تفاصيل الخبر

طرح عون امكانية الحوار مع سوريا لتسهيل العودة يلقى ترحيباً من بري... ورفضاً مطلقاً من الحريري!

04/10/2019
طرح عون امكانية الحوار مع سوريا لتسهيل العودة  يلقى ترحيباً من بري... ورفضاً مطلقاً من الحريري!

طرح عون امكانية الحوار مع سوريا لتسهيل العودة يلقى ترحيباً من بري... ورفضاً مطلقاً من الحريري!

ترى مصادر سياسية مطلعة ان ملف النازحين السوريين في لبنان سوف يأخذ في المدى القريب منحى مختلفاً عما كان عليه قبل أشهر وذلك انطلاقاً مما أعلنه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في الكلمة التي ألقاها الأسبوع الماضي والتي أثار فيها مسألة النازحين، ملوّحاً بامكانية الاتفاق مع الحكومة السورية <لحل هذه المعضلة التي تهدد الكيان والوجود>. وفي تقدير المصادر نفسها ان اعلان الرئيس عون هذا الموقف من أعلى منبر أممي يتجاوز مسألة تذكير المجتمع الدولي بملف النازحين الذي غاب عن معظم الخطب والكلمات التي ألقيت في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ليصل الى ما يشبه <الانذار>، لأن استمرار تجاهل الدول، لاسيما منها الدول الكبرى، لهذا الأمر يجعل من الصعب على لبنان تقبله كأمر واقع والتصرف على هذا الأساس، علماً ان <صرخة> رئيس الجمهورية ليست جديدة، لكنها اكتسبت من نيويورك بعداً يجدر التوقف عنده ومقاربته على نحو مختلف عن السابق.

وإذا كان الرئيس عون صارح الدول في نيويورك بحقيقة الواقع الصعب الذي نتج عن تدفق النازحين السوريين الى لبنان، فإنه خلال اللقاءات التي عقدها مع عدد من رؤساء الدول والحكومات، ولاسيما الرئيس الفرنسي <ايمانويل ماكرون>، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والعاهل الأردني الملك عبد الله بن الحسين، دخل أكثر في التفاصيل حول التداعيات التي خلفها النزوح السوري الى لبنان منذ بداية الحرب في سوريا العام 2011، والذي لا يزال مستمراً حتى الساعة على رغم توقف القتال في غالبية المناطق السورية التي استعادتها الدولة السورية، وانحساره في منطقة ادلب التي باتت ذات خصوصية مميزة بسبب وجودها قرب الحدود السورية ــ التركية. وفي هذا الإطار تتحدث المصادر نفسها عن ان الرئيس عون <لم يلبس قفازات> وهو يشرح الوضع الراهن في لبنان أمام الذي التقاهم على هامش وجوده في نيويورك، بل عرض للواقع كما هو مستذكراً بالأرقام كيف ارتفعت نسبة النازحين من العام 2011 وحتى شهر آب (أغسطس) الماضي، والانتشار الكثيف لهؤلاء النازحين داخل القرى والبلدات اللبنانية بحيث لا تخلو بلدة من وجودٍ لنازحين سوريين يعمل معظمهم في أعمال ينافسون فيها اليد العاملة اللبنانية، فيما ينتظر آخرون المساعدات التي تقدم لهم من المنظمات الدولية مع نهاية كل شهر. وتشير التقارير الأمنية التي تُرفع الى المسؤولين، ومن بينهم الرئيس عون شخصياً، ان نسبة حوادث النشل والسرقة والقتل والاغتصاب ارتفعت بشكل ملحوظ خلال أشهر السنة الماضية، وان معظم هذه الجرائم يرتكبها نازحون من مناطق سورية لم تعد تشهد قتالاً، إضافة الى تزايد عدد الداخلين خلسة عبر الحدود الشرعية منها وغير الشرعية من دون أن تتمكن الأجهزة الأمنية من ملاحقتهم وإعادتهم الى بلادهم بالاتفاق مع السلطات السورية.

وسُجلت في الآونة الأخيرة ظاهرة مقلقة وهي دخول سوريين عبر المعابر الشرعية، وما أن تطأ أقدامهم الأراضي اللبنانية حتى يلجأون الى تمزيق جوازات سفرهم أو هويتهم ويدعون انهم <مضطهدين> ونازحين <سياسيين>، ما أحدث ارباكاً لدى الأجهزة الأمنية المكلفة ضبط حركة النازحين على الحدود، لاسيما وأن السياسة التي اعتمدها لبنان في التعاطي مع هذا الملف الحساس قامت على تمكين النازحين لأسباب سياسية من الدخول الى لبنان ريثما تتضح الظروف السياسية في سوريا وتتبلور الخيارات وترتسم في الأفق ملامح حل سياسي.

 

<النازحون تحولوا الى رهائن>!

وتعتبر المصادر المطلعة ان أكثر ما أربك ممثلي الدول الحاضرة في نيويورك كان إشارة الرئيس عون في كلمته الى اعتقاده بأن النازحين السوريين <قد تحولوا الى رهائن في لعبة دولية للمقايضة بهم عند فرض التسويات والحلول>. وهذا الموقف سبق أن أبلغه رئيس الجمهورية الى الموفدين الدوليين الذين زاروا لبنان مؤخراً وفي مقدمهم مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط السفير <دايفيد شينكر> الذي طرح نظرية (أشارت إليها <الأفكار> في عددها السابق) <تطييف> النازحين حين أشار الى ان الرئيس السوري بشار الأسد لا يشجع النازحين على العودة كي لا يبقى التوازن الطائفي داخل سوريا مختلاً لمصلحة أبناء الطائفة السنية، في وقت يريد الأسد ــ حسب الديبلوماسي الأميركي <شينكر> ــ أن يصبح عدد العلويين قريباً من عدد السنة، وهو أمر صعب التحقيق خصوصاً ان الفارق كبير بين العلويين والسنة السوريين. غير ان ما قصده الرئيس عون في معرض حديثه عن جعل النازحين <رهائن> في اللعبة الدولية للمقايضة، انما قصد منه لفت المجتمع الدولي الى ان استعمال النازحين كورقة ضغط لإقرار الحل السياسي يعني عملياً الانتظار سنوات قبل عودة هؤلاء النازحين لأن الحل السياسي، وإن تقدم نسبياً بعد الاتفاق على اللجنة الدستورية، فهو لن يتحقق قبل سنة أو أكثر نظراً للآلية التي ستعتمد لهذه الغاية، ما يعني ان لبنان لن يكون قادراً على احتمال المزيد من النزف في اقتصاده وارتفاع عدد العاطلين عن العمل بالتزامن مع ارتفاع نسبة الجرائم وحوادث الاخلال بالأمن في مختلف المناطق اللبنانية التي انتشر فيها النازحون بكثافة.

ويقول مطلعون على لقاءات الرئيس عون في نيويورك ان ملف النازحين استأثر بمواضيع البحث بين الرئيس اللبناني ومن التقاهم من الرؤساء، وان وجهة النظر اللبنانية حيال ملف النازحين باتت <مقبولة> في الوقت الحاضر أكثر مما كانت عليه في الأعوام الماضية، لكن درجة <القبول> لم تصل الى حد تبني الطرح اللبناني بالكامل لإعادة النازحين طوعاً الى بلادهم، علماً ان امكانية تحقيق <خرق> في المواقف الدولية لصالح التوجه اللبناني تسجل تقدماً لافتاً. ولعل الإشارة الأبرز في هذا المجال أتت من العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بن الحسين الذي أبلغ الرئيس عون انه سوف يثير مسألة عودة النازحين السوريين مع الرئيس الروسي <فلاديمير بوتين> عندما يلتقيه في <سوتشي> خلال الأيام القليلة المقبلة نظراً للدور الذي يمكن أن يلعبه الروس في تسهيل عملية العودة ولو تدريجياً الى المناطق السورية الآمنة، بالتزامن مع الخطة التركية لإقامة منطقة آمنة على الحدود مع سوريا يفترض أن تستوعب نحو مليون نازح سوري موجودين حالياً في تركيا.

بري رحب... الحريري رفض!

 

وإذا كان طرح الرئيس عون ضرورة عودة النازحين السوريين بالتفاهم مع الحكومة السورية إذا لزم الأمر، قد تلقفه ممثلو المجتمع الدولي في نيويورك وراسلوا دولهم حوله، فإن الطرح الرئاسي في الداخل اللبناني كان له ــ كالعادة ــ أكثر من صدى، وسارعت أصوات الى التحذير منه، وأصوات أخرى طلبت استيضاحات، فيما اعتبر آخرون انه لم يعد أمام لبنان إلا هذا الخيار لاسيما وان الدولة اللبنانية تحملت الكثير ولا تزال نتيجة النزوح السوري، وانعكس الأمر على الاقتصاد والتجارة والتربية والصحة والأمن الخ... واللافت في هذا السياق، ان تيار <المستقبل> لم يتقبل طرح الرئيس عون وصدرت أصوات ترفض أي تواصل مع الحكومة السورية للبحث في موضوع عودة النازحين السوريين الى بلادهم تحت عنوان <رفض التطبيع> مع النظام السوري وعدم القبول بعودة التواصل السياسي، مع العلم بأن التواصل الأمني مستمر بين الأجهزة الأمنية اللبنانية والسورية لاسيما منها الأمن العام، فضلاً عن ان التمثيل الديبلوماسي بين البلدين لا يزال قائماً ولم يلغ مجلس النواب بعد المجلس الأعلى اللبناني ــ السوري ولا مفاعيل اتفاقية التعاون والتنسيق بين البلدين. وحده الرئيس نبيه بري أيد دعوة الرئيس عون منطلقاً من قناعة خلاصتها انه لا بد من الحوار بين الحكومتين اللبنانية والسورية وطرح الموضوع على مجلس الوزراء وتطبيق آلية التصويت لأن الخلاف حول هذه المسألة متوقع وإذا ما استمر الجدال بين من يريد هذا التواصل بين الحكومتين وبين من لا يريد يُحتكم إذ ذاك الى التصويت.

ولأن الرئيس بري قارئ جيد للأحداث والتطورات فهو كشف أمام زواره الأسبوع الماضي ان رئيس الحكومة سعد الحريري سيرفض حتماً إعادة التواصل رسمياً، وهذا حقه وله أن يتحفظ ويرفض، ومن غير الضروري أن يقود هو ــ أي الرئيس الحريري ــ هذا الحوار مع الحكومة السورية، وسيكون من الوارد إناطة هذه المهمة بوزراء يحاورون نظراءهم السوريين بهدف البحث في موضوع النزوح وليس أكثر. غير ان ما يخشاه الرئيس بري ــ وفقاً لمصادر نيابية مطلعة على موقفه ــ هو ان يؤثر طرح هذا الموضوع على مجلس الوزراء على العلاقة بين الرئيسين عون والحريري نظراً للتباين في وجهات النظر بين الرئيسين حيال هذه المسألة، ومن الصعب إزالة هذا التباين في الوقت الراهن لاسيما وان الرئيس الحريري يتمسك بموقفه الرافض للحوار مع سوريا، علماً ان الحوار بين بيروت ودمشق مستمر ولو بشكل جزئي، وهو أمني عبر المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم منذ شهر أيار (مايو) 2019، وسياسي من خلال زيارات عدد من الوزراء الى نظرائهم السوريين ولاسيما منهم وزراء حركة <أمل> وحزب الله و<المردة>.

 

هل يولد طرح الرئيس مادة خلافية؟

وتخشى المصادر المتابعة ان يشكل طرح الرئيس عون امكانية التواصل المباشر مع الحكومة السورية مادة خلافية جديدة تضاف الى سلسلة المسائل الخلافية داخل الحكومة، ما يعني عملياً عودة التجاذبات من جديد بين الرئاستين الأولى والثالثة والتداعيات التي يمكن أن تحصل نتيجة ذلك على الأداء الحكومي الذي لا يزال يتلمس طريقه من دون الوصول الى خواتيم سعيدة!

غير ان جهات رسمية ترى بأن الحوار مع دمشق لا بد منه في النهاية لتأمين عودة النازحين السوريين وفق قواعد يضعها رئيس الجمهورية، وإذا ما صدرت أصوات معترضة فعلى هؤلاء المعترضين أن يقدموا البديل لتحقيق عودة طوعية وآمنة للنازحين السوريين، علماً ان أرقام الأمن العام تشير الى مغادرة نحو 370 ألف سوري لبنان عاد منهم الى سوريا نحو 250 ألف نسمة لم ترد معلومات انهم تعرضوا لمضايقات أو ممارسات سلبية. وترى المصادر نفسها ان الرئيس عون، من خلال طرحه، دفع بمشكلة النازحين الى بعد جديد قد لا يتحقق التوافق اللبناني الداخلي حياله نظراً لحدة الانقسام من حوله. إلا ان الرئيس عون ــ وفق مصادر مطلعة على موقفه ــ بات مقتنعاً بأن الطرف الوحيد القادر على ايجاد حل لمشكلة النزوح هو النظام السوري نفسه وليس المجتمع الدولي ولا حتماً المنظمات الدولية المعنية والتي يعمل بعضها على <تحريض> النازحين على عدم العودة. وفي رأي المصادر نفسها ان الرئيس عون ما كان ليطرح هذا الموقف في الأمم المتحدة لو لم يكن على يقين بأن الرئيس الأسد سيتعاون معه لانجاح عودة مواطنيه، وهو ما كان اللواء ابراهيم قد سبق أن أكده في أكثر من مناسبة، وجدد التأكيد على ترحيب النظام السوري بعودة السوريين سالمين وزير الخارجية السورية وليد المعلم من على منبر الأمم المتحدة.