تفاصيل الخبر

تـكـنـولـوجـيـــــا ثـوريـــــة لـعــــلاج مــــرضـى الـصــــــرع

07/04/2017
تـكـنـولـوجـيـــــا ثـوريـــــة لـعــــلاج مــــرضـى الـصــــــرع

تـكـنـولـوجـيـــــا ثـوريـــــة لـعــــلاج مــــرضـى الـصــــــرع

 

بقلم وردية بطرس

الدكتور-بول-الحاج-A

الصرع هو اضطراب مزمن مؤلم يصيب الدماغ ويتأثر به الأشخاص من جميع الأعمار. ويعاني نحو 50 مليون شخص حول العالم من الصرع، ما يجعله المرض العصبي الأوسع انتشاراً على الصعيد العالمي. ويعيش 80 بالمئة من الأشخاص المصابين بالصرع في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. ويستجيب الأشخاص المصابون بالصرع للعلاج في نحو 70 بالمئة من الحالات. ولا يحصل نحو ثلاثة أرباع الأشخاص المصابين بالصرع الذين يعيشون في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل على العلاج اللازم في أنحاء كثيرة من العالم، فيما يعاني الأشخاص المصابون بالصرع وأسرهم من الوصم والتمييز.

ويتميز الصرع بنوبات متكررة هي عبارة عن نوبات وجيزة من الحركة اللارادية التي قد تخص جزءاً من الجسم (جزئية) او الجسم كله (عامة)، ويصاحبها أحياناً فقدان الوعي والتحكم في وظائف الأمعاء او المثانة. وتنجم هذه النوبات عن فرط الشحنات الكهربائية التي تطلقها مجموعة من خلايا الدماغ. وقد تنطلق هذه الشحنات من أجزاء مختلفة من الدماغ. وقد تتراوح النوبات بين غفلات الانتباه ونفضات العضلات الخاطفة وبين الاختلاجات الممتدة، كما ان النوبات قد تختلف من حيث مدى تواترها من أقل من مرة واحدة في السنة الى مرات عدة في اليوم.

ولا يعني حدوث نوبة واحدة ان الشخص مصاب بالصرع إذ يُصاب 10 بالمئة من الناس حول العالم بنوبة واحدة خلال حياتهم. ويعرف الصرع بأنه التعرض لنوبتين غير مسببتين او أكثر، ويعد الصرع من أولى الحالات الصحية التي تعرف الانسان عليها حيث تشير اليها كتابات سُجلت في العام 4000 قبل الميلاد. وقد أحاط الخوف والتمييز والوصم الاجتماعي بالصرع على مدى قرون. ويستمر هذا الوصم في العديد من البلدان حتى يومنا هذا، وقد يؤثر على نوعية حياة الأشخاص الذين يعانون من هذا الاضطراب وعلى أسرهم.

هذا وتختلف خصائص النوبات وتتوقف على الموضع الذي يبدأ فيه الاضطراب من الدماغ وعلى مدى انتشاره. وتحدث عوارض مؤقتة مثل فقدان الادراك او الوعي، واضطرابات الحركة والاحساس بما في ذلك الرؤية والسمع والتذوق  والحالة المزاجية وغيرها من الوظائف الادراكية. وينزع الأشخاص المصابون بالنوبات الى المعاناة من المشكلات البدنية الأخرى مثل الكسور والكدمات الناجمة عن الاصابات المتعلقة بالنوبات، وزيادة معدلات الاعتلالات النفسية بما في ذلك القلق والاكتئاب، وبالمثل فإن مخاطر الوفاة المبكرة بين الأشخاص المصابين بالصرع تبلغ 3 أضعاف المعدل الخاص بعامة السكان، وتسجل أعلى المعدلات في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل وفي المناطق الريفية مقارنة بالمناطق الحضرية.

وهناك نسبة كبيرة من أسباب الوفيات المتعلقة بالصرع في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل يمكن تجنبها مثل السقوط والغرف والحروق والنوبات الممتدة. وهناك نحو 50 مليون شخص حول العالم يتعايشون حالياً مع الصرع. وتتراوح نسبة عموم السكان المصابين بالصرع النشيط اي استمرار النوبات او الحاجة الى العلاج ما بين 4 و10 أشخاص لكل 1000 نسمة، رغم ان بعض الدراسات التي أجريت في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل تشير الى ان النسبة أعلى من ذلك بكثير حيث تتراوح بين 7 و14 شخصاً لكل 1000 نسمة.

 

مشاهير أُصيبوا بداء الصرع

 

وتجدر الاشارة الى انه في الماضي تم التعامل مع داء الصرع على انه شكل من الجنون وعولج باشكال غير مقبولة في العصر الحالي حيث عولج بوسائل الشعوذة أحياناً وطرد الأرواح والشياطين من جسم الشخص المصاب... وبعض الأشخاص المصابين بالصرع هم ذوو شهرة مميزة ومنهم: القائد المقدوني الشهير الاسكندر الأكبر وهو واحد من أشهر المصابين بالصرع عبر التاريخ رغم أنه كان من أذكى وأعظم القادة الحربيين على مر العصور، و<يوليوس قيصر> احد أكثر الرجال نفوذاً في التاريخ والذي كان أيضاً من المصابين بمرض الصرع... وقد ذكرت كتب التاريخ ان <نابوليون بونابرت> امبراطور فرنسا وصاحب الانتصارات المتعددة الذي وصفه البعض بأنه صاحب أعظم عبقرية عسكرية عرفها التاريخ، كان قد عانى من الاصابة بمرض الصرع طوال حياته، ومن المشاهير المصابين بالصرع <تيودور روزفلت> الرئيس الأميركي الخامس والعشرون علماً أنه أصغر رئيس تولى حكم الولايات المتحدة حيث أصبح رئيساً وهو في الثانية والأربعين من عمره، كما ان <الفرد نوبل> صاحب الجوائز العالمية كان مصاباً بداء الصرع.

ولقد توصل العلماء الى تعريف مرض الصرع على أساس علمي كما توصلوا الى معرفة كيفية حدوثه وأسبابه وطرق معالجته، وتم تعريفه على انه اعتلال في الدماغ حيث يحدث خلل في وظيفة خلايا الدماغ والخيوط العصبية فتصدر عنه موجات كهروكيمائية مفاجئة تسبب خللاً قد يكون على شكل خلل سلوكي، اضطراب نفسي، اضطراب حسي، فقدان الوعي او تشنجات عضلية، وقد يكون محدوداً حيث يطال أجزاء معينة من الدماغ او شاملاً.

حاصباني واليوم العالمي للصرع

وبمناسبة اليوم العالمي لداء الصرع الذي يعاني منه أكثر من أربعين ألف لبناني وفق منظمة الصحة العالمية، كان وزير الصحة غسان حاصباني قد عقد مؤتمراً صحافياً في مكتبه في الوزارة خصصه لدعم حملة التوعية التي اطلقتها <بروميدز>، اذ قال:

- اليوم هو اليوم العالمي لداء الصرع الذي يصيب نحو واحد بالمئة من الناس في العالم، وهو مشكلة كهربائية في الدماغ تسبب نوبات مما يجعلها تؤثر بشكل كبير على نمط حياة المريض بهذا الداء. وفي لبنان يوجد لدينا كثير من هذه الحالات، ووزارة الصحة تقدم أدوية تقريباً لما يقارب 1340 مريضاً سنوياً بكلفة تقارب المليارين وفق أرقام العام 2016. هذه الكلفة نحاول تخفيضها وزيادة عدد الناس الذين يستفيدون من تغطية وزارة الصحة بقدر الامكان لمعالجة أكبر عدد من اللبنانيين الذين يعانون من الأمراض.

وأضاف:

- التقدم التكنولوجي يقدم لنا مساعدة كبيرة اذ في بعض الحالات يستعصي علينا العلاج بالأدوية والطرق التقليدية، وعندئذٍ نضطر للجوء الى العمليات. واليوم تطور التكنولوجيا يمكننا من وضع أجهزة تحت الجلد تستطيع ان تستشعر تغيرات القلب والتشنجات الكهربائية في الدماغ ليحصل عندها تعديل لحركة الصرع وتفادي نوبات الصرع في الحالات الصعبة. وقد أجريت حتى اليوم عمليات عدة في المستشفيات منها على سبيل المثال في الجامعة الأميركية في بيروت، وفي جامعة <القديس جاورجيوس>، وتكللت هذه العمليات بالنجاح، مما دفعنا في وزارة الصحة الى ان نأخذ على عاتقنا هذه العمليات ونطور تغطيتنا لها، لما فيه من تخفيض في الكلفة الاجمالية للعلاج على المدى البعيد، وتحسين نوعية حياة المرضى الذين هم بحاجة لعناية فالعلاج التقليدي لم يعد يستطيع ان يساعدهم. ونحن اليوم نلتزم بتحسين نمط حياتهم لاستشفاء أفضل، ونتمنى المتابعة لتحسين الاداء الصحي في لبنان واستخدام التكنولوجيا لخدمة الانسان.

تجدر الاشارة الى ان الحملة في مناسبة اليوم العالمي للصرع تمثلت باختيار الطبيبين غسان حميمص وأحمد بيضون اختصاصيي دماغ وأعصاب لمريضين يعانيان من داء صرع جزئي عنيد لم يتجاوبا مع أدوية الصرع، ولا يمكن لهما الخضوع لعملية لاستئصال البؤرة التي تتسب لهما بداء الصرع، فلم يكن لهما من علاج سوى تركيب الجهاز الجديد (Seizure Response System) حيث قام الجراحان مروان نجار وبول الحاج اختصاصيا جراحة الدماغ والأعصاب بإجراء هاتين العمليتين في مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت ومستشفى <القديس جاورجيوس> الجامعي (الروم) مع الاشارة الى ان الوزير حاصباني كان قد حضر مجريات العملية الجراحية في مستشفى <القديس جاورجيوس>.

من جهته يعتبر مدير عام شركة <بروميدز> السيد هادي البساط ان جهاز (VNS Vagus Nerve Stimulator Seizure Response) يشكل ثورة في تكنولوجيا علاج مرضى الصرع الذين لا يتجاوبون مع الأدوية، ولا يمكنهم الخضوع لعملية جراحية في الرأس. ولقد تبرعت <بروميدز> بتقديم الجهازين من الجيل الجديد اللذين وُضعا عوضاً عن الجيل القديم، كما وغطت الوزارة التكاليف خلال العمليتين للمريضين دون كلفة اضافية، وهذا الجهاز الجديد عبارة عن بطارية يتم تركيبها في منطقة الصدر تحت الجلد مباشرة للمريض ويتم وصلها بالعصب الحائر وهي تنبىء بحدوث النوبات وتحاول ايقافها قبل حدوثها واذا ما حصلت تخفف من حدتها.

الدكتور غسان حميمص يشرح

واقع علاج داء الصرع

الدكتور-غسان-حميمص---B

فماذا يقول الأطباء عن داء الصرع؟ وكيف يُعالج؟

الدكتور غسان حميمص الاختصاصي في الدماغ وداء الصرع عند الأطفال يشرح عن داء الصرع ويقول:

- ان داء الصرع هو عبارة عن اختلاجات تصيب جسد الطفل او البالغ وهي ناتجة عن خلل في شحنات كهربائية داخل الدماغ، وان حوالى ثلاثين بالمئة من المرضى لا يتجاوبون مع العلاج بالأدوية كما لا يمكنهم الخضوع لعملية جراحية لاستئصال البؤرة التي تتسبب بداء الصرع، لذا تشكل البطارية او الجهاز الجديد علاجاً ناجحاً لهم حيث من المفترض ان تتراجع النوبات التي تصيب هؤلاء بنسبة 75 بالمئة، واستناداً الى دراسة لـ<الجمعية اللبنانية لمكافحة داء الصرع> فإن في لبنان سنوياً أربعة الآف حالة صرع جديدة تصيب الكبار والصغار.

 

الدكتور وسيم نصر الدين...

وعملية زرع الجهاز

بدوره يقول الدكتور وسيم نصر الدين الاختصاصي في أمراض الصرع في الجامعة الأميركية في بيروت انه قد تم اجراء زرع الجهاز لمريض عمره 4 سنوات يعاني من داء صرع مستعصٍ على العلاج بالأدوية، وكانت نوبات الصرع قد بدأت عند هذا المريض منذ عمر 6 أشهر وقد فشلت الأدوية بالسيطرة على النوبات، وبعد تقييم حالة المريض تقرر زرع الجهاز المذكور واستعمال (Heavy Duty Cycle)، وتجنباً لاستنزاف البطارية بشكل سريع تم استعمال الجهاز (VNS - SR).

 

الدكتور بول الحاج والجهاز الجديد

ونسأل الدكتور بول الحاج رئيس قسم جراحة الدماغ والأعصاب في مستشفى <القديس جاورجيوس> الذي كان قد أجرى أول عملية لاستخدام الجهاز الجديد الذي قدمته <بروميدز> لمريضه في مستشفى <القديس جاورجيوس>، عن أهمية توعية الناس حول داء الصرع فيقول:

- ان التطور العلمي أدى الى توعية الناس لفهم داء الصرع، لأنه في الماضي لم يكن الناس يعلمون الكثير عن هذا المرض. ويجب التذكير هنا ان عوارض الصرع متعددة اذ قد يفقد الشخص الوعي وأحياناً يشعر بألم في معدته، فهذه العوارض تظهر مع بداية الاصابة بالصرع، وهناك أمور عدة ولكن التطور الطبي ساعد باظهار العوارض التي لم يكن الشخص يدرك من خلالها انه اصيب بهذا المرض. لا شك ان الأمور لم تتغير من حيث الاصابة والعوارض وما شابه ولكن التشخيص وتحديداً وسائل التشخيص الحديثة تساعد اليوم أكثر على التعرف الى الاصابة بالصرع.

ــ وهل يُصاب الانسان بداء الصرع بأي عمر كان ام هناك عمر معين يُصاب به؟

- داء الصرع يصيب الناس بمختلف أعمارهم وليس هناك عمر معين، وأحياناً يولد الأشخاص وهم مصابون بداء الصرع، ولكن أحياناً عندما يتعرض الانسان لحادث ما يصبح معرضاً للاصابة بداء الصرع.

 

الجهاز يستشعر العوارض قرب حدوثها

ــ والى اي مدى يساهم الجهاز الجديد بالتنبؤ بالعوارض؟

- في السابق كانت تُجرى العملية لوضع الجهاز القديم، والجديد اليوم هو استخدام الجهاز المتطور <أسبايير أس. ار> موديل 106 وهو يستشعر قرب العوارض بسبب ارتفاع في نبضات القلب، ما يؤدي الى تحفيز العصب الحائر وخفض حدة العوارض او ازالتها نهائياً. وتتم هذه العملية من خلال تحرير العصب الحائر في الجهة اليسرى من العنق، ومن ثم وضع الجهاز عند الصدر تحت الجلد ووصله بالعصب الجديد ويتم تشغيله بواسطة الكمبيوتر، وبالتالي هذا الجهاز يبعث اشارات كهربائية اذ انه موصول بالدماغ، واذا حدثت افرازات داخل الدماغ يمنع حدوث النوبة، واذا حصلت النوبة فتكون أخف مما لو لم يكن الجهاز موصولاً بالدماغ.

ويتابع قائلاً:

- هذا الجهاز من الجيل الجديد وله قدرة على ان يخفف النوبات، ولان هذا الجهاز يستشعر ويبعث انذاراً الى العصب تحدث النوبة بشكل خفيف وبالتالي تكون النتيجة أفضل مما كانت في الماضي اي قبل استعمال هذا الجهاز، وبهذه الطريقة يمكن تحسين نوعية حياة المريض ويمكنه ان يعيش حياته بطريقة طبيعية أكثر. ويمكن القول ان 50 بالمئة من المرضى المصابين بداء الصرع يتحسن وضعهم بعد استعمال هذا الجهاز.

ــ وهل في كل الحالات يستوجب وضع هذا الجهاز؟

- في المراحل الأولى اي عند اصابة الشخص بداء الصرع لا يُوضع له هذا الجهاز، اذاً في البداية اي عند اصابته بالصرع يُعطى له الدواء وقد لا يحتاج لهذا الجهاز اذا تحسن وضعه بفضل الأدوية، ولكن اذا لم يتحسن مع استخدام الدواء نلجأ الى وضع هذا الجهاز، ونسبة تحسن المريض مع استعمال الجهاز هي 50 بالمئة. هذا بالإضافة الى أن بطارية الجهاز الجديد تعمل لسبع سنوات بينما الجهاز السابق كان يعمل ما بين 3 الى 5 سنوات، وبالتالي لا نضطر لتغيير الجهاز الا بعد سبع سنوات من استعماله.

ــ اذاً في بعض الحالات لا يكون الدواء كافياً لمعالجة المريض؟

- هذا صحيح ويجب ان يدرك المصابون بداء الصرع ان باستطاعتهم ان يعيشوا بشكل طبيعي، وانه في بعض الحالات يكون الدواء كافياً لمعالجة مريض الصرع. ان 70 بالمئة من مرضى الصرع يسيطرون على المرض من خلال تناول الدواء، و30 بالمئة من المرضى لا يكون الدواء كافياً بالنسبة اليهم ما يتطلب اخضاعهم لعملية جراحية، ولكن الأهم الا يترك المريض نفسه بدون معالجة إذ عليه ان يبدأ بالعلاج بصورة مبكرة لئلا تتطور الحالة ويستدعي الأمر اجراء عملية جراحية.