[caption id="attachment_82842" align="alignleft" width="383"] الرئيس ميشال عون والوزير غازي وزني وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة خلال الاجتماع مع مدير شركة "الفاريز ومارسال" "دانيال جيمس" في القصر الجمهوري.[/caption]
التدقيق الجنائي المالي في حسابات مصرف لبنان، والذي اعتبر المدخل للإصلاحات الأساسية المطلوبة دولياً ولمكافحة الفساد، كاد ان ينهار الأسبوع الماضي ويصبح في خبر كان بعد انتهاء المهلة التي حددتها شركة "الفاريز ومارسال" التي تعاقدت مع وزارة المال لتولي مهمة التدقيق الجنائي، وذلك من دون ان تحصل الشركة على ما طلبته من معلومات من مصرف لبنان كي تتمكن من مباشرة عملها، بعدما التزم حاكم المصرف رياض سلامة التقيد بالقوانين والأنظمة المرعية الاجراء وفي مقدمها التزام السرية المصرفية. والذين تابعوا مسار هذا الملف ادركوا منذ اللحظة الأولى لاقرار التدقيق الجنائي في شهر آذار ( مارس ) الماضي، ان التدقيق لن يبصر النور لالف سبب وسبب بدليل ان توقيع العقد مع الشركة الأميركية لم يتم الا بعد مرور أربعة اشهر على قرار مجلس الوزراء، نتيجة إصرار رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي ظل "يلاحق" وزير المال في الحكومة قبل استقالتها بالانظمة والقوانين اللبنانية التي تعني عملياً قانون السرية المصرفية إضافة الى قانون النقد والتسليف!.
ومع انقضاء المهلة حضر مدير شركة التدقيق "دانيال جيمس" الى بيروت للتفاهم مع المسؤولين اللبنانيين في الخطوات الواجب اعتمادها بعد الوصول الى النهاية في المهلة المعطاة لتسليم المستندات المطلوبة من مصرف لبنان في 3 تشرين الثاني ( نوفمبر) الجاري وفي قرارة نفسه قناعة باستحالة الوصول الى تفاهم مع الدولة اللبنانية ما يعني انهاء العقد وطي صفحة التدقيق الجنائي المالي( FORENSIC AUDIT). واللافت في هذا السياق عدم بروز أي " حماسة " من المسؤولين في وزارة المال للوصول الى تفاهم مع الشركة لانقاذ مهمتها بدليل ان الاجتماع لم يسفر عن أي نتيجة. وقد بادر الرئيس عون الى الدعوة الى اجتماع في قصر بعبدا وضعت خلاله النقاط على الحروف وكشفت فيه كل المعطيات ولاسيما الأسباب الكامنة وراء "عرقلة " عمل شركة "الفاريز ومارسال" خصوصاً ان مدير الشركة قال صراحة انه لم يلق التعاون المطلوب وانه من دون تقديم المستندات المطلوبة لا يمكن للشركة الوفاء بالتزاماتها الواردة في العقد.
تمديد المهلة 3 اشهر
النقاش تشعب في اجتماع بعبدا الذي حضره وزير المال في حكومة تصريف الاعمال غازي وزني وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، إضافة الى مدير الشركة الملتزمة وتم خلاله التوصل الى صيغة وافق عليها الحاضرون بما في ذلك مدير الشركة وقضت بتمديد العقد ثلاثة اشهر تتخذ خلالها الدولة اللبنانية الإجراءات اللازمة لتوفير المستندات المطلوبة لعمل الشركة وفق المعطيات التي تؤكد على ضرورة انجاز التدقيق الجنائي لانه لم يعد مطلباً رئاسياً لبنانياً فحسب، بل هو أيضاً مطلب دولي لاسيما وانه يرد في اول النقاط الإصلاحية في ورقة العمل الفرنسية التي ارتكزت عليها مبادرة الرئيس الفرنسي "ايمانويل ماكرون". ويقوم الحل المقترح على الأسس الاتية:
- أولا: بالنسبة الى حسابات مصرف لبنان فقد تبين ان الحاكم سلامة قدم كل المستندات اللازمة في شأن هذه الحسابات لان الامر يعود الى مصرف لبنان وصلاحيات حاكمه، وبالتالي لا مشكلة في هذا المجال.
- ثانيا: بالنسبة الى حسابات الدولة اللبنانية فقد افاد الحاكم انه لا يستطيع تسليم أي مستندات في شأنها من دون موافقة الدولة انطلاقا من السرية المصرفية ومندرجات قانون النقد والتسليف. وتم التوصل الى اتفاق يقضي بان يرسل الوزير وزني كتابا الى حاكم مصرف لبنان يطلب بموجبه تسليم المستندات المتعلقة بحسابات الدولة لدى المصرف الى شركة التدقيق لتتولى اجراء اللازم وفق العقد مع الدولة اللبنانية. في بادىء الامر كان الوزير وزني متجاوباً مع هذا الاقتراح، الا انه عاد وتراجع عن الموافقة مطالباً بقرار في هذا الصدد من رئيسي الجمهورية والحكومة في ما يعرف بــ "الموافقة الاستثنائية" التي تحل مكان مجلس الوزراء خلال فترة تصريف الاعمال. ويبدو ان مثل هذه الموافقة لم تلق تجاوباً من رئيس الحكومة حسان دياب الذي تردد في التجاوب مع المخرج الذي وضع متذرعاً بضرورة درسه من النواحي كافة!
- ثالثا: الحسابات الخاصة بالمصارف المودعة لدى مصرف لبنان والتي تخضع لموجبات السرية المصرفية ما يجعل من الصعب تقديمها الى الشركة المدققة من دون موافقة المصارف المعنية لانها تندرج في اطار الحسابات الخاصة التي لا يمكن الكشف عنها او التصريح بها الا اذا وافق أصحابها على ذلك. وقد طرح اقتراح باعداد مشروع قانون بإلغاء السرية المصرفية عن هذه الحسابات وآخر بتعديل قانون النقد والتسليف في ما خص هذه المسألة. الا ان لا معلومات اكيدة بان مثل هذا المشروع سيمر في مجلس النواب حيث لا حماسة لدى النواب بالتصديق على رفع السرية المصرفية ولعل الموقف الذي اعلنه نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي حول هذه المسألة خير دليل على التوجه النيابي المعارض لرفع السرية المصرفية.
رأي هيئة التشريع والاستشارات
وفي معرض الإشارة الى مسألة السرية المصرفية، استند القائلون بإمكانية تقديم المعلومات الى الشركة المدققة متجاوزين مسألة السرية المصرفية الى رأي صدر عن هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل تفضي خلاصته الى اعتبار ان "السرية المصرفية لا تنطبق على الحالة التي يزود بها المصرف المركزي الحكومة او من تكلفه التحقيق في حسابات المصرف المركزي". وتعتبر الاستشارة ان "المركزي" هو مصرف القطاع العام، في حين ان السرية المصرفية تنحصر بزبائن المصارف والأمور المتعلقة بهم بحسب المادة الثانية من القانون الصادر عام 1956، وتالياً فانها لا تشمل ما يتجاوز أسماء الزبائن، أي زبائن المصارف. كما انها لا تشمل المعلومات والمستندات موضوع التدقيق الجنائي. واكثر فان الهيئة ترى انه اذا كان ثمة أسماء للزبائن فانها تخفى عن شركة التدقيق وتسلم المعطيات من دون الكشف عن هذه الأسماء في حال توافرت السرية في حالتهم".
ورغم ان ثمة من حذر سابقاً من الوصول الى هذه المعوقات التي تحول دون استكمال او اجراء التدقيق الجنائي المالي، وتحوطاً لاي مسؤولية نتيجة افشاء أي معلومات مشمولة بالسرية المصرفية، وتسهيلاً لعمل الشركة واي مهمة أخرى تتناول المؤسسات العامة والصناديق والمجالس والهيئات التي تتعاطى المال العام طرح اقتراح يقضي بسن أي عقبة قد تواجهه ولاسيما منها السرية المصرفية طالما ان الحكومة تقرر ذلك وفقا للاصول.
في الخلاصة فان التمديد للشركة المدققة ثلاثة اشهر اخذ في الاعتبار الملاحظات التي قدمها الحاكم سلامة والذي اكد ان "زبائن" المصرف المركزي هم الدولة والمصارف التجارية، وبالتالي فانه لا يمانع في تقديم جميع المعلومات في حال تعديل قانون السرية المصرفية او رفعه، فاذا أبدت الدولة استعدادها لرفع السرية المصرفية عن حساباتها سيقوم مصرف لبنان بتزويد الشركة التدقيق بجميع المعلومات. وفي حال وافقت المصارف على رفع السرية المصرفية عن حساباتها في المصرف المركزي، فان الأخير سيلتزم طلبات الشركة. ويدعم سلامة رأيه بأصل العقد المبرم بين "marsal & alvarez " ووزارة المال، والذي ينص على ان التدقيق يجب ان يتم بموجب القوانين اللبنانية، وهذا يعني ان الشركة لا يمكنها طلب معلومات تنتهك قوانين السرية المصرفية.
وكانت مجلة "فوربس" نشرت الأسئلة الكاملة المرسلة من " marsal&alvarez " الى مصرف لبنان والردود. وقسمت الأسئلة بين تلك المتعلقة بالمراجعة الجنائية، وأخرى تتعلق بالحوكمة والضوابط، والاسئلة المتعلقة بالبنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات (هذه الأسئلة تلقت الشركة إجابات عنها من المصرف المركزي) اما بالنسبة الى الأسئلة المتعلقة بما كان يسمى طلب اعداد البنية التحتية، فقد جرت الإشارة اليه بعبارة "غير متوافر"!.
في أي حال، التدقيق الجنائي المالي على المحك، فاما يرسل وزير المال كتاباً الى حاكم مصرف لبنان يطلب فيها تسليم مستندات المالية العامة للشركة المدققة، او يتجاهل الوزير هذا المطلب فتكون مهلة الثلاثة اشهر ضاعت كما ضاع من قبلها الوقت الذي استغرقه توقيع العقد وبدء التنفيذ. وثمة من يؤكد ان التدقيق الجنائي لن يبصر النور "شو ما صار"!.