تفاصيل الخبر

تثبيت الاحتلال عبر ... اللقاح 

24/02/2021
تثبيت الاحتلال عبر ... اللقاح 

تثبيت الاحتلال عبر ... اللقاح 

بقلم خالد عوض

[caption id="attachment_86286" align="alignleft" width="447"] رئيس الحكومة الإسرائيلية "بنيامين نتنياهو": الهروب من تهمة الفساد بواسطة... اللقاح.[/caption]

العالم يشهد اليوم سباقاً بين تفشي الوباء وتحوراته المختلفة، البريطانية والبرازيلية والجنوب أفريقية وغيرها من جهة، وحملات اللقاحات التي تتسابق عليها كل دول العالم من جهة أخرى. الهدف هو محاصرة الوباء والوصول إلى مناعة القطيع المجتمعية التي تسمح بعودة الحياة الطبيعية. الشعوب تحكم اليوم  على حكوماتها بالمعيار اللقاحي، والاقتصادات تنتظر انتشار اللقاح لكي تحصي خسائرها النهائية.

هل العالم بحاجة إلى... إسرائيل؟

 هناك دولة سبقت كل دول العالم بسرعة تلقيح مواطنيها وباستطاعتها إنتاج دراسات متعددة ستساعد كثيراً في تقييم فاعلية اللقاح ونسبة المناعة المجتمعية وقاعدة بيانات علمية غنية جداً يمكن أن يستفيد منها العالم بأجمعه. هذه الدولة هي إسرائيل، الدولة الصهيونية التي هضمت حقوق الفلسطينيين، والتي أصبحت بسبب نجاحها في توفير وتوزيع اللقاح مضرب مثل للإدارة الحكومية الفضلى. لا شك أن إسرائيل نجحت في دبلوماسية اللقاح وأظهرت للعالم كله أنها دولة مسؤولة ورشيقة بقراراتها. هي لم تمح حقيقتها كدولة عنصرية ومحتلة ولكن الكلام عن إفنائها وإلغائها ومحوها من الوجود أصبح يضر صاحبه أكثر بكثير من أحقيته. إسرائيل، مع الأسف، عرفت كيف تقول:"أنا ضرورة للعالم وللتطور العلمي ولست حالة طارئة".

رحلة اللقاح الإسرائيلية

 كيف تمكنت إسرائيل من تصدر دول العالم في نسبة توزيع اللقاح؟ الجواب البسيط هو أنها في بداية الصيف الماضي طلبت من "ستيف منوشين"  وزير المالية السابق في إدارة "ترامب" أن يقنع شركتي "بفايزر" و"موديرنا" أن تحجزا لإسرائيل نسبة من اللقاحات المخصصة للولايات المتحدة  على أن تتفاوضا معها مباشرة. وحتى تسرع العملية وافقت إسرائيل على سعر مرتفع جداً يساوي ٢٨ دولار للقاح (مقابل ١٢ دولار للإتحاد الأوروبي) وأقنعت الشركتين أن إسرائيل تريد أن تكون البلد "النموذج" (Model Country) في مسألة اللقاحات. فاقترحت أن تسمح بتبادل كل البيانات الصحية لمواطنيها مع "بفايزر" وأن تعطي الشركة حق الوصول إلى كل المعلومات التي تريدها من قاعدة البيانات الموجودة عند مؤسسة الصيانة الصحية (HMO: Health Maintenance Organization) التابعة لوزارة الصحة الإسرائيلية من دون أي اعتبار لخصوصية المعلومات. هذه الهيئة أنشأتها إسرائيل بعد أن قررت عام ١٩٩٥ توفير الغطاء الصحي المجاني لكل مواطنيها وأسست قاعدة بيانات صحية نموذجية لمواطنيها. كما خصصت أكثر من ٧,٥ بالمئة من موازنتها السنوية للقطاع الصحي وفرضت شفافية مطلقة على كل نظامها الصحي وكيفية الإنفاق فيه. نجاح إسرائيل صحياً أوصلها اليوم إلى تبوؤ ثامن مرتبة عالمية في متوسط طول العمر. لولا الاستثمار المتواصل والدؤوب في قطاعها الصحي لما كان عند إسرائيل سوى المال تغري به شركات اللقاح وهذا ما كان يكفي.

 

دبلوماسية اللقاح 

[caption id="attachment_86287" align="alignleft" width="354"] رئيس شركة "بفايزر" اليوناني الأصل "ألبرت بورلا": النموذج الإسرائيلي أعطى شركته أفضلية علمية استثنائية.[/caption]

يتبجح رئيس الوزراء الإسرائيلي اليوم بنجاح حكومته في سياستها اللقاحية بعد أن فشلت فشلاً ذريعاً في محاصرة الوباء وحصدت نسبة عالية من الوفيات. وهو يعتبرها أهم إنجاز لحكومته قبل الانتخابات النيابية في ٢٣ آذار (مارس) المقبل. ولا يتوقف "نتنياهو" في الداخل الإسرائيلي حيث يحاول شراء أصوات الإسرائيليين العرب باللقاحات. فهو بعد أن أمن كل اللقاحات المطلوبة للإسرائيليين من "بفايزر" قرر توزيع ١٠٠ ألف لقاح حصل عليهم من شركة "مودرنا" على أكثر من ١٥ دولة من بينها "موريتانيا" التي لا تربطها بإسرائيل أي علاقة دبلوماسية والتشاد وحتى إيطاليا. كما تضم لائحة الدول التي ستحصل على اللقاحات "الإسرائيلية" كل الدول التي إما نقلت سفاراتها من تل أبيب إلى القدس أو أعلنت عن ذلك مثل تشيكيا والمجر وهندوراس وغواتيمالا. إسرائيل ليست فقط الدولة الأولى في العالم اليوم من حيث نسبة تلقيح مواطنيها (أكثر من ٣٥ بالمئة من الإسرائيليين تلقوا اللقاح وأكثر من ٧٥ بالمئة من الفئات المعرضة أي فوق سن معين أو عندها أمراض مزمنة)، بل هي أول دولة توزع لقاحات على دول أخرى نظراً لاكتفائها "اللقاحي". كما أنها الدولة الأولى التي تعلن عودة الحياة إلى طبيعتها وتعيد فتح كل متاجرها ومقاهيها من جراء المناعة اللقاحية. 

 

البرنامج الانتخابي: لقاحات

 يقبل "بنيامين نتنياهو" على الانتخابات المقبلة، وهي الرابعة في سنتين، بتهم فساد شبه ثابتة عليه. ولكن في يده أيضاً نجاح سياسة لقاحية يمتدحها كل العالم. وهو من خلالها رفع حظوظه الانتخابية  إلى حد كبير. ولكن ما قام به "نتنياهو" لن يتوقف على فوزه المرجح في الانتحابات بل سيكون له مفاعيل أبعد وأقوى. فهو عرف كيف يحصد احترام العالم وإعجابه "بالنموذج" الإسرائيلي. كما أسس منصة علمية تعطي دولته مصداقية دولية لا تستأهلها.

في ذكرى اغتيال "قاسم سليماني" في ٤ كانون الثاني (يناير) المنصرم طرح بعض النواب الإيرانيين مشروع قانون يقضي بضرورة عمل إيران لمحو إسرائيل من الوجود قبل عام ٢٠٤١. صحيح أن هذا الكلام وتصريح الرئيس الإيراني السابق "محمود أحمدي نجاد" المهادن جداً تراجعٌ عن الكلام الإيراني السابق من حيث حدته وجديته. ولكن بعد دبلوماسية اللقاح الإسرائيلية، وإذا افترضنا أن على العالم أن يختار بين إسرائيل وإيران وحق من في الوجود، لن تصب أصوات معظم دول العالم لصالح إيران. أما في الجانب الفلسطيني فقد أصبح المطلوب عمل سياسي ودبلوماسي خارق حتى تعود القضية الفلسطينية إلى مصاف الحقوق الإنسانية، ولا تبقى في مدار عطف العالم وشفقته وإحساسه تجاه الشعب الفلسطيني بالذنب، أو ما تبقى منه.