تفاصيل الخبر

طريق فلسطين لا تمر  عبر أي دولة عربية!

11/03/2016
طريق فلسطين لا تمر  عبر أي دولة عربية!

طريق فلسطين لا تمر  عبر أي دولة عربية!

بقلم خالد عوض

saad-al-hariri

العلاقات اللبنانية الخليجية يجب أن تكون محكومة بالتحسن رغم كل الصعوبات التي تعترض ذلك. هناك مسلمات من المفروض أن يستفيق لها اللبنانيون، أولاً حتى لا تضيع البوصلة في ساعة الغفلة الوطنية التي نحن فيها، وثانياً لأن المصلحة الاستراتيجية، لا الاقتصادية ولا السياسية الآنية فحسب، تقتضي ذلك.

للتاريخ، الأنظمة الخليجية الحالية رعت وراعت لبنان أكثر من أي أنظمة أخرى في العالم العربي. ولولا التدخل السوري في أحداث لبنان عام ١٩٧٦ ودخول النظام البعثي على خط قوات الردع العربية وتحويل البلد منصة لمحاربة اتفاقية <كامب دافيد> بين مصر وإسرائيل، لكنا وفرنا أكثر من عشر سنوات من الحروب بسبب جدية الخليجيين وخاصة السعوديين يومئذٍ في وقف الحرب اللبنانية.

ليس الوقت وقت حديث عن تدخلات نظام القذافي أو نظام صدام حسين، أو النظام السوفياتي أو الأميركي أو الآلة الصهيونية، خلال الحرب اللبنانية ولا عن مآثر نظام حافظ الأسد. ولكن المقارنة مع هؤلاء تكفي لأن يعطي لبنان شهادة تقدير وحسن سلوك لدول الخليج حتى قبل <اتفاق الطائف> بكثير.

صحيح أن كل ذلك من الماضي ولكن يجب الاعتراف به من باب الإنصاف، كما أنه من المفروض أيضاً أن نحدد أين هي اليوم مصلحة لبنان الاستراتيجية كدولة تتطلع إلى المستقبل بأمل البقاء والازدهار وليس بالهرولة إلى الزوال والتدمير الذاتي.

الناتج المحلي لمجلس التعاون الخليجي يزيد عن ١٥٠٠ مليار دولار أي أنه يزيد عن تركيا وإيران مجتمعتين، هذا بعد هبوط أسعار النفط. أي أن أكبر كتلة اقتصادية في الشرق الأوسط كله هي دول الخليج. الخصام معها هو نوع من العمى الاستراتيجي. وهنا لا نتكلم عن اللبنانيين الذين يعملون في الخليج أو عن الاستثمارات الخليجية في لبنان وغير ذلك مما يمكن أن يخسره البلد حسب التكهنات المتشائمة التي تتصدر الأخبار هذه الأيام، بل عن ضرورة النظر بواقعية إلى الجغرافية الاقتصادية المحيطة بنا. حتى اعمار سوريا الذي ننظر إليه كفرصة اقتصادية أهم من الغاز، لا بد أن يمر عبر الخليج. العالم كله يتهافت على علاقات جيدة مع دول الخليج لأن مصالحه هناك. ليس هناك دولة واحدة، بما فيها إيران، تعلن العداء للانظمة الخليجية كما تفعل بعض الأصوات عندنا. فقط في لبنان نريد اختراع البارود، بالمعنى اللفظي، ضد الخليج لأن حزب الله قرر أن يواجه السعودية. تماماً كما حصل ولا يزال في سوريا. لبنان خسر جزءاً كبيراً من الشعب السوري بسبب تدخل الحزب عسكرياً تحت شعار <طريق فلسطين تمرّ من حمص وحلب>. ومهما كانت نتيجة الحرب السورية في المحصلة النهائية، شرخ كبير أصبح موجوداً بين الشعبين لا بدّ أن ينعكس على العلاقات الاقتصادية المستقبلية.

السيد-حسنليس الوقت وقت تزلف أو انبطاح. ولكنها ساعة ضرورية لإعادة حساباتنا جدياً قبل أن يصبح الزعل الخليجي مقاطعة على مستوى الشعب وهنا مكمن المشكلة وربما هدف البعض. الإنسان الخليجي يتفهم الوضع المعقد في لبنان من كل جوانبه، بل يقبل أن يتعايش معه إلى أقصى حد. كم من الكويتيين كانوا يأتون بعائلاتهم إلى مصايف المتن الأعلى ويشحنون مولدات كهربائية معهم من بلادهم غير عابئين بإنقطاع الكهرباء؟ العلاقة بلبنان كانت أهم من تفاصيل غياب كل أنواع الخدمات. ولكن الخليجيين اليوم يسمعون شتائم بحق انظمتهم وبلدانهم من على الشاشات اللبنانية، ويشاهدون لبنانيين يساعدون في التخطيط لعمليات ضد مدنهم وأهلهم. ويرون الموقف اللبناني الرسمي يتخبط بحجة جديدة اسمها الوحدة الوطنية، تماماً كما هي محاربة إسرائيل في حلب، حجة أوصلتنا إلى معاداة الشعب السوري. وحدة وطنية ضد الوحدة العربية. النأي بالنفس عن المصلحة الوطنية. التوافق على الإنهيار. الفراغ بالتراضي. لا تستوي هذه العبارات إلا في القاموس السياسي اللبناني.

المشكلة إذاً ليست مع الخليجيين، وليست مع إيران. المشكلة هي مع جزء من اللبنانيين لا يزال ينظر إلى لبنان كمحطة في مسار قضية وليس كوطن نهائي. عودة هذا الجزء المهم من النسيج اللبناني إلى مفهوم <لبنان أولاً>، الحقيقي لا الشعاري، لن تكون سهلة، يمكن أن تحصل من خلال الفتن والدماء أو من خلال الحوار الجدي والتنازلات السياسية الحقيقية. ولكن البلد معلق بين قناعة الجميع بضرورة درء الفتنة والإصرار على الحوار العقيم، وهذه وصفة سحرية لمزيد من الانهيار.

الأزمة مع دول الخليج عرت المشهد الداخلي اللبناني من آخر <ورقة توت> كانت تخبئ المأزق الوجودي الذي يمر فيه.