بقلم حسين حمية
يمر لبنان بأصعب الظروف نتيجة سياسة التعطيل السائدة من التعطيل الرئاسي وتمادي الفراغ في سدة الرئاسة الأولى منذ أكثر من 440 يوماً، مروراً بالتعطيل المجلسي وتوقف التشريع في مجلس النواب وصولاً الى التعطيل الحكومي وسط الخلاف حول آلية عمل مجلس الوزراء وتهديد رئيس حكومة <المصلحة الوطنية> تمام سلام بالاعتكاف أو الاستقالة، فيما يعاني الوطن جملة مشاكل أمنية واقتصادية واجتماعية وبيئية مع أزمة النفايات التي لم تعرف حلاً جذرياً بعد. فأين تكمن العقدة وهل هي في نصوص اتفاق الطائف، أم في ممارسة أهل الحكم؟!
<الأفكار> التقت الوزير والنائب السابق الدكتور ألبير منصور أحد أقطاب اتفاق الطائف داخل مكتبه في ساقية الجنزير وحاورته في هذا الملف كونه أحد نواب اتفاق الطائف، وصولاً الى الحالة الأمنية السائدة في الجرود الشرقية والشمالية، لاسيما وانه ابن بلدة رأس بعلبك التي تعاني الهواجس الأمنية جراء انتشار الإرهابيين في جرودها وجرود جيرانها في عرسال والقاع والفاكهة.
سألناه بداية:
ــ جرود عرسال ورأس بعلبك والقاع والفاكهة تشهد بين الحين والآخر هزات أمنية ومحاولات خرق من قبل المسلحين المنتشرين هناك يتصدى لها الجيش اللبناني. فكيف تلخص لنا الوضع الأمني العام هناك؟
- كانت لدينا دعوة يوم الأحد الماضي في رأس بعلبك من البلدية للتجمّع والتظاهر والمطالبة باستعادة الأراضي المحتلة من قبل المسلحين في الجرود للخروج من الدوامة التي يعيشها الأهالي هناك، سواء في رأس بعلبك أو عرسال أو القاع أو الفاكهة.
ــ المعركة من الجانب السوري توقفت عند حدود جرود عرسال والجيش من الجهة اللبنانية ومع خطوط وتمترس خلفها وبقي المسلحون في بقعة من الجرود. فهل هناك خط أحمر بعدم استكمال تحرير هذه الجرود المتبقية؟
- لسوء الحظ، هناك سوء تقدير وتواطؤ يحولان دون إمكانية تقدم الجيش ودون تحرير الأراضي اللبنانية وصولاً الى الحدود، لكن لا بد من تحرير بلدة عرسال قبل تحرير جرودها وأيضاً تحرير المخيمات في عرسال حيث جرت منها عملية خطف العسكريين في آب (أغسطس) الماضي، وكذلك تحرير أهالي عرسال ومن ثم يكمل لتحرير الأراضي المحتلة لأن هذا الوضع يمثل احتلالاً من قبل المجموعات الإرهابية لأراضي رأس بعلبك وعرسال والقاع.
ــ من يتحمّل المسؤولية هنا وهل هي القيادة العسكرية أم القيادة السياسية؟
- ليست هناك مسؤولية على القيادة العسكرية بل هناك مسؤولية على القيادة السياسية. فالعسكري مسؤول في الميدان ومن خلال العمليات العسكرية، أما قرار العمليات فهو قرار سياسي لا بد أن تتخذه الحكومة لتحرير عرسال وجرودها لإعادة حقوق اللبنانيين المحتلة هناك.
عرسال والخطر الداهم
ــ سبق لوزير الداخلية نهاد المشنوق ان قال إن عرسال محتلة لكن هناك أصواتاً تقول إن عرسال خط أحمر والبعض اعتبر ان حدودها تصل الى طرابلس وبيروت وصيدا وسعدنايل وغيرها. فكيف البدء باستعادة عرسال في ظل هذا الانقسام؟
- لا أفهم لماذا تكون عرسال خطاً أحمر. فهناك مسلحون يحتلون عرسال والتغاضي عنهم يعني ان هناك تواطئاً معهم، وبالتالي فمن يقول هذا الكلام يجب أن يحاكم لأن كلامه يتضمن خيانة وطنية، حيث لا يجوز للمواقف الطائفية والمذهبية إن كانت كذلك ان تكون على حساب الوطن.
ــ ظهرت دعوات للتنسيق مع الجيش السوري لإعادة الأراضي وتحريرها، فهل هذا وارد في ظل وقوف فريق من اللبنانيين ضد النظام السوري؟
- هناك اتفاقات مع الدولة السورية لا تزال قائمة ولم يعمد أحد الى إلغائها حتى اليوم، وبالتالي لا أرى أي خطأ في الدعوة للتنسيق مع الجيش السوري لتنظيف المنطقة من المسلحين إلا إذا كان الموقف ينطلق من اعتبارات مذهبية وطائفية على حساب المصلحة الوطنية العليا، لا بل أقول إن هذا الموقف هو انخراط في المشروع الصهيوني على مستوى المنطقة من خلال تأجيج الصراع المذهبي بما يضر بالمصلحة الوطنية الى أقصى الحدود.
ــ صدرت دعوات من أبناء المنطقة للتسلح خوفاً من أن يعمد المسلحون الى اختراق الحدود والدخول الى القرى والبلدات هناك. فهل يجوز اللجوء الى الأمن الذاتي مجدداً؟
- هذا التصرف ليس جديداً في المنطقة من جهة، ومن جهة أخرى فأولاد المنطقة كلهم مسلحون مبدئياً وضمرت ظاهرة التسلح بعد اتفاق الطائف، لكنها اليوم عادت للظهور بشكل عادي تخوفاً من لجوء المسلحين الى اختراق الحدود وصولاً الى القرى والبلدات، علماً ان العائلات هي التي تقوم بهذا التدبير والأحزاب هي ضمن الناس والمواطنين وتشكل قلة، لكن الجميع يقف ضد التكفيريين ويريدون حماية أراضيهم واسترجاع المحتل منها، وهناك تفاهم بين أبناء كل القرى على اختلاف الطوائف بالدفاع عن الأرض، وهناك حالة وطنية فعلية في مواجهة التكفيريين بعيداً عن كل وضع طائفي ومذهبي حتى ان أهالي عرسال هم ضمن أبناء المنطقة وضد التكفيريين في غالبيتهم إلا بعض المستفيدين من التهريب وما شابه وهم قلة قليلة.
ــ مرت سنة على عملية خطف العسكريين وهم لا يزالون في الأسر، فكيف السبيل لإعادتهم؟
- لسوء الحظ حصل خطأ جسيم في السماح بخروج المسلحين من عرسال ومعهم العسكريين المخطوفين. واليوم يبدأ تحرير العسكريين من خلال تحرير عرسال أولاً ومن ثم البحث في الأمور الأخرى. فلا يعقل أن تقع الدولة رهينة في أيدي المسلحين لأن هناك مخطوفين من العسكريين. فأصلاً عناصر الجيش وقوى الأمن هم مشاريع شهداء، وبالتالي لا يجوز أن يكونوا سبباً لشل عمل الدولة، وواجباتها القيام باتخاذ القرارات المناسبة. فهناك رعونة في التعامل في هذا الموضوع إضافة الى ان المسلحين يبتزون الدولة اللبنانية، حتى ان الصفقة الأخيرة مع <جبهة النصرة> كانت جاهزة لقاء إطلاق سراح بعض المتطرفين الإسلاميين، لكن المسلحين عادوا وتنكروا لكل الاتفاقات لأنهم يريدون ابتزاز الدولة ويرون أنهم يستطيعون مصادرة قرار الدولة ومنعها من تحرير عرسال وجرودها، إضافة الى جرود القاع ورأس بعلبك والفاكهة، والجيش للأسف وضع في وضعية المتلقي وليس في وضعية المبادر، وهذه أسوأ وضعية يمكن أن يوضع الجيش فيها.
الطائف وآلية عمل الحكومة
ــ نأتي الى أزمة الحكم ونسألك عن آلية العمل الحكومية، فماذا يقول الدستور وأنتم أحد أركان اتفاق الطائف؟
- النصوص الدستورية واضحة ولا إشكالية فيها، فالمادة 62 تقول انه في حال شغور رئاسة الجمهورية تناط صلاحيات رئيس الجمهورية بمجلس الوزراء، وبالتالي لا تتغير آلية عمل مجلس الوزراء كونه حصل على صلاحيات موقتة واستثنائية بسبب الشغور، بل يبقى يعمل وفق الطريقة ذاتها، وبالتالي فهناك تفسير خاطئ لهذه المادة اليوم أو تفسير مغرض. والإشكال الذي حصل هو انه لسوء الحظ عندما تألفت الحكومة جرى تفاهم بين مكوناتها ومن يطالب ببحث آلية العمل، إنما يطالب بالتفاهم الأصلي الذي حصل عند التأليف وهو ان هناك 24 رئيساً للجمهورية وهذه بدعة غريبة عجيبة لا تتلاءم مع اتفاق الطائف الواضح والصريح والذي يقول ان عمل مجلس الوزراء يبقى كما هو. أضف الى ذلك ان هناك شيئاً لا يعمد البعض الى فهمه بسبب الوضع الطائفي والمذهبي المقيت وهو ان وضع جدول الأعمال ليس صلاحية بل مهمة فقط يكلف بها أحد ما، واتفق ان كلف بها رئيس الحكومة كونه يترأس الجلسة إذا لم يحضر رئيس الجمهورية، وبالتالي فرئيس الحكومة لا يخترع جدول أعمال من رأسه وعلى مزاجه، بل ان جدول الأعمال يأتي من حاجات عمل الوزارات التي ترسل الى مجلس الوزراء حاجاتها ويوضع جدول الأعمال، ورئيس الحكومة يرتب الأولويات كمهمة فقط وليس كصلاحية، لكن لسوء الحظ تحولت الى صلاحية من خلال الوضع الطائفي والمذهبي الذي نعيشه ويتم الصراع حولها.
ــ يعني ان لا حق لأحد في أن يقول انه يمثل الرئيس في غيابه وله الحق بالاطلاع على جدول الأعمال؟
- لا أحد يمثل الرئيس في غيابه بل فقط مجلس الوزراء وآلية عمل هذا المجلس لا تتغير ويتخذ مجلس الوزراء قراراته بالأكثرية في بعض الامور وقرارات أخرى بالثلثين ولا يعقد اجتماعه إلا بالثلثين والأمر واضح ولا لبس فيه.
ــ وتوقيع القرارات والمراسيم؟
- لا لزوم للتوقيع من قبل 24 وزيراً لأن قرار مجلس الوزراء يعتبر كأنه التوقيع.
ــ الرئيس سلام في هذه الحالة لا يصادر صلاحيات الرئيس إذاً؟
- الخلاف حول الآلية هو شكلي والخلاف السياسي هو حول التعيينات لاسيما ما يتصل بتعيين قائد الجيش وكل واحد يتذرع بالدستور ويضعه كستارة وهذا لا يجوز. عليهم القول إن هناك خلافاً سياسياً حول التعيينات وإبعاد هذا الخلاف عن الدستور وعدم التذرع به، فكل الأعمال خارج إطار الدستور وتحولت الى فراغ قانوني ودستوري مخيف، فمجلس النواب مدد له مرتين من دون أي مبرر، ورئيس الجمهورية لا ينتخب، والوزارات سائبة.
النصاب لانتخاب الرئيس
ــ والحل؟
- لا بد من اتفاق سياسي بين كل الأطراف وإلا فالبلد يتحلل بشكل مخيف لاسيما وان الطبقة السياسية دون المستوى المطلوب. فهناك خلل أساسي وقع يوم تم التمديد للمجلس النيابي، والخلل الثاني ان مجلس النواب في حال شغور سدة الرئاسة يجب أن يكون في حالة انعقاد دائمة ولا يفعل سوى انتخاب الرئيس.
ــ يعني لا يجوز التشريع في ظل الفراع الرئاسي؟
- حسب النص الدستوي يجب انعقاد المجلس للانتخاب فقط، ولكن حسب الممارسة فكل الأمور أصبحت خارج إطار الدستور.
ــ ألم تحسبوا في اتفاق الطائف ان عدم انتخاب الرئيس من الممكن أن يستمر لأكثر من سنة؟
- هل هناك دستور في العالم حسب هذا الحساب منذ صدرت الدساتير حتى اليوم؟! فالمخرج لهذا الانقسام كان يمكن اعتماده بكل بساطة يوم عقدت الجلسة الأولى لانتخاب الرئيس وكان من المفترض أن تكون بالثلثين، وعندما لم يتأمن النصاب، كان يجب أن يكون النصاب الثاني بالأكثرية العادية، والخطأ الذي حصل هو ان الرئيس نبيه بري رفع الجلسة الأولى واعتبر ان الجلسة الثانية لا بد أن تبدأ بالثلثين بل من الممكن أن يكون الحل بالطريقة الاخرى، وهذا حل.
ــ هل الدستور يقول ذلك أم هذا مجرد حل؟
- الدستور ينص على هذا الأمر، فالجلسة الأولى تتطلب الثلثين وباقي الجلسات بالاكثرية العادية.
ــ النصاب أم الانتخاب؟
- النصاب طبعاً وهذا تفسير.
ــ يقال إن نصاب الثلثين في كل الجلسات وجد لطمأنة كل فريق طائفي بأنه لا يستطيع مع نائب واحد من غير طوائفه أن ينتخب رئيساً. فهل هذا صحيح؟
- قصة الثلثين ضرورية ولا يجوز أن ينتخب الرئيس كيفما كان، لكن لا أحد يتشوقع حصول انقسام سياسي بهذا الشكل ويصل العناد الى حد عدم انتخاب رئيس للجمهورية فهذا لا يجوز.
ــ قال البعض ان الرئاسة مرتبطة بالملف النووي الإيراني، لكن الاتفاق وقع والرئاسة تنتظر، فماذا تقول؟
- معظم اطراف الداخل هم أدوات تنفيذ للخارج، وعندما يتم الاتفاق بين إيران والسعودية برعاية أميركية يأتي القرار ويلتزم به الجميع وينتهي الموضوع، لكن غير ذلك لا أرى أملاً في انتخاب الرئيس.
ــ وهل هناك توجه نحو حصول اتفاق إقليمي؟
- حتى الآن لا... فهناك تصعيد سعودي في المنطقة وبالتالي لا نعرف أين ستصل الأمور ولا أرى تسوية في الوقت الحاضر.
ــ والخروج من أزمة التعيينات كيف؟
- هناك عهر سياسي يمارس بالنسبة للتعيينات الأمنية، فلا يوجد مبرر للتمديد للقادة، بل يعين أي شخص خاصة وان هناك مجموعة ضباط موارنة يستحقون هذا المنصب ويتم اختيار أحدهم ويعيّن، وكذلك في قوى الأمن. فهذا عمل تدميري للمؤسسات، وحرام ان يحصل ذلك سواء في الجيش أو في قوى الأمن، بل الواجب أن يعيّن القادة ولا يوجد مبرر لأن تعاقب هذه المؤسسات بهذا الشكل وتدمر بهذا الشكل.
ــ لو طبّق اتفاق الطائف لما كنا في أزمة؟
- أبداً، بل كان يجب أن نكون اليوم قد انتخبنا مجلساً وطنياً خارج القيد الطائفي بعد استحداث مجلس الشيوخ واعتمدنا اللامركزية الإدارية وقانون إعلام من غير توزيع على الطوائف.
ــ البعض طرح الفيدرالية كحل اليوم. فما ردك هنا؟
- لسوء الحظ، عندما تفلت الأمور يطرح كل فريق ما يشاء، لا بل أرى أن هناك طرحاً أسوأ من الفيدرالية وهو المشروع الأرثوذكسي الذي أعتبره مشروعاً صهيونياً بشكل كامل لأنه يذكي الصراع بين الطوائف والصراع بين كل طائفة، وهذا تدمير كامل للبلد. وسبق للصهاينة أن طرحوا كل هذه المشاريع في الخمسينات بعد ان عجزوا عن تقسيم لبنان جغرافياً، وإعادة طرحه تدمير كامل للبلد ولفكرة المواطنة، حتى ان ابن رأس بعلبك الماروني لا يمكن ان ينتخب المرشح الكاثوليكي من البلدة ذاتها، وهذا تقسيم مخيف للطوائف وصراع داخل كل طائفة، وهذا ما يريح إسرائيل.
ــ والحل في قانون الانتخاب؟
- كما قال اتفاق الطائف الحل في الدوائر الوسطى من خلال 10 أو 12 محافظة واعتماد النسبية مع التفضيل كي لا يختار أرباب الطوائف المرشحين بل يختارهم المواطنون.