تفاصيل الخبر

"ثورة" لم يبق منها إلا "القبضة"!

28/10/2020
"ثورة" لم يبق منها إلا "القبضة"!

"ثورة" لم يبق منها إلا "القبضة"!

[caption id="attachment_82333" align="alignleft" width="444"] قبضة الثورة هي كل ما بقي بعدما احرق الشعار في الاسبوع الماضي.[/caption]

من حـــق اللبنانيين والـــعرب والاجــانب أن يسألوا: أين أصبحت "ثــــورة 17 تشريـــن" الاول (اكتوبر) التي ضجت بها الساحات قبل عام من الآن. والسؤال المشروع لا يطرح فقط لأن الذكرى السنوية الاولى لــ "الثورة" مرت بخفر ولم تجمع سوى اقل من الف شخص لاحيائها قبالة مرفأ بيروت المنكوب حيث اشعل "المستذكرون" شعار الثورة على انغام كئيبة واصوات متلعثمة وعبارات باتت تقليدية ومكررة.... السؤال يطرح بقوة لأنه في مثل هذه الايام، قدم الرئيس سعد الحريري استقالة حكومته الثانية في عهد الرئيس ميشال عون بعد 12 يوماً على اندلاع "الثورة" وقلب الطاولة السياسية رأس على عقب ضارباً تسوية العام 2016 التي انجزها مع الرئيس عون وحملت "الجنرال" الى قصر بعبدا، وكذلك انهت "شهر العسل" الذي كان قائماً بين الحريري ورئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل بعد ثلاثة أعوام من التعاون اللصيق الى حد كان يصعب الفصل بين الرجلين في التطلعات والاهداف ما أحدث "غيرة " حلفاء الحريري وخصوصاً "القوات اللبنانية" والحزب التقدمي الاشتراكي...

 استقال الحريري بعدما قدم ورقة اصلاحية رفضها "الثوار" ونادوا برحيله واكملت " الثورة " مشوارها سعيدة بتحقيق اول انجاز سياسي لها وهو سقوط الحكومة التي كانت تنوي فرض 6 دولارات على اتصالات "الواتساب" التي تجرى مجاناً.... لقد اعتقد " الثوار" ان هذا الانجاز لن يبقى يتيماً لكن الواقع ان الساحة اللبنانية شهدت منذ ذلك الوقت سباقاً بين " الثورة " التي اخترقتها الاحزاب والتيارات السياسية فتراجع بريقها ولم يتوهج من جديد رغم تشكيل حكومة الرئيس حسان دياب التي قيل عنها انها حكومة اختصاصيين مستقلين عن الاحزاب السياسية، فيما الواقع ان الاحزاب التي سمت الوزراء الذين نفذوا تعليمات السياسيين الذين عينوهم وزراء ولم يحيدوا عن درب السياسة قيد انملة.... والواقع ان حكومة دياب لم تحرك " الثورة " التي انطلقت في 27 تشرين الاول ( اكتوبر) لأن التيارات السياسية نجحت في تقويضها وفرقتها الى مجموعات واصابت بنيتها التي لم تكن في الاساس بنية صلبة خصوصاً بعدما تعذر على " الثوار" فرز هيئة قيادية تتحدث باسمهم وتقدم مطالب وتلاحقها ويكون لها الحضور المميز في التركيبة السياسية اللبنانية، فتبقي المشروع التغييري يتيماً بلا أم وأب وصارت مجموعة من " الثوار" تتسلل من حين الى آخر الى الشارع في تظاهرات غابت عنها "الحشود الشعبية" و"الشعارات المغرية" والمواقف الحساسة. كل ذلك كان يجري وسط مواجهات مع القوى الامنية والعسكرية بعدما اندس في صفوف المتظاهرين من تخصص في مهاجمة القوى الامنية ورشقها بالحجارة والاعتداء على افرادها، فأتت الرود على هذه الاعتداءات قاسية حيناً وموجعة احياناً....

 ولا بد من الاشارة الى عاملين اثنين ساهما ايضاً في تراجع " الثورة "، الاول بروز جانحة "الكورونا" وفرض اجراءات التباعد الاجتماعي واعلان حالة التعبئة العامة ومنع التجول في اوقات محددة، والثاني ارتفاع سعر الدولار وتراجع الليرة اللبنانية واقفال مؤسسات اقتصادية وتجارية ابوابها وتفشي البطالة

[caption id="attachment_82332" align="alignleft" width="368"] الرئيس سعد الحريري يعود الى السراي بالتزامن مع الذكرى الاولى للثورة.[/caption]

بالتوازي مع تفشي "الكورونا" وفتكه بارواح اللبنانيين وسط عجز صحي عن المعالجة والمواجهة، الا ان كل هذه العوامل لم تعد " الثورة " الى الشارع، بل اصبح الشارع تحت رحمة مجموعات من مفتعلي اعمال الشغب الذين حطموا المتاجر والاماكن العامة وزرعوا الفوضى كل ليلة وارهقوا القوى الامنية في مطاردتهم والتصدي لهم، فانكفأ " الثوار" الحقيقيون وحل مكانهم بعض "الموتورين" الذين حاولوا الركوب على ظهر "الثورة " الا انهم اخفقوا في ذلك ولم يحققوا ما كانوا يتمنونه وباتت تحركاتهم "فولكلورية" في نهاية كل اسبوع للقول إن " الثوار" ما زالوا متأهبين يحمون " ثورتهم " وشعاراتهم... لكنهم في الواقع لم يكونوا كذلك!

 ومع غياب " الثورة " صار الدولار يرتفع ووصل الى عتبة العشرة الاف ليرة لبنانية ورافق ذلك ارتفاع نسبة الغلاء والبطالة وفقدان الادوية وغياب المستلزمات الطبية الى ان وقع انفجار 4 آب (اغسطس) الماضي في مرفأ بيروت ولم يسجل رغم المأساة الكبرى التي حلت بالعاصمة، خروج تظاهرة حاشدة واحدة بل استمرت مجموعات في التحرك واستعاض "الثوار" عن الشارع باطلالات تلفزيونية حتى غدا بعضهم من نجوم الشاشات الصغيرة يتنقلون من محطة الى محطة "ينظرون" على الناس بكلام غير قابل للفهم حيناً والهضم احياناً... واتت استقالة حكومة حسان دياب ليس تعاطفاً مع "الثورة" كما كان حيال حكومة الحريري، بل استياء من ردود الفعل على انفجار المرفأ، ومع ذلك لم يتحرك "الثوار" سوى في مجموعات ضئيلة لم يكن لتحركها اي صدى...

 وسط هذه الاجواء اتى ترشيح السفير مصطفى اديب لرئاسة الحكومة وبادر بعد ساعة من تكليفه الى تفقد الاضرار في المساكن والممتلكات في الاحياء المنكوبة من بيروت فلم يلق ترحيباً من المواطنين المنكوبين، لكنه واصل سعيه لتشكيل الحكومة من دون ان تدعمه "الثورة" على رغم انه اتى من خارج النادي السياسي "المغضوب" على اعضائه... لكن السفير المهذب واللائق وضعت في طريقه العصي والدواليب والعوائق من غير "الثورة " وروادها، فانتهى به الحال ان اعتذر عن عدم التشكيل وغادر لبنان عائداً الى برلين مركز عمله الديبلوماسي. لكن كل هذه التطورات لم تحرك "الثوار" من جديد، واشتاقت الشوارع الى الحشود الشعبية الكبيرة لأن المجموعات الصغيرة التي كانت تتفقد هذه الشوارع، لم تكن "على مستوى" الحدث، في حين استمر تظاهر "قادة الثوار" في شاشات التلفزيون من دون ان يشعر اللبنانيون ان "الثورة" التي صفقوا لها في 17 تشرين الأول (اكتوبر) الماضي عائدة بزخم لتروي ظمأهم الى الحرية والسيادة والاستقلال والكرامة والى اسقاط "كلن يعني كلن" وحلول قيادة جديدة في البلاد....

 ومع تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة العتيدة، بعد عام بالتمام والكمال على استقالته تحت وطأة هتاف " الثوار " وشعاراتهم، لم يتحرك احد من " الثوار " او رموز " الثورة " الذين كانوا اسقطوا حكومة الحريري قبل سنة وان كان سجل اعادة "قبضة" الثورة الى ساحة الشهداء بعدما كان احرقها مناصرون لــ "تيار المستقبل"، لكن في هذه الساحة لم تعد هناك الا "القبضة" تروي حكايات " ثوار" رفعوا ذات يوم شعارات ونادوا بافكار ومبادىء رأوا انها تتهاوى بأم عيونهم من دون ان يفعلوا شيئاً، وبدلاً من أن تعود الشوارع مليئة بالمنتفضين اشتعلت مدن وقرى بالرصاص ابتهاجاً بتكليف الرئيس الحريري، فيما غابت " الثورة " عن السمع، واستمرت كذلك رغم الحديث عن ان حكومة الحريري الثالثة في عهد الرئيس عون ستكون حكومة اختصاصيين يختارهم اهل السياسة ورؤساء الاحزاب ولـــن يكونوا حياديين كما طالب "الثوار" ذات يوم ! صحيح ان مهمة الحكومة العتيدة - كما يقول رئيسها - الانقاذ وتنفيذ الاصلاحات وضبط سعر الدولار والتفاوض مع صندوق النقد الدولي واعادة اعمار بيروت، لكن الصحيح أيضاً ان كل ذلك سيتم - اذا تم - تحت اعين الاحزاب السياسية والتيارات التي " ثار" اللبنانيون في 17 تشرين ضدها، وباتت هي من جديد تتصدر المشهد السياسي اللبناني. في حين تواصل "الثورة" مسيرتها التراجعية حتى تكاد  تذوب ولن يبقى منها الا ..."القبضة "!.