تفاصيل الخبر

”ترامب“ رتب الصفقة... و”بوتين“ أعطاها الضمانة؟!

30/01/2020
”ترامب“ رتب الصفقة... و”بوتين“ أعطاها الضمانة؟!

”ترامب“ رتب الصفقة... و”بوتين“ أعطاها الضمانة؟!

 

بقلم خالد عوض

الفكر العقاري وراء <مقترح> صفقة القرن ليس فقط جهلا أو تجاهلا لطريقة تفكير شعوب المنطقة العربية بل استخفاف بالبعد الإنساني والديني والتاريخي للقضية الفلسطينية. صحيح أنه يعبّر عن أسلوب الرئيس الأميركي <دونالد ترامب> وصهره المتذاكي <جاريد كوشنير> في مقاربة الحلول السياسية بالوسائل العقارية، إلا أنه يعبّر عن يأس أميركي حقيقي على مستوى المؤسسات أو <الاستابلشمنت> في إمكانية التوصل إلى أي حل عادل بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

ليس خافيا أن الهم الأول اليوم لرئيس الوزراء الإسرائيلي <بنيامين نتنياهو> هو تفادي الدخول إلى السجن بتهمة الفساد وكسب الإنتخابات المقبلة في ٢ آذار (مارس) المقبل. ولذلك إحتفل بخطة <ترامب> وكأنه عرابها بل غالى في اعتبارها إنتصارا لإسرائيل وهدية أميركية شبهها بالإعتراف الأميركي بالدولة الصهيونية عام ١٩٤٨. ولكنه في العمق يعتبرها محطة في مسار ضم كل الضفة الغربية وليس فقط ٣٠ بالمئة منها كما عرض <ترامب>. هو يعلم أن الفلسطينيين والعرب لن يرضوا بها ولذلك سيبدأ بتنفيذها فورا ومن جانب واحد حتى يكرس مفاعيلها على الأرض فيضم كل المستوطنات في الضفة الغربية على إعتبار أنها أراض إسرائيلية. وبأسلوبه الإحتفالي المبالغ به في البيت الأبيض لا يحيد <نتنياهو> عن سياسة إسرائيل القديمة الجديدة <خذ ثم طالب>، والتي لم يفهمها ويعرف التعامل معها ببراغماتية إلا عربي واحد هو الرئيس المصري الراحل <أنور السادات>. المنطقة التي عرضها السادات عام ١٩٧٧ على الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات تحت ما يسمى <الحكم الذاتي> هي أكبر بمرة ونصف المرة مما تعرضه خطة <ترامب ــ كوشنير> وكانت يومها مقرونة بشرط وقف كل الأعمال الإستيطانية بينما تطلب الخطط الحالية من إسرائيل <تجميد> أي استيطان جديد في المنطقة المعطاة للفلسطينيين لمدة أربع سنوات!

الرئيس الأميركي أيضا مهموم بقضية عزله. ليس خائفا من أن يعزل لأن مجلس الشيوخ الجمهوري سيرفض ذلك ولكنه يعرف أنه إذا استقدم مزيداً من الشهود مثل مستشاره السابق للأمن القومي <جون بولتون> فيمكن أن يتضرر إنتخابيا وتصبح بيد منافسيه الديموقراطيين أوراق قوة ضده. صحيح أن الإقتصاد وهو العامل الإنتخابي الأول لصالحه ولكنه يريد أن يضمن الفوز ويتجنب أن يسهر قلقا ليلة ٣ تشرين الثاني (نوفمبر) الآتي. أما <صفقة القرن> فهي تمثل بالنسبة له وفاء جديدا بوعوده الإنتخابية لا أكثر ولا أقل. حفلة إستملاكات لأراض عربية تمولها دول الخليج وتعطي الفلسطينيين بعض النفس الإقتصادي والمالي مقابل الإطاحة بكل مفاهيم السيادة والكرامة وحقوق الشعوب على أرضهم وغيرها من الإعتبارات الإنسانية والأخلاقية.

 

الواقع المر !

هناك أحداث تاريخية تكرس الخطأ بل تحوله إلى واقع وحقيقة من الصعب رفضها أو قلبها. هذه حال الفلسطينيين اليوم بل واقع كل العرب. يمكن تسمية الفشل العربي في إستعادة الحقوق عجزا وفشلا في التعامل مع الحقائق العالمية وضعفا ديبلوماسيا وإلى ما هناك من تسميات لجلد الذات. ولكن هناك اليوم حقائق لا يمكن التغاضي عنها: إسرائيل واقع سياسي وجغرافي متفق عليه صينيا وروسيا وأوروبيا وبالطبع أميركيا. وعندما يعرج <نتنياهو> على موسكو لمقابلة الرئيس الروسي <فلاديمير بوتين> في طريق العودة من واشنطن لطلب دعمه لـ<صفقة القرن> الترامبية فهذه إشارة جدية إلى العلاقة المتطورة بين روسيا وإسرائيل وإلى لزوم الغطاء الروسي للصفقة. الدولة الصهيونية أصبحت قوة إقتصادية ومصدرا للغاز إلى مصر والأردن وفي المستقبل إلى أوروبا بكل ما يعني ذلك استراتيجيا بالنسبة للدول الكبرى. العرب منقسمون على كل شيء وسياسة إيران تزيد في هذه الإنقسامات من سوريا وصولا إلى اليمن. أما مطالبة الجامعة العربية والدول الإسلامية بموقف جامع موحد فلن يتمخض بنتائج أفضل من <مؤتمر إسطنبول> في كانون الاول (ديسمبر) ٢٠١٧ الذي أدان <بشدة> نقل السفارة الأميركية إلى القدس ثم اختفت مفاعيله. ما هو إذاً الحل الممكن للفلسطينيين؟

الخيارات...؟

 

هناك ثلاثة مسارات يجب أن تسلكها محاولة إسترجاع الحقوق. المسار الدبلوماسي التقليدي الذي هو ضرورة حتى لو كانت نتائجه معروفة. ولكن المطلوب عربيا ضخ مساعدات مالية حقيقية في هذا المسار حتى يتمكن من ترسيخ الموقف العربي والفلسطيني في المحافل الدولية. المسار الثاني هو المقاومة الداخلية عبر الإستنزافات التي تؤثر على الإقتصاد الإسرائيلي، فنقطة ضعف إسرائيل الأكبر اليوم هي في قوة إقتصادها الذي لا يمكن أن يتحمل هزات مستمرة. والمسار الثالث هو التفاعل مع العرب الإسرائيليين والقوى اليسارية في الداخل الإسرائيلي للضغط من أجل لجم الإستيطان والحد من الإستباحة. أما الخيار الذي ليس في الحقيقة خيارا بقدر ما هو رجاء فهو عامل الوقت وإنتظار أن يتمكن الفشل من التحكم بالنظام الإسرائيلي، فالحاجة إلى ثلاث انتخابات نيابية في أقل من سنة دليل خلل كبير في البنية السياسية الإسرائيلية. وإذا عجز الإسرائيليون عن تأليف حكومة جديدة بعد الإنتخابات المقبلة فسيدخل الكيان الصهيوني في مأزق وجود حقيقي يجب البناء عليه وتذكيته بشتى الوسائل.

 

لبنان... لا توطين ولا وطن؟

 

<صفقة القرن> هي إنقلاب على كل قرارات الأمم المتحدة وخاصة القرار ١٩٤ الذي ينص على حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ارضهم. ومقابل توطين الفلسطينيين حيث هم تحصل بعض الدول على بضع مليارات. حصة لبنان ستة مليارات وثلاثمئة وخمسون مليون دولار أي أقل من العجز المتوقع لموازنة ٢٠٢٠ <التقشفية> وحدها بعد احتساب الواردات الواقعية، ولذلك التوطين غير وارد ليس فقط دستوريا بل انه حتى ماليا غير مجد... ولكن البحث بالعمق في الخطة الترامبية وفذلكتها وإنعكاساتها يظهر أن الدول المحيطة بإسرائيل لا يمكن أن تبقى هي نفسها إن كان بنظامها أو ربما حتى بحدودها المعروفة. هذا التلاقي الغريب زمنيا وسياسيا بين الإنتفاضات العربية التي تنادي بالتغيير الهيكلي للانظمة و<صفقة القرن> ينذر بالأسوأ، فتقسيم فلسطين كما تعرض الخطة ربما يصبح شكلا من أشكال كل دول المنطقة في المستقبل.

صحيح أن باستطاعة اللبنانيين حتى الساعة تغيير هذا المسار وإنقاذ وطن ١٩٢٠ ولكن مَن في السلطة وحتى مَن في الثورة لا زالوا فاقدي الرؤية تماما.