تفاصيل الخبر

”تنظيـم الخـلاف“ بين ”التـيــار الحــر“ و”الـقــوات اللبنانيــة“ بــات ضــرورة ملحــة لمنــع وصــول الـتـوتــر الــى الشــارع!

14/06/2019
”تنظيـم الخـلاف“ بين ”التـيــار الحــر“ و”الـقــوات اللبنانيــة“  بــات ضــرورة ملحــة لمنــع وصــول الـتـوتــر الــى الشــارع!

”تنظيـم الخـلاف“ بين ”التـيــار الحــر“ و”الـقــوات اللبنانيــة“ بــات ضــرورة ملحــة لمنــع وصــول الـتـوتــر الــى الشــارع!

يبدو أن قدر <تفاهم معراب> بين <التيار الوطني الحر> و<القوات اللبنانية> أن يصبح في خبر كان، كلما لاحت في الأفق امكانية ترميم ما تصدع، لا بل ما انكسر، بين الحزبين المسيحيين الأكثر حضوراً وتمثيلاً في الشارع المسيحي اللبناني. ذلك ان ما من ملف <يُطرح> على مجلس الوزراء، أو في المحافل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إلا ويختلف على مقاربته الحزبان وتبدأ <معارك> بين الجيشين الالكترونيين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فتلتهب العلاقات من جديد بعدما تكون قد خفت الحدة إثر <هدنات> غير معلنة، سقطت الواحدة تلو الأخرى!

وإذا كانت عناوين <الحروب> بين الطرفين ظاهرة الى العيان، فإن ثمة من يقول إن وراء الأكمة ما وراءها وان الصراع الحقيقي بدأ باكراً حول المعركة الرئاسية التي يفترض أن تُخاض في العام 2022 أي بعد أكثر من ثلاث سنوات، وان كل ما يجري اليوم من مواجهات يندرج في سياق <الرسائل الاستباقية> التي تزرع الأشواك من دون أي ضمانة بأن الحصاد سيكون مثمراً لأي من الطرفين.

بعد <الحروب> التي استمرت أشهراً بين وزراء <التيار الوطني الحر> ووزراء <القوات اللبنانية>، ومن ينتسب إليهم في مجلس النواب والهيئات الحزبية ووسائل التواصل الاجتماعي، حول الكهرباء ومعامل الانتاج والتلزيم و<لعنة> البواخر وغيرها، دخلت موازنة وزارة المهجرين حلبة الصراع بعدما نجح رئيس <التيار الوطني الحر> الوزير جبران باسيل ووزير المهجرين غسان عطالله في زيادة 40 مليار ليرة على مشروع موازنة 2019 تخصص لدفع بعض مستحقات ملف عودة المهجرين المفتوح منذ ما يزيد عن ربع قرن، وذلك على أمل اقفال هذا الملف ومعه وزارة المهجرين والصندوق المركزي للمهجرين. إلا ان وزراء القوات، ومعهم رئيس الحزب الدكتور سمير جعجع، سارعوا الى رفض هذه الاعتمادات بحجة غياب <الخطة الواضحة> لطي ملف المهجرين، وضرورة تطبيق التقشف على هذا الموضوع أيضاً وليس فقط على مؤسسات الرعاية الاجتماعية التي تدفع لها مساهمات من وزارة الشؤون الاجتماعية التي يتولاها الوزير <القواتي> ريشار قيومجيان. وسرعان ما اندلعت <الحرب> مثلما تندلع النار في الهشيم وبلغ التراشق من العيار الثقيل حداً لم يكن بإمكان <سعاة الخير> وقفه، بعدما انكفأ راعيا <تفاهم معراب> الوزير السابق ملحم رياشي ورئيس لجنة المال والموازنة النيابية النائب ابراهيم كنعان عن القيام بأي دور لإطفاء النار المشتعلة بين الطرفين، وذلك بعدما باءت محاولاتهما السابقة بالفشل ولم يعد يستمع إليهما أحد سواء في معراب أو في سن الفيل مقر قيادة <التيار الوطني الحر>.

 

باسيل وجعجع وجهاً لوجه!

وهكذا، بدلاً من أن يكون السعي الى اغلاق ملف المهجرين وختمه بالشمع الأحمر القاسم المشترك الذي يلتقي حوله <التيار> والقوات>، صار هذا الملف مادة خلافية جديدة أضيفت الى كمية كبيرة من الخلافات التي أذكت نارها التصريحات وردود الفعل والتي شارك فيها هذه المرة رئيسا الحزبين الوزير باسيل والدكتور جعجع ليضيفا <نكهة> تصعيدية تجاوزت <الخطوط الحمر> من دون أن تؤثر على <المصالحة> بين الحزبين، لأن كلاً من باسيل وجعجع، ومن يدور في فلكيهما من المحازبين والقريبين، يدركون بأن أسس المصالحة غير قابلة للاهتزاز نظراً للمخاطر التي يمكن أن تترتب عن ذلك، وللانعكاسات في الشارع المسيحي الذي لا يزال يواجه خضة في إثر خضة، وبدا انه تحت سقف المصالحة المسيحية تدور <أشرس المعارك> التي يصفها البعض بـ<الالغائية>، فيما يرى البعض الآخر انها معارك <اثبات الوجود> وعدم التسليم بقدرة أي من الفريقين على الاستئثار بالساحة المسيحية.

سلاح المواجهة متعدد، فـ<التيار الوطني الحر> لن يتردد ــ حسب مصادره ــ بفتح سجلات رئيس <القوات اللبنانية> لاسيما خسائره المتكررة، السياسية منها والعسكرية، في الجبل واقليم الخروب وشرق صيدا، و<اتفاق الطائف>، ومن بعده انتخابات رئاسة الجمهورية وصولاً الى قانون الانتخاب والتمثيل <القواتي> في الحكومة، وذلك إذا ما استمرت حملات <القواتيين> على وزراء <التيار> وعلى تاريخ <العونيين> ولاسيما المؤسس الرئيس العماد ميشال عون، إضافة الى الحملة على خطة عودة المهجرين الذين يتحمل جعجع ــ وفقاً لوزراء <التيار البرتقالي>، مسؤولية تهجيرهم نتيجة <حرب الجبل> التي خاضتها <القوات اللبنانية> على نحو غير متكافئ. وفي تقدير وزراء <التيار> أن خطة عودة المهجرين لا يستفيد منها مناصرو <التيار> بل جميع أبناء الجبل الذين ينتظرون اقفال ملفاتهم والحصول على التعويضات، وبين هؤلاء من هم من <القوات اللبنانية> وغيرها. ويضيف الوزراء أنفسهم ان كل الخطط التي وضعت في السابق كان مصيرها الفشل والسقوط، الى ان أعد الوزير عطاالله خطة متكاملة بكلفة لن تتجاوز 600 مليار ليرة، بعدما كانت آخر خطة ــ وضعت قبل الحكومة الحالية ــ قد طالبت برصد مبلغ 1350 مليار ليرة، ما يعني ان خطة عطاالله سدت <مزاريب> الهدر وحصرت الانفاق في وجهه الصحيح. وكشفت عمليات المسح التي أجريت انه من أصل 1000 طلب إخلاء يوجد 50 طلباً محقاً، ما يعني ان نحو 95 بالمئة من ملفات الاخلاء مزورة وقد تم تركيبها بطريقة غير قانونية.

تشكيك <قواتي> بالأرقام!

إلا ان أوساط <القوات اللبنانية> تشكك في الأرقام التي يوردها الوزير عطاالله في خطته، ونقل عن جعجع قوله ان ملف المهجرين يحتاج الى خطة واضحة ولا يصلح التعاطي معه بهذه الطريقة المعتمدة منذ 20 و30 سنة الى اليوم، لأن مبلغ 25 مليون دولار ليس بالاعتماد القليل ولا بد استطراداً من مقاربة دقيقة وممنهجة له، ولن تنفع محاولات <التيار> في <نبش القبور> والعودة الى ملفات <جرائم الحرب> وغيرها من التعابير، في ثني <القوات> عن معارضتها تخصيص هذا المبلغ الذي سيتم العمل على اسقاطه عندما يضع مجلس النواب يده على الموازنة وأرقامها. وإذ ينفي جعجع ما ينسبه إليه وزراء <التيار> بأن كل همه <عرقلة> المشاريع التي يتقدم بها هؤلاء الوزراء، كما حصل مع الكهرباء ومن ثم مع المهجرين، يؤكد في المقابل ان هدف <القوات> ليس <كسر مزراب العين>، بل مواجهة <التيار> داخل المؤسسات الدستورية سواء في مجلس النواب أو في الحكومة بهدف <تصحيح الاعوجاج> الحاصل في أداء <التيار> بزعامة الوزير باسيل الذي يضع <الأنا> قبل أي اعتبار آخر. وفيما يحرص جعجع على <تحييد> رئيس الجمهورية العماد ميشال عون معلناً استعداده لزيارة قصر بعبدا وشرح هذه الحقائق لسيده، يحرص في المقابل على حصر خلافه مع الوزير باسيل الذي يتهمه بـ<الاستئثار> ومحاولة مصادرة القرار المسيحي وحصره بفريقه من دون الآخرين، علماً ان في مجلس النواب 15 نائباً <صافيين> يمثلون <القوات>، فيما نواب <تكتل لبنان القوي>، هم مجموعة كتل سياسية مثل <الطاشناق> و<حركة الاستقلال> و<الحزب الديموقراطي اللبناني> (برئاسة النائب طلال ارسلان) وعدد من المستقلين ولم ينضم إليهم نواب الحزب القومي السوري الاجتماعي رغم المحاولات التي بُذلت في هذا الاتجاه.

وتتحدث مصادر قريبة جداً من <القوات> بأن الوزير باسيل يتعاطى مع الملفات السياسية من خلفية <رئاسية>، أي انه يحضّر نفسه ليكون خلفاً للرئيس عون عندما يشغر موقع الرئاسة لأي سبب كان، وان هذا الواقع هو السبب المباشر لـ<حرب الإلغاء> الجديدة التي يشنها باسيل على <القوات اللبنانية> ورئيسها الذي لم يقل يوماً انه مرشح رئاسي وان كان يتعامل مع الاستحقاق الرئاسي المقبل بمنطق <المرشح الذي يحظى بالمشروعية المسيحية التاريخية>، خصوصاً بعد انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية. وتضيف هذه المصادر ان <الحكيم> مرشح باسم هذه المشروعية، وباسم الحالة التي يمثل، وباسم التسوية الكبرى التي كان له اليد الطولى في ولادتها، بدءاً من <اتفاق الطائف> وملابسات اقراره، وصولاً الى <تفاهم معراب> والمراحل السياسية التي تلته. لكن المصادر نفسها تشير الى انه من المبكر الحديث عن <المعركة الرئاسية> المقبلة، لكن ذلك لا يلغي واقعاً خلاصته ان جعجع <مرشح قوي> كما كان العماد عون مرشحاً قوياً، وإن اختفلت نسبة القوة بين الزعيمين المارونيين، وانه لولا تأييد <القوات> للرئيس عون لما استطاع أن يكون مرشحاً للغالبية العظمى من المسيحيين، وهذا ما أقرّ به الرئيس سعد الحريري عندما أعلن دعمه للرئيس عون <الذي يمثل المسيحيين> في لبنان.

والسؤال يبقى الى أين ستصل <المواجهة السياسية> بين ركني <تفاهم معراب>؟ الواضح ان الثقة لم تعد قائمة بين الطرفين، وإن كانا يلتقيان على ضرورة استمرار <المصالحة> التي يريدها أنصارهما مهما كان الثمن. وانعدام الثقة سيترجم في مجلس الوزراء ومن ثم في مجلس النواب، وفي أفق العلاقات حيث لا مؤشرات ايجابية، لكن الحاجة ملحة للوصول الى قواعد <تنظيم الخلاف> لئلا ينتقل الى الشارع المحتقن أصلاً، وما يستدعي هذا التنظيم ان الملفات الخلافية المقبلة كثيرة منها التعيينات الادارية، والموازنة، ومقاربة ملف النزوح السوري والتواصل مع الحكم في سوريا لايجاد الحلول المناسبة. ويقول مطلعون ان فرص الالتقاء من جديد بين <القوات> و<التيار> مفقودة في الوقت الحاضر، والى أن يتم العثور عليها، لا بد من التعاطي مع هذا الملف على قاعدة... <تنظيم الخلاف>!