تفاصيل الخبر

توقيـع وزراء التيـار الوطنـي الحـر استقــالات ”عـلى بيــاض“ خـطــــوة ”استعـراضـيـــة“ لا مفاعـيـــل دستوريــــة لهــــا!

15/02/2019
توقيـع وزراء التيـار الوطنـي الحـر استقــالات ”عـلى بيــاض“  خـطــــوة ”استعـراضـيـــة“ لا مفاعـيـــل دستوريــــة لهــــا!

توقيـع وزراء التيـار الوطنـي الحـر استقــالات ”عـلى بيــاض“ خـطــــوة ”استعـراضـيـــة“ لا مفاعـيـــل دستوريــــة لهــــا!

لم يتمكّن رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل على رغم ما حباه الله من قدرة على الكلام والشرح والاستفاضة، من <تسويق> القرار الذي اتخذه بالطلب الى وزراء <التيار> في الحكومة الجديدة توقيع استقالاتهم <على بياض> ووضعها بتصرّفه، فيما أعلن هو عن وضع استقالته بتصرف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ليتصرف بها عندما يرى ذلك مناسباً، في حين سمح هو لنفسه أن يتصرف باستقالة وزراء <التيار> إذا لم يكونوا على قدر المسؤولية <وينتجوا> خلال مئة يوم، وهي الفرصة التي اعطاها لهم!

وتعذّر <تسويق> خطوة الوزير باسيل يبدو طبيعياً في بلد لم يعتد لمثل هذه المبادرات التي تحمل في طياتها مخالفة واضحة للدستور، إضافة الى <رهن> إرادة الوزراء ومصيرهم بقرار من فرد حتى ولو كان رئيس الحزب الذي ينتمون إليه. وبدا واضحاً من ردود الفعل التي صدرت بُعيد الإعلان عن هذه الخطوة أن أحداً لم <يبلع> مثل هذا التصرّف الاستعراضي الذي قيل فيه الكثير، ذلك أن ثمة من رأى أن الوزير باسيل وضع مصير وزرائه وبالتالي مصير الحكومة بتصرفه من خلال احتفاظه باستقالة وزراء <التيار> إذ من غير المنطقي - وفق مصادر متابعة - أن تستمر الحكومة في غياب ممثلي حزب يمثل مع حلفائه التكتل الأكبر في مجلس النواب، فضلاً عن افتقاد حكومة <الى العمل> الى صفة الوحدة الوطنية وسقوطها بفعل غياب الميثاقية.

مخالفة دستورية!

 

ويقول مرجع قانوني ودستوري انه إضافة الى <الثغرة> المعنوية المتمثلة برهن مصير وزراء - وربما حكومة - في يد فرد، فإن ثمة مخالفة دستورية جسيمة، لأن دستور ما بعد <اتفاق الطائف> ألغى حق رئيس الجمهورية، السلطة الأعلى في البلاد، في تعيين الوزراء وتسمية رئيس منهم وحق إقالتهم، إذ بات على رئيس الجمهورية أن يسمي رئيس الحكومة المكلف تأليفها بالتشاور مع رئيس مجلس النواب واستناداً الى استشارات نيابية ملزمة يطلعه رسمياً على نتائجها. وتعتبر الحكومة مستقيلة بموجب المادة 69 من الدستور إذا استقال رئيسها، أو إذا فقدت أكثر من ثلث عدد أعضائها المحددين في مرسوم تشكيلها أو عند وفاة رئيسها، وكذلك عند بدء ولاية رئيس الجمهورية وعند بدء ولاية مجلس النواب وعند نزع الثقة عنها من قبل مجلس النواب. أما إقالة وزير أو أكثر فتتم بمرسوم يصدر عن رئيس الدولة مع رئيس الحكومة بعد موافقة ثلثي أعضاء الحكومة (الفقرة 2 من المادة 69 من الدستور)، أو إذا حجب مجلس النواب الثقة عن وزير أو أكثر فعندها وجب على الوزير (او الوزراء) الاستقالة. من هنا، يضيف المرجع القانوني، فإن توقيع وزير أو أكثر على كتاب استقالته سلفاً وتسليمه الى  مرجعية حزبية، يعتبر مخالفاً للدستور وتعدياً صارخاً على صلاحيات رئيس الدولة من جهة، ورئيس الحكومة من جهة ثانية، ومجلس النواب من جهة ثالثة. إضافة الى أن خطوة <الاستقالة المسبقة> تجعل الوزير موظفاً لدى رئيس الحزب الذي ينتمي اليه، أو لدى مرجعيته السياسية عوضاً عن أن يكون المسؤول الأول والأخير عن نفسه وعن قراراته. لقد <صادر> الوزير باسيل من خلال ما طلبه من وزرائه - حسب المرجع القانوني نفسه - صلاحيات رئيسي الجمهورية والحكومة وثلثي أعضاء الحكومة وصار شريكاً لكل هؤلاء في تقرير مصير الوزراء، وبالتالي الحكومة، أو منافساً لهم في تحديد مستقبل الحكومة عند أي منعطف، لاسيما وأن لا معايير واضحة تحدد الحالات التي يمكن فيها لرئيس الحزب أن <يقبل> استقالات الوزراء الموقعة منهم سلفاً، ما يفتح باب الاستنسابية مشرعاً... ولا من يسأل أو يحاسب!

 

<تحفيز> الوزراء على الإنتاج!

حيال ردود الفعل الرافضة لخطوة <الاستقالة على بياض>، جهدت مصادر التيار الوطني الحر لشرح الأسباب التي دفعت الوزير باسيل الى الطلب من وزرائه توقيع كتب الاستقالة، فاعتبرت أن هذه السابقة في تاريخ الاحزاب اللبنانية، تعود الى رغبة رئيس <التيار> في حث الوزراء على الإنتاجية كي لا يتكرر مع الوزراء الجدد ما حصل مع عدد ممن سبقهم في الحكومة السابقة الذين لم يكونوا - حسب الوزير باسيل - على مستوى الآمال التي عُلّقت عليهم ولم يظهروا أية قدرة على تحمّل مسؤولياتهم، الأمر الذي يفرض عليهم أن يستقيلوا، علماً أن الوزير باسيل كان قد صرّح خلال ولاية الحكومة السابقة أن فكرة <إقالة> عدد من الوزراء قد راودته، الا أن تزامن عمل الحكومة السابقة مع إجراء الانتخابات النيابية وما قد يستجد فيها، جعله يتريث في <إرغام> المقصرين على الاستقالة. وتضيف مصادر <التيار> أن <الرئيس باسيل> أراد استباق أي خلل في أداء وزرائه وطلب منهم توقيع <استقالات على بياض> وأعطاهم مهلة مئة يوم <ليثبتوا قدراتهم>، وإلا فهو سيلجأ الى تطبيق مبدأ <الاستقالة الطوعية>، بمعنى أن صفة <الطوعية> التي يرفضها الوزير باسيل في مقاربة ملف النازحين، يعتمدها في ملف أداء وزرائه لحثهم على التصرف بدينامية جديدة ودم جديد يكون من خلالها التغيير المنشود. وترى المصادر نفسها أن خطوة باسيل <حُمّلت أكثر مما تحتمل> لأن الاستقالة الموقعة من الوزراء ليست موجهة اليه بل الى رئيس الحكومة وفقاً للأصول الدستورية، وما وجود هذه الاستقالات معه إلا <ودائع احتياطية> تُستعمل عند الضرورة، ولا تشكّل تعدياً على صلاحيات رئيسي الجمهورية والحكومة إذ تبقى لهما إمكانية رفض هذه الاستقالات أو قبولها، ما يعني أن القرار النهائي هو لرئيسي الجمهورية والحكومة كما ينص الدستور. وفي اعتقاد المصادر نفسها أن لا داعي لهذه الضجة كلها طالما أن المسألة ستبقى في النهاية في أيدي رئيسي الدولة والحكومة، إذ لا مفاعيل دستورية لتوقيع الاستقالات ما لم تصدر مراسيم بقبولها، وبالتالي فإن هذه الخطوة <الاستعراضية> لا تقدّم ولا تؤخّر في عمر الحكومة الجديدة إذا جوبهت <مبادرة> وزراء <التيار> بالرفض من رئيسي الجمهورية والحكومة.

وفي هذا الإطار، تستذكر مصادر متابعة ما حصل مع وزراء حزب الكتائب في حكومة الرئيس تمام سلام، حين اتخذ المكتب السياسي في الحزب قراراً باستقالة وزرائه في الحكومة احتجاجاً على تردي الأوضاع الاقتصادية في حينه إضافة الى خلافات حول الشرعية ورموزها، إلا أن التجاوب مع قرار الكتائب اقتصر يومذاك على الوزير آلان حكيم الذي قدّم استقالته، فيما رفض الوزيران الآخران رمزي جريج وسجعان قزي التجاوب مع الدعوة وبقيا في الحكومة الى حين انتهاء ولايتها مع انتخاب الرئيس عون رئيساً للجمهورية. وأوردت المصادر نفسها هذا المثل للدلالة على أن توقيع كتب استقالات لا يرتب أية مفاعيل دستورية ما يدرجه في باب الإجراءات الداخلية للتيار الوطني الحر من دون انعكاسات على مصير الحكومة ككل، وإن كان البعض رأى فيه سيفاً مصلتاً فوق رؤوس الوزراء <البرتقاليين>، وفوق رأس الحكومة أيضاً التي يفترض أن تبدأ العمل بعد نيلها ثقة مجلس النواب.

 

أولويات باسيل ينفذها وزراؤه!

ورأت مصادر متابعة أن ردة فعل وزراء <التيار> بتوقيع كتب الاستقالات، لا يمكن الاعتداد بها، ذلك أن معظم هؤلاء الوزراء <جداد> في العمل الحكومي وفي الجلوس على مقاعد مجلس الوزراء، وبالتالي يمكن أن يُطلب منهم أي شيء لتنفيذه من دون نقاش وذلك لكون الوزير باسيل حدد أولويات الحكومة من خلال وجهة نظره، ووزعها على وزراء <التكتل>، فأبلغ وزير المهجرين غسان عطا الله أن إقفال وزارة المهجرين بعد طي كل ملفات التعويضات والمصالحات هو <الإنجاز> المطلوب منه خلال المئة يوم التي حددها. كما طلب الى وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب أن يكون عمل الوزارة متطابقاً مع الخطاب السياسي لـ<التكتل> مع ما يحمله ذلك من إجراءات استثنائية سوف تؤدي - في حسابات باسيل - الى عودة أعداد كبيرة من النازحين. كذلك حدد لوزير الاقتصاد والتجارة منصور بطيش مهمة الشروع في خطة النهوض الاقتصادي <المتكاملة> والبدء بخطوات فعالة لمكافحة الفساد، علماً أن هذه المهمة (الفساد) تنسحب على الوزراء كافة. أما أولوية وزير البيئة فادي جريصاتي، كما حددها الوزير باسيل، فتركز على القيام بإصلاحات جدية لإقفال ملف النفايات من خلال اعتماد حل إقامة المحارق. وبديهي أن تكون الأولوية لوزيرة الطاقة والمياه ندى بستاني إيجاد حلول عملية لأزمة الكهرباء.

وترى مصادر متابعة أن من يعرف الوزراء الذين أتى بهم الوزير باسيل الى طاولة مجلس الوزراء، يدرك فوراً أن الوزير باسيل سيكون بالنسبة اليهم <الوزير الأول> الذي يرسم لهم خطوات تحركاتهم ويرصد أداءهم الوزاري حتى يتمكن من <تقرير مصيرهم> عند الحاجة. فالوزير بطيش آتٍ بنجاح من عالم المال والحسابات لكن صداقته مع الرئيس عون وعلاقته المستجدة مع الوزير باسيل بعد تأسيس <جمعية الطاقة الوطنية اللبنانية> جعلتاه يولّى وزارة الاقتصاد بهدف تعزيز التنمية الاقتصادية وبلورة الخيارات والسهر على اطلاق مشاريع اقتصادية واستثمارية خصوصاً أنه تولى في الآونة الأخيرة اعداد معظم الأوراق الاقتصادية للتيار الوطني الحر إضافة الى تقارير دورية يرفعها الى رئيس الجمهورية حول الواقعين المالي والنقدي في البلاد. أما وزير المهجرين غسان عطا الله فهو <مناضل> في <التيار> رشحه باسيل في دائرة الشوف - عاليه عن المقعد الكاثوليكي لمنافسة النائب المخضرم نعمة طعمة وهو يعلم أنه لن يتمكن من الفوز بالمقعد إلا إذا حصلت أعجوبة احتساب الحاصل الانتخابي، كما حصل مع النائب فريد البستاني الذي هزم قريبه الوزير السابق ناجي البستاني على رغم أن قريبه نال أكثر من 5 آلاف صوت فيما هو نال نحو ألفي صوت! وعلى رغم أن معيار عدم توزير الخاسرين في الانتخابات النيابية طُبّق على الجميع، إلا أن باسيل خالف هذا المعيار وسمى عطا الله وزيراً للمهجرين نظراً لخبرته في هذا الملف. وساهم قرب الوزير فادي جريصاتي من الوزير باسيل، وهو من حلقته اللصيقة جداً، في توزيره على رأس وزارة حساسة <قاتل> وزير الخارجية من أجل الحصول عليها أكثر من شهرين تأخرت خلالهما ولادة الحكومة. ومعيار القرب من باسيل ينسحب ايضاً على الوزيرة ندى بستاني التي عملت مساعدة للوزير باسيل خلال وجوده في وزارة الطاقة والمياه، علماً أنها خبيرة وقديرة في الملف الكهربائي فيما خبرتها قليلة جداً في ملفات النفط والغاز والمياه. أما وزير الدفاع الياس بو صعب ووزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي فتجمعهما بالوزير باسيل صلات مميزة، لكنهما لا تنطبق عليهما المعايير نفسها التي تنطبق على زملائهم بطيش وعطا الله وفادي جريصاتي وندى بستاني الذين يمارس الوزير باسيل عليهم <مونة> لا يستطيع ممارستها على وزيري الدفاع وشؤون رئاسة الجمهورية نظراً لقرب الأخيرين من الرئيس عون وهما من حصته الصافية، لأن الوزيرين صالح الغريب وحسن مراد المحسوبين على رئيس الجمهورية هما <ودائع> سياسية فحسب. ويبقى في لائحة وزراء <لبنان القوي> وزير العدل القاضي الإداري البير سرحان الذي له تاريخ يشهد على خبرته الواسعة في الميدان القضائي الذي أمضى فيه 40 عاماً بالتمام والكمال، وبالتالي فهو لا يحتاج الى مهلة المئة يوم حتى يتعرّف على وزارته ويبدأ الإنتاج إذ هو من <أهل البيت> ويعرف الكثير عن شؤون وزارة العدل وشجونها، وقد اختاره الرئيس عون ليكون الى جانبه في معركة مكافحة الفساد، لاسيما وأن الوزير سرحان على اطلاع من خلال عمله في مجلس شورى الدولة على كل مسالك الفساد ويفترض بالتالي أن <يقطعها> لتصبح غير سالكة وغير آمنة كما هي اليوم!