تفاصيل الخبر

تركيا تبحث عن أمجادها في لبنان

24/02/2021
تركيا تبحث عن أمجادها في لبنان

تركيا تبحث عن أمجادها في لبنان

بقلم علي الحسيني

 

[caption id="attachment_86124" align="alignleft" width="365"] الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان"...عينه على شمال لبنان.[/caption]

بدأ يزداد الحديث في الآونة الأخيرة حول وجود نفوذ تركي في شمال لبنان يتمثل بدعم سياسيين ورجال دين وجمعيات ثقافية واجتماعية وصحيّة. وبين نفي وتأكيد لهذا الوجود ثمة من يذهب مباشرة إلى دعوات للدولة التركية كانت دعت من خلالها أهالي الشمال للتقدم لدى سفارتها في لبنان للحصول على الجنسية التركية في حال كانت لديهم إثباتات تؤكد وجود جذور تركمانية لديهم. وأبعد من مسألة الجنسية والمساعدات، يبرز حديث أيضاً عن دور مخابراتي تركي، لاستنهاض جماعات من طرابلس وسط توقعات بانفلات الأمور في كل لبنان في وقت قريب.

استعادة أمجاد السلطنة العثمانية

من خلف المعارك السياسية الطاحنة الحاصلة في البلد، وما يستتبعها من انقسام وفرز طائفي ومذهبي، ومن خلف الانهيارات الاقتصادية والصحيّة والاجتماعية وتلهّي المسؤولين بحصد جوائز "الانتصارات" داخل مؤسّسات الدولة، تتسلل المخابرات التركية داخل لبنان تحت غطاء اجتماعي وإنساني وإسلامي، في محاولة منها لاستعادة أمجاد السلطنة العثمانية، وذلك، ضمن مساحات لبنانية تعتبرها خصبة تصلح لزرع بذور مشروع هيمنتها في المنطقة، انطلاقاً من اللعب على الغرائز المذهبية تحت راية الإسلام وشعار تحقيق العدالة.

في المعلومات الأمنية والسياسية التي ترد تباعاً، ثمّة تأكيد لدور تركي قائم منذ سنوات في مدينة طرابلس، ولو بشكل محدود وغير مُعلن، يقوم على محاولات استقطاب فئة كبيرة من أهالي المدينة، من خلال جمعيات تُعنى بالشأن الإنساني، إمّا من خلال وكالة "تيكا" أو عبر جمعيات ومؤسّسات محليّة تتلقّى دعماً تركياً مباشراً. وكذلك الأمر، دخلت تركيا مؤخراً على الخط نفسه في مدينة صيدا من خلال جمعيّات تتبع لأحزاب إسلامية عبر تقديم بطاقات تموينية تُتيح لحاملها التبضّع بقيمة مئتي ألف ليرة شهرياً من أحد المخازن التموينية.

كما تشير معلومات خاصة، إلى أن تراجع الدور العربي في الفترة الأخيرة في لبنان، وانكفاءه بشكل واضح عن السابق، خصوصاً داخل البيئة السنيّة من خلال دعم المؤسّسات الدينية والتربوية والثقافية والصحيّة، قد شكّل عاملاً نوعياً في دفع تركيا للتوسّع والتغلغل ضمن مناطق محدّدة، لدرجة أن هذا التدخّل شكّل عنصراً بارزاً في التحركات الإحتجاجية التي خرجت في الفترة الأخيرة لتطالب بالإفراج

[caption id="attachment_86127" align="alignleft" width="450"] أعلام تركية في لبنان.. أهلاً وسهلاً.[/caption]

عن ما يُسمّى بـ"المسجونين الإسلاميين". وأكثر من ذلك تؤكد المعلومات أن تركيا قدّمت مساعدات مادية لهؤلاء للمساهمة بتنظيم حركتهم على الأرض.

دور عسكري تركي

على الرغم من أن كل هذه التقارير التي تؤكد وجود دور تركي في طرابلس وصيدا، وإلى حد ما في بيروت، إلّا أنه لم يلحظ على الإطلاق أي دعم تركي بالسلاح لأي من المجموعات في لبنان، أقلّه حتى اليوم. لكن هذا لا يعني على الإطلاق عدم وجود تخوّف طرابلسي من انجرار البعض نحو أي مشروع خارجي، خصوصاً في هذا التوقيت الصعب، حيث يوجد شعور لدى السواد الأعظم من سنّة لبنان، وتحديداً أهالي الشمال، بأنهم يتعرّضون لحصار سياسي ومذهبي بهدف تحويلهم إلى طائفة مُستضعفة ومُهمّشة على الصعد كافة.

ويشار في هذا الإطار، إلى أنه خلال زيارته لبنان عقب تفجير المرفأ في الرابع من اب (اغسطس) الماضي، أعلن وزير الخارجية التركي "مولود جاويش أوغلو"، النيّة لمنح الجنسية التركية للأخوة الذين يقولون نحن أتراك، نحن تركمان، ويعبّرون عن رغبتهم في أن يصبحوا مواطنين في تركيا، مؤكداً أن هذه تعليمات الرئيس "رجب طيب أردوغان".

والسؤال الذي يتبادر إلى أذهان الناس اليوم، هل ثمّة توجّه تركي فعلاً لمنح الجنسية التركية لمن يرغب من أبناء الطائفة السنيّة في لبنان، وتحديداً أهالي الشمال، خصوصاً إذا عُدنا إلى الكلام الذي صدر منذ فترة عن النائب فيصل كرامي، والذي اعتبر فيه أن "ثلث أهالي طرابلس جذورهم تركية"، وما سبق هذا الكلام من زيارتين له إلى تركيا ولقائه عدداً من كبار المسؤولين في الخارجية التركية.

علوش: الظروف غير متوافرة الآن

[caption id="attachment_86125" align="alignleft" width="445"] النائب السابق مصطفى علوش يتحدث عن دور تركي ضئيل.[/caption]

في هذا السياق، يؤكد مستشار الرئيس سعد الحريري النائب السابق مصطفى علّوش، أن هناك استعداداً في الشمال، وتحديداً في طرابلس، لدور تركي، لكن هل هذا الدور موجود؟ والجواب أن هذا الدور ضئيل جداً لسبب وحيد، وهو أنه بحاجة إلى عنصرين غير متوافرين في هذه اللحظة، أي ما يكفي من المال وما يكفي من التنظيم. ويعود علوش ليؤكد أنه حتّى اللحظة لا توجد لديه أي معلومة تؤكد حقيقة وجود عملية تجنيس في طرابلس. لكن نعم يوجد في بعض الأحيان توزيع حصص غذائية أو مساعدات طبيّة واستشفائية، وهذا دور طبيعي تقوم به الدول التي تربطها علاقات بلبنان. ويبقى الخوف أن تُفتَح الأبواب أمام أي دور لتركيا في الشمال جرّاء غياب بعض الدول العربية.

[caption id="attachment_86126" align="alignleft" width="441"] أي دور لجمعية " تيكا" في لبنان؟[/caption]

ويُتابع علوش: أنا على قناعة تامة أن لبنان لن يبقى على ما هو عليه الآن، وحتى في ظل الإتفاق النووي بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، فنحن ذاهبون في لبنان إلى تجزئة جديدة والفراغ الموجود في المناطق السنّية، فعلى الدول العربية أن تملأه، وإلاّ دول أخرى، ومنها على سبيل المثال تركيا. ولن يكون مُستغرباً إذا طلبت الأمم المتحدة من تركيا ملء هذا الفراغ على غرار ما حصل في ليبيا.

الاهتمام التركي.. إبحث عن العرب

يقول مصدر سياسي بارز أن الاهتمام التركي بلبنان أتى كإحدى ساحات الصراع بين المحورين التركي- القطري، والسعودي- الاماراتي- المصري، وبالتالي هو كغيره من هذه الساحات موضع تجاذب وصراع لا بل قد يكون الأكثر عرضة لتأثيراته، فضلاً عن أن تركيا تطمح لتعزيز نفوذها في سوريا من خلال توسيع نفوذها اللبناني وتحديداً في منطقة الشمال اعتماداً على الارتباط الشديد بين الدولتين، وذلك عبر العديد من النشاطات في مجالات مختلفة، كالتجارة البحرية وربط مرفأ طرابلس بمرفأ مرسين.

ويرى المصدر نفسه أنه من الواضح أن سياسة تركيا تجاه لبنان لها أهداف واضحة ترتبط بالسياسة الإقليمية لتركيا وتوجهاتها الاستراتيجية، والتي وإن لم تبدأ في تنفيذها مع انفجار مرفأ بيروت لكنها استثمرت هذه اللحظة للإسراع بتنفيذ هذه الأهداف مع إضافة بعض الأهداف المرحلية الأخرى، وبرأي المصدر فإن تركيا تسعى إلى زيادة فرص شركائها في نشاطات إعادة إعمار بيروت، بما يزيد من نفوذها اقتصادياً، وتعمل على تدعيم مكانة مؤسساتها القائمة في الشمال اللبناني، من خلال مؤسسات المجتمع المدني لتحسين صورتها وتنمية نفوذها الثقافي والتنموي.