تفاصيل الخبر

ثمن تحرير الدفعة الأولى من العسكريين... لم يكن قليلاً

11/12/2015
ثمن تحرير الدفعة الأولى من العسكريين... لم يكن قليلاً

ثمن تحرير الدفعة الأولى من العسكريين... لم يكن قليلاً

  العسكريون-المحررون الفرحة الكبرى التي عاشها اللبنانيون الأسبوع الماضي مع عودة 16 عسكرياً من قوى الأمن الداخلي والجيش من الاحتجاز لدى <جبهة النصرة> في جرود عرسال منذ 2 آب (أغسطس) 2014 والتي لن تكتمل إلا بعودة العسكريين التسعة المحتجزين لدى تنظيم <داعش>، لم تحجب سلسلة تساؤلات شغلت الأوساط السياسية والديبلوماسية في لبنان وتناولت خصوصاً محورين: الأول الظروف التي أدت الى قبول <جبهة النصرة> بالإفراج عن العسكريين بعد أشهر من المفاوضات المباشرة وغير المباشرة، والثاني <الثمن> الذي يمكن أن يكون لبنان قد دفعه لاستعادة عدد من عسكرييه المخطوفين لاسيما بعدما أوردت <جبهة النصرة> ما وصفته ببنود الاتفاق على المبادلة وما رافق عملية التسليم والتسلم من مظاهر مسلحة كان أبرز منتقديها الرئيس نبيه بري.

   بالنسبة الى المحور الأول، وبعيداً عن التفاصيل المتعلقة بعملية التبادل والمفاوضات التي سبقها والتي أظهر فيها الجانب اللبناني برئاسة المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم حضوراً متميزاً وحنكة ودراية واسعتين، فإن اللافت ان جهود اتمام صفقة مبادلة العسكريين المخطوفين بمطالب <جبهة النصرة> وشروطها نجحت هذه المرة في الوقت الذي كانت فشلت خلال الأشهر الماضية، ما يعني ان ثمة من يدلّ الى ملامح صفقة سياسية لا يمكن فصلها عن معاودة تحريك ملف رئاسة الجمهورية من خلال تبادل المطالب وضمان التجاوب معها، وهي مسألة تتطلب توافقاً يتجاوز الحدود اللبنانية والسورية ليصل الى طهران ومنها الى دول أخرى. ولعل أبلغ دليل على البعد الاقليمي لعملية التبادل هو الدور الذي لعبه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني والذي أدى الى تذليل الكثير من العقبات لاسيما في ما يتعلق بالسجناء والسجينات في سوريا التي طالبت <جبهة النصرة> الافراج عنهم... وهكذا كان. إضافة الى ان دمشق وطهران ساهمتا، كل من موقعها، بتوفير أسباب نجاح  الصفقة مادياً ومعنوياً والدور الأساسي في هذا السياق لعبته دمشق التي تجاوبت مع طلب الافراج عن موقوفين وموقوفات لديها، في وقت كانت قطر تؤمن كل المال اللازم لإنجاح صفقة التبادل. صحيح ان الدوحة لا يمكن أن تؤكد صحة المعلومات التي تحدثت عن دفع الدوحة مبلغ 25 مليون دولار (وربما أكثر) للخاطفين للإفراج عن العسكريين، إلا ان الواضح من خلال إفادات العائدين من الاحتجاز بأنهم سمعوا مسؤولين في الجبهة يقولون إن العسكريين المحتجزين هم بالنسبة إليهم <الدجاجة التي تبيض ذهباً>، وبالتالي يمكن مقايضتهم بالمال والترهيب والترغيب!

قطر... والممر الآمن!

   أما دولة قطر التي لعبت دور الوسيط مع <جبهة النصرة>، فقد بدت في مقام الفاعل الأكثر تأثيراً على هذه <الجبهة> المنتشرة في سوريا والعراق... ولبنان، بدليل انه كلما كانت <تتأزم> المفاوضات تسارع الدوحة للتدخل لتذليل كل العقبات من أين أتت وذلك لحسابات اقليمية و<أخوية> ترغب قطر بتصفيتها راهناً قبل الولوج الى المرحلة المقبلة. ولأن الشيء بالشيء يذكر فإن <جبهة النصرة> كسبت كثيراً من المفاوضات لاسيما وانها أي المفاوضات تمت تقريباً بالشروط السابقة واللاحقة التي كانت تضعها إضافة الى إنهاء مفاعيل حصار عسكري مكلف لجرود عرسال بحيث بات في مقدور من هم في الجرود الانتقال في اتجاه عرسال ساعة يشاؤون من خلال ما اصطلح على تسميته <الممر الآمن> الذي كان شرطاً أساسياً في مرحلة التفاوض. وهذا الواقع يقود الى المحور الثاني أي جملة ردود فعل سلبية حول <ثمن> اطلاق العسكريين الستة عشر بحيث بات يخشى أن تتحول بلدة عرسال الى <نصرة لاند> على غرار ما حصل مع حركة <فتح> التي حوّلت أرض العرقوب الى <فتح لاند> في السبعينات الماضية. كذلك أتى الاتفاق الى ذكر ضرورة تأمين الإغاثة بشكل شهري للاجئين في عرسال والجرود ما يعني ان <تغذية> مسلحي <النصرة> ستصبح مؤمنة على مدار الساعة، لأنه لا يمكن الفصل بين المسلحين المنضوين تحت لواء التنظيمات الارهابية ولاسيما <النصرة> والنازحين المدنيين ما يؤدي عملياً الى <تسرب> اعداد من أفراد التنظيمات الارهابية تحت مظلة الأمن اللبناني والمراقبة الدولية! أما في ما خص بند تأمين الجرحى ونقلهم الى تركيا فإن الأوساط المتابعة رأت في هذا البند تجاوزاً للكثير من الأصول والقوانين والقواعد، وذلك لأن لبنان مضطر للعناية بالنازحين الى أرضه، من دون أن يشكل ذلك واجباً يقضي بتأمينهم الى تركيا. اما لجهة الاشارة الى المواد الطبية وجعل منطقة وادي حميد آمنة للمدنيين، فقد اتضح ان الرعاية الطبية مؤمنة في عرسال وصولاً الى جرودها (لغير المسلحين) في حين ان الهدف الأول للاعتراض هو شمول المسلحين للتقديمات وهو ما ترفضه قيادة الجيش جملة وتفصيلا...

قهوجي: لن نساوم مع المسلحين

   وإذا كانت المصادر الأمنية اللبنانية سارعت الى نفي إعطاء المسلحين أي تنازلات مادية ومعنوية، فإن الثابت هو ان بنود المبادلة بين لبنان و<النصرة> ستخضع في الآتي من الأيام للمتابعة والتدقيق لأن في النصوص الكثير من العموميات، في حين انه في التطبيق يفترض أن يظهر الخيط الأبيض من الخيط الأسود. والواقع في هذا المجال ان قيادة الجيش التي دكت مواقع المسلحين في جرود عرسال بعد أقل من ثماني ساعات على عملية التبادل، كانت واضحة من خلال قائدها العماد جان قهوجي بأنها ماضية في الاجراءات والتدابير التي تتخذها <ولا مساومة على الكرامة والسيادة>. إلا ان ثمة من يعتبر ان في الاتفاق ــ المعلن على الأقل ــ الكثير من النقاط التي يمكن لـ<النصرة> ان تستغلها كي <تشرعن> تمدد عناصرها داخل الأراضي اللبنانية من دون أن تكون للأجهزة الأمنية القدرة على ردعهم خصوصاً إذا ما أتوا باللباس المدني ولم يحملوا سلاحاً. وحيال هذا الواقع الذي أقلق اللبنانيين، انطلقت سلسلة أصوات يعتبر بعضها ان لا حاجة للقلق لأن أي شخص يريد دخول عرسال ستكون محطته الأولى حاجز الجيش سواء كان سورياً أو عراقياً، وستتشدد القوى العسكرية اللبنانية في تطبيق الاجراءات المتخذة لمنع تسلل أي شخص من الجرود الى عرسال نفسها.

   وفي وقت نفى فيه المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم إعطاء أي هامش للتحرك لـ<النصرة> في عرسال، توافرت معلومات لـ<الأفكار> خلاصتها ان المسلحين يعتزمون التمدد من جديد في اتجاه مخيمات النازحين السوريين والتغلغل بينهم توطئة لتنفيذ تعليمات بافتعال حوادث تستهدف الأمن والاستقرار على الساحة اللبنانية. في المقابل فإن ثمة من يعتقد بأن الجهة (أو الجهات) التي سهلت إتمام الصفقة قادرة على <تأمين> ما بعدها من مطالب ومكاسب وحضور من دون أن يؤثر ذلك على الاجراءات الأمنية المتخذة للمحافظة على الأمان والاستقرار في الجبهة البقاعية لاسيما عبر جرود عرسال وامتداداتها.

عباس-ابراهيم-نهاد-المشنوق 

المشنوق: منطقة عرسال محتلة

   وفيما تعتبر أوساط متابعة ان التنسيق الذي قام بين اللواء ابراهيم والسيد نصر الله والرئيس السوري بشار الأسد وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني والرئيس سعد الحريري، يحمّل أركان هذه القيادات، مجتمعين ومنفردين، مسؤولية استكمال الجهود والتضحيات لاطلاق العسكريين المحتجزين لدى <داعش> خصوصاً بعدما أثبت كل من هذه القيادات <قدرة> على التأثير ايجاباً في مسار العسكريين المخطوفين، لاسيما أمير قطر الذي كانت الاتصالات بينه وبين السيد نصر الله، فرصة لتوثيق الصلة المفتوحة منذ مدة بين الطرفين. أما الدولة السورية فقد قدمت مساعدة مجانية للبنان على رغم ان لا تواصل من قبل الدولة اللبنانية بالدولة السورية تحت ذرائع مختلفة. أما اللواء ابراهيم الذي غدا رمزاً من رموز التفاوض مع المسلحين، فقد تمكن من ادارة ملف شائك بنجاح استحق عليه تهاني الكثيرين. في المقابل تمكنت <النصرة> من اطلاق 29 شخصاً (13 موقوفاً و4 أطفال من لبنان، و12 شخصاً بينهم أطفال من سوريا)، وهي تتطلع الى تحقيق المزيد من المكاسب الميدانية والاجتماعية والانسانية!

   أما المتشائمون الذين يتخوفون من استغلال عناصر <جبهة النصرة> الاتفاق الذي يتضمن نصوصاً <مطاطة> فيتحدثون بكثير من الحذر عما سيحل ببلدة عرسال إذا ما صار تنقل المسلحين ــ ولو بلباس مدني ــ أسهل من السابق بين الجرود والمخيمات من جهة، والبلدة من جهة أخرى، خصوصاً ان وزير الداخلية نهاد المشنوق قال خلال زيارته الأمن العام لشكر اللواء ابراهيم ومعاونيه على الانجاز الذي تحقق بعودة العسكريين المحتجزين، ان منطقة عرسال، وليس بلدة عرسال، هي منطقة محتلة وفيها 120 ألف لاجئ سوري وهناك منطقة جرد فيها الآلاف من المسلحين داخل القرية وخارجها، وخيارنا الدائم هو عدم الدخول في أتون الحرب السورية>.