هل يكفي أن يقول رئيس الجمهورية العماد ميشال عون علناً إنه غير راغب بتمديد ولايته التي تنتهي في 31 تشرين الاول (اكتوبر) 2022، حتى يتوقف الحديث عن هذه المسألة التي شغلت الاوساط السياسية خلال الايام الماضية؟ تجيب مصادر مطلعة ان موضوع التمديد للرئيس عون ليس وارداً في حساب سيد العهد ولا في حسابات اي من المراجع السياسية المؤثرة والفاعلة، وان تناول هذا الموضوع اتى في اعقاب كلام قاله النائب ماريو عون في احدى المقابلات التلفزيونية رداً على "استفزاز" النائب زياد حواط الذي كان معه في المقابلة التلفزيونية حيث دعا الى استقالة الرئيس عون او تعديل الدستور لتقصير الولاية الرئاسية، الامر الذي اثار النائب عون ورد: "نحن نريده ان يمدد ولايته وسنعمل لذلك". هذا الجواب غير المستند الى اي معطيات دقيقة اندلع كالنار في الهشيم بعدما تناوله خصوم العهد وبالغوا في استثماره والتحامل على رئيس الجمهورية من خلال الترويج لرغبته في التمديد، علماً انه لم يشر الى هذا الموضوع لا من بعيد او من قريب.
المصـــادر نفسها تأخذ على الرئيس عون عـــدم نفي ما صدر عن النـــائب ماريو عون "على دمو"، الامر الذي جعل موضوع التمديد مادة خصبة للخصوم الذين نجحوا في استثمارها على اكثر من صعيد واغرقوا وسائل الاعلام بحملات منظمة ومدروسة لاسيما وان هذه المادة تضاف الى سلسلة مواد اخرى هدفها النيل من رئيس الجمهورية و"الحرتقة" عليه مع بداية السنة الخامسة من ولايته، وتصاعد الدعوات الى تنحيه او اختصار ولايته.... وعلى رغم اقتناع الذين تحاملوا على العهد بأن مسألة التمديد ليست واردة في حساباته، الا انهم رأوا انه يمكن من خلال "هفوة" النائب ماريو عون، تعزيز الحملة المنادية لاستقالة الرئيس وجعل فكرة التمديد "حصان طروادة" للمضي في إضعاف العهد....
ولعل ما جعل فكرة التمديد الرئاسي تأخذ مداها في الاوساط السياسية والاعلامية، انه منذ الاستقلال وحتى مرحلة ما بعد الطائف، مدد ثلاثة رؤساء ولايتهم الرئاسية، بدءاً من الرئيس بشارة الخوري، وصولاً الى الرئيسين الياس هراوي واميل لحود، فيما تعثرت رغبة الرئيس ميشال سليمان بالتمديد سنة او ستة اشهر كما كان مطروحاً فانتهى عهده الى فراغ رئاسي امتد سنتين وبضعة اشهر. ومعلوم ان الرئيس كميل شمعون اتهم بالرغبـــة في التمديد فقامت "ثورة 1958" في وجهه لكنه استمر حتى اليوم الاخير من الولاية. اما الرئيس فؤاد شهاب الذي خلفه آنذاك فلم يقبل تمديد ولايته الرئاسية على رغم مطالبة اكثرية نيابية موصوفة بذلك. كذلك فعل الرئيس الياس سركيس عندما اعتذر من الجانب الفرنسي الذي كان يسعى الى تمديد ولايته سنة على الاقل حتى تنتهي الظروف التي كانت تمر بها البلاد آنذاك، فأصر سركيس على موقفه رغم الطلب الفرنسي مفسحاً في المجال امام انتخاب الرئيس بشير الجميل الذي لم يتمكن من تسلم صلاحياته الدستورية اذ اغتيل في 14 ايلول (سبتمبر) عام 1982 قبل ثمانية ايام من بدء ولايته، فانتخب شقيقه الرئيس امين الجميل الذي اتهمه خصومه بالسعي للتمديد لكنه انهى عهده من دون تسليم خلفه بل شكل حكومة عسكرية برئاسة قائد الجيش آنذاك العماد ميشال عون الذي اتهم هو الاخر بالسعي الى رئاسة الجمهورية، فكانت احداث 13 تشرين الاول (اكتوبر) 1990 لتنهي وجوده في قصر بعبدا في عملية عسكرية واسعة نفذها الجيش السوري من البر والجو، ما مكن الرئيس الهراوي من الاستمرار في عهده والتمدد الى المنطقة الشرقية من بيروت التي كانت في عهدة حكومة العماد عون.
استثمار وتناقض
في اي حال، يستمر موضوع التمديد مادة استثمار سياسي واعلامي، في وقت تستغرب مصادر مطلعة على موقف الرئيس عون كيف يروج خصوم الرئيس لمثل هذه الرواية في الوقت الذي يتحدث فيه هؤلاء عن رغبة الرئيس عون في توفير الاجواء المؤاتية لانتخاب صهره رئيس "تكتل لبنان القوي" النائب جبران باسيل رئيساً للجمهورية، وبالتالي من غير المنطق الجمع بين هاتين "الرغبتين" لانهمـــا تتناقضان، فضلاً عن روايــــة ثالثة تتحدث عن "صحة " رئيس الجمهورية حيناً وعن "عمره" احياناً في اشارة خبيثة بأنه قد لا يكمل عهده، وان "شروط" الرئيس عون في تشكيل الحكومة مع "ثلث ضامن" غايتها ان تكون هذه الحكومة في المسؤولية عندما تشغر السدة الرئاسية لأي سبب كان قبل انتهاء الولاية! ولعل اكثر من تحدث عن هذا الموضوع، كان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي تجاهل ان الاعمار بيد الله وتحدث في اكثر من مناسبة عن "صحة" رئيس الجمهورية موحياً في كل مرة ان ثمة انتكاسات صحية.... ومع ذلك يتناوب نواب جنبلاط في الحديث عن سعي لتمديد ولاية الرئيس!
مصادر مطلعة على موقف رئيس الجمهورية تقول في هذا السياق إن الرئيس عون لن يبقى في قصر بعبدا دقيقة واحدة بعد انتهاء ولايته وهذا امر محسوم وسيعمل بكل ما اوتي من قدرة على تأمين انتقال سلس للرئاسة الى خليفته الذي يأمل ان ينتخبه مجلس النواب وفقاً للاصول، لأنه يكره تكرار الفراغ الرئاسي الذي عانت منه البلاد في الماضي، خصوصاً اذا ما استمرت الاوضاع الاقتصادية والمالية في تدهور مستدام واذا لم تتراجع حدة وباء "كورونا" كما يتوقع الاطباء، وهو- اي الرئيس عون- يعتبر ان كل ما قيل حول تمديد ولايته لا اساس له من الصحة، وان النائب ماريو عون "تسرع" مع العلم أن كلامه اتى رداً على كلام نائب آخر. وتبدي المصادر نفسها اسفها لما تناوله خصوم الرئيس عون في موضوع التمديد لاسيما القول إن كلام النائب عون اتى في سياق المعركة الرئاسية المفتوحة وانه "يبلور ما يتم التخطيط له عند أوان الاستحقاق الرئاسي". ولعل اكثر ما يثير السخرية، حسب هذه المصادر، قول بعض السياسيين إن الفريق الرئاسي لديه نية بعدم تسليم الامانة الى رئيس خلف وإن ما قيل عن التمديد "ينطوي على معركة اجهاض اي انتخابات رئاسية مقبلة"!.
وكان لافتاً في السياق نفسه من تحدث عن ان طرح التمديد غايته فتح بازار المقايضة مع الرئيس الحريري ليتراجع عن شروطه في تأليف الحكومة وتلبية مطالب العهد، في مقابل تراجع العهد عن الدفع نحو التمديد!.