تفاصيل الخبر

تيفاني سعادة مؤلفة “À tous ceux qui ont perdu leur Poésie”: ملكة الشعر جعلتني أطوّع النظريات العلمية البحتة للمواضيع الانسانية العميقة!

31/05/2019
تيفاني سعادة مؤلفة “À tous ceux qui ont perdu leur Poésie”:  ملكة الشعر جعلتني أطوّع النظريات العلمية البحتة للمواضيع الانسانية العميقة!

تيفاني سعادة مؤلفة “À tous ceux qui ont perdu leur Poésie”: ملكة الشعر جعلتني أطوّع النظريات العلمية البحتة للمواضيع الانسانية العميقة!

 

بقلم عبير انطون

من نظرتها الخاصة الى الحياة والامور من حولها تحاول العبور الى ما هو انساني شامل. في السادسة عشرة من عمرها، تقدم تيفاني سعادة كتابا شعريا مميزا جمعت فيه عوالم شخصيتها. تتفرد بأسلوب أقرنت فيه الجانبين العلمي والادبي، وخصصت ريع الكتاب لمنح طالبية في مدرستها <الانترناشيونال كوليدج>. تُشرِح النظريات العلمية التي اكتسبتها لتوظفها في أشعار أدبية لها ميزتها الخاصة، وتستوحي مواضيعها من كل من وما هو حولها، الطقس والفصول والشمس والساعات والناس والجماعات... تستوحي من العائلة، من حكمة والدها وحنان امها وسعادة اخيها، من اصدقائها، من المبعدين والمقهورين... ومن كل شيء، وكأن بنت هذا العصر خارج زمن اترابها الذين يرون في الشعر والشعراء خاصة اشخاصا آتين من غياهب الزمن ومجاهل التاريخ...

فما الذي أتى بها الى هذا العالم؟ كيف استقبل اصدقاء تيفاني اصدارها الشعري الاول؟ لم اختارت ريعه لمدرستها وفي اي مجال تنوي التخصص؟

في لقاء <الأفكار> معها كان الغوص في التفاصيل وسألناها أولا:

ــ كيف خطرت لك فكرة الكتاب؟

- في بادئ الأمر لم يرد ببالي يوما وضع كتاب او رؤية اسمي على غلاف مؤلف لي، الا انني ومنذ نعومة اظفاري وأنا اكتب القليل من النثر والشعر والخواطر، لكن ما شجعني على وضع الكتاب كانت المسابقة التي شاركت بها في صف الثامن الأساسي تحت عنوان <بلومييه دور> (القلم الذهبي)، وهي مسابقة باللغة الفرنسية موجهة الى جميع طلاب هذا الصف في فرنسا أكان في مدارسها الخاصة أو الرسمية كما في خارجها بهدف دعم اللغة الفرنسية، ويرعى هذه المسابقة مجلس الشيوخ الفرنسي، البحرية الفرنسية، ووعدد من الناشرين الفرنسيين. مثلت لبنان في فرنسا وفزت بجائزة مهمة للمدرسة ولبلدي. ولاحقا في الصف التالي الـ<بريفيه> اشتركت في مسابقة <Graines de poetes> <بذور شعراء> وهي مسابقة تجري على صعيد لبنان أيضا، وفزت بالجائزة الثالثة. وبما ان لدي الكثير من الاشعار غير المكتملة قلت في نفسي: لماذا لا انهيها؟ وكان الكتاب...

ــ هل كان صعبا عليك اقناع الناشرين في <Noir Blanc Et Caetera> بالكتاب؟

- لم يكن متوقعا مني ولا مقصودا تضمين القصائد في كتاب. وما جرى ان السيدة سلمى كجك وهي معلمتي التي احبها جدا، هي من وجدت فيها ما يستحق النشر وبأنه يجب ان يخرج الى العلن، فتوجهَت اليهم بما كتبتُه، وشعر الناشرون ان في القصائد نضجا كبيرا ووافقوا على الإصدار.

ــ ما عدد القصائد التي يضمها الكتاب وما أبرز المواضيع التي تناولتها؟

- هي اربعون قصيدة لم نرتبها وفق منهج معين وقبالة كل واحدة منها رسم اختاره الناشرون. اما المواضيع فمتنوعة جدا، وأتناول فيها الحياة، المجتمع، الحرب، المبعدين، الغرام... الاصدقاء. ما ساعدني جدا في الكتابة هو انني اجمع جانبين في شخصيتي، ميلاً ادبياً كبيراً وفي الوقت عينه ميلاً علمياً كبيراً أيضا. استخدمت هذين الجانبين لأكتب شعرا مميزا نوعا ما، دمجت فيه المواد والنظريات العلمية من رياضيات وفيزياء وكيمياء بالفلسفة والأدب واللغة.

ــ لنوضح للقارئ أكثر. كيف حصل هذا الدمج؟

- حسنا. هناك مثلا قصيدة عنونتها <Une fraction de personne> استخدمت فيها نظرية رياضية، فحاولت ان ابين كيف يمكن تطبيق هذه النظرية الرياضيـــــة علـــــى الحياة... كذلك اتخذت قولا معروفا للكاتب الكبير <تولستوي> وحاولت ان افسره رياضيا من خلال المعادلات والاشتقاقات <Equations et derivations> بمعنى أنني احول نوعا ما النظريات العلمية الى تعابير وتشبيهات ادبية فاطوع العالمَين احدهما للآخر، كما اهندس كتاباتي كما لو انني احلّ معادلة رياضية مثلا.

وتضيف تيفاني:

- هذا الامر جميل جدا. بالنسبة لي، لا يقتصر الشعر على ترجمة الأحاسيس، ما احب وما لا احب، انما ان ادمج ما بين امرين متباعدين او متناقضين، واولّد منهما ما هو جديد. فالقارئ لقصيدتي مثلا يعرف للتو اي نظرية علمية اتناولها انما بقالب شاعري، يحمل معنى وبعدا انسانيا بعدما اشتغل عليه لغويا وأدبيا وأجعله موسيقيا مع القوافي المتناسقة والصحيحة. وأحيانا استخدم كلمات تعلمتها في الفيزياء او البيولوجيا لافسر شعورا او فكرة معينة.

 ــ هل استوحيت الفكرة من أحد ما سبق وقام بها؟

- لم اطلع اذا ما كانت هذه الفكرة تم تناولها قبلي ام لا. لقد خطرت ببالي منذ فترة قصيرة، ولانني احب الجانبين العلمي والأدبي كما ذكرت، سمح لي الشعر بالدمج ما بينهما، ولا اعتقد بان هناك تجارب سابقة في المجال.

ــ ممن اكتسبت حب الشعر؟

- برأيي لا يمكن ان نتعلم حب الشعر وتذوقه فإما نولد ونحن نحبه او لا. ما كنت اعرف قبلا بأنني املك موهبة كتابته، علما ان جديّ كليهما، لناحية والدي أو والدتي، يهتمان بالكتابة، فاحدهما يكتب الشعر والآخر رحمه الله كان يكتب الموسوعات باللغة العربية. وقد شجعتني والدتي منذ طفولتي على القراءة والكتابة والتعبير وانا قارئة نهمة مما جعلني اكثر قربا من الكلمات. علاقتي بهذه لم تعد مجرد حروف الف - بائية انما هي تواطؤ في ما بيننا، وكل عمل ابداعي في كل قصيدة هو <فالس> جميلة لنا في شراكة حلوة.

ــ ووالداك في اي مجال هما؟

- والدي مهندس، ووالدتي أسست <مائدة المحبة> وهي جمعية لا تتوخى الربح وتطعم عائلات محتاجة أسبوعيا فنقدم المعونة في هذا الشأن للمخيم عند منطقة الضبية وفي كرم الزيتون والنبعة ومناطق عديدة اخرى، وهو امر استوحيت منه الكثير في الكتابة اذ سنح لي بتلمس معاناة الناس ووجعهم عن قرب، فعنوان الكتاب <لجميع اولئك الذين فقدوا شِعرهم> يحكي عنهم ايضا، وقد طلبت من الناشرين ان يكون الحرف الاول من كلمة شعر باللغة الفرنسية بالحرف الكبير <Poesie> والكلمة اعني بها أكثر من معنى. الشعر هو الحب، الامل، الموسيقى، وكل شيء جميل، وانا اهديه لكل الناس الذين خسروا هذه الامور الجميلة أو حتى خسروا اعزاء عليهم بالرحيل او الفراق او البعد الخ... أردت ان أظهر ايضا انه يمكننا استعادة ما نخسره من خلال الشعر.

ــ واخوتك، هل لديهم ملكة الكتابة ايضا؟

- لي أخ وحيد اسمه <جاد>، وهو في مجال التسويق والمبيع... يحب القراءة جدا لكنه بعيد عن عالم الشعر والكتابة.

 

انجاز!

ــ اصدقاؤك، ما كانت ردة فعلهم على اصدارك كتابا شعريا ونعرف ان جيل اليوم بعيد عن المجال؟

- تعجبوا جدا، ولم يكونوا منتظرين لأمر مماثل علما انهم يعرفون عن ميولي الكتابية، خاصة وانه في مجتمعنا اليوم وتحديدا بين ابناء جيلي، لا حماسة كبيرة للقراءة، وتحديدا قراءة الشعر، ويعتبرونه <دقة قديمة>، لكنهم ابدوا اعجابا كبيرا، وولّدت لديهم صدمة ايجابية، واعتبروا ما قمت به انجازا. الا انني اتأسف فعلا ان جيل اليوم ما عاد يحب الورقة والقلم والكتاب وهي ينابيع الثقافة الحقة.

ــ هل تفكرين بكتابة رواية ادبية... بوليسية... بعيدا عن الشعر؟

- احب الكتابة على أنواعها. الكتاب الثاني الذي اعمل على إصداره قريبا سيكون <Recueil de nouvelles> اجمع فيه الأخبار، كأنها قصص صغيرة، لها علاقة بالعلوم الادبية والعلمية. اما كتابة الروايات، البوليسية مثلا، فلا تثير اهتمامي بشكل كبير.

ــ في اي مجال تنوين التخصص؟

- ما زلت غير مستقرة على تخصص بعد، وقد اتجه الى المحاماة. ففي هذا المجال مساعدة للغير وتأمين للحقوق والدفاع عنها. فأنا مسكونة بهاجس اللاعدالة الذي نجده في كل ما حولنا أكان من خلال الحروب او العنف او الجوع او الفقر وغيرها. أنا احلم بالعدالة وقد اختار دراسة القانون الدولي علني اساعد في هذا المجال، وحلمي ان اعيد التركيز على الاهتمام بالعلم والتربية لكل من يفتقدها اليوم.

ــ بغير كتابة الشعر، ما الذي ترتاحين اليه ايضا؟

- احب الموسيقى، والغناء من جانبه اعتبره هوايتي المفضلة وهو يتكامل نوعا ما مع الشعر. انه سلاحي الذي احارب من خلاله اي <سوداوية> قد أشعر بها.

ــ ما الاغنية التي ترددينها مؤخرا؟

- <ملوك العالم>.

ــ وحكمتك المفضلة؟

- ما قاله الفيلسوف <ديكارت> يوماً: <أنا افكر اذن انا موجود>.

ــ انه شعار مجلتنا في <الافكار> ايضا...

- وهل اجمل من هذا التعبير عن ضرورة البحث والتفكير والنقاش؟

ــ هل تفكرين بنشر أشعارك وخواطرك عبر مواقع التواصل الاجتماعي؟

- لا افكر بذلك. على الأقل حاليا. فمتعة الورق لا تضاهيها متعة ويجب برأيي ان تبقى للكتاب مكانته. من الأفضل للشعر برأيي ان يستقر على الورقة ويُكتب بالقلم وليس عبر الكومبيوتر ولا <الفايسبوك>... وأنا سعيدة بان واحدة من قصائدي سيتم نشرها خلال شهر حزيران/ يونيو المقبل في <لوريان ليتيرير>.

 ــ خصصت ريع الكتاب لمنح مدرسية في مدرستك <انترناشيونال كوليدج>. لماذا؟

- صحيح، فشراء الكتاب يساهم في دراسة طلاب ربما في غير استطاعتهم دفع اقساط المدرسة وقد يمتلكون مواهب متعددة. مساهمتي هذه في عودة ريع الكتاب لدعم صندوق الدعم في مدرستي ليست سوى طريقة بسيطة جدا مني لرد الجميل لمدرسة اعطتني الكثير في مختلف المجالات، وبينها الصداقات التي كونتها والانفتاح على الآخرين. بهذه الطريقة، ومن خلال شعري اقول لهم شكرا. والمنح التي قد يوفرها بيع الكتاب ربما تفتح بابا واسعا لمستحقين لها في سبيل مستقبل افضل لهم ولمجتمعهم وتحقيق احلامهم، وكما حققت حلمي هم ايضا يستطيعون ذلك. فالتربية بالنسبة لي كنز يغني ليس عقولنا فقط انما نظرتنا ورؤيتنا للحياة برمتها.

ــ كتابك اليوم هو باللغة الفرنسية، هل تفكرين بترجمته، او بكتابة آخر بالعربية؟

- اكتب جيدا باللغات الثلاث، وصودف انني كتبت هذا باللغة الفرنسية. لكن بالنسبة للترجمة فلا اعتقد بانها ستترجم الاحساس الموضوع فيها، فقد تترجم الكلمات اما الشعور فلا اعتقد انه سيكون نفسه وكما اردته.