تفاصيل الخبر

«تشريع الضرورة » كرّس «ميثاقية التعطيل » وزاد الدين العام وأقرّ «موازنة مقنّعة » بلا أرقام دقيقة وهزّ السرية المصرفية!

20/11/2015
«تشريع الضرورة » كرّس «ميثاقية التعطيل » وزاد الدين العام  وأقرّ «موازنة مقنّعة » بلا أرقام دقيقة وهزّ السرية المصرفية!

«تشريع الضرورة » كرّس «ميثاقية التعطيل » وزاد الدين العام وأقرّ «موازنة مقنّعة » بلا أرقام دقيقة وهزّ السرية المصرفية!

 

سلام-الحريري إذا كانت <التسوية> التي حيكت بين بيروت والرياض على أيدي الرئيس سعد الحريري والوزراء جبران باسيل وعلي حسن خليل ووائل أبو فاعور بمتابعة قريبة من الرئيس تمام سلام و<تسهيلات> قدّمها كل من الرئيس نبيه بري والعماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع، أدّت الى انعقاد جلستين تشريعيتين لمجلس النواب بعد توقّف امتدّ الى أكثر من سنة تمّ خلالها إقرار قوانين مالية وصفت بأنها <ضرورية> لإنقاذ الاقتصاد اللبناني، فإن الوقائع السياسية التي أفرزتها هذه <التسوية> رسمت علامات استفهام كثيرة حول معايير جديدة اعتُبرت <سابقة> في تأمين انعقاد مجلس النواب، في وقت كثُرت فيه الملاحظات حول تداعيات ستترتب على القوانين المالية التي أُقرّت والتي وجد البعض فيها <تهديداً> لقانون السرية المصرفية، فيما تباينت الآراء حول دقة الأرقام التي أُقرّت كاعتمادات إضافية لمصاريف الدولة اللبنانية الى درجة أن هذه الأرقام راحت تتبدّل كما يحصل في جلسات المزاد العلني، وذلك في غياب الأسس الدقيقة التي اعتُمدت للمطالبة باعتمادات إضافية... وفيما بدا أن قانون استعادة الجنسية الذي أُقرّ خلال الجلسة جرى <التنكّر> له قبل صياح الديك من بعض الأفرقاء الى حدّ التلويح بتقديم طعون به أمام المجلس الدستوري بعد صدوره رسمياً، اتضح أن القانون الذي اقتُرح لتحويل عائدات الهاتف الى البلديات تعرّض لعملية <تفخيخ> كادت أن تطيح به بعد تراجع من كان التزم إقراره ضمن <التسوية> التي تمّ الاتفاق عليها، ليتحوّل من قانون الى <وعد بمرسوم> تصدره الحكومة - إذا اتفق الوزراء الـ24 على توقيعه - ينظم عملية التحويل...

وإذا كانت الأحزاب المسيحية <احتفلت> بتحقيق إنجاز قانون استعادة الجنسية ومرسوم اعتمادات الخلوي، إلا أن فرحتها قد لا تدوم طويلاً إذا ما مضى المعترضون على <التسوية> في مسيرة <الخربطة> التي قادوها قبيل انتهاء الجلسة وبعدها، سواء لجهة الطعن بقانون استعادة الجنسية أو بعرقلة إقرار مرسوم توزيع الاعتمادات على البلديات، وبذلك تكون هذه الأحزاب قد <أكلت الضرب> وصارت <إنجازاتها> حبراً على ورق.

غير أن الأكيد والثابت أن <التسوية> التي فتحت أبواب المجلس النيابي على مدى يومين، أغلقت عملياً المجلس نفسه حتى إشعار آخر بعدما تمّ ربط أي جلسة تشريعية أخرى بالاتفاق على قانون جديد للانتخابات النيابية خلال مدة شهرين، علماً أن الدورة العادية للمجلس تنتهي مع نهاية شهر كانون الأول/ ديسمبر المقبل، وسيكون من الصعب فتح دورة استثنائية في الأشهر الثلاثة الأولى من السنة الجديدة حتى موعد العقد العادي الأول للمجلس في منتصف شهر آذار/ مارس من العام 2016، إلا إذا ذُلّلت الخلافات بين الوزراء ووقّعوا مرسوم فتح الدورة، وهو أمر تستبعده الأوساط السياسية في المرحلة الراهنة... على الأقل. وعليه، فإن توصيف الرهان على <السمك بالبحر> ينطبق على المراهنين على جلسة تشريعية إضافية تكرّس الاتفاق على قانون الانتخابات النيابية...

 

<الميثاقية>... سلاح التعطيل لكل مكوّن

 

وانعقاد المجلس على مدى يومين والذي أتى بفعل <التسوية> التي أرضت الجميع على قاعدة برنامج الاطفال <Ecole des fans> حيث يربح جميع الصغار المشاركين فيه، أنقذ الكتل النيابية كلها تقريباً من مأزق الإحراج والشروط والشروط المضادة، لكنه لم يرسل أي إشارة إيجابية تدل على استعادة مجلس النواب لجلساته فيتساوى بذلك مع مجلس الوزراء المعطل على وقع أزمة النفايات التي نسيها اللبنانيون بفعل الجلسات النيابية والتفجيرات التي شهدتها الضاحية الجنوبية من بيروت. كذلك ظهّرت نقاشات الجلستين وقراراتهما وقائع عدة لعلّ أبرزها الآتي:

أولاً: باتت <الميثاقية> سلاحاً في أيدي الكتل النيابية التي تمثل الطوائف الكبرى إذ تكفي معارضة الطائفة السنية أو الشيعية أو المارونية لانعقاد أي جلسة يُدعى لها مستقبلاً، لإحداث شلل في عمل المؤسسات الدستورية، لاسيما منها مجلسي النواب والوزراء، خصوصاً إذا ما تكتلت الكتل المسيحية في ما بينها والتقت على موقف واحد، خصوصاً أن لا مشكلة لدى الكتل السنية لأنها بالواقع كتلة واحدة، أو لدى الكتل الشيعية لأنها تعيش تحت ظل <ثنائية شيعية> يجسدها تحالف حركة <أمل> وحزب الله. وهكذا استعادت الكتل المسيحية حقها في <الفيتو> وفي الشراكة بعدما كانت قد سُلبت هذا الحق منذ إقرار <اتفاق الطائف> تارة في ظل الوصاية السورية، وتارة أخرى في ظل <التحالف الرباعي> بين <أمل> وحزب الله و<المستقبل> والحزب التقدمي الاشتراكي، وتبدي مصادر سياسية مطلعة خشيتها من خطورة تعميم هذا الواقع على جلسات مجلس الوزراء - عندما يعود الى الانعقاد راهناً أو في المستقبل - بحيث يصبح اعتراض وزراء من مكوّن طائفي واحد على أي بند في جدول الأعمال سبباً لـ<تطيير> الجلسة الحكومية، وفي ذلك مخالفة دستورية واضحة لأن الدستور اعطى صلاحية إعداد جدول أعمال جلسات مجلس الوزراء لرئيس الحكومة <بعد اطلاع> رئيس الجمهورية عليه (الفقرة 6 من المادة 64 من الدستور). والخطأ نفسه قد يُعتمد في التصويت داخل مجلس الوزراء في أي موضوع مُدرج على جدول الأعمال!

 

الأرقام... وجهة نظر!

ثانياً: أعادت المناقشات التي دارت في الجلسة الأولى حول البند المتعلق بفتح اعتماد إضافي في الموازنة العامة بقيمة 5417 مليار ليرة، التذكير بأن الأرقام ليست سوى وجهة نظر، بدليل أن الرئيس فؤاد السنيورة اقترح خفض المبلغ الى النصف أي 2650 مليار ليرة من دون أن يشرح الأسباب العلمية لذلك، لكن وزير المال علي حسن خليل رفض الاقتراح موضحاً أن الحاجة هي الى 1611 مليار ليرة لخدمة الدين و865 ملياراً لتغطية معاشات التقاعد ليخلص ان المبلغ هو 2476 مليار ليرة والباقي يتعلق بنفقات استثمارية لم يحددها. وهنا فُتح <بازار> الأرقام وحاول الرئيس بري طرح الأمر على التصويت، ولكن <الوسطاء> نجحوا في إقناع الرئيس السنيورة بالموافقة على زيادة 2000 مليار على الرقم الذي قدمه أي 2476 ملياراً، إلا ان الوزير الخليل <تنازل> وقبل بأن يصل المبلغ الإجمالي الى 5 آلاف مليار مقلصاً الفارق بالرقم الذي كان قد طالب به الى 500 مليار، ثم دارت دورة <المزاد العلني> ليستقر المبلغ على 4500 مليار بدلاً من 5147 مليار... و<على أونا وعلى دوي وعلى تري> أقرّ المبلغ! كل ذلك من دون أي شرح حقيقي عن الحاجة الفعلية والمنطقية. وثمة من اعتبر من النواب أن <موازنة مقنعة> تمّ التصويت عليها فعلياً من دون أن تُدرس في مجلس الوزراء، أو في اللجان النيابية المختصة! كذلك تمّ التصويت من دون درس مسبق على فتح اعتماد إضافي بقيمة 861 مليار ليرة يخصص لتغطية العجز في الرواتب.

ثالثاً: أتى إقرار 3 اقتراحات قوانين تتعلق بالإجازة للحكومة الاقتراض بالعملات الاجنبية (3 مليارات دولار) وزيادة مساهمة لبنان في صندوق النقد الدولي (120 مليون دولار) وزيادة رأس مال البنك الدولي للإنشاء والتعمير (80 مليون دولار) من دون مناقشة مسبقة في الحكومة كما تقتضي الأصول، وبدا الأمر <سوريالياً> إذ أُعطيت الحكومة مطالب مالية لم تطلبها أصلاً ولم يعترض أحد على كل ذلك لقناعة ربما بأن الحكومة غير موجودة فعلياً!

رابعاً: دار نقاش غير متكامل لدى درس مشروع القانون المتعلق بالإجازة للحكومة عقد نفقات من أجل تحقيق عتاد وبنى تحتية ملحة للجيش بقيمة 2400 مليار ليرة، وذلك نتيجة دخول الهبة السعودية على خط تمويل شراء عتاد الجيش، وصار <هرج ومرج> وتجدد <البازار> مرة أخرى وشُكّلت لجنة نيابية <أخفقت> بعد انتظار طويل بخفض المبلغ من 2400 مليار إلى 1848 مليار من دون أن تُعرف المعايير التي أملت هذا الخفض!

مجلس-النواب

السرية المصرفية مستهدفة؟

خامساً: نالت السرية المصرفية التي كان قد اقترحها العميد الراحل ريمون إده، نصيبها من الاستهداف خلال مناقشة القوانين المالية إذ انقسم مجلس النواب الى معسكرين واضحين: الأول يمثل المصارف ومصالحها، والثاني سعى جاهداً الى تقليص السلطة المطلقة التي تتمتع بها المصارف في الحياة الاقتصادية اللبنانية، وصارت المزايدات ترتفع من زوايا قاعة مجلس النواب وطاولت بعضها عمل مصرف لبنان وما يُعرف بـ<توصيات غافي> ليصل الأمر الى تسوية رضي بها النواب، ليعود النقاش ويتجدد في مشروع نقل الأموال وينتهي <البازار> على أنه يحق أن يدخل الفرد عبر الحدود اللبنانية 15 ألف دولار فقط، وإذا تخطى ذلك عليه التصريح عن القيمة وهدفها ومصدرها ووجهتها إلخ... فعادت الأصوات من جديد لترتفع حول سرية البيانات والجهة التي تطلع عليها بين من نادى بالمجلس الأعلى للجمارك أو هيئة التحقيق الخاصة بإشراف وزير المال، فكان <الحل الوسط> خصوصاً أن المجلس الأعلى للجمارك لم يعد يلتئم بعد تقاعـــــد عضو فيه من أصـــــل 3 أعضاء! أما النقاش حـــــول قـــــانون تبييض الأمـــــــوال فلم يكن نصيبه أفضل من نصيب ما سبقه، وبدا واضحاً أن ثمة من يعمــــل على تقليص سلطة المصرف المركزي، لكن ذلك لم يمر.

سادساً: لم يجد اقتراح القانون المتعلق بتوزيع حصة البلديات من الخلوي مباشرة من وزارة الاتصالات طريقه الى الإقرار وهدّد النائب أحمد فتفت بتطيير النصاب لأن <التسوية> لم تلحظ هذا الاقتراح، فـ<اكتشف> الرئيس تمام سلام أن لا حاجة الى قانون لأن المرسوم الذي ينظم عملية توزيع الأموال موجود، فكان <المخرج> بأن يوقّع هذا المرسوم خلال ايام...

وهكذا انتهت جلسة <تشريع الضرورة> وخير توصيف لما شهدته من <إنجازات>، كان للنائب وليد جنبلاط الذي قال: <الجلسة التشريعية مكلفة وباهظة الأثمان على كل المستويات (...)، ولم يلتفت فيها أي من النواب الى نمو الدين العام وتصاعده الدراماتيكي والذي بات يهدّد الأسس المالية للدولة برمتها مضافاً إليه أيضاً مزاريب الإهدار والفساد في المرافق العامة والمؤسسات التي حالت وتحول بعض المحميات السياسية دون إيجاد حلول إصلاحية لها (...) والجلسة المقبلة ستكون محكومة بالفشل سلفاً لأن الاتفاق على قانون الانتخابات متعذر، وبالتالي يمكن الاطمئنان الى أن الجلسة المقبلة لن تصل كلفتها الى مليارات الدولارات>!.