تفاصيل الخبر

تـحـت طـائـلــــة الـمـسـؤولـيــــة  

02/04/2015
تـحـت طـائـلــــة الـمـسـؤولـيــــة   

تـحـت طـائـلــــة الـمـسـؤولـيــــة  

بقلم سعيد غريب 

Saad-k

<قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدة شهر على الأقل أو شهرين على الأكثر، يلتئم المجلس بناء على دعوة رئيسه لانتخاب الرئيس الجديد، وإذا لم يُدعَ المجلس لهذا الغرض، فإنه يجتمع حكماً في اليوم العاشر الذي يسبق أجل انتهاء ولاية الرئيس>. المادة 73 من الدستور اللبناني.

المهلة الدستورية مضى عليها عام كامل ولا شيء واضحاً في الأفق حتى الساعة.

الاستحقاق الرئاسي في لبنان لم يعد استحقاقاً بعدما كان حتى العام 1970 ثابتاً، أكيداً، لا مجال حتى بالتفكير في عدم إنجازه.

خمسة وأربعون عاماً والاستحقاق يتأرجح بين الممكن وغير الممكن، بين الـ<إذا> والأكيد. خمسة وأربعون عاماً والسؤال هو هو: هل تجري الانتخابات الرئاسية في موعدها؟

قبل العام 1970 لم يكن السؤال: هل ستجري الانتخابات في موعدها، السؤال كان بديهياً: من هو الرئيس العتيد؟

بعد العام 1970، راح الاستحقاق يتأرجح: ففي العام 1976، جرى تعديل دستوري لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وانتخب الياس سركيس رئيساً قبل ستة أشهر، وبقي الرئيس سليمان فرنجية حتى آخر يوم من ولايته. في العام 1982، شُدّت الأعصاب وبُذل مجهود كبير لتأمين النصاب القانوني وانتخب رئيسان للجمهورية في ثكنة الفياضية. في العام 1988، تعطّلت الانتخابات وكانت بداية تفريغ الرئاسة من مضمونها. في العام 1989، انتُخب الياس الهراوي في ثكنة أبلح. في العام 1995، مدّدت ولاية الياس الهراوي ثلاث سنوات وتكرّرت مع إميل لحود في العام 2004. في العام 2007، تعطلت الانتخابات للمرة الثانية واستحق الاستحقاق في الدوحة في العام 2008. وفي العام 2014، تعطّل الاستحقاق للمرة الثالثة.

من هذه الوقائع نورد الملاحظات الآتية:

الاستحقاق الرئاسي تعرّض لتعديل في التواريخ مرات عدة:

- قبل اتفاق الطائف، كانت المهلة منتظمة ومحددة بين الثالث والعشرين من تموز/ يوليو والثالث والعشرين من أيلول/ سبتمبر.

- لم يعد الاستحقاق منتظماً منذ تعطيل الانتخابات في العام 1988.

- الرئيسان رينيه معوض والياس الهراوي انتُخبا في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر.

مع الرئيس إميل لحود، أصبحت المهلة بين 24 أيلول/ سبتمبر و24 تشرين الثاني/ نوفمبر.

ومع الرئيس ميشال سليمان، أصبحت المهلة بين 25 آذار/ مارس و25 أيار/ مايو.

ولا أحد يدري كيف ومتى ستكون المهلة الجديدة مع الرئيس العتيد؟

في دراسة للدكتور جوي تابت أستاذ القانون الدستوري ان علمي القانون الدستوري والقانون البرلماني قد استقرا على اعتبار ان النائب ملزم دستورياً بحضور جلسات مجلس النواب العامة وجلسات اللجان النيابية التي هو عضو فيها تحت طائلة اعتباره مخلاً بواجباته كنائب وتحت طائلة مجازاته أو معاقبته، ووفقاً لأصول تختلف من دولة الى أخرى وإن تكن متشابهة أحياناً، وهي تتراوح - حسب الدول - من الجزاء المالي الذي يحسم من تعويضاته الى فقدان مركزه كنائب وسقوط نيابته.

ويرى الدكتور تابت ان تضاف الى المادة 27 من الدستور الفقرة الآتية: <لمجلس النواب أن يتهم النائب بالإخلال بواجبات النيابة أو بالخيانة العظمى بغالبية الثلثين من أعضاء المجلس، ويحاكم أمام المجلس الاعلى> (المادة 80 من الدستور)، وان تعدّل المادة 80 بإضافة كلمة النواب لتصبح كما يأتي:

<يتألف المجلس الأعلى ومهمته محاكمة الرؤساء والنواب والوزراء>...

الى ذلك، لا بد من التوقف عند بعض الوقائع والحقائق:

أولاً: ان الاستحقاق الرئاسي في لبنان لم يكن له في وقت سابق ما له هذه المرة من أهمية.

ثانياً: إن اللعب بالاستحقاق خلخل الموقع الأول في الدولة وأفرغه من مضمونه وقوته ووضعه تحت رحمة القرار الدولي والإقليمي المشترك وأصبح الشغور بمنزلة الملء وجوّ الفراغ سيد الموقف.

ثالثاً: يجد اللبنانيون المتابعون ولاسيما منهم السياسيون الكبار أو ما تبقى منهم ان الأخطاء المرافقة للاستحقاق الرئاسي إنما تعالج بأخطاء أوهى وأخطر ليس الآن وقتها، من فكرة المؤتمرات الى فكرة الاستطلاعات إلخ.

رابعاً: إن عجز الموارنة عن تقديم مرشح للرئاسة يضمن وحدة لبنان ألا يعني انهم يتنازلون عملياً عن حقهم في الرئاسة في عقد الشراكة مع الآخرين في هذا الوطن؟

خامساً: في تلك الحال، حال العجز، لماذا التشبث بمارونية الرئيس؟ لماذا لا يكون الرئيس من صفوف المسيحيين الأرثوذكس مثلاً، كألفرد نقاش، أو الكاثوليك أو الإنجيليين أو حتى الكلدان، فأب الدستور ميشال شيحا كان ينتمي الى هذه الطائفة الكريمة؟

نقول هذا كله، ليس لسحب الموقع من الموارنة، بل لتحفيزهم ودفعهم الى ترك خلافاتهم جانباً والشروع بانتخاب رئيس.

نقول هذا كله، وفي ذهننا حشد من الأسماء المطروحة للرئاسة والتي لا نرى في بعضها تعبيراً عن وحدة اللبنانيين، وبالتالي ضماناً لوحدة لبنان، لا بل نرى فيها رأس حربة لمشروع شرذمة شعبه وتفتيت كيانه.

هل نحن اليوم أمام المعركة الاخيرة؟ معركة المصير، مصير الجمهورية ومصير لبنان؟ بمعزل عما سينتج عن معركة اليمن، فإن قصة اللبنانيين مع الاستحقاق الرئاسي أصبحت مع مرور الزمن معضلة دستورية ولغزاً من ألغاز أسرار الدولة.

في أسبوع آلام السيد المسيح والفصح المجيد، ربما تُجترح أعجوبة... فلنصلِ.