً: <انتبهي ليارا، ففي ذكائها شيء خارق، وقد سألت استاذة في علم النفس عن حالتها فأجابتني، والكلام دائماً للاب فادي، بأنها معجزة وقد تمر هذه الحالة بنسبة واحد على مليون وسيكون لها مستقبل زاهر إن انتم أوليتموها اهتماماً ونميتم مواهبها>. وقد جاء اعجاب الاب فادي بنباهة يارا بعد تمرين صغير قام به في الصف، اذ قص على التلامذة اختصاراً لحياة السيد المسيح باللغة الفصحى، وسأل من يمكنه اعادتها بعده، فكانت ان اعادتها يارا بلغة رائعة من دون تفويت اي تفصيل، ما اذهله حقاً>.

وتضيف السيدة سناء:

- بقيت هذا الكلمات تطن في بالي، فشجعت يارا ودعمتها مع والدها وبقيت اتابعها. وحتى اليوم اسمّع لها دروسها واعيد لها <ما لا يعجبني>.

 وعن الذكاء الاجتماعي الذي يبرز في حديث يارا المنفتحة والطلقة اللسان بحيث تعبر بوضوح تام عن فكرتها قالت الام بحماس:

- في هذا الشق، لابيها المدير الفني دور كبير فهو يسافر كثيراً، يعرف الانكليزية بطلاقة وله مواهبه في الحديث والتواصل مع مختلف انواع البشر. حتى ان يارا منذ صغرها تتميز بهذه القدرة على التعبير، ففي احدى المرات اصيبت بالتهاب في الكلية، وكانت بعمر الست سنوات، ادخلناها على اثره الى مستشفى <الهيكلية> في طرابلس، فطلب منها كما في جميع المستشفيات تعبئة استمارة عن المستشفى والاستقبال الخ، فأجابت عن هذه الاسئلة بشكل جعل المسؤولة تأخذني على انفراد لتكلمني قائلة: <لابنتك مستقبل زاهر..>  ومع كلماتها استعدت كلمات الاب فادي..

لا تنكر سناء انها <شافت حالها> بنتيجة يارا، وهي سعيدة بابنتها التي لم تميّز بالتعاطي معها يوماً عن اخوتها الصبية، فالمحبة مقسمة بالتوازي على الثلاثة، حتى انها لشدة ما تحب البنات تقدمت بنذر للقديسة رفقا - وهو الان اسم يارا في المعمودية - حتى ترزق ببنت، فجاءت <بنت ولا كل البنات>.

والى ذكاء يارا، لبيت الزغبي تجربة من نوع آخر، ورحلة شاقة ترويها لنا السيدة سناء مع ابنها الذي يعاني من صعوبات تعلمية، وهي بفضل مواكبتها له مع والده والعائلة اصبح الآن موظفا في احدى الشركات اللبنانية. باختصار توجز لنا سناء الحكاية:

- في عمر السنة والستة اشهر تقريباً بدأت ألاحظ ان كلمات ابني محدودة، ولم نكن نعرف حينئذٍ الاسباب ولم تكن التوعية حول هذه الامور واسعة كما هي اليوم. في المدرسة كان تقدمه بطيئاً وكنت اعاني معه في مواد الحفظ فاعلمه دروسه بالترافق مع الاشارات احياناً وبالحركات احيانا اخرى. وانا كأم لا اتبع العقاب القاسي او الصراخ او الاهانة انما احرم الولد مما يحبه، ولم تأتِ الامور بنتيجة، وبقيت <التأتأة> على حالها. عرضناه على اكثر من طبيب مختص وفي اكثر من مجال حتى انه خضع لجلسات كثيرة في النطق وتقويمه كنت ارافقه فيها لاعيدها له في المنزل، كما خضع للكثير من الجلسات والتمرينات لتعلم التركيز وصلت الى حدود 45 جلسة تقريباً، وكان قد خضع قبلا لتخطيط السمع وتصوير الرأس الى غيرها من الفحوصات الطبية اللازمة، ولكن لم نصل الى حقيقة الاسباب حتى انني عرضته على اختصاصي اعشاب مرموق يمكنه معرفة انواع الامراض من خلال صورة للعين ولم يكن التقدم سريعا. تطلب مني الحنان والعطف الكبيرين اذ كنا نسمع ان وضعه ربما ناتج عن غيرة من اخويه وهم اصغر منه، الا ان السبب لم يكمن هنا، حتى انني رفضت ان يدخل مركزاً للرعاية الاجتماعية، فلما دخلت المركز ورأيت الحالات التي فيه وجدت ان حالة ابني مختلفة تماما، وما كان مني الا ان طلبت له استاذاً يعطيه الدروس الخصوصية في البيت.

IMG-20160627-WA0006 وتضيف الزغبي:

- لاحظنـــــا انه يملك موهبة فنية فتعلم لدى الاستاذ ميشال كفوري عزف <الاورغن> وبقي لأربع سنوات ونصف السنـــــة، وهـــا هــــو اليـــــوم بعد مشوار طويل وشاق يعمـــــل كمساعـــــد <اوبراتـــــور> في شركة <سانيتا> في ذوق مكايل.

عيد: فخر للمدرسة الرسمية!

من جهتها، مديرة مدرسة <بزيزا> الرسمية السعيدة بتفوق طالبتها، كانت سعيدة ايضا لما اشرنا الى ان التلميذة والمديرة هما من الجنس اللطيف: <ما حدا ضوا عالموضوع كتير وبرهن ان السيدات انجح في الادارة> تقول السيدة مبتسمة. وفي مراجعة للاسماء وجدنا لائحة بسيدات شماليات يتسلمن مراكز ادارية حضرن حفلة تكريم يارا من قائمقام الكورة كاترين كفوري انجول، الى رئيسة المنطقة التربوية في الكورة نهلا حاماتي، رئيسة <بلدية المجدل الزكزوك وطى فارس> نجاة الزغبي ومديرة المدرسة جاندارك عيد. ولما سألناها، اي عيد، عن تفوق يارا في الصف مقابل رسوب آخرين في صفها شرحت قائلة:

- نستقبل احيانا طلابا من مدارس اخرى، كما ان المغريات التي يتعرض لها هذا الجيل كثيرة، ابرزها <الواتساب> ومواقع التواصل الاجتماعي ونحن نتعاون مع الاهل الذين يفقدون احيانا سيطرتهم على اولادهم لنعيدهم الى الطريق السليم.

وعند معدل علامات يارا تتوقف المديرة:

- وسط الكم الهائل من المدارس الخاصة على صعيد لبنان كله كانت يارا متفوقة على المتفوقين. نحن في المدرسة لم نولها عناية مختلفة عن زملائها، بل اننا نعمل على التلميذ الضعيف حتى يتجاوز ضعفه ونشجع التلميذ الذي يسجّل معدلاً وسطياً حتى يبرع، فرسالتنا ان نخرج للمجتمع عناصر ناجحة ليس بالضرورة بالشهادات الاكاديمية فقط بل في جميع المجالات، فلبنان لا يحتاج فقط الى الاطباء والمهندسين..  ونحن نعمل على تعزيز الثقة بالنفس ليكون الشخص ناجحا في الحياة وليس في المدرسة فقط.

وعن طلب واحد تتقدم به السيدة المديرة الى وزير التعليم الياس ابي صعب في ما خص مدرستها تحديداً اجابتنا بان معاليه وعدها بزيارة قبل ان تطلبها وتقول: في المدرسة اليوم 325 طالباً هم في غالبيتهم من عائلات الضيعة والجوار، ويطالب الاهل بصفوف ثانوية في هذه المدرسة ليبقوا تحت جناحها لثقتهم بالادارة والجهاز التعليمي حتى دخول الجامعات.وتشير عيد الى ان مدرسة <بزيزا> الرسمية نموذج فعلي للعيش المشترك اذ تضم الى المسيحيين، عددا كبيرا من الطلاب الشيعة ولما تغيب معلمة الدين المسيحي عن صفها تدخل مكانها <الحجة> لتعليم الدين والعكس صحيح.

تعترف عيد في النهاية بأنها مديرة قاسية الا انها غير ظالمة، فحيث لا نظام تحل الفوضى، وحيث الفوضى يحل الفشل الذريع..