الذكرى الثالثة والستون لثورة يوليو/ تموز المصرية عام 1952، لم تمر هذه السنة بهدوء، بل شهدت معركة سياسية بين أصغر أنجال الرئيس عبد الناصر، قائد تلك الثورة، وهو عبد الحكيم عبد الناصر، وبين الدكتور عفت السادات رئيس حزب السادات الديموقراطي. وكانت الثورة من هناك، من مكان ضريح الرئيس عبد الناصر عند كوبري القبة في مصر الجديدة، حيث قال عبد الحكيم لمناسبة الاحتفال بالذكرى السنوية لثورة 23 يوليو، ان الرئيس الراحل أنور السادات حطم إنجازات الثورة المصرية.
وقال عبد الحكيم عبد الناصر إن ثورة 23 يوليو تمت سرقتها عن خلف والداه في حكم مصر، في إشارة ضمنية الى الرئيس الراحل أنور السادات، وأن من أتى بعد عبد الناصر حطم مكتسبات ثورة 23 يوليو، وهذا ما جعل الشعب المصري يشعر فجأة بأنه عاد مرة أخرى الى نقطة الصفر بعد الانفتاح الاقتصادي <الملعون> الذي قاده السادات منذ العام 1974، كما جاء على لسان عبد الحكيم عبد الناصر.
رد عفت السادات
وفي رد على هذا التصريح لعبد الحكيم عبد الناصر سأل عفت السادات: أين هي إنجازات ثورة 23 يوليو من الأساس، من أجل أن نتعرف كيف حطمها الرئيس السادات بالضبط.
وأضاف عفت السادات قائلاً: حسب الموقع الالكتروني لجريدة <الأهرام>:
<إن سلبيات ثورة 23 يوليو أكثر بكثير من إيجابياتها وأن جمال عبد الناصر سبب رئيسي في الخراب الذي حل بالبلاد، والذي ما زلنا نعاني منه حتى الآن، عقب دخوله في حروب فاشلة أنهكت الجيش المصري، الى جانب تعقيده للحياة السياسية وعدم تنفيذ وعوده بإقامة حياة ديموقراطية سلمية، الأمر الذي نعاني منه حتى الآن>.
ووصف السادات تصريحات عبد الحكيم عبد الناصر بكونها غير مسؤولة، باعتبار ان عبد الحكيم رجل غير سياسي، إذ تحدث تجاه والده بمشاعره لا بالوقائع السياسية. واعتبر عفت السادات ان الرئيس أنور السادات كان أحد قادة ثورة يوليو، وتحمّل مشقتها على عاتقه ولا أحد يمكنه إنكار هذا الأمر، وكلام عبد الحكيم غير مقبول على الإطلاق.
واعتبر السادات ثورة 23 يوليو مثلت خطوة مهمة في طريق النهوض بالدولة المصرية، وستظل نقطة مضيئة في حركة التاريخ المصري باعتبارها ثورة ضد التخلف والتخلص من التبعية والانطلاق لإعادة بناء المجتمع مع الربط بين التحرر السياسي وتحقيق التنمية المستدامة. كما دعا السادات الشعب المصري الى استكمال مسيرته التاريخية التي أطلقها بثورتي 25 يوليو و30 يونيو بتحقيق أمانيه في العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية والحرية، مشيراً الى أن ذكرى ثورة يوليو هذا العام أتت مختلفة، حيث يستعد المصريون للاحتفال بافتتاح قناة السويس الجديدة.
حضروا الى الضريح
وعند ضريح الرئيس عبد الناصر في مصر الجديدة حضر سياسيون ومواطنون مصريون وعرب للاحتفال بذكرى ثورة 23 يوليو، وكان في استقبالهم عبد الحكيم عبد الناصر، إضافة الى الدكتور محمد فايق وزير الإعلام الأسبق ورئيس المجلس العسكري لحقوق الإنسان.
وقد تصدّر قائمة الحضور من الشخصيات السياسية وزير الثقافة عبد الواحد النبوي ممثلاً الحكومة المصرية، حيث وضع إكليلاً من الزهور على قبر الزعيم، ورافق الوزير خلال الزيارة الدكتور محمد أبو الفضل بدران الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، وأسامة عمران رئيس قطاع مكتب وزير الثقافة.
كما حضر كمال أبو عيطة وزير القوى العاملة الأسبق، والكاتب الصحفي مصطفى بكري، والدكتور جمال زهران أستاذ العلوم السياسية، وناجي الشهابي رئيس حزب الجيل، والمستشار نبيل عزمي نائب رئيس الحزب، والدكتور علاء توفيق، والمستشار ماجد حنا مساعدا رئيس حزب <الجيل>، وإبراهيم ناجي الشهابي عضو المكتب السياسي، وأمين عام الشباب وراضي أبو الذهب أمين حزب الجيل في محافظة الشرقية.
وللعام الثاني على التوالي تغيب حمدين صباحي المرشح الرئاسي السابق، وأحد رجال القيادات الناصرية البارزة، عن الذهاب لضريح الزعيم جمال عبد الناصر، واكتفى صباحي بالمشاركة في الاحتفالية التي نظمها حزب الكرامة مساء.
كما تغيب هذا العام الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل أيضاً عن زيارة الضريح، وعدد من أفراد الأسرة دون معرفة الأسباب.
وأكدت أحزاب وقوى سياسية ناصرية عدم مشاركتها في إحياء ذكرى ثورة 23 يوليو أمام ضريح الزعيم الراحل، وأوضحت أنها ستكتفي بعقد ندوات ومؤتمرات في مقراتها. فيما توافد العشرات من محبي الرئيس الراحل عبد الناصر، إلى ضريحه، بجوار وزارة الدفاع، وسط هتافات مناهضة لتنظيم الإخوان الإرهابي، مرددين: <عبد الناصر قالها زمان.. الإخوان ملهومش أمان>، وسط تشديد أمني تحسباً لأي محاولات من الجماعات الإرهابية لإفساد الاحتفال بذكرى الثورة، حيث أغلقت قوات الأمن شارع وزارة الدفاع في منطقة كوبري القبة بالاتجاه المؤدي للضريح وتمركزت سيارة إطفاء وعدد من أفراد قوات الأمن أمام الباب الرئيسي للضريح لتأمينه.
متحف باسم عبد الناصر
وقال وزير الثقافة المصري إن ثورة 23 يوليو وقائدها جمال عبد الناصر أصبحا رمزاً للعزة والكرامة، مشيراً إلى أن الأجيال الحالية لا بد لها أن تعيد الاعتبار لثورة 23 يوليو، والتي شهد لها العالم بأنها غيرت وجه مصر والمنطقة العربية وشعوب العالم الثالث، لافتاً إلى أن لا أحد يستطيع أن ينكر ما كانت عليه مصر قبل ثورة 23 يوليو وما بعدها، حيث شهدت إنجازات عدة على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي ولعبت دوراً كبيراً في تحرير الشعوب العربية والإفريقية وامتدت آثارها إلى دول أميركا اللاتينية
وأضاف النبوي: أنا كنت دائم الزيارة لقبر الزعيم الراحل قبل أن أصبح وزيراً لإيماني بتجربته الرائدة والفريدة في الحكم، وقال إنه سيتم افتتاح متحف جمال عبد الناصر الذي تقوم الوزارة على تنفيذه في منزله عند مانشية البكري في 30 تشرين الأول/ اكتوبر المقبل، وأشار إلى أن الشركة المنفذة بدأت العمل في المرحلة الأخيرة، وأن الوزارة أعدت الموازنة للمرحلة الأخيرة، وأنها تجري متابعة لكل ما يتم من إنجاز وفق الجدول الزمني الذي وضعته الوزارة.
وقال محمد فايق، وزير الإعلام الأسبق، ورئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان: إن ثورة 23 يوليو تعد حدثاً استثنائياً كونه جاء في حقبة دولة عصيبة تميزت بضراوة الصراع بين الشعوب ومستعمريها، مشيراً إلى أن ثورة 23 يوليو لعبت دوراً بارزاً في تغيير خريطة العالم وتوجهاته، وأحدثت نقلة في المجتمع المصري الذي كان يعاني الفقر والجهل والمرض، وامتد عطاؤها إلى خارج حدود الوطن المصري لينتقل إلى العالم العربي والإفريقي والآسيوي، والأميركي، في سنوات قليلة، واستطاعت الثورة وقائدها بناء جبهة عالمية من قوى التحرر العالمية، كما سارعت في بناء تكتل إسلامي في مواجهة العدوان الممنهج من قبل العدو الصهيوني على الوطن العربي ومقدساته الإسلامية.
واعتبر فايق ثورة 23 يوليو هي النموذج الفريد للثورات، التي استطاعت تحقيق إنجاز أهدافها الستة التي أعلنتها منذ أن تولت حكم البلاد، مرجعاً ذلك إلى الإرادة الشعبية والقيادة الحكيمة للثورة.
ابن عبد الناصر يتكلم
ومن جانبه قال عبد الحكيم عبد الناصر إن ثورة 23 يوليو وقائدها جمال عبد الناصر، نالا حب الشعب المصري والعربي بقدر ما أعفاه من ظلم الإقطاع ونبرات الاحتلال وهيمنة الاستعمار، وأشعل في الشعب طاقات كامنة كانت كافية لينتقل بها شعب مصر من التخلف إلى أعتاب التقدم.
وأضاف عبد الحكيم: إن ثورة 23 يوليو استطاعت تجسيد تجربة حكم ما زالت صالحة حتى الآن، لاسيما أنها انحازت إلى طبقات الشعب العاملة والمنتجة، وحققت لهم أحلامهم في العيش بعزة وكرامة، مشيراً إلى أن الذكرى 63 للثورة تأتي في ظل ظروف بالغة الصعوبة تمر بها مصر والمنطقة العربية جراء محاولات التفكك والإرهاب الأسود على أيدي جماعات الإسلام السياسي، والتي تعادي الدولة الوطنية وهو ما حذر منه جمال عبد الناصر حين رفع شعار الوحدة الوطنية في مواجهة دعوات التمزق والانشقاق.
وقال ناجي الشهابي: إن ثورة 23 يوليو أعظم ثورة في تاريخ الإنسانية وإنها الثورة الأم التي خرج من رحمها وهديها ثورات الشعوب الأفريقية والآسيوية، وإنها قادت حركات التحرر في قارات العالم المختلفة، مؤكداً أن ثورة 30 يونيو أحد روافدها العظيمة وكل منها جاءت في مرحلة فارقة من تاريخ مصر والوطن العربي وأن التحديات التي واجهها جمال عبد الناصر وثورة يوليو هي التحديات نفسها التي تواجهها ثورة 30 يونيو والرئيس عبد الفتاح السيسي، فالمخططات الغربية الصهيونية المتحالفة مع قوى الإسلام السياسي بقيادة أميركا مازالت تعمل على تفتيت المنطقة ورسم خارطة جديدة لها تكون لإسرائيل اليد الأطول في المنطقة.
و إن قدر مصر هو قيادة النضال العربي للحفاظ على أراضيه ومواجهة المؤامرة الأميركية والانتصار عليها، وما زلنا بحاجة إلى الشعارات القومية التي رفعها عبد الناصر وتجاوبت معها الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج ليجتمع تحتها العرب، مشدداً على أهمية التضامن العربي في وأد المخططات المعادية ويومها سننتصر بإذن الله.