بقلم صبحي منذر ياغي
يتردد اسم مدينة تكريت العراقية في وسائل الاعلام العالمية في هذه الفترات أكثر من مرة في إطار الحديث عن المعارك الدائرة التي يخوضها الجيش العراقي ضدتنظيم<داعش>، ولكن اسم تكريت حفظه التاريخ من قبل، كونها المدينة التي ولد فيها الملك الناصر صلاح الدين الايوبي (532 - 589 هـ )القائد العسكري الذي أسس الدولة الأيوبية وقاد عدّة حملات ومعارك ضد الصليبيين.. وفي العصر الحديث، صار اسم تكريت يذكرنا فوراً بالرئيس العراقي الراحل صدام حسين الذي ينتمي لهذه المدينة التي صارت اليوم مالئة الدنيا وشاغلة الناس....
تقع مدينة تكريت على الضفة اليمنى لنهر دجلة وعلى بعد 180 كيلومتراً شمال مدينة بغداد و330 كيلومتراً جنوب الموصل. وهي تميل بحافة شديدة الإنحدار على نهر دجلة يتراوح ارتفاعها بين 45 - 50 م تقريباً، ومنطقة تكريت شبه متموجة ترتفع عن سطح البحر 110 م، تخترقها أودية وشعاب، انحـــدار الأرض الطبيعــــي من الغرب إلى الشرق، وتمتد داخل الهضبة الغربية لمسافات متفاوتة.
ويؤكد الكاتب والديبلوماسي والسياسي العراقي صلاح عمر العلي ان لموقع تكريت الجغرافي اهمية عسكرية تاريخية ادى دوره لجميع الدول التي قامت في العراق بدءاً من الدولة الأكدية والآشورية والبابلية أو الدول التي أصبح العراق تحت نفوذها.
وتتوافر لهذه المدينة استحكامات طبيعية وبشرية جعلتها من مدن القلاع الحصينة، فإلى جانب سلسلة جبال حمرين ومكحول إلى الشمال منها ونهر دجلة المحيط بها من الشرق والثرثار من الغرب، بنيت القلعة والسور وحفر الخندق ولذا فقد كانت مدينة حدود أو أحد الثغور المهمة، فكثيراً ما كانت تدور المعارك عند أسوارها أو قريباً منها، فمنذ تكوّن الكيانات السياسية (الدول) على أرض الرافدين كانت تكريت منطقة نزاع بين تلك الكيانات، فمرة تتبع النفوذ الأشوري ومرة أخرى تصبح جزءاً من الدولة الكلدية البابلية فهي الثغر الجنوبي للدولة الآشورية أو الثغر الشمالي للدولة الكلدية أو البابلية الحديثة.
الصراع على تكريت
اعتــبر العــــــرب المسلمــــون بعد انتصارهــــم في القادسية ان تكريت هي المفتاح لانطلاقهم نحو الشمال الشرقي، فحاصروها أربعين يوماً ثم انحازت القبائل العربية التي كانت مع الجيش الروماني إلى العرب المسلمين، ففُتحت تكريت عام 16هـ، وبرزت أهمية تكريت من الناحية العسكرية في العهد العثماني، لأنها كانت تجهز بغداد بما تحتاجه من وقود البارود، إضافة إلى أنها قاعدة مراقبة وسيطرة على طريق الامتداد النهري الوحيد بين الموصل وبغداد.
بقلم وردية بطرس
لقد كانت تتنازع تكريت قوى متعددة منها الفرس والرومان حيث تشير بعض الروايات إلى أن الديانة المسيحية دخلت تكريت منذ وقت مبكر من ظهور تلك الديانة على يد المبشرين النساطرة. وفي القرن السادس الميلادي، جاء الفتح الإسلامي حيث كانت المدينة بيد الرومان، فتم تحريرها وانتشر الإسلام منذ سنة 16هـ/637م. ومع ذلك، بقيت تكريت أحد المراكز المسيحية المهمة حتى عام 1164م إذ نازعتها هذه المكانة مدينة الموصل التي نقل إليها مقر أو كرسي المفريان اليعقوبي. ولقد بنيت في هذه المدينة عدة كنائس وأديرة كان من أبرزها الكنيسة الخضراء، وبقيت آثار تلك الأديرة شاخصة إلى فترة متقدمة من القرن العشرين في مواقع مختلفة من المدينة.
إن أول من ذكر مدينة تكريت من الجغرافيين هو العالم الفلكي والجغرافي اليوناني <بطليموس> في كتاب (الملحمة) المنسوب إليه وقد حدد <بطليموس> مساحة المدينة من خلال ذكر إحداثياتها فقال: (مدينة تكريت طولها ثماني وتسعون درجة وأربعون دقيقة، وعرضها سبع وثلاثون درجة وثلاث دقائق).
وانتشر <التكارتة> في أصقاع وبلدان كثيرة، من العراق وبلاد الشام وأعالي الجزيرة الفراتية ومصر واليمن. وكان هذا الانتشار ممثلاً بكثير من الجماعات من الرهبان والتجار والأثرياء وأهل الحرف وأرباب الصناعات فضلاً عن أهل العلم ورجاله.
وفي الحقب التي سبقت ظهور الإسلام نزح العديد من الرهبان من مدينة تكريت إلى مصر، وازداد هذا النزوح في أعقاب الخلافة العباسية وأخذ العديد منهم يشيدون الكنائس والأديرة في مناطق متفرقة.
عشائر مدينة تكريت
تسكن مدينة تكريت ثلاث عشائر هي الركن الاساسي الاجتماعي في المدينة ومنها عشيرة التكارتة التي تضم عدداً من الأفخاذ منها ألبو خشمان والعويسات وألبو حاج حسن والبكر وغيرهم.. وعشيرة ألبو ناصر وهي تسكن عادة على الطرف الجنوبي من مدينة تكريت، امتداداً حتى قرية العوجة، وعشيرة الحديثيين وهي العشيرة التي استوطنت تكريت منذ بداية القرن الثامن عشر..
ويؤكد منعم نعيم في دردشة مع <الافكار> انه ورغم ان أبناء المدينة ينتمون إلى عشائر مختلفة إلا أن الالفة والمحبة والتسامح وعدم حدوث ما يعكر علاقات المواطنين في هذه المدينة هو الغالب دائماً وليس العكس باستثناء قلة قليلة من سكان المدينة. وتشتهر هذه المدينة بكثرة الدواوين والمضافات التي تفتح أبوابها لكل زائر، الأمر الذي كان سبباً رئيسياً في عدم وجود فنادق أو مطاعم في المدينة حتى وقت متأخر جداً.
من أعلام تكريت
وتميزت تكريت بما انجبته من رجالات سياسيين وعسكريين لعبوا دوراً مهماً في تاريخ العراق القديم والحديث، ومن أبرز هؤلاء الرئيس العراقي السابق أحمد حسن البكر، والرئيس السابق صدام حسين وهو من عشيرة ألبو ناصر، فخذ ألبو عبد الغفور، ولد في قرية العوجة القريبة من تكريت، وشارك بمحاولة قتل عبد الكريم قاسم، وهرب صدام إلى سوريا ومنها إلى مصر ومكث هناك إلى أن قامت ثورة 14 رمضان عام 1963 ضد الزعيم عبد الكريم قاسم حتى أصبح عضواً في قيادة الحزب. وفي عام 1968، شارك في الثورة وأصبح عضواً في مجلس قيادة الثورة. وبعد أشهر، تم اختياره نائباً لمجلس قيادة الثورة بدعم ومساندة من أحمد حسن البكر رئيس الجمهورية والذي تربطه قرابة عائلية مع صدام وهما من عشيرة ألبو ناصر. وفي عام 1979، قام صدام بالإطاحة بالرئيس أحمد حسن البكر من منصبه، ثم أعلن نفسه رئيساً للجمهورية. والصحافي شاكر علي التكريتي الذي ألف عدداً من الكتب أسس أكثر من صحيفة يومية أهمها كانت جريدة الشعب وذلك في الستينات من القرن الماضي. وطاهر يحيى التكريتي الذي شارك في حرب عام 1948 بفلسطين، وفي ثورات 14 تموز/ يوليو عام 1958، وحماد شهاب الذي شغل عدة مناصب عسكرية حتى اشترك في ثورة تموز/ يوليو عام 1968 وفي ثورة 1968 لكي يصبح وزيراً للدفاع وبعدها أبعد إلى خارج العراق بصفة سفير إلا أنه لم يلتحق بمنصبه الجديد، ثم قتل على يد المخابرات العراقية في الكويت، وهو من عشيرة التكارتة، وصلاح عمر العلي، الذي كان وزيراً للثقافة والإعلام وسفيراً في السويد وأسبانيا ثم ممثلاً دائماً للعراق في الأمم المتحدة لغاية عام 1982 ليستقيل من منصبه وينخرط في صفوف المعارضة، وعدنان خير الله طلفاح، وهو ضابط عسكري، وكان بعثياً وأصبح وزيراً للدفاع وعضواً في قيادة حزب البعث قتل بحادثة طائرة مروحية عندما كان قادماً من شمال العراق.
مدينة تكريت ومحافظة
صلاح الدين
تحيط بمدينة تكريت مجموعة من البلدات والقرى الصغيرة منها بلدة بيجي على جهة الشمال وأغلب سكان هذه المدينة هم من أهل تكريت وبلدة الدور التي تقع في الجنوب الشرقي من مدينة تكريت وسكان هذه البلدة يطلق عليه اسم <الدوريين>، وبلدة العلم التي تقع في الشمال الشرقي من المدينة. أما القرى فهي تقع في معظمها في الشرق من المدينة على الجانب الشرقي من نهر دجلة وهذه المنطقة تسكنها عدة عشائر منها ألبو عجيل وألبو محمد والجبور وألبو هزاع. كانت مدينة تكريت حتى قيام ثورة 1968 قضاءاً تابعاً للعاصمة بغداد إدارياً. وبعد قيام الثورة، أصبحت محافظة وسميت باسم محافظة صلاح الدين، تيمناً بالقائد صلاح الدين الأيوبي، وقد ارتبط بها قضاء سامراء إدارياً ويقدر عدد نفوس هذه المحافظة بحوالى 700 ألف نسمة.
في أيلول/ سبتمبر 1917، دخلت القوات البريطانية المدينة أثناء الحرب العالمية الأولى، كما دخلتها القوات الأميركية عام 2003 بعد احتلال بغداد.
تكريت .. وطرد <داعش>
وفي تموز/ يوليو 2014، استولى مسلحو تنظيم الدولة الإسلامية <داعش> على المدينة ضمن حملتهم العسكرية في شمال العراق. وبعد محاولات سابقة فاشلة، بدأت القوات العراقية مؤخراً ومنذ الاول من آذار/ مارس الجاري حملة عسكرية جديدة لاستعادة المدينة بمشاركة عشائر سنية وقوات الحشد الشعبي.
وتؤكد مصادر عسكرية عراقية خاصة لـ<الافكار> ان عملية تحرير مدينة تكريت من تنظيم <داعش> انطلقت من خلال ثلاثة محاور، من الجهة الجنوبية، وتحديداً من مستشفى تكريت التعليمي قرب مجمع القصور الرئاسية، فيما قامت القوات العراقية وقوات الحشد الشعبي في الجبهات الأخرى باستهداف مواقع عناصر <داعش> داخل المدينة. ومن محاور الشمال والغرب والجنوب حيث دخلت القوات العراقية بغطاء من الطيران الحربي، وسيطرت مدعومة بقوات الحشد الشعبي على جزء من منطقة القادسية، شمال تكريت، ثم تقدمت الوحدات المشتركة نحو تحرير منطقتي تل السيباط وربيضة بعد تحرير منطقة سمرة شمال شرق المدينة.
قال وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي في زيارة ميدانية لمحافظة صلاح الدين ان القوات <شرعت في الصفحة الثانية> من الخطة. واضاف: <الوقت حقيقة ليس مهماً امام الخسائر التي قد تتكبدها القوات. نحن حريصون جداً على ان تكون خسائرنا أقل ما يمكن، والوقت بيدنا. نحن اصحاب المبادرة>.
وقال اللواء الركن في الشرطة بهاء العزاوي خلال جولة في قرية البو عجيل قبالة تكريت عند الضفة الشرقية لنهر دجلة: <لا نريد ان نتسرع لأننا نريد تفادي وقوع خسائر... تكريت مطوقة من كل الجهات>.
وباتت البلدات والمناطق الواقعة شرق النهر في أيدي القوات العراقية، ومنها العلم والبو عجيل والدور. ويمكن مشاهدة شعارات لتنظيم الدولة الاسلامية على الجدران في البلدة، وقد كتبت فوقها عبارات مؤيدة للفصائل الشيعية. وتقع تكريت على الضفة الغربية للنهر، ويتعين على الوحدات الهندسية تحضير جسور عائمة لعبور النهر بعد تفجير التنظيم الجسور لإعاقة تقدمها. ويقع أقرب جسر قرب سامراء على مسافة 50 كيلومتراً جنوب تكريت.
حالة مفرحة
وأكد العبيدي، وهو سني من الموصل، مشاركة أبناء عشائر سنية من تكريت في المعارك، وقال: <التقيت عدداً من المقاتلين، كان عددهم يتجاوز 250 مقاتلاً جميعهم من أبناء مدينة تكريت وكانوا ملتحمين مع اخوانهم من الحشد الشعبي من أبناء المحافظات الأخرى>، في إشارة الى المقاتلين الشيعة. ورأى ان هذه حالة مفرحة... وتبعث رسائل إيجابية جداً الى الشعب العراقي وترفع معنويات القوات الامنية.
كذلك أشاد رئيس الوزراء حيدر العبادي بقتال السنة والشيعة جنباً الى جنب، وقال في خطاب في الجامعة التكنولوجية ببغداد: <أفضل الانتصارات التي حققناها اليوم هي وحدتنا من أجل الوطن... ودحر الارهاب... بوحدتنا نحقق الانتصار، وهذا المثال الرائع اليوم في صلاح الدين، وفي الانبار في غرب البلاد المحافظة التي يسيطر الجهاديون على معظمها>.
وحسم معركة تحرير تكريت وتثبيت القوات فيها بحسب قادة عسكريين لن يستغرق وقتاً طويلاً، بسبب فرار المسلحين من المناطق التي اقتحمتهــــا القـــــوات العراقية إلى مدينة الحويجة جنــــوب كركوك، وقد يمهد تحريرها الطريق أمام القوات العراقية للوصول إلى الموصـــل ثاني أكبر مدن العراق، وأول مدينة سقطت بيد <داعش>.