في سدة المديرية العامة للاحصاء المركزي سيدة واسعة الثقافة والادراك هي مارال توتاليان. ولذلك فهي المستهدفة في هذا المقال..
فمطلوب من السيدة توتاليان أن تكلف فرق استقصاء من الوزارة ومن المجتمع المدني ليسألوا كل مواطن في عينة عشوائية: أيها المواطن.. مم تشكو؟ وما هي آلامك الاجتماعية؟ وما هي هواجسك حيال أولادك المقبلين على التخرج من الجامعات؟ وإذا كنت موظفاً، هل يكفيك الراتب الشهري؟! وإذا كنت موظفاً في دوائر الدولة، ولاسيما إذا كنت في سلك التعليم، هل تتوقع انصافاً من سلسلة الرتب والرواتب المزمع تحضيرها في البرلمان أم ترى في هذه السلسلة لحساً للمبرد، من حيث اضطرار الدولة الى فرض ضرائب جديدة للتغطية. بمعنى أنها ستأخذ منك باليسار ما أعطتك إياه باليمين، لأن نتائجها سترتد على أسعار الحاجيات وأقساط المدارس والجامعات، ويصبح كل شيء هباباً يباباً؟
يا ست توتاليان.. الناس تئن في كل مكان، وتتبرم من سوء الحال..
إذا سألت ابن الشارع الطاعن في السن عن أحواله، قال لك بصوت متهدج ان في البلاد شركات تأمين على الصحة، ولكنها شركات لا تعترف بمن تجاوز السبعين عاماً، أي أكثر من ست سنوات عند المتقاعد عموماً، وسنتان عند المتقاعد من جهاز القضاء. وحجة شركات التأمين أن ابن السبعين فما فوق مكلف، بحكم تعرضه للأمراض واستدعاء دخوله المستشفيات، وهذا بالطبع خنجر في صدر حقوق الانسان. ولكن ما العمل؟ فالقانون لا يلزم شركات التأمين بمراعاة ظروف المسنين، ويتركهم على باب الله ودور العجزة!
وإذا سألت الشاب الذي يتنزه عند شاطئ البحر في بيروت أو الضبية، أو ساحل عكار، أو ميناء طرابلس، عما يجيش في صدره قال لك: أنا لا أشعر أنني ابن هذا البلد. فلا فرص عمل، ولا تعويض بطالة كما الحال في فرنسا، حتى أجد عملاً. وأملي الآن بأن أحصل على تأشيرة سفر الى دول الخليج، أو استراليا، أو كندا، حيث فرص العمل تنتظر كل ملهوف، وحيث تعويض البطالة حق من حقوق الباحث عن وظيفة، أو المستغني عن وظيفته!
وإذا سألت أماً في أحد مجمعات <السوبرماركت> عن أحوالها، أجابت: لم نعد قادرين على شراء ما نريد، حتى علبة اللبنة تسيست، وأصبح هناك فريقان: واحد يتهمها باحتوائها مادة كيميائية، وفريق ثان يقول إن مصانع الألبان في لبنان منزهة عن كل شبهة، ويضرب بها المثل في النظافة وسلامة التحضير.
والأم نفسها تقول لك: كل السلع اجتاحتها نار الارتفاع في الأسعار. فعلبة الجبنة المبسترة كانت تباع بخمسة آلاف ليرة، فصارت بتسعة آلاف ليرة.. وان لم يعجبك ذلك فلا ضرورة للشراء..
وإذا سألت أنت الشاب، أو أنت الفتاة، عن وظيفة في مطعم أو متجر أزياء، أو صالون تجميل، وجدت الباب مسدوداً في وجهك، لأن النازح السوري أو النازحة السورية أكثر طلباً بحكم أجرهما المتدني، وهكذا تجف فرص العمل في محيطك، لتنتعش في محيط النازحين..
نحن لا نطلب حصاراً اقتصادياً حول النازحين، فالنازح أخ وجار، ونسأل الله أن يضع حداً لغربته. ولكن بالمقابل يتعين الحفاظ على حق المواطن اللبناني في العيش الكريم. فالنازح يحصل على مساعدات دولية واقليمية، أما المواطن ابن البلد فله الله وحسن التدبير، إذا توفر حسن التدبير!
تلك عينات نضعها أمام مدام توتاليان..
وأظن أنها تدري بكل ذلك، لأنها إذا كانت لا تدري، فالمصيبة أعظم!