بقلم وردية بطرس

يعاني الكثيرون من الناس من آثار مرض تكلس المفاصل نتيجة لما يسببه من آلام شديدة للكثيرين، ويعتبر تكلس المفاصل من أكثر أمراض العظام انتشاراً وهو عبارة عن تلف يصيب الأنسجة الغضروفية المفصلية التي تعمل بدورها على تقليل الاحتكاك الناتج من حركة المفاصل الدائمة وعلى حماية العظام. ان تكلس المفاصل مرض يصيب الانسان نتيجة العمل لساعات طويلة او تعرضه لاصابات قوية ومباشرة، وهذا المرض يمكن ان يُصاب به الانسان بصرف النظر عن الفئة العمرية وبدرجات متفاوتة من الألم، الأمر الذي يؤثر في طبيعة الأعمال التي يقوم بها في المستقبل، وهناك أسباب أخرى تؤدي الى الاصابة بهذا المرض منها التعب الشديد والوقوف لفترات طويلة، فضلاً عن الزيادة المفرطة في الوزن، وغالباً ما يُصاب به أفراد المجتمع من موظفين وعمال وربات بيوت الذين يتطلب عملهم الوقوف طويلاً.

وتعتبر العظام من أهم الأعضاء الموجودة في جسم الانسان بشكل خاص، والكائنات الحية الفقارية بشكل عام، فمن خلال العظام تستطيع هذه الكائنات الحركة بحرية كبيرة، كما وتعطي أجسامها الشكل المنتظم والقوة اللازمة للقيام بالأعمال المختلفة مثل الرفع او التنقل من مكان الى مكان او الحركة بشكل دوراني، وكذلك نتيجة ترابط العظام مع بعضها البعض فانها توفر نظام حماية للأعضاء الداخلية والمهمة داخل الكائنات الحية، مثل حماية القلب والدماغ والرئتين وغيرها، وكذلك ترتبط على نسيجها الأعضاء الأخرى مثل العضلات، كما ان ارتباط العظام مع بعضها البعض يعطي الجسم القدرة على الحركة والدوران نتيجة تشكل المفاصل بجميع أشكالها.

أنواع المفاصل

ان الهيكل العظمي في جسم الانسان بشكل خاص وجميع الكائنات الحية الفقارية بشكل عام لا يكون على شكل قطعة واحدة، وانما يتكون من مجموعة من العظام، والتي يبلغ عددها في جسم الانسان البالغ حوالى 206 عظام مترابطة مع بعضها البعض، وتسمى المنطقة التي تلتقي بها اي عظمتين بالمفصل، ويختلف عدد المفاصل الموجودة في جسم الانسان حيث يكون عددها أكثر عند الطفل ومع التقدم في السن يصبح عددها أقل، ويبلغ عدد المفاصل في جسم الانسان البالغ ما يقارب 220 مفصلاً، وتختلف المفاصل عن بعضها البعض في الحجم والشكل ولكن أهم الاختلافات بين المفاصل هي القدرة على الحركة حيث هنالك ثلاثة أنواع رئيسية للمفاصل وهي: المفاصل الثابتة او المفاصل الليفية: تتميز هذه المفاصل بأنها ثابتة لا تتحرك، ومع التقدم في السن تلتحم هذه العظام مع بعضها البعض بواسطة نسيج ليفي مثل عظام الجمجمة عند الانسان البالغ حيث تتداخل عظام الجمجمة مع بعضها البعض بحيث تكون غير قابلة للحركة، ولكن عند الأطفال حديثي الولادة تكون هذه المفاصل متحركة بشكل نسبي، وذلك لاعطاء جمجمة الطفل القدرة على النمو والمرونة خصوصاً عند الولادة. المفاصل المحدودة الحركة او المفاصل الغضروفية: تكوّن هذه المفاصل حركة خفيفة وليست في جميع الاتجاهات حيث تتميز هذه المفاصل بوجود طبقة ليفية غضروفية بين العظمتين المتقابلتين مثل المفاصل بين الفقرات او مفصل العانة، وفي بعض الحالات يحدث تهتك او تآكل في الغضاريف الموجودة بين العظام مما يسبب احتكاك العظم مع بعضه البعض، وهذا يسبب حالة مرضية لدى الكثيرين من الناس وهو ما يُعرف بالديسك. المفاصل واسعة الحركة او المفاصل الزلالية: تعتبر هذه المفاصل من أكثر المفاصل انتشاراً في جسم الانسان وأهمها حيث تمتاز بوجود غشاء ذي لزوجة عالية بين العظام لكي تسمح للعظام بالحركة بشكل واسع مثل مفصل الكتف والفخذ الذي يعطينا القدرة على الحركة في جميع الاتجاهات ومفصل الكوع والركبة والذي يسمح بالحركة في اتجاه واحد. نظرياً قد يصيب تكلس المفاصل اي مفصل في الجسم ولكنه غالباً ما يصيب اليدينوالقدمين والعمود الفقري كما انه يصيب الركب والوركين.

الاختصاصي في جراحة العظم والمفاصل الدكتور بيار الجميّل وأسباب تكلس المفاصل

فهل من أسباب تؤدي للاصابة بتكلس المفاصل؟ وماذا عن العوارض ونسبة الاصابة به؟ وماذا عن العلاج؟ وغيرها من الأسئلة طرحتها <الأفكار> على الاختصاصي في جراحة العظم والمفاصل والعمود الفقري الدكتور بيار الجميّل ونسأله:

ــ ما هي الأسباب التي تؤدي الى حدوث تكلس المفاصل؟

- يصيب تكلس المفاصل النساء والرجال، أما أسباب الاصابة بتكلس المفاصل فلا تزال مجهولة، الا ان هناك بعض العوامل التي تزيد خطر الاصابة به مثل الحوادث الرياضية والبدانة والظروف المناخية بما فيها الرطوبة كما ان تشوهات الأعضاء عند الولادة او العوامل الوراثية تلعب دوراً أساسياً، فاذا كان أحد أفراد العائلة مصاباً بالتكلس فعندئذٍ ترتفع نسبة الاصابة بالتكلس، ولهذا ننصح دائماً انه يجب ان يدرك الناس كل هذه الأمور لكي لا يتطور التكلس أكثر ولكي لا يصل الشخص الى حالة حيث يُصاب باعاقة بسبب اصابته بتكلس المفاصل، لذا من المهم ان تُقام حملات التوعية حول هذا المرض لتجنيب الشخص قدر الامكان الاصابة بالتكلس ولتجنيب المصاب اجراء العملية الجراحية. ونلاحظ ان نسبة اصابة الناس بتكلس المفاصل في المناطق الساحلية هي أعلى من نسبة المصابين بهذا المرض الذين يسكنون في المناطق الجبلية، وبالتالي للطقس تأثير على المفاصل، ولا يغيب عن البال ان زواج الأقارب من العوامل المسببة لحدوث تكلس المفاصل.

ويتابع:

- ويجب التذكير هنا ان تكلس المفاصل الذي سُمي لوقت طويل بالمرض اليتيم، هو مرض روماتزمي تنكّسي يدمر الأنسجة الغضروفية للعظام، ويصيب هذا المرض 17 بالمئة من اللبنانيين من كل الأعمار و80 بالمئة منهم ابتداءً من سن الخامسة والسبعين. وبالتالي ان أربعة أشخاص من أصل كل مئة شخص مصابون بتكلس المفاصل، ويعاني 6 بالمئة منهم من تكلس في الركبة، و4 بالمئة من تكلس في الورك، وهناك نحو عشرة ملايين انسان في الولايات المتحدة الأميركية يتألمون من ركابهم، كما هناك بعض المصابين الذين قد يمر على اصابتهم أكثر من خمسة عشر عاماً قبل ان يبدأوا بالشعور بالألم. في كل حال، هؤلاء اي من يُصنفون مرضى تكلس المفاصل هم من كافة الأعمار اذ هناك أطفال مرضى كما هناك مسنون مرضى بتكلس في المفاصل.

العوارض

ــ وماذا عن عوارض تكلس المفاصل؟

- من عوارض تكلس المفاصل أن يشعر المريض عادة بآلام شديدة وخشونة في المفاصل، كما قد يشعر بطقطقة الركبة وأحياناً بانقباضات لاارادية تتعرض لها العضلات، بالاضافة الى تورم وانتفاخ حول المفصل، وان اهمال هذا المرض لفترات طويلة وعدم معالجته قد يؤدي الى تسربه الى أجزاء او اعضاء حساسة ومهمة مثل القلب او الكليتين، ويصيب هذا المرض اي مفصل في جسم الانسان ولكن غالباً ما يصيب اليدين والقدمين والعمود الفقري كما انه يصيب الركب والوركين.

ــ ومن الاكثر عرضة للاصابة بتكلس المفاصل النساء ام الرجال؟

- يُصاب الرجل والمرأة بتكلس المفاصل بالنسب نفسها، ولكن نسبة مشاكل الركب عند النساء أكثر من الرجال، وعادة يشكو الانسان من تكلس المفاصل ما فوق سن الخامسة والأربعين، وفي الغالب تصاحب تكلس المفاصل أمراض أخرى مثل أمراض القلب. وتجدر الاشارة هنا الى ان زواج الأقارب في لبنان يلعب دوراً كبيراً في هذا الخصوص اذ ان زواج الأقارب يزيد حدة الخصائص الوراثية جيدة كانت ام سيئة، وبالتالي يحمل الاولاد العيوب المتنحية مثل تكلس المفاصل او الأمراض الوراثية، وبالتالي عندما يكون التكلس وراثياً ويحدث زواج بين الأقارب، عندئذٍ يُصاب الأولاد به كما هو الحال بالنسبة لأمراض السكري وأمراض القلب. ويجب التنبه لأمر أنه اذا كان هناك خلع في الورك فيجب معالجته لئلا يُصاب الشخص بالتكلس في ما بعد. ويمكن ان تكون نوبة تكلس المفاصل حادة جراء ترسب بلورات حمض اليوريك لدى الأشخاص الذين يكون معدل حمض اليوريك في دمهم مرتفعاً وهذا ما يُعرف بمرض: <النقرس> وتتضمن العوامل المهيئة لمرض <النقرس> ما يلي: اتباع نظام غذائي غني بالبورينات، والكحول، وتناول كمية سعرات حرارية مفرطة، والفشل الكلوي، وتناول أدوية معينة، والاصابة ببعض الأمراض الأيضية.

التشخيص

ــ وكيف يتم التشخيص؟

- أهمية العلامات السريرية أنها تسمح باكتشاف بداية تكلس المفاصل المتمثلة بألم حاد في الأعضاء وتيبس المفاصل مما يمكن ان يكون سبباً للعجز، وبالاضافة الى ذلك فان العلامات الاشعاعية مهمة جداً اذ انها تكشف مرحلة المرض اي درجة اصابة المريض بتكلس المفاصل. ومن وجهة النظر التشريحية فيمكن تصنيف اصابات الغضروف المفصلي ضمن أربع مراحل: المرحلة الأولى: تليّن سطح الغضروف. المرحلة الثانية: تآكل او رجفان وشقوق سطحية في الغضروف. المرحلة الثالثة: ترقق او شقوق عميقة في الغضروف. المرحلة الرابعة: تقرّح الغضروف او اختفاؤه فتصبح العظام مكشوفة وهذه هي المرحلة النهائية.

ويتابع:

- عند تحديد مرحلة المرض يمكننا وضع تشخيص واضح بهدف الحد من تفاقم المرض ومضاعفاته وايقاف تطور تلف المفاصل، وذلك تفادياً للوصول الى العملية الجراحية واستعمال الأطراف الاصطناعية.

ــ وهل من طرق للحد من خطر الاصابة بتكلس المفاصل؟

- ننصح بمزاولة تمارين رياضية معتدلة الحدة مثل ركوب الدراجات، والسباحة، واليوغا، والجمباز اذ انها تقوي المفاصل بعكس الرياضة المكثفة التي يمكن ان تدمر المفاصل وتؤذيها، وبالتالي الرياضة أمر أساسي ومهم. وطبعاً يزداد خطر الاصابة بتكلس المفاصل لدى الأشخاص الذين يعانون من البدانة إذ ان جسم الانسان البدين يضغط على المفاصل وخصوصاً على الركبتين والوركين، وبالتالي تكون هذه المفاصل عرضة لضغط شديد، ومن شأن ذلك ان يؤدي الى تضررها بشدة. وعادة الشخص المصاب بتكلس المفاصل يشعر بتغير الطقس قبل ان يصبح بارداً، اذ يشعر بالألم مسبقاً اي قبل تحول الطقس الى جو بارد، كما انه يشعر بالألم في ركبتيه أثناء الليل اي عندما لا يقوم بحركة او خلال النوم.

العلاج

ــ وماذا عن العلاج؟

- تتوافر اليوم علاجات عدة قادرة ان تكافح هذا المرض بما فيها بعض الأدوية، والعلاج الفيزيائي، وعمليات الحقن داخل المفصل التي تتضمن علاجاً بمقاربة جديدة مع تقنية الحقن التي يمكنها ان تحسن نوعية حياة المريض وان تؤخر العملية الجراحية. وان علاجات تكلس المفاصل متعددة، وهي تعتمد على العلاج الفيزيائي حيث على الطبيب ان يحدد أنواع الحركة الخفيفة المسموحة للمريض بهدف تقوية العضلات من دون حدوث اي اضرار، والا فان المشكلة ستتفاقم لينتقل المرض الى مرحلة أعلى، وننصح دائماً بعدم الافراط في تناول الأدوية التي تتمثل بالمسكنات بما انها تضر بالكبد، وكذلك قد نصف للمريض مضادات الالتهابات التي يجب استخدامها بحذر خصوصاً ان المصابين بالتكلس قد يعانون بشكل عام من ارتفاع الضغط والسكري ما يعرضهم لمشاكل في الكلى.

وختم الدكتور الجميّل حديثه قائلاً:

- بالنسبة لحقن الكورتيزون فلا أحبذها كثيراً ولا نلجأ اليها سوى في حالات ضئيلة، وقد منعت دراسات عدة استخدامها بما انها تؤدي الى تكوّن مادة شبيهة بالملح الخشن في المفصل، كما ان مَن يخضع للكورتيزون بانتظام يزداد لديه خطر الاصابة بتكلس المفصل من الدرجة الرابعة. أما التقنية الأكثر رواجاً فهي الحقن التي تعد الأكثر فعالية وتستعمل في بداية تكون التكلس حتى اذا كان المريض بسن صغيرة اذ تمنع تطور المرض وتجنب المريض تدهور المفصل فتحميه وتحسن نوعية حياته، ويجب التأكد من ان الدواء دخل الى المفصل بشكل جيد وبعدها يجب عدم التحرك كثيراً لنحو 45 دقيقة. اما في الدرجة الرابعة والأخيرة من المرض فنلجأ الى الجراحة المتمثلة بزرع الأعضاء الصناعية، وعلى الرغم من انني جرّاح لكنني أرى انه يجب عدم بلوغ هذه المرحلة الا في الحالات القصوى. وبحسب خبرتي فان 80 بالمئة من مرضاي لم يحتاجوا الى تغيير مفصل منذ 18 عاماً حتى اليوم بفضل الحقن، مع الذكر أنه في الماضي عندما كان يتم اجراء عملية مفصل صناعي لم يكن المفصل يصلح لأكثر من 5 او 7 سنوات، أما في يومنا هذا وبفضل عملية مفصل صناعي يدو المفصل لأكثر من عشرين سنة، وهذا أمر جيد ويساعد الشخص أكثر مما كان الوضع عليه في السنوات الماضية.