بقلم علي الحسيني
من عادة <حزب الله> أن لا ينام على دماء عناصره الذين يقضون إغتيالاً سواء في مواجهاته الداخلية ام الخارجية كالتي يخوضها اليوم في سوريا، كما من عادته ان يحتفظ بحق الرد على الضربات الموجعة التي يتلقاها، ليبرز السؤال الأهم: ماذا عن الواقعة الاخيرة داخل بلدة حضر في القنيطرة التي استهدفت فيها اسرائيل مجموعة عناصر قيل ان ثلاثة منهم ينتمون الى الحزب؟
حزب الله يتكتم.. فما الأسباب؟
جرياً على عادته يتكتم حزب الله لساعات او أيام او حتى أشهر عن حقيقة اي استهداف يطاله في مجال صراعه مع اسرائيل خصوصاً في العمليات ذات الطابع الامني، لكنه في المقابل لا يتكتم عن سقوط اي عنصر له في مواجهة الاسرائيلي لأكثر من يومين او ثلاثة على أبعد تقدير لأسباب تتعلق بآلية التبليغ والتحضيرات التي تتبعها قيادته في مثل أمور كهذه، لكن في المقابل لا يتوانى عن الرد سريعاً على معلومات خاطئة تستهدفه او تستهدف عناصره وهو ما اتبعه بعد الشائعات التي تحدثت عن اصابة الاسير المحرر سمير القنطار في العملية التي نفذتها اسرائيل منذ اسبوعين تقريباً في القنيطرة حيث سارع الى نفي الخبر لكن من دون ان يوضح ما اذا كانت بقية العناصر المستهدفة هم من عناصره ام لا، وهذا ما يجعل الاسرائيلي يحتار أكثر في أمره ويبدي خشيته من احتمال رد الحزب على غرار العملية السابقة التي استشهد فيها جهاد مغنية وكادران من الحزب.
الجيش الإسرائيلي يعلن حالة التأهب
بعد ساعات قليلة على العملية نقلت القناة العاشرة في التلفزيون الاسرائيلي عن مصادر وصفها بالاستخبارية معلومات تؤكد ان حزب الله سوف يرد على عملية الاغتيال التي نفذتها الطائرات الحربية الإسرائيلية في القنيطرة السورية وان قوات الجيش أعلنت حالة التأهب على الحدود الشمالية تحسباً لأي هجوم محتمل من قبل الحزب. وفي هذا الوقت كانت الطائرات الاسرائيلية تغير على موقع عسكري تابع للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ــ القيادة العامّة بقيادة أحمد جبريل في منطقة البقاع ما أدى الى إصابة ستة نشطاء من الجبهة الشعبية وسط تكتم شديد من الجبهة الشعبية وحلفائها وتحديدا حزب الله.
ماذا حملت التسريبات الأمنية الاسرائيلية؟
مصادر فلسطينية في الداخل الاسرائيلي أكدت لـ<الافكار> نشر اسرائيل القبة الفولاذية من جهة الحدود الشمالية وذلك بعد أقل من اربع ساعات على استهداف موكب القنيطرة تحسباً لرد صاروخي على العملية قد يقوم به حزب الله في ظل معلومات تحدثت ايضاً عن احتمال اقتراب عناصر من الحزب من السياج الحدودي ضمن مخطط يهدف الى اقتحام بعض المستعمرات وتحديداً منطقة المطلة. وفي هذا السياق اكدت مصادر امنية في الداخل الاسرائيلي ان من يعتقد بأن انشغال الأمين العام لـحزب الله السيد حسن نصر الله في القتال الدائر في سوريا سوف يمنعه من الرد ولو كلف ذلك حرباً شاملة هو واهم وعليه ان يعيد حساباته.
هل يتلهى حزب الله عن اسرائيل؟
في موازاة الحرب التي يخوضها حزب الله في سوريا وما ينتج عنها من ضربات مؤلمة في صفوفه يثابر على تحصين جبهة الجنوب عديداً وعتاداً إضافة الى ان تشكيلات النار على هذه الجبهة ما زالت على حالها في حالة تأهب دائم كما ان مشغلي الصواريخ ما زالوا في أماكنهم في ظل تطور ملحوظ في شبكاته الصاروخية، اضافة الى ان العشرة الاف عنصر الذين يخوض بهم الحرب السورية يكتسبون خبرة قتالية بشكل مستمر وهو ما يدفعه في بعض الاحيان الى زج أصحاب الاعمار الصغيرة بها رغم ان أعداداً كبيرة منهم يسقطون في هذه الحرب. ووسط هذه التحضيرات توقعت مصادر أمنية اسرائيلية سيناريو حرب مقبلة مع اسرائيل في الفترة القريبة قد يقوم خلاله الحزب باطلاق اكثر من 1200 قذيفة في اليوم الواحد باتجاه الاراضي الاسرائيلية كما تحدثت عن فرضية سقوط مئات القتلى الاسرائيليين من جراء حرب كهذه.
الفرق بين غارتي القنيطرة
عند حصول غارة القنيطرة الاولى دخل منظرو اسرائيل الاستراتيجيون والعسكريون في حال من الجدل بين من يعتقد برد سريع لحزب الله ومن يرى بأن الحزب غير قادر على الرد وسط انشغاله في الحرب السورية وما يتكبده خلالها من خسائر لا تسمح له بفتح جبهة جديدة. ليبرز بعدها كلام في غاية الخطورة لقائد امني اسرائيلي سابق يقول <من يعتقد بأن الحزب لن يرد على الحماقة التي ارتكبناها في القنيطرة مؤخراً او بأنه سيكون موضعياً او محدوداً، عليه ان يتذكر عملية القنيطرة الاولى يوم مقتل مغنية الابن كيف رد علينا الحزب بسبعة صواريخ <كورنيت> على موكب للجيش الإسرائيلي في مزارع شبعا، ولحسن الحظ انه سقط لنا قتيلان فقط، ولو كان سقط عشرة جنود لكنّ وجدنا أنفسنا في مكان آخر. وتابع الامني الاسرائيلي نفسه يقول: أجزم بأن سمير القنطار لم يكن بين العناصر الذين تم استهدافهم، لكن لا نستطيع الجزم بعدم سقوط عناصر أخرى لحزب الله وهذا أمر مؤسف بالنسبة الينا كوننا نعيش في المجهول الى ان يقرر الحزب نفسه مصير المنطقة.
حزب الله: نحن جاهزون
ليست الانتهاكات الاسرائيلية المتكررة في الداخل اللبناني مسألة روتينية ولا حتى عادية بل هي مؤشر خطير على سياسة جديدة تسعى الى تكريسها من خلال استعادة زمام المبادرة وفرض أمر واقع على الصعيد الجنوبي. مصادر مطلعة على أجواء حزب الله تقول ان المقاومة الإسلامية تواكب وتتابع ما يجري على الجبهة الجنوبية رغم انخراط الحزب بالصراع في سوريا، وان اسرائيل لا تزال الاولوية لدى الحزب وقيادة المقاومة وان هناك استعدادات متواصلة لمواجهة اي عدوان اسرائيلي جديد، بل ان أكثر من ذلك فإن المقاومة تمتلك اليوم خبرات وإمكانات جديدة تؤهلها للتحول من سياسة الدفاع الى سياسة الهجوم اذا اضطرتها الاحداث لاتخاذ مثل هذا القرار.
ماذا يفعل حزب الله في
القنيطرة ومحيطها؟
سؤال يتردد الى ذهن كل لبناني، ماذا يفعل حزب الله في القنيطرة؟ منذ استشهاد عماد مغنية دخلت هذه المنطقة ضمن بقعة ضوء الاحداث السورية بحيث بدأت تتكشف اهميّتها بالنسبة الى طرفي النزاع أكثر فأكثر، ومع تمدد الحزب ضمن المناطق السورية تحولت القنيطرة الى نقطة بالغة الدقة كونها تقع على تماس مع المناطق التي تحتلها اسرائيل في الجولان اضافة إلى التصاقها بالجنوب السوري مثل درعا حيث معقل الفصائل السورية المسلحة وبالجنوب اللبناني لجهة سفوح جبل الشيخ. لكن أهميتها الكبرى تكمن في وجود أكثر من عشرين فصيلاً سورياً فيها تجمعهم غرفة عمليات واحدة وهو ما استدعى ايران منذ فترة تكليف قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني وقائد عمليات الحزب مصطفى بدر الدين قيادة المعركة هناك لصد الزحف الذي كانت الفصائل قد بدأت تنفيذه لاحتلال دمشق قبل ان تعود وتتوقف لأسباب قيل يومئذٍ انها تتعلق باللعبة الدولية.
عبد القادر: القنيطرة نقطة
متحررة من الضوابط
يشرح المحلل العسكري والاستراتيجي العميد المتقاعد نزار عبد القادر أهمية ما يجري في القنيطرة فيقول: <الى جانب رمزية هذه المنطقة فإن إعادة إحتلالها من قبل النظام السوري او حزب الله من شأنها ان تفتح جبهة جديدة بين إسرائيل والحزب، جبهة لا تخضع لاعتبارات كتلك التي تخضع لها الحدود اللبنانية- الاسرائيلية وتحديداً مزارع شبعا، وهي جبهة ستكون متحررة من كل الضوابط بشكل يمكن ان يجعل منها لاحقاً نقطة احتكاك مباشر بين إسرائيل والممانعة>.
ويضيف: <أهمية القنيطرة انها موقع استراتيجي بالغ الاهمية واسم تاريخي في الصراع بين اسرائيل وسوريا، إضافة الى انها عاصمة الجولان كما انها تطل على بداية طريق رئيسي باتجاه دمشق، ومن الجهة اللبنانية هي تقع عند كعب الجنوب الشرقي لجبل الشيخ وتحديداً من المقلب الشرقي السوري. هي ليست متاخمة مباشرة لمزارع شبعا اذ تفصل بينهما سفوح وجبال، ولكن في ظل التطورات الاخيرة في الجولان ودخول الحرس الثوري الايراني الى بعض أطرافها وبعد سيطرة الفصائل السورية على أجزاء واسعة منها برزت أهمية هذه النقطة بالنسبة الى جميع الاطراف ما يعني انها قد تتحول الى جزء من الحرب المقبلة، وبالتالي علينا أن ننظر إلى مدى تقبل اسرائيل على المدى البعيد بوجود قوة متعاظمة على حدودها اسمها حزب الله والحرس الثوري الايراني>.
مصادر دبلوماسية: الإبقاء
على هدوء الجبهة الجنوبية
الجميع متفق على أن حزب الله بغنى عن فتح اي معركة مع اسرائيل في ظل الحرب التي يخوضها في سوريا، لكن في المقابل لن يستمر الحزب في اتباع سياسة النعامة في ظل الخروقات اليومية لاسرائيل سواء من خلال استهدافه في سوريا او عبر استباحتها للحدود اللبنانية. مصادر دبلوماسية تؤكد عبر <الافكار> ان هناك جهداً دولياً واقليمياً متواصلا لابقاء جبهة الجنوب هادئة لأسباب عديدة، وان حصول بعض الانتهاكات والرد عليها من قبل الجيش او الحزب سيظل موضعياً لأن لا مصلحة لأحد بتفجير هذه الجبهة حالياً. لكن في المقابل تؤكد المصادر نفسها بأن لا أحد يستطيع ان يضمن بقاء الهدوء طويلاً على الجهة الجنوبية لأن استمرار الانتهاكات الإسرائيلية قد يكون سببا لاشتعال الجبهة مجدداً وخصوصاً ان الاوضاع في سوريا تتجه اليوم نحو <ستاتيكو> جديد.
حطيط: الحزب ذهب
الى سوريا للدفاع عن المقاومة
من جهته يعتبر المحلل العسكري العميد المتقاعد امين حطيط وهو المقرب من سياسة حزب الله انه منذ اضطرار الحزب الى العمل في سورية إلى جانب جيشها يشتد الحديث عن المتغيرات التي طاولت حزب الله وقدراته في مواجهة اسرائيل وصولاً الى الحديث عن سقوط معادلة الردع المتبادل بين المقاومة والعدو، واجترار مقولة بعض السطحيين الذين رأوا ان معادلة حماية لبنان الشعب والجيش والمقاومة قد سقطت. هذا كان قول أعداء المقاومة، أما هي ومحورها فقد كان لهما قول آخر تعرف اسرائيل جل مضمونه وجاءت عملية المقاومة في مزارع شبعا منذ فترة وجيزة لتؤكد لإسرائيل مخاوفها ولتسقط اوهام التافهين وسطحية تفكيرهم.
ويضيف حطيط: ان حزب الله عندما ذهب الى سورية فقد ذهب للدفاع عن المقاومة ليبقيها قادرة على القيام بمهمتها الاساسية اي مقارعة اسرائيل وبالتالي لا تكون معركة المقاومة في سورية معركة انحراف او إشغال او إلهاء عن الهدف الاساسي بل هي معركة حفظ المقاومة وتأكيد الاتجاه الاساس لها وإجهاض اية محاولة لإدخال إسرائيل دائرة الطمأنينة في احتلالها بعد حجبها بارسالها التكفيريين.
وعن فرضية الحرب بين حزب الله واسرائيل في حال وقوعها يقول حطيط:
- الاحتمال الأول تغطية كل ارض فلسطين المحتلة بالنار المؤثرة والمحرقة والمدمرة اذ لن تكون هناك كما اعلن السيد حسن نصرالله سابقاً، بقعة واحدة من فلسطين لا تصلها صواريخ المقاومة. وهذا الاحتمال بالغ الاهمية بالنسبة الى اسرائيل التي عملت في السابق على إرساء عقيدة قتالية تقوم على قاعدة الحرب على ارض الخصم والنار في داره فقط، وجاءت حرب تموز 2006 لتسقط هذه النظرية وتحمل اسرائيل على البحث عن حل للمستجد فكانت نظرية المناعة الاجتماعية التي تحقق قدرة المجتمع على العمل في ظل الحرب، عبر اعتماد القبة الفولاذية والتحصينات والعمل في الملاجئ. وهنا كان تطوير قدرات المقاومة التي امتلكت الصواريخ النوعية الدقيقة الإصابة والفعالة في الوصول إلى الاعماق ودك الملاجئ ما اسقط نظرية المناعة الاجتماعية وجعل احتمال تعطيل الحياة في إسرائيل وعزلها عن العالم الخارجي باغلاق كل مرافئها البحرية والجوية احتمالاً مرجحا ًعليها ان تحسب الحساب له.
وللحرب احتمال ثالث
ويشير حطيط الى <ان هناك احتمالاً ثالثاً وهو المناورة في العمل البري والاقتحام، وفي هذا الشأن لا يمكن ان نتجاوز ما ازدحم به اعلام العدو اخيراً من احاديث حول إمكان حفر المقاومة للأنفاق باتجاه الجليل خصوصاً بعد ان اوحى السيد نصرالله باحتمال الإذن او إصدار الأمر لمجاهدي المقاومة بدخول الجليل، والآن وبعد الخبرات الواسعة التي اكتسبها حزب الله من القتال في سوريا، بات هذا الاحتمال أكثر جدية وواقعية بنظر الإسرائيلي وتعلم اسرائيل مدى خطورته إن حصل ومدى انعكاسه على حركة الحياة في الشمال الفلسطيني المحتل والذي يعتبر في التصنيف العام المنطقة الاستراتيجية النوعية الثانية في اسرائيل بعد منطقة الوسط وتل ابيب>.