تفاصيل الخبر

تلوث الليطاني وطرق المعالجة...

15/03/2019
تلوث الليطاني وطرق المعالجة...

تلوث الليطاني وطرق المعالجة...

 

بقلم طوني بشارة

بالتحليل والأرقام، بات مؤكداً أن التلوث لا يقتصر فقط على نهر الليطاني كنهر دون سواه، فحتى المياه التي تصل إلى منازل البقاعيين باتت ملوثة، والتلوث لم يعد حكراً على المياه السطحية في الليطاني وروافده، بل إن الكميات الهائلة من الصرف الصحي والصناعي التي تُضخّ في النهر والأودية، طاولت المياه الجوفية وشبكات التوزيع، حتى لم يعد أحد بمنأى عن التلوث الجرثومي، واللافت أن نتائج التحليل الجرثومي لمياه الشرب والاستخدام أظهرت أن بئر مياه عديدة في البقاع تخطت البكتيريا فيها الحد الأقصى المسموح به لمياه الشرب بسبب تلوثها بمياه الصرف الصحي، إذ بلغت نسبة المكورات العقدية فيها 18 مستعمرة في الـ100 ملليتر، والزائفة الزنجارية 3 مستعمرات في الـ100 ملليتر، والقولونيات المتحملة للحرارة 80 مستعمرة في الـ 100 ملليتر، والقولونيات الإجمالية أكثر من 80 مستعمرة في الـ100 ملليتر، فيما الحد الأقصى المسموح به أقل من مستعمرة واحدة في الـ100 ملليتر لكل نوع من هذه البكتيريا، كما انه لم تتغير النسب كثيراً بعد خضوع المياه للتكرير في محطات الضخ التابعة لمؤسسة مياه البقاع. فالعيّنات المأخوذة من منزل أحد المشتركين أظهرت تخطي البكتيريا الحدود القصوى المسموح لها لمياه الشرب، إذ بلغت نسبة المكورات العقدية 45 مستعمرة في الـ 100 ملليتر (أي أعلى مما كانت عليه قبل الضخ!)، فيما لم تتغير نسب الأنواع الأخرى، وخلص التحليل إلى أن المياه «غير مطابقة للمواصفات ولا تصلح للشرب»، مما يعني ان التلوث ناتج بقسم منه عن الصرف الصحي وعن الصرف الصناعي، علما انه في عام ٢٠١٦ أقر مجلس النواب قانون رقم ٦٣ لرفع التلوث عن نهر الليطاني بعد تقديمه كمشروع قانون من قبل نواب زحلة والبقاع الغربي، وهو القانون الذي ينص على رفع التلوث من المصب وحتى المنبع بطول ١٧٠كلم، وانشاء شبكات صرف صحي ومعالجة التلوث الصناعي، وعلى الرغم من رصد الأموال سنويا لهذا القانون في الموازنات، فإنه لم يتم إنجاز أكثر من محطتين لتكرير الصرف الصحي، واحدة في زحلة وأخرى في قب الياس، وذلك بعد جهود مضنية قام بها الرئيس سعد الحريري.

 واللافت ايضا في السياق ذاته انه لا يكاد يمر يوم في محيط البقاع إلا ويصاب أحد أبنائه من جيران نهر الليطاني بمرض السرطان، ويكون مصيره الموت في معظم الحالات بسبب التلوث الحاصل في النهر، نتيجة رمي المصانع نفاياتها القاتلة وكذلك تحويل البلدات المحيطة قنوات الصرف الصحي.

فما موقف المعنيين بالموضوع وهل من امكانية لمعالجة التلوث؟

عراجي وحالات الوفاة!

 

من جهته، كشف رئيس بلدية بر الياس مواس عراجي عن تسجيل ٣ حالات وفاة بالسرطان بين كل خمس وفيات في البلدة، مشددا على أن الوضع مأساوي في البلدة وحالات الاصابة بالسرطان بالجملة في كل بيت، ويحمل عراجي المسؤولية الى المصانع المحيطة التي ترمي نفاياتها القاتلة والتي تحتوي على مواد كيميائية في النهر، موضحا أن الصرف الصحي لا يؤدي الى السرطان بل النفايات التي ترميها المصانع وكذلك المواد الكيميائية التي يستعملها المزارعون بمحاذاة النهر لرش مزروعاتهم.

ويأمل عراجي أن تستمر الخطوات التي تقوم بها مصلحة الليطاني قدماً وأن يتخذ الموضوع بشكل جدي للتخفيف من هذه المأساة التي لا تصيب أهالي بر الياس فحسب بل أغلبية القرى المجاورة أيضا.

 

علوية وقانون 63!

وتكاد تبدو بارقة الأمل الوحيدة في هذا الملف هي الإجراءات التي تقوم بها مصلحة الليطاني على أمل أن تستمر ليبقى الملف حاضراً، وليستمر الضغط على المعنيين.

 <الأفكار> التقت مدير عام مصلحة الليطاني سامي علوية وطرحت عليه أسئلة عديدة تمحورت حول أسباب التلوث من جهة، والية المعالجة من جهة ثانية، فأشار علوية الى ان نهر الليطاني كان مكتوم القيد بسبب نقص التشريعات ولكن مع تبدل الحركة التشريعية وصدور قانوني المياه وقانون 63 تمكنت مؤسسة الليطاني من القيام بدورها بشكل افضل، ولفت علوية الى ان مشكلة الليطاني متشعبة ما بين المرامل والكسارات والصرف الصحي ومياه الصرف الصناعي ومياه الشفة والري، وما بين التنظيم المدني والنازحين.

واكد علوية ان المصلحة الوطنية لنهر الليطاني تقوم بواجبها وبدورها كمؤسسة وطنية لسكان الحوض ولكل اللبنانيين، وشدد على اننا لسنا بحاجة الى المليارات لتنظيف حوض الليطاني بل الى الارادة فقط، والى إزالة التعديات.

وكشف علوية ان الكارثة هي ان ملف النازحين يتعاطى معه بعض الافراد والبلديات كمنجم ذهب من خلال قيامهم بتأجير الاراضي للنازحين، واكد ان نهر الليطاني يقوم بتنظيم نفسه في حال تمت إزالة التعديات عليه، مشيراً الى ان الصرف

الصناعي ليس بالقليل ومن شأنه ان يعطل محطات التكرير وان يتسبب بأمراض وإنعكاسات بيئية خطيرة على المواطنين، ودعا الى اعطاء الاولية لتنظيف الحوض الاعلى لنهر الليطاني.

وفي ما يتعلق بقانون 63 نوه علوية قائلا: لا يوجد مشكلة بالوزارات في ما يتعلق بالقانون 63 والمشاكل التي يعانيها حوض الليطاني من مياه وبيئة يعانيها كل لبنان، والمشكلة اليوم ليست بالليطاني بل المشكلة بعدم تطبيق القوانين.

وعن مضمون القانون 63 شدد علوية على أن قانون 63 قد نص على اعتماد بقيمة 1068 مليار ليرة لشبكة الصرف الصحي ومحطات التكرير، وهذه الاعتمادات مخصصة لوزارة الطاقة، الا ان مجلس الانماء والاعمار هو من ينفذ هذه المشاريع وقد امن اعتماداتها من خارج القانون 63، وشدد على ان هناك تجاوباً من الوزارات المعنية لحل مشكلة الليطاني، على اعتبار ان علوية التقى مع المسؤولين في الوزارات المعنية وعرض معهم مشكلة النفايات وطلب قيام الوزارات المعنية برفع تلك النفايات من المجرى ضمن اعتمادات قانون 63.

وعن الحل والخطط المستقبلية أفاد علوية قائلا:

- هناك خطة شاملة لمعالجة الخلل القائم حاليا، ومصلحة الليطاني كانت غائبة طوال سنوات ونحن اليوم نستعيد الدور لتعويض ما فات ونتدارك ما هو آت، مشيرا الى ان الجدول الزمني المحدد بالقانون 63 هو 7 سنوات، من 2016 ولسنة 2023، لتنفيذ المشاريع المتعلقة بالنفايات السائلة والصلبة ومحطات التكرير، الا ان تطبيق القوانين ومنع النفايات عن النهر لا جدول زمنياً لها والتطبيق يجب ان يكون فوريا، واليوم لا يمكن الحديث عن خطوات بل واجبنا حماية البيئة لاسيما واننا شرطة مياه وواجبنا حماية الموارد المائية التي نستثمرها، وعليه اما ان نحميها او نفقد مبرر وجودنا.

واوضح انه بعد رفع التعديات من واجبنا المحافظة على استدامة الاجراءات وعلى دورنا المستمر، ونحن نتواصل مع كل المعنيين لحل المشكلة وبإذن الله سوف يتم حل مشكلة الليطاني.

ــ ولكن <الافكار> تتساءل عن مضمون الحل بالنسبة لوزارة الصناعة...

- اللافت في الموضوع ان وزير الصناعة وائل أبو فاعور اصدر قرارا حمل الرقم 12/1 قضى بتأليف لجنة مشتركة بين وزارة الصناعة والمصلحة الوطنية لنهر الليطاني لمسح وفرض الالتزام البيئي للمؤسسات الصناعية في حوض نهر الليطاني.

وقد جاء في مضمون القرار الآتي:

- لما كان وضع التلوث الحالي لمياه نهر الليطاني وبحيرة القرعون بات يهدد بتداعيات خطيرة على المستوى الصحي، الاقتصادي والاجتماعي، ليس فقط لسكان حوض نهر الليطاني الذي يشكل خمس مساحة لبنان، بل على المستوى الوطني ككل، يقرر وزير الصناعة تأليف لجنة مشتركة من العاملين في وزارة الصناعة وفي المصلحة الوطنية لنهر الليطاني لمسح وفرض الالتزام البيئي للمؤسسات الصناعية في حوض نهر الليطاني.

 

اللجنة ومهماتها!

ــ وما هي مهمات اللجنة؟

 - حددت مهمات اللجنة على الشكل الآتي:

- الكشف على المؤسسات الصناعية المرخّصة الواقعة في حوض نهر الليطاني كافة سواء كانت واقعة على مجرى النهر أو كان من شأنها ان تؤثر على نوعية مياه نهر الليطاني او احد روافده، والتأكد من مدى تسببها في تلويث الموارد المائية، وتحديد نوع الضرر البيئي وحجمه بصورة أولية، وأخذ العينات ان اقتضى الأمر، وتوثيق المخالفات من خلال استمارة مشتركة، وأخذ الصور الفوتوغرافية التي توثق الحالة، وتنظيم تقرير فني بكل حالة على حدة.

- متابعة المؤسسات الصناعية موضوع الملاحقة القضائية والتأكد من مدى التزامها بالتعهد الصادر عنها باتخاذ اجراءات ايقاف التلوث عن نهر الليطاني وروافده، وكذلك لضمان تنفيذ الاحكام القضائية الصادرة بحق تلك المؤسسات.

- متابعة المؤسسات الصناعية موضوع المتابعة الادارية من قبل وزارة الصناعة والتأكد من مدى التزامها بالتنبيهات الموجهة اليها.

- مسح المؤسسات الصناعية غير المرخصة الواقعة في حوض نهر الليطاني سواء كانت واقعة على مجرى النهر او كان من شأنها ان تؤثر على نوعية مياه نهر الليطاني او احد روافده تمهيدا لاتخاذ الاجراءات بحقها.

- مراقبة المؤسسات الصناعية كافة لضمان المحافظة على جودة ونوعية المياه ومنع التلوث اينما يتم رصده، بحيث يتوجب عليها منع اي شكل من اشكال التصريف والترسب او التخزين المباشر او غير المباشر للمياه الآسنة او الملوثة، ومنع القيام بأي عمل من اي نوع يؤدي الى تعديل نوعية المياه او النظم البيئية المائية، وفرض الاجراءات الضرورية للمحافظة على نوعية المياه.

- منع ومراقبة اي شكل من اشكال التصريف من المؤسسات الصناعية في شبكات الصرف الصحي التي تصب في محطات التكرير من دون معالجة على نحو يؤدي الى تعطيل عمل محطات المعالجة.

ــ وما هي مهمات اعضاء اللجنة؟

- يكون لأعضاء اللجنة ممارسة حقوق الاطلاع، ويستطيعون القيام بما يأتي:

1 - الدخول الى محيط والى ابنية التجهيزات والمنشآت والاستثمارات والمؤسسات المشكوك فيها.

2 - الكشف على كل التجهيزات والمنشآت والمستودعات.

3 - الحصول على كل الوثائق المتعلقة بالتجهيزات والنشاطات ذات الصلة.

4 - أخذ العينات واتخاذ التدابير الضرورية.

وأضاف:

- تلتزم اللجنة بانهاء مهامها في ما يخص المسح في مهلة اقصاها ثلاثة اشهر، على ان تستمر خلال هذه الفترة كافة الاجراءات القضائية السارية حاليا، كما يستمر تطبيق احكام الرقابة على هذه المؤسسات والعقوبات التي عالجها المرسوم 9765 تاريخ 11/3/2003.

وأكمل قائلاً:

- يمنع على اي من اعضاء اللجنة اعطاء شهادة او اقرار او افادة تفيد بالالتزام البيئي وببراءة الذمة او التواصل مع اصحاب المؤسسات الصناعية موضوع المهمة، ويمكن عند الاقتضاء الاستعانة بالرأي الفني لوزارة البيئة لاسيما في ما يتعلق بالمنهجية المقترحة من قبل اللجنة المشكّلة بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 32 تاريخ 9 ايار 2014، ويمكن عند الحاجة طلب المؤازرة الامنية لتمكّن اعضاء اللجنة من تنفيذ مهامهم.

اذاً كما يبدو عزيزي القارئ ان مشكلة الليطاني قد بدأت تجد حلاً لها، ولكن هل ستتوافر الإرادة لدى الجهات المعنية لتنفيذ التزاماتها والإسراع في ابعاد شبح الموت عن أهالي البقاع؟