تفاصيل الخبر

تظاهرت في باريس... ودخلت ”وسط بيروت“ على ظهر الجمل!

07/02/2020
تظاهرت في باريس... ودخلت ”وسط بيروت“ على ظهر الجمل!

تظاهرت في باريس... ودخلت ”وسط بيروت“ على ظهر الجمل!

 

بقلم عبير انطون

 

ميشيل كسرواني مع اختها نويل في آخر أغانيهما الانتقادية ”كأن عايشين“: قبل الثورة، كنا نشعر باننا لسنا على قيد الحياة!

 

 

 

ميشيل ونويل كسرواني، اصبح الاسمان مرادفين لاغنيات واعمال انتقادية ساخرة، مذ اشتهرت بشكل فاجأ الجميع اغنية ميشيل الاولى <جغل الاوزيك> (جامعة الروح القدس الكسليك)، لتأتي اغنية الاختين المصورة على ظهر الجمل في وسط بيروت تأكيدا لموهبتهما كتابة وتنفيذا، الى غيرها من الاغنيات التي رافقت محطات سياسية واجتماعية لبنانية من الانتخابات النيابية الى البلدية وغيرها وصولا مؤخرا الى اغنية <كأن عايشين> التي بعد الثورة طرأ على كلمات نهايتها تغيير جذري.

فما كان هذا التغيير؟ ماذا تقول ميشيل عن هذه الاغاني؟ ما ردة فعل الرقابة عليها، وما الذي تحكيه لـ<الافكار> عن تجربتها مع نادين لبكي في <كفرناحوم>؟

سألناها اولا:

ــ اشتهرت بأغنية <جغل الاوزيك> (جامعة الروح القدس) هل بعد الثورة اليوم لا زالت صورة الشاب اللبناني برأيك كما وصفته في الاغنية ام ستكون لنا عن شباب الجامعات صورة مختلفة من الآن وصاعدا؟

- عندما كتبت اغنية <جغل الاوزيك> كنت في الـ١٩ من العمر. كتبتها من شدّة الحسرة والقهر اللذين كنت اشعر بهما عند تواصلي مع بعض الشبّان من طبقات اجتماعيّة راقية او يدّعون ذلك او يطمحون إليه.

 امّا التفاصيل مثل التكلم عن <الواسطة> بفخر، والـ<بابي كولونيل> واعتقاد انّ المادّة والفلوس والالقاب والسيارات لا يمكن الاّ ان تجذب الفتيات فقد كانت تستفزني! واليوم نحن نثور على كلّ ذلك، فدور النساء البارز في مظاهراتنا يظهر لنا بوضوح ذكاء وشجاعة ورؤية وحنكة الكثير من نساء لبنان، وقد ابتدأت ثورتنا بركلة! ركلة امرأة لرجل مسلح، فلا للذكوريّة ولا للاستهزاء بعقولنا.

ــ <عالجمل بوسط بيروت> لقيت ايضا تفاعلا لدى المستمعين. كيف وردت فكرة هذه الاغنية؟

- من وضع وسط مدينة بيروت... فمحلات الـchic التي تملأ مدينتنا التي تسمى <مدينة الاشباح> ليست نتيجة حياة وتغيير مدينة طبيعيين، بل نتيجة حرب دمّرت قسمًا منها، فيما القسم الآخر بدل ان يرمّم ويُحافظ عليه دُمِّر من قبل شركة <سوليدير>. ذات مرّة قالت نويل <طيب اذا واحد ما في معو مصاري، يعني ممنوع يفوت ع وسط هالمدينة؟> فدخلنا الى وسط بيروت على جملين وطلبنا من أصدقاء ان يصوروا بكاميرا هواتفهم. حاول رجال الامن والشرطة منعنا، ولكننا كنّا نسألهم: نحن من عائلة متواضعة ولا نمتلك سوى هذا الجمل! هل هذا يعني ان ليس لنا حق بالتجوّل في مدينتنا؟

ــ اختيارك ونويل للاغاني الاجتماعية الساخرة، كان انطلاقا من ان الناس بحاجة لهذا النوع في لبنان ام ان نجاح الاغنية الاولى ساهم في الابقاء على هذا النوع؟

- عندما نقرر ان ننتج عملا ما، نكتب ونعبّر عن الأشياء التي نشعر بها ونود قولها ولو حتى كانت لا ترضي قسماً كبيراً من الناس، مثلا في اغنية <منعيد ومنعيد>، بدأنا بالتلاعب بخطاب لرئيس الجمهورية ميشال عون وكان ذلك سنة ٢٠١٨ قبل الانتخابات، وها نحن في سنة ٢٠٢٠ وبعد انطلاق الثورة وتراجع عدد كبير من الثوار عن انتماءاتهم السياسيّة، عاد الناس ليتفاعلوا معها من جديد. نحن نفرح عندما نرى الناس تتفاعل مع اعمالنا بطريقة إيجابية طبعا، ولكن نحاول ان لا نتأثر بذلك كثيرًا لنستمر بالتعبير عن النفس تجاه اي وضع اجتماعي وسياسي ضاغط.

ــ برأيك اذا اجريت انتخابات نيابية مبكرة اليوم سـ<نعيد ونعيد> الطبقة نفسها ام بعد 17 تشرين هناك امل بالتغيير؟

- ما قبل ١٧ تشرين لن يعود ابدا حتى لو وجدت هذه السلطة القامعة الفاسدة طريقة ما لاعادة انتاج نفسها بطرقها الملتوية المعتادة: الرشوات والتخويف وتزوير صناديق الانتخاب واخفاء أصوات المغتربين المستقلين والتهديد... فهؤلاء السياسيون باتوا مرصودين من شعب أصبحت اغلبيته لا تخاف منهم!

ــ هل من <بانيك بالبرلمان> (عنوان اغنية للاختين كسرواني) اليوم برأيك؟

- لبنان يتقدم... حتى لو كان هذا التقدّم مؤلما وتتخلله فترات يمكن ان نشعر فيها بأننا خسرنا لأننا لم نحصل على كلّ ما أردنا... لا يمكن ان نسحب فكرة الحريّة والحق من ذهنٍ اقتنع بها. اما البرلمان، فحاليا هناك <بانيك> طبعا. نود فعلا ان نرى برلمانا يمثلنا، ولا يخاف من شعبه فيصوّن نفسه بجدار يشبه الجدار الإسرائيلي في الضفة الغربية.

ــ ما كانت ظروف ولادة اغنيتكما الأخيرة <كأن عايشين> وكيف نسقتها مع نويل؟

- كتبنا <كأن عايشين> قبل الثورة. كنا نشعر اننا لسنا على قيد الحياة! بلد جامد ملوث، معظم أصدقائنا عاطلون عن العمل، والد يحرق نفسه في مدرسة ابنته لانه عاجز عن تسديد الاقساط المدرسيّة، مجرمون يخرجون من السجون بغطاء سياسي، سياسيون فاجرون يتهكمون على شعبهم.

ولكنها كانت تتضمن عبارة بآخرها تقول:

<نداء الى الشعب الغضبان الثورة قرّبت تبتدي!>

بعد ذلك بشهرين، كنت قد عدت الى باريس لمتابعة كتابة فيلمي. اتصلت بي نويل وقالت: <ميشيل، بتتذكري هيدي الثورة يلي كنّا عم مننادي ل الها بآخر الغنية؟ بعتقد بلشت...>.

وضعنا الاغنية جانبا ونزلنا على الطرقات: نويل في بيروت وانا في باريس. قمنا، انا وفريق صغير من الأشخاص الذين كانوا غرباء في ذلك اليوم، بتسمية انفسنا <مغتربين مجتمعين> ونظّمنا ببضعة أيام اول مظاهرة مغتربين في باريس، ولم نتوقف من حينها، وصار هناك <مغتربين مجتمعين> في ٤٥ مدينة في العالم أيضا.

مر شهران. بدأ الناس يتعبون... فرأينا انا ونويل انه الوضع الأنسب لاطلاق هذه الاغنية بهدف تذكير انفسنا والجميع باسباب نزولنا الى الشارع! غيّرنا المقطع الأخير وكتبنا: <عايشين>، وختمنا بجملة مكتوبة: <كلما اختلفت وجوه فسادكم، اختلفت وجهة ثورتنا>. اما الفيديو فكان عملا جماعيّا تضمّن عدة فنانين شجعان لم يغادروا الساحات! وكنا نبعث الفيديو من شخص الى آخر لكي يزيد عليه ما يشاء وما يشعر!

ــ اغانيكما ملتصقة جدا بالواقع اللبناني، هل تجد لها صدى في الدول العربية او مصر مثلا؟

- نحن نتلقى رسائل عديدة وردود فعل من كلّ انحاء العالم تعبّر عن انّ أصحابها يعانون من المشاكل نفسها حيث هم، في الدول العربيّة خاصة. في فرنسا أيضا، قمت بالمشاركة بعدة لقاءات ومحاضرة مشتركة وقد كانت القاعة مليئة بالحضور المتنوع والاكثريّة من غير اللبنانيين... صدمني تفاعلهم الايجابي وارادتهم لفهم التفاصيل.

 

مع نادين..!

ــ حدثينا عن معرفتك بنادين لبكي وتعاونك معها في كتابة فيلم <كفرناحوم>. واستطرادا، هل تفضلين الكتابة الجماعيّة للعمل الواحد؟

- انا كنت اعرف نادين طبعا، اما هي فتعرفت علي من خلال الأغاني التي انشرها مع نويل على الانترنت.

وفي أحد الأيام، روت لي نادين قصة عاملة اجنبية تضطر لترك ولدها وحيدا في المنزل لكي تعمل في مقهى في الليل. اخبرتني تفاصيل المشهد. ثم سكتت. سألتها: <وبعدين شو صار؟> قالت لي: <بدنا نشوف>. لم اكن اعلم ان هذه القصة كانت بداية <كفرناحوم> ووجدت نفسي مع نادين وجهاد حجيلي نتحدث ونتناقش، ثم بدأنا رحلة بحث دامت اكثر من سنتين جعلتني ادخل عالم السينما ببطء.

تشعب المشاكل في مجتمعنا جعلنا ننتقل من قصة الى أخرى ونكتشف بجرح كبير وقائع البنية التحتية الاجتماعية المرعبة في بلدنا. أولاد في اصلاحيات لانهم يتعرضون للضرب والعنف في اسرهم والدولة ليس لديها مكان آخر يأويهم بسبب عدم وجود <budget>. فيما السجون جعلتنا نذهب الى دهاليز القضاء وهناك الرعب أكبر: اشخاص في غالبيتهم عمال أجانب او غير محاطين بمن يساعدهم يوضعون في السجن بانتظار... لا نعلم ماذا، محاكمتهم ربما في يوم ما. في السجون، ترون معظم الوقت أمهات يزرن أولادهن، وبينهن الكثيرات من النساء اللواتي تزوجن في عمر مبكر ما فتح لنا باب زواج القاصرات واذا بنا ندخل الحلقة المغلقة التي تقع بها النساء الضحايا، فنلجأ بالتالي الى المنظمات الموثوق بها التي تعمل فعلا على الأرض، نرافقها ونتقرّب اكثر من واقع النساء في محاولة فهم للأسباب التي تؤدي الى تلك المشاكل والخ... فتركيبة مجتمعنا أشبه بفخ كبير حيث يعيش أشخاص في ظروف معينة صعبة، ولا تقدم لهم الدولة اي شيء بل تنصب لهم أفخاخا على مدى حياتهم، بمساعدة تركيبة اجتماعية ظالمة وفاسدة وسياسات قامعة، وتنتظر كي يقعوا.. فتحاكمهم.

وتضيف ميشيل:

- بقينا نبحث لسنتين ونصف السنة، وقصة <كفرناحوم> تكتب نفسها بنفسها. فمن نحن كي ندّعي انّه بإمكاننا اختصار حقيقة حياة اشخاص بحكاية او قصة نؤلفها من داخل منازلنا؟ فالقصص تتكرّر تقريبًا من ظلم الى ظلم آخر، من مجتمع ودولة واحزاب رافضين ان يروا حقيقة ما في وجههم وان يتحملوا مسؤولية كل هذه البنية <الفارطة>. فقصة <زين> هي مجموعة قصص سمعناها مئات المرّات، سمعناها لدرجة ان الممثلين عندما وُضعوا في الموقف المكتوب وجدوا انفسهم قادرين على التفاعل مع ما كتبناه بسهولة لكثرة تعرضهم لمواقف مماثلة. فضعنا حتى نحن، بين الحقيقة والخيال المكتوب: هل اهل <زين> فعلا اهله؟ هل الصبي الصغير (وهو فتاة في الواقع) هو فعلا ابن العاملة الاثيوبية؟... كلا ولكنهم عاشوا قصصا مماثلة.

لا اخفي عليك الحسرة التي اشعر بها عندما أتذكّر بعض التفاصيل التي كتبت على الورق او ارتجلت وتم تصويرها في غالبيتها ولكنها لم تعرض بسبب طول الفيلم (الذي كان كما اذكر في اول Cut 11 ساعة ممنتجة، ثم بات ٦ و٤ ومن ثم اقل، لكي يصل الى ساعتين) فالكثير من تفاصيل الـ<لماذا> اضطرت ان تحذف: فساد الدولة والاستهتار، قصص الاهل وحالات عيشهم، اسبرو <الشرير> في الفيلم الذي يقول للقاضي: <انت مين تتحاسبني اني زوّرت أوراق ل ناس ما عندها وراق؟ هو لو في دولة انا ما كان عندي شغل اصلا. بس ما في دولة، فانا الدولة تبعهم> وعشرات المشاهد الاخرى.. هناك الكثير من المشاهد المهمة، اضطرت نادين والفريق الى وضعها جانبا للحفاظ على وقت الفيلم. لقد كانت تجربة حياتية اكثر منها كتابة فيلم، فيها حلو وفرح ومر وذنب ومشاعر مختلطة اثرت بي بعمق. اما الوقت الذي امضيته مع نادين ومع جهاد أيضا في البحث خاصة فجعلنا نفهم ونتقرّب من بعضنا البعض بشكل جميل وعميق لا يشبه أي علاقة أخرى. أمضينا أوقاتا طويلة في منزل نادين مع عائلتها وطفليها، واوقفنا الكتابة مرات عدة لكي تدرّس ولدها او كي نتظاهر او لاسباب أخرى، ما جعل علاقتنا فعلا عائلية، كما وأيضا مع كل الأشخاص الذين فتحوا لنا قلبهم واخبرونا قصصهم والممثلين زين ويوردانوس والجميع...

أما بالنسبة للسؤال عن الكتابة فأجد نفسي بحاجة لان اكتب وحدي دوما. ولكنني احبّ الكتابة الجماعيّة أيضا لانها تنطوي على تحديات اكثر كونها تخرج الكتابة من سيطرة الشخص الواحد.

ــ هل تفكرين بالانتقال الى مجال المسلسلات او السينما، ويمكن ان تكون النقلة في الاجتماعي والانتقادي الساخر ايضا مع نجاحكما في الكليبات المصورة؟

- هذا ما ابدأه الآن، فانا اكتب فيلما طويلا بعنوان <اذكريني> وفيلما قصيرا بعنوان <رؤية> كما اعمل على وثائقي اودّ ان انتجه أيضا. أفلام مختلفة بعض منها رسوم متحركة جديّة وسياسيّة وأخرى مصوّرة نقديّة واجتماعيّة.

ــ كيف هي العلاقة مع الرقابة اللبنانية هل <تداريانها> نويل وانت، وهل تعرضتما لها في اغنيتكما الاخيرة؟

- لا نفكر بالرقابة اطلاقا، فإذا فكرنا بها، هزمنا. الرقابة الذاتية هي اخطر من الرقابة نفسها. وعندما نتعرض اليها، مثلما حصل في الاغنية الأخيرة، نتصرّف... نحنا لا نستفز احدا ولا نداري. ننفذ ما يدور في خاطرنا.

ــ ما اسباب وجودك في باريس وهل يمكن ان تكون اقامتك الاساسية فيها؟

- انا في باريس في إقامة فنية لكتابة افلامي بدعم من <المركز الثقافي الفرنسي> في الـCite Internationale Des Arts ... نعم، من الممكن ان تصبح اقامتي الأساسية فيها، اما قراري بالبقاء فيعتمد على الوضع في لبنان وعلى عملي وعدة عوامل أخرى... لننتظر ونر.