تفاصيل الخبر

تشكيل المجلس الدستوري ”أنعش“ التسوية من جديد وأبعد ”القوات“ عن بري والحريري وكرّس القطيعة مع ”التيار“!

30/08/2019
تشكيل المجلس الدستوري ”أنعش“ التسوية من جديد وأبعد ”القوات“ عن بري والحريري وكرّس القطيعة مع ”التيار“!

تشكيل المجلس الدستوري ”أنعش“ التسوية من جديد وأبعد ”القوات“ عن بري والحريري وكرّس القطيعة مع ”التيار“!

<لقاء المصارحة والمصالحة> الذي عُقد في قصر بعبدا يوم الجمعة 9 آب (أغسطس) الجاري والذي تلته <جلسة هادئة> لمجلس الوزراء قبل بدء عطلة عيد الأضحى المبارك، أنتج الأسبوع الماضي جلسة ثانية لمجلس الوزراء أكملت عقد المجلس الدستوري بحلته الجديدة من خلال تعيين خمسة أعضاء انضموا الى الأعضاء الخمسة الذين كان مجلس النواب قد انتخبهم في 26حزيران (يونيو) الماضي، وذلك في مشهد أكد ان <التسوية السياسية> لا تزال بخير، وان أركانها التقوا من جديد، بعد فراق قسري، وتقاسموا الهيئة الجديدة للمجلس الدستوري في <محاصصة> غدت تقليداً حافظت عليه حكومتا الرئيس سعد الحريري، الأولى والثانية، حيث من المتوقع أن تكر سبحة التعيينات وفق المعايير نفسها، أي توزع المستفيدين على الكتل الكبيرة المشاركة في <التسوية> والممثلة في مجلسي النواب والحكومة على نحو عادل...

وعلى رغم ان ثمة من يرى بأن المجلس الدستوري يفترض أن يكون مثل <امرأة قيصر>، إلا ان الواقع الذي رافق انتخاب وتعيين أعضائه العشرة ناقض هذه المقولة لأن المعنيين أتوا بخيارات سياسية حددتها مرجعيات لا بد أن تكون لها تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على الأعضاء الذين اختيروا بقرار منها. وفيما استغربت أوساط سياسية وأخرى متابعة كيف يسمي السياسيون أعضاء أرفع سلطة دستورية تسهر على تطبيق الدستور ويفترض ألا تسمح بخرقه أو تجاوزه، فإن ثمة من رأى ان التركيبة الجديدة للمجلس الدستوري تجعله مجلساً سياسياً بامتياز وانه أُعطي الطابع الدستوري، والتحدي الكبير الذي سيواجه أعضاء المجلس الجدد هو في قدرتهم على <رد طلبات> المرجعيات التي سمتهم بحيث يكونون محصنين حيال رغبات تلك المرجعيات ومواقفها وخياراتها... وطموحاتها، وهذا التحدي ليس بالأمر السهل خصوصاً وان المجلس الدستوري سوف يكون مدعواً لاتخاذ قرارات، هي حسب القانون، غير قابلة لأي نوع من أنواع المراجعة لا استئنافاً ولا تمييزاً كما هو الحال بالنسبة الى القضاء العدلي.

ولعل الصرخة التي صدرت عن <القوات اللبنانية> لعدم أخذها حصتها من عضوية المجلس الدستوري، دليل كافٍ بأن تعيين أعضاء المجلس خضع لحسابات سياسية واضحة لا لبس فيها، بدليل اعتراف أكثر من مرجعية سياسية بأن الوعد الذي كان أُعطي لـ<القوات> بأن تنال <حصتها> في عضوية المجلس تم النكوث به قبل صياح الديك، وطار الممثل <القواتي> الذي اقترح للانضمام الى <جنة> المجلس الدستوري التي <احتكرها> كل من <التيار الوطني الحر> و<تيار المستقبل> وحركة <أمل> وحزب الله والحزب التقدمي الاشتراكي الذين <ركبوا> صيغة <لا تُحرق ولا تُغرق> تكررت نفسها في مجلس النواب ومجلس الوزراء و<هارد لاك> (أي حظاً سيئاً) للذين بقوا خارج هذه الجنة، في انتظار فرصة أخرى!

من مجلس النواب الى مجلس الوزراء...!

<رحلة المحاصصة> كانت بدأت في مجلس النواب في 26 حزيران (يونيو) الماضي عندما حمل <اقتراع> النواب خمسة أعضاء توزعوا كالآتي: القاضي طنوس مشلب والقاضي أنطوان بريدي (من حصة الرئيس عون و<التيار الوطني الحر>) والقاضي عوني رمضان (من حصة حركة <أمل> والرئيس نبيه بري) والقاضي أكرم بعاصيري (من حصة تيار <المستقبل> والرئيس سعد الحريري) والقاضي رياض أبو غيدا (من حصة الحزب التقدمي الاشتراكي ورئيسه وليد جنبلاط). ثم اكتملت الرحلة في <محطة> مجلس الوزراء من خلال تعيين القاضي عمر حسن حمزة (من حصة الرئيس الحريري و<المستقبل>) والدكتور فوزت خليل فرحات (من حصة حزب الله) والمحامين عبد الله الياس الشامي والياس بوعيد والياس سامي مشرقاني (من حصة الرئيس عون و<التيار الوطني الحر>)، بعد إسقاط مرشح <القوات اللبنانية> المحامي سعيد مالك على رغم ان الدكتور سمير جعجع كان قد نال وعداً من الرئيسين بري والحريري بأن يكون لـ<القوات> ممثلها في المجلس الدستوري، لكن لا الرئيس بري ولا الرئيس الحريري تمكنا من الوفاء بالوعد!

ويروي أحد وزراء <القوات اللبنانية> ما حصل في مجلس الوزراء في قصر بيت الدين يوم الخميس الماضي، فيقول انه عندما قاربت الجلسة من نهايتها بعد انجاز جدول الأعمال، طرح الرئيس عون انتخاب أعضاء المجلس الدستوري من خارج الجدول وفقاً لصلاحياته الدستورية، وطلب تلاوة الأسماء الخمسة المختارة، فطلب الوزير كميل أبو سليمان الكلام ليقول بأن وزراء <القوات> لديهم مرشح ماروني هو المحامي سعيد مالك، فسأل عدد من الوزراء <محل مَن المحامي مالك؟> فلم يأت الجواب إذ تبين ان الوزراء لم يكونوا على علم باسم المرشح الماروني المقترح وهل هو الشامي أو بوعيد أو مشرفاني... وهنا ــ يضيف الوزير الراوي ــ حبكت النكتة بالرئيس الحريري فقال: <محل عمر حمزة>(!) فضحك الجميع. لكن وزراء <القوات> أصروا على مرشحهم، فطرح الحريري الأمر على التصويت، وعدّ الوزراء المؤيدين وكانوا خمسة وزراء، ثلاثة يمثلون <القوات>، واثنان يمثلان الحزب التقدمي الاشتراكي، فسقط الاقتراح... وعندها طلب وزير <المردة> يوسف فنيانوس الكلام مستغرباً <هبوط> أسماء المرشحين الخمسة على الجلسة في وقت يفترض أن يكون بند انتخاب أعضاء المجلس الدستوري قد ورد قبل 48 ساعة، أسوة بالبنود الأخرى المطروحة في جدول الأعمال. وهنا ــ يضيف الوزير الراوي ــ قال الرئيس الحريري ان الطرح من خارج الجدول هو من صلاحية رئيس الجمهورية حصراً، فرد فنيانوس بأنه لا يناقش صلاحيات الرئيس لكنه يعترض على الطريقة وعلى بعض الأسماء على حد سواء وقال: <الصدفة ان ثلاثة من المطروحين خدموا في الشمال وأنا أعرفهم كوني محامياً، وأقول لكم (أي للوزراء) بأن الخيار غلط>. عندها طرح الرئيس الحريري التعيين على التصويت، فعارض وزراء <القوات> وفنيانوس... لكن التعيين مرّ، وانتقل مجلس الوزراء الى درس بنود أخرى وردت من خارج الجدول!

 

<القوات>: خُدعنا!

وما هي إلا دقائق على اكتمال هيئة المجلس الدستوري بالتعيين، حتى توالت ردود الفعل القاسية من <القوات اللبنانية> التي اعتبرت أنها ذهبت ضحية <خديعة> إذ كانت  قيادتها وُعدت من الرئيسين بري والحريري بأن يكون لها <حصة> في التعيين بعدما حُجبت عنها حصة خلال الانتخاب في مجلس النواب، ووزعت <القوات> مسؤولية ما حصل على ثلاثة: الرئيس بري والرئيس الحريري والوزير جبران باسيل معتبرة ان <صفقة> تم اعدادها بين الثلاثة للتنكر للوعد الذي قُطع لـ<الحكيم>، وانهالت التعليقات التي وصلت الى حد اتهام الرئيس الحريري <بالخضوع لابتزاز> الوزير باسيل، الأمر الذي أحيا من جديد الخلاف الذي كان وقع بين الطرفين على أثر موقف معراب من الأزمة التي تعرض لها الرئيس الحريري خلال وجوده في السعودية في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الماضي. وتصاعدت ردة فعل <القوات> في الكلمة التي ألقاها جعجع في القداس الذي أحيته <القوات> لمناسبة ذكرى شهدائها... ما أشّر الى مقاربة جديدة لتعاطي معراب مع حلفائها وخصومها على حد سواء، إضافة الى رفضها <استئثار> التيار بالتمثيل الماروني.

وفيما سارعت رئاسة الجمهورية الى اصدار مرسوم التعيين في اليوم التالي وأدى الأعضاء الجدد قسم اليمين أمام رئيس الجمهورية في قصر بيت الدين في اليوم نفسه، سارع الرئيس بري الى <تبرير> ما حصل مع <القوات> فأكد حصول الاتفاق علىأن يكون العضو الماروني الثاني من حصة <القوات> بعد جلسة مجلس النواب، لكنه قال انه لم يستطع تنفيذ الاتفاق لتراجع الآخرين عنه، فطلب من <القوات> اختيار مسيحي آخر مكان مرشحهم الماروني، إلا ان <القوات> لم تبدل خيارها... فحصل ما حصل! أما الرئيس الحريري فلم يكن واضحاً كما كان الرئيس بري، إذ اكتفت مصادره بالقول إن الظروف جعلت اتفاق مجلس النواب صعب التطبيق، في حين اعتبرت مصادر سياسية ان عدم وفاء <التيار الأزرق> بوعده جاء <ردة اجر> على عدم تصويت نواب <القوات> على قانون الموازنة على رغم انهم كانوا التزموا عدم معارضة القانون! أما <التيار الوطني الحر> فقالت مصادره ان موقف الوزير باسيل كان واضحاً في موضوع تعيينات المجلس الدستوري وفي أي تعيينات، بأن لا مانع مبدئياً من المشاركة مع <الغير> في اختيار الأسماء من المتقدمين بالترشح على المجلس الدستوري، ولكن على قاعدة الكفاءة والسمعة الطيبة، ولم يكن هناك اتفاق مسبق اطلاقاً لا مع <القوات> ولا مع غيرها حول اعطائهم المرشح الماروني، بل بالعكس كان هناك رفض واضح من <التيار> من اللحظة الأولى بمنطق القوات انها تريد التسليم بأن يكون لها ماروني مهما كان الاسم، وكان جواب <التيار> بأنه ننفتح على مناقشة الأسماء المطروحة من كل الطوائف، لكن بالنسبة الى الموارنة فإن الوزير باسيل لديه الأسماء <الممتازة والأفضل>. ولدى طرح موضوع التعيين في مجلس الوزراء أصرّ وزراء <القوات> بأن يكون ممثلهم مارونياً ولم يقدموا أسماء لطوائف أخرى، في وقت ان المرشح الماروني لـ<التيار> معروف <بسمعته الجيدة وبكونه من اللامعين في المحاماة والدستور>، وبالتالي لا علاقة لـ<التيار> بأي اتفاقات جانبية إن حصلت، ونصح الوزير باسيل <القوات> بأن <تغير> سلوكها وعدم اعتماد الكلام المزدوج في الحكومة، فهي تقول حيناً انها لا تريد حصة بل تريد كفاءة فيما هي تسعى بالواقع الى الحصة المذهبية المارونية، كما فعلت لدى تشكيل الحكومة ورفضت أن يكون لها وزير كاثوليكي وأصرت على وزيرين مارونيين، و<التيار> لن يسلم بهذا التمذهب في المحاصصة المطلوبة بإلحاح من <القوات> التي عليها أن <تتفاهم> معنا لا أن تحاول دائماً الالتفاف علينا وضربنا، خصوصاً انها كانت تأخذ حصتها في التعيينات سابقاً وتعارض وتتحفظ على أساس المطالبة بالآلية والكفاءة، كما حصل في تعيينات الخارجية والقضاء والتفتيش المركزي والجمارك، وعندما كانت تأخذ حصتها كانت تشكو وتدعي انها لا تريد شيئاً من الحصص والتعيينات...

وترى مصادر سياسية ان الصدام الدائم بين <القوات> و<التيار البرتقالي> انتقل الى مواجهة بين <القوات> والرئيس الحريري أيضاً، ما يعني ان نصيبها من التعيينات المقبلة لن يكون أمراً واقعاً!